القاهرة ـ «القدس العربي»:
تصاعد ظاهرة الانتحار في مصر… والأزهر يطلق حملة «لا تيأس»
ثلاث وقائع انتحار شهدتها مصر خلال الأيام الماضية، فتحت الباب للحديث عن تصاعد الظاهرة في البلاد خلال الشهور الأخيرة، فقد رمت فتاة بنفسها من أحد طوابق أشهر أحد مولات العاصمة المصرية القاهرة، وفيما ألقى مسن بنفسه أسفل عجلات قطار الأنفاق، وتم إنقاذ شاب ترك رسالة يعلن فيها نيته الانتحار ويطالب بعدم تسليم جثمانه لأسرته.
خلافات عائلية
وكانت البداية يوم الخميس الماضي، عندما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مقطعا مصورا لطبيبة أسنان حديثة التخرج أقدمت على الانتحار في أحد أشهر مولات القاهرة، وكشفت التحقيقات أن الفتاة تعاني من خلافات مع عائلاتها. وحذرت النيابة العامة المصرية، من نشر وتداول فيديو انتحار الفتاة، مؤكدة أن من يفعل ذلك «سيقع تحت طائلة القانون». ولم تمر ساعات على الواقعة الأولى، حتى تداول رواد مواقع التواصل، رسالة نشرها شاب يدعى إسلام عبد الرحمن، يعلن فيها الانتحار من أعلى كوبري طلخا في محافظة الدقهلية في دلتا مصر بسبب مشكلات مع أسرته، وما وصفه بضغوط نفسية، وتوجه عدد كبير من أصدقائه إلى المكان الذي قرر الانتحار منه، وتمكنوا من إنقاذه. وخرج الشاب في بث مباشر على صفحته على «فيسبوك» قال فيه: «أنا في طريقي للانتحار من فوق كوبري طلخا، أعرف أني سأموت لكن لا أستطيع تحمل الضغوط النفسية».
والسبت، ألقى رجل يبلغ من العمر 60 عاما بنفسه أسفل عجلات مترو الأنفاق في محطة المعادي جنوبي القاهرة.
التهديد أو محاولة الانتحار، كان وسيلة للتعبير أيضا عن الظلم الذي يتعرض له المصريون سواء في السجون أو خارجها. فالأسبوع الماضي، كشف الناشط المصري علاء عبد الفتاح، خلال جلسة تجديد حبسه، عن نيته الانتحار بسبب الظروف السيئة التي يلاقيها في السجن، قائلا: «أنا وضعي سيء ولن أستطيع أن أكمل هكذا، مشوني من هذا السجن، وإلا سأنتحر وبلغوا والدتي ليلى سويف تأخذ عزائي». وسبقت تهديدات علاء محاولة انتحار المدون محمد أكسجين، بسبب ظروف سجنه.
وقبلها أيام من إعلان علاء نيته الانتحار، أعلن الطبيب المصري محمود سامي قنيبر، الذي فقد بصره أثناء عمله في علاج مصابي فيروس كورونا في مستشفى العزل الصحي في مدينة بلطيم في كفر الشيخ، في منشور على صفحته على «فيسبوك» عن تفكيره في الانتحار قبل أن يحذفه ويعتذر. وكتب قنبير: «بدون إثارة للعواطف ومشاعر الخوف والشفقة أنا أفكر في الانتحار، الموضوع أكبر من احتمالي فعلا. وكل يوم تظهر له أبعاد جديدة لا تحتمل، ليلي يشبه نهاري».
فتحت تلك الوقائع الباب للحديث عن ملف الانتحار في مصر، ودفعت مؤسسة الأزهر الشريف إلى إطلاق حملة «لا تيأس لا للانتحار». وجاء في نص حملة الأزهر: «أنت غالٍ علينا ونحن جميعا نُحبك لا تيأس، أو تقنط، أو تفقد الأمل أبدا؛ بل واجه الحياة بيقين في كرم الله، وبقوة وصلابة، وتجاوز تحدياتها وعقباتها، وسيأتي يوم عليك تتذكر فيه أيام المِحَن بعد أن وفقك الله في تجاوزها، وستكون مجرد ذكرى. فقط، اصبر، وحاول، وظن في الله خيرا. وأعرف قيمة عمرك، وإعلم أن لك دورا ورسالة في الحياة لن يقوم بها غيرك، وأننا جميعا نُحبُّك».
وقال مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية أن «وجود الشَّدائد والابتلاءات سُنّة حياتيّة حتميّة، لم يخلُ منها زمان، ولم يسلم منها عبد من عباد الله؛ بَيْدَ أنها تكون بالخير تارة، وبالشَّر أخرى، بالعطاء أوقاتا، وبالحرمان أخرى، وإن كان الابتلاء يحمل الشَّر من وجه، إلا أنه يحمل الخير من وجوه إذ لا وجود لشرٍّ محض، ويستطيع ذوو الألباب والبصائر أن يُعددوا أوجه الخير في كل محنة».
وطالب «من لديه سؤال أو استفسار أو يحتاج لمن يستمع إليه، ويقدم له مشورة ونصيحة صادقة، ودعما نفسيا ومعنويا؛ بالتواصل مع المركز، وأنه يستقبل الاتصالات كما يستقبل الزيارات، ويعقد مقابلات للشباب مع أعضاء المركز في مقر وحدة بيان في مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية مشيخة الأزهر الشريف».
35 حالة شهريا
شريف الهلالي، المدير التنفيذي لـ«المؤسسة العربية لحقوق الإنسان» قال لـ «القدس العربي» إن معدل حالات الانتحار في مصر من 30 إلى 35 حالة شهريا.
وأوضح أن هذا المعدل يزيد في بعض المناسبات منها الشهور التي تشهد امتحانات المراحل الإعدادية والثانوية العامة، حيث تم رصد 9 حالات انتحار خلال شهر أغسطس/ آب الماضي بسبب رسوب البعض من الطلاب أو إحرازهم نسبا ضعيفة، فضلا عن محاولات الانتحار التي يقومون بها ويتم إنقاذهم بعد نقلهم إلى المستشفيات.
ولفت، إلى أن معدلات الانتحار في مصر خلال الأشهر الستة الأولى وصلت إلى 201 حالة انتحار، وغالبا ما تأتي محافظات القاهرة الكبرى خاصة القاهرة والجيزة في أعلى المعدلات، تليها محافظات الدلتا ثم محافظات الوجه القبلي، وغالبا ما يكون الشباب حتى العقد الثالث أعلى معدلات للانتحار.
وتابع: جاء معدل انتحار الطلاب سواء في المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية والجامعية في المركز الأول بـ 17 حالة انتحار في الشهور إبريل/ نيسان، ومايو/ايار، يونيو/حزيران من اجمالي 87 حالة انتحار حيث جاءت خلال الفترة نفسها أعلى معدلات الانتحار لدى المرحلة العمرية من (21 ـ 30 عاما) بمعدل 29 حالة انتحار بنسبة 33.3٪، وهو استمرار للظاهرة ذاتها في الربع الأول من العام حيث بلغت 43 حالة انتحار، تليها المرحلة العمرية حتى 18 عاما بـ 16 حالة انتحار بنسبة 18.4٪، وهو ما يماثل معدل الربع الأول من العام، تليها في الترتيب الثالث المرحلة العمرية من (19 ـ 20 عاما) بـ 11 حالة انتحار بنسبة 12.64٪ ويؤشر ذلك أيضا ظاهرة خطيرة ينبغي السعي إلى معالجتها وهي المتوسط السني الصغير لدى حالات الانتحار في المرحلة العمرية حتى 30 عاما حيث بلغت حالات الانتحار لدى هذه الشريحة 56 حالة انتحار بنسبة 64.36٪.
وزاد: كما تأتي أسباب الخوف من التعثر الدراسي أو الرسوب أحد الأسباب الأساسية في انتحار الطلاب، حيث رصدنا انتحار 5 حالات في الفترة من أبريل/ نيسان، حتى يونيو/ حزيران الماضيين، أيضا بعض الطلاب يقومون بتقليد أفلام السينما أحيانا، وفي الغالب تكون حالات انتحار الذكور أكثر من الاناث، ويفضل الذكور وسيلة الشنق، بينما تفضل النساء تناول حبوب الغلة وهي حبوب تستخدم في الريف في حفظ المواد الزراعية.
أقل من الواقع
الهلالي، أكد أن الأرقام التي ترصدها تقارير مؤسسته هي في الأغلب أقل بكثير من الواقع، لافتا، إلى أن هذه المؤشرات هي نتائج ما يتم رصده من حالات في الصحف والمواقع الالكترونية، وأن العدد الحقيقي قد يكون أكثر من ذلك بكثير.
وأضاف: قد لا تجد الكثير من حالات الانتحار طريقها لوسائل الإعلام، إلا التي تتسم بحالة من الاختلاف والتي قد تجد متابعة إعلامية أكثر، وأجهزة الدولة لا تقوم بدورها سواء في تقديم معلومات كافية حول وضع ظاهرة الانتحار، وتناول الظاهرة علميا، والتوعية بخطورة الظاهرة، أو بتقديم دعم نفسي لحالات الاكتئاب التي قد تكون أقرب من غيرها للانتحار، أو توعية المجتمع بكيف يتفادون محاولات انتحار أقربائهم.
وتابع: يمكن القول إن مصر ضمن أكبر الدول العربية تزايدا في حالات الانتحار بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي، التي تؤدي لإحباط كثير من الشباب، فضلا عن الخلافات الزوجية والعائلية التي تعود في أسباب كثيرة إلى العامل الاقتصادي.
وكانت إحصاءات المنظمة للعام 2016 وضعت مصر على رأس الدول العربية فيما يتعلق بمعدلات الانتحار بإجمالي 3799 حالة خلال العام، بينما تقلل آخر الإحصاءات الرسمية المرتبطة بالعام 2017 بشكل كبير من هذه المعدلات المتداولة.
ولا تتوافر إحصاءات رسمية حديثة في مصر بعد العام 2017 توضح المعدلات الحقيقية لحالات الانتحار، لعدة أسباب؛ بينها توثيق عدة وقائع على أنها وفاة طبيعية خشية شعور العائلات بالعار أو الخجل والوصم المجتمعي، إلا أن مجلس الوزراء المصري، أصدر في العام 2019 بياناً تحدث فيه آنذاك عن ما وصفه بـ «الشائعات» بخصوص تصدر مصر المرتبة الأولى في معدلات الانتحار.
واعتمد المجلس في بيان له على آخر الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء والصادرة في العام 2017 والتي ذكرت بأنه خلال العام المذكور (2017) وقعت 69 حالة فقط. واعتبر الجهاز أن «كل ما يتردد في هذا الشأن (بخصوص زيادة معدلات الانتحار) شائعات تستهدف النيل من الاستقرار المجتمعي».
وقال في بيان له، في العام 2019 إن بيانات البنك الدولي تظهر معدلات انتحار منخفضة جداً في مصر مقارنة بدول العالم، وإن القاهرة تأتي في المرتبة الـ 150 من أصل 183 دولة في معدلات الانتحار العالمية.