الخليج الجديد :
تم الاحتفاء بالإعلان عن أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ستساعدان أستراليا في بناء غواصات نووية، وتعزيز وجود القوات الأمريكية هناك، والتعاون المشترك في مجال الفضاء الإلكتروني والذكاء الاصطناعي والتقنيات الحكومية.
ومع ذلك، فإن التحالف الجديد، الذي أطلقت عليه الدول اسم AUKUS “أوكوس”، سيضيف فقط إلى الغيوم المظلمة التي تحوم فوق آسيا. ويضع ذلك أستراليا في صفوف “دول المواجهة” في استراتيجية تقودها الولايات المتحدة تجاه الصين، والتي تبتعد أكثر عن الموازنة وتقترب أكثر إلى الاحتواء مع مرور كل عام، مع سباقات تسلح مصاحبة واحتمال نشوب أزمات عسكرية.
ويعد “أوكوس” الأحدث في شبكة كثيفة من العلاقات العسكرية التي تساعد واشنطن في نسجها حول الصين. واستكملت اللقاءات الأربعة بين الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، والهند وفرنسا وأستراليا، والولايات المتحدة واليابان والهند، والهند واليابان وأستراليا، الحوار الاستراتيجي الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا الذي افتتح في عام 2001. ومع ذلك، فإن دخول المملكة المتحدة لهذا التحالف المتمركز حول الصين جاء بميزة قوية بشكل خاص، ألا وهو البعد النووي.
وقد يكون هذا بسبب إدراك القوى الغربية الـ3 للعلاقة الحضارية الخاصة مع بعضها البعض، مصحوبة بالمخاوف المشتركة بشأن صعود نظير آسيوي.
وباستثناء الهند، فإن جميع المشاركين في التحالفات الصغيرة التي تقودها واشنطن هم حلفاء رئيسيون للولايات المتحدة. ويتشكل الوضع الشاذ لنيودلهي من خلال التنشئة الاجتماعية المختلفة وشكل صنع الرأي بين النخب، إلى جانب مبيعات الأسلحة واتفاقيات الدفاع “التأسيسية”.
وتعد قابلية التشغيل البيني العسكري والتدريبات القتالية المشتركة في صميم معظم هذه التجمعات. وفي الواقع، فإن أفضل هندسة لوصف هذه الأشكال الثلاثية والرباعية من التجمعات هي سهم حاد، مع توجيه رأسه مباشرة إلى بكين.
ورافق هذه المبادرات تيار متكرر من الخطابات. ويُقال باستمرار إنهم يؤيدون “سيادة القانون” و”حرية الملاحة” و”الشمولية” وما إلى ذلك. لكن سخرية الـ20 عاما الماضية من “الحرب التوسعية على الإرهاب” بقيادة الولايات المتحدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مع مقتل 900 ألف شخص، وإهدار 8 تريليونات دولار، والعديد من الانتهاكات للقانون الدولي، والتآكل الشديد لقيم الحرية العزيزة في أمريكا، والحكومة المحدودة، بالتأكيد لا يمكن أن تخفى عن أي مراقب موضوعي.
والحقيقة هي أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ليستا في وضع يسمح لهما بإلقاء المحاضرات على الصين أو أي شخص آخر حول مسألة المعايير والقيم ما لم يبدآ مساءلة جادة مع دفع تعويضات عن أفعالهما المدمرة منذ 11 سبتمبر/أيلول.
وفي تصريحاتهما المشتركة، سعى الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ورئيس الوزراء الأسترالي “سكوت موريسون” إلى تبديد أي انطباع بأن مشروع الغواصات يتضمن أسلحة نووية. لكن “أوكوس” كان له ما يبرره من حيث “التهديدات سريعة التطور”.
لكن ألا يمكن لهذا “التطور” المتصور أن يفتح مزيدا من الأبواب أمام رادع نووي أسترالي؟ حسنًا، يمكن لتصاميم الغواصات المعنية أن تستوعب بسهولة مثل هذا التحول. ويجب على أي منافس أمني أن يأخذ هذا الاحتمال في الاعتبار. ومن المنطقي أن نتوقع من الصين اتخاذ إجراءات مضادة.
لكن ليست الصين وحدها هي التي ستدرك هذا التهديد من “أوكوس”. وسوف يثير تأكيد وزير الدفاع الأسترالي على السعي وراء “التفوق الإقليمي” قلق جيران أستراليا في جنوب شرق آسيا، وخاصة إندونيسيا. وبالرغم من أن علاقات جاكرتا مع كانبيرا قد تحسنت بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة، إلا أنهما يشتركان في ماض مثير للجدل يمكن أن يعود للحياة مرة أخرى إذا تسارعت الحرب الباردة الجديدة في آسيا. وربما تكون كانبيرا قد “قضمت أكثر مما تستطيع مضغه”، وذلك إذا أصبحت تهديدا خطيرا من وجهة نظر بكين.
وتعد أستراليا دولة غير نووية ذات موقف متشدد تاريخيا تجاه عدم الانتشار. ولكن كما أشار الخبراء النوويون، فإن الغواصات النووية من النوع الذي ستبنيه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لأستراليا تستخدم اليورانيوم عالي التخصيب كوقود. والمفاعلات البحرية مستبعدة في الغالب من الضمانات النووية الدولية. لكن لا ينبغي أن نتفاجأ من أن مخاوف الانتشار قد تراجعت أمام الرغبة في احتواء الصين.
وفي ثمانينيات القرن الماضي، تم تجاهل الطموحات النووية لـ”دولة أخرى على خط المواجهة”، ألا وهي باكستان، وذلك عن عمد حيث تبنت واشنطن استراتيجية خطيرة لتسليح وتدريب المقاتلين السلفيين في أفغانستان كجزء من استراتيجية احتواء الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي.
ومثل هذا الخيار غير الحكومي لا يُنظر إليه على أنه قابل للتطبيق لمواجهة الصين، ما يزيد من تركيز واشنطن على بناء تحالف على غرار الحرب الباردة. لكن الصين ليست الاتحاد السوفيتي. وتتشابه الدولتان من حيث ولعهما بالقمع الداخلي. لكن موسكو دفعت بمشروع ثوري لإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي وتنصيب أنظمة ذات توجه “ماركسي لينيني” في جميع أنحاء العالم.
ومن الواضح أن تحركات الصين البحرية المفرطة وإجراءاتها الحازمة في حديقتها الخلفية تثير القلق. لكن هذه الإجراءات لا تهدد البر الرئيسي للولايات المتحدة، حيث يعيش معظم الأمريكيين.
كذلك، فإن مطالبات بكين الإقليمية لا تنبع كثيرا من الحزب الشيوعي الصيني بقدر ما تنبع من الدولة القومية الصينية نفسها، التي كان من المفارقات أن يحكمها في ذلك الوقت “الكومينتانج” (الحزب القومي الصيني)، الذي أسس فيما بعد الدولة التايوانية. وهو ما يفسر سبب وجود مزاعم مماثلة لدى تايوان وإبقاء جزرها العسكرية في بحر الصين الجنوبي. ولا يوجد أيضا دليل على أن الصين تمثل تهديدا خطيرا لحرية التجارة والسفر في جوارها البحري، ما يجعل نية التحرك الأمريكي تجاه آسيا موضع شك في أحسن الأحوال، واستفزازي في أسوأ الأحوال.
وتشكل الصين بالفعل تهديدا وجوديا لتايوان والمناطق الحدودية للهند. لكن القوى الإقليمية الأخرى لديها تصورات متباينة بشأن بكين، مع وجهة نظر لدى جنوب شرق آسيا أكثر اعتدالا. ومن الصعب القول إن بكين تضع في اعتبارها غزو دول أخرى، ولا سيما الولايات المتحدة. ولا يمكن مواجهة التحدي الاقتصادي الذي تمثله الصين بالتحالفات العسكرية.
وما يثير مخاوف واشنطن هو صعود الصين نفسها. وتخشى الولايات المتحدة أنها ستضطر في النهاية إلى التخلي عن هيمنتها المسلحة العالمية وتقاسم السلطة في النظام الدولي مع جهة فاعلة غير غربية، يبلغ رأس مالها البشري 4 أضعاف سكانها. لكن هذا القلق ليس سببا لإشراك العالم في ثنائية قطبية خطيرة أخرى، وذلك أيضا من خلال المساعدة في بناء ما يشبه كتلة عالمية لاحتواء الصين. فبالكاد نجونا من آخر مرة حدث فيها ذلك.
ومن المفارقات أيضا أن زعيما معاديا للعمل المناخي، وهو “سكوت موريسون”، يتم منحه هدايا ذات قدرة نووية، عندما يكون تغير المناخ، وفقا لتوصيف “بايدن”، “تهديدا وجوديا” يواجهه العالم، في حين لا يمكن وصف الصين بمثل هذا الوصف. فإذا كان هذا صحيحا، ألا ينبغي على الولايات المتحدة صياغة نهج مختلف جوهريا تجاه الصين؟
وتخيل معي لو، بدلا من الخطوة التصعيدية لتحالف “أوكوس” ذي الرؤى النووية، أعلن “بايدن” عن خطوة محددة لبناء الثقة الأمنية في المنطقة، على سبيل المثال، الإعلان عن تعليق محدد زمنيا لإجراءاتها البحرية الموجهة ضد الصين. وأكثر من ذلك، تخيل ما إذا كانت واشنطن قد اقترحت تحالفا، ليس بالأسلوب المبتذل لتحالفات الاحتواء من القرن الـ20، ولكن يشمل بكين والقوى الإقليمية غير المنحازة في جنوب شرق آسيا لمواجهة التهديدات المناخية للدول والمجتمعات الهشة في آسيا؟ حسنا كان من الممكن أن تكون هذه قيادة حقيقية تستحق عندها الولايات المتحدة أن نصفها بأنها قوة عظمى.