الخليج الجديد :
يوشك قرار بتقليص نفوذ شيوخ القبائل الصوماليين في اختيار المندوبين الذين ينتخبون نواب البرلمان، في إحداث أزمة سياسية من شأنها التأثير على إجراء الانتخابات، وقد يتصاعد الاحتقان ليصل إلى نزاع مسلح بين القبائل.
وأبدى مجلس شيوخ القبائل الصومالية، عبر بيان أصدره في 25 أغسطس/آب، مخاوفه من تحجيم دوره في انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان) وذلك بعد توصيات توصل إليها المؤتمر التشاوري حول إشراك جهات أخرى في عملية اختيار مندوبي العشائر، التي كانت مخصصة لوجهاء القبائل.
ففي 21 و22 أغسطس/آب الماضي، انعقد المؤتمر التشاوري الوطني، برئاسة رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، بمشاركة رؤساء الولايات الإقليمية الخمسة (بونتلاند، وغلمدغ، وجوبالاند، وهيرشبيلى، وجنوب غرب الصومال)، بالإضافة إلى محافظ العاصمة مقديشو (إقليم بنادر)، وتوصلوا إلى آلية جديدة لانتخابات مجلس الشعب.
ونصت الآلية الجديدة، على أن المندوبين سيتم تعيينهم من: شيوخ القبائل، وممثلين من المجتمع المدني، بالتعاون مع لجنة الانتخابات على مستوى الولايات الفيدرالية، بعدما كان ذلك من صلاحية شيوخ القبائل حصرًا.
خطوة رآها مجلس شيوخ القبائل تهميشا متعمدا لدوره في اختيار المندوبين، كما رفضت كتلة اتحاد المرشحين المحتملين للرئاسة، آلية انتخابات مجلس الشعب، باعتبارها خطوة تنافي الدستور المؤقت في البلاد، والاتفاقيات السياسية السابقة بشأن إجراء الانتخابات.
وخلال العقدين الأخيرين، تولى شيوخ القبائل مهمة تحديد المندوبين، الذين يختارون نواب مجلس الشعب (275 عضوا)، والذين بدورهم ينتخبون رئيس البلاد، وفق عرف عشائري.
- تحجيم غير مبرر
واعتبر مجلس شيوخ القبائل في البيان تحجيم دوره في اختيار مندوبي العشائر أمرا غير مبرر.
وأضاف المجلس أن المؤتمر التشاوري سيضع عراقيل جديدة أمام انتخابات مجلس الشعب، والذي يمثل القبائل، التي تتقاسم فيها المناصب السياسية بقاعدة 4.5 (أربع قبائل كبرى وقبائل أخرى صغيرة) المعمول بها منذ تشكيل أول حكومة انتقالية عام 2001.
وتم استحداث هذه القاعدة في مؤتمر المصالحة الصومالية بجيبوتي عام 2000 لتكون معيارا لتقاسم السلطة، وهي تعطي 4 قبائل صومالية رئيسية حصة كاملة، في حين تتقاسم القبائل الباقية مجتمعة نصف حصة.
وفي اجتماع عقد في العاصمة مقديشو، نهاية أغسطس/آب الماضي، رفض شيوخ القبائل آلية الانتخابات التي توصل إليها المؤتمر التشاوري لإجراء انتخابات مجلس الشعب.
ودعا “السلطان محمود”، أحد شيوخ القبائل، الذي تلا بيان المجلس في مؤتمر صحفي بالعاصمة مقديشو، المؤتمر التشاوري إلى التراجع عن قراراته حيال انتخابات مجلس الشعب، والتي تهمش دور شيوخ القبائل (135 شيخا مسجلا لدى الحكومة) في العملية السياسية.
وأشار “السلطان”، إلى أن المؤتمر التشاوري يتعامل خلاف العُرف السياسي، والذي يعطي شيوخ القبائل دورا كبيرا منذ 2012، حيث تمت المصادقة على الدستور المؤقت للبلاد.
وشدد على أهمية دور شيوخ القبائل في انتخابات مجلس الشعب، الذي يمثل القبائل.
وأوضح أن شيوخ القبائل لم يتدخلوا في انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان)، التي تعود إداراتها للولايات الفيدرالية المحلية.
ويشكل شيوخ القبائل منذ 2012 مرجعا رئيسيا حول اختيار المندوبين، الذي ينتخبون أعضاء مجلس الشعب، كما يلعبون دورا كبيرا في حل الخلافات والنزاعات المسلحة بين القبائل منذ انهيار الحكومة المركزية في 1991.
- آلية الانتخابات تكاد تفجر نزاعات مسلحة
أدخلت آلية الانتخابات التي توصل إليها المؤتمر التشاوري العملية السياسية في البلاد منعطفا جديدا، حيث تكاد نزاعات مسلحة تنفجر بين بطون القبائل التي تشترك في مقعد برلماني واحد، نتيجة محاولة بعض رؤساء الولايات الفيدرالية تزوير مقاعد البرلمان لبعض القبائل على حساب أخرى.
فقد شهدت مدينة عدلي، شمالي مقديشو، استعراضا عسكريا لأحد بطون قبيلة مدلود، معلنة رغبتها في الحصول على مقعد برلماني خلال الدورة المقبلة، بعدما احتكرت عشيرة منافسة هذا المقعد لسنوات.
ودعا زعماء هذه العشيرة، العشائر الأخرى إلى احترام مبدأ التناوب على المقاعد البرلمانية بين بطون القبيلة، واحترام دورها في هذه المرة، محذرة من أي محاولة تزوير.
ويقول الناشط “القبلي أحمد عبدي”، إن عشيرته لن تقبل بهذه الانتخابات إذا حاولت بعض العشائر الأخرى الهيمنة على المقعد البرلماني.
وأشار “عبدي”، إلى أن عشيرته لم تمثل في البرلمان خلال الدورتين الماضيتين.
وأضاف: “سندافع عن حقنا بأي وسيلة يمكن تحقيقه، إذا لم تقبل العشائر الأخرى بتداول المقعد”.
وأكد “عبدي”، أن إعطاء دور لرؤساء الولايات الفيدرالية في عملية اختيار المندوبين سيكون بمثابة صب الزيت على الخلافات السياسية بين القبائل حول أحقية أي منها بمقعد برلماني.
الدخول لقبة البرلمان بمجلسيه (الشعب والشيوخ) حلم يراود العشائر، في كل انتخابات، لكن مدى تأثير العشيرة في العملية السياسية، وقربها من السلطات المحلية، عوامل قد تساهم بفوزها بمقعد برلماني.
- مخاوف من التزوير
حذر رئيس حزب “هلدور” “عبدالقادر عثمان”، من أن إشراك جهات أخرى غير شيوخ القبائل في عملية اختيار المندوبين قد يتسبب في وقوع عملية تزوير كبيرة في انتخابات مجلس الشعب.
وأضاف “عثمان”، أن المؤتمر التشاوري يتحرك بخلاف إرث انتخابات مجلس الشعب، الذي يتيح لشيوخ القبائل دورا أكبر في عملية اختيار المندوبين.
ولفت إلى أن المؤتمر التشاوري، يستغل ابتعاد رئيس الوزراء محمد حسين روبلي، عن “أي خلافات قد ترجئ العملية الانتخابية”.
وأوضح أن انتخابات مجلس الشيوخ التي أشرفت عليها الولايات الفيدرالية شابتها عمليات تزوير وإقصاء متعمد بحق أسماء بعض المرشحين في القائمة النهائية لسباق انتخابات مجلس الشيوخ.
وأثار ذلك مخاوف من أن تتكرر عمليات التزوير في حال اعتماد آلية انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، والتي تعطي رؤساء الولايات الفيدرالية دورا في اختيار المندوبين.
وفي هذا السياق، اعترضت كتلة اتحاد المرشحين المحتملين في سباق الرئاسة، غداة انعقاد المؤتمر التشاوري الوطني، على آلية انتخابات مجلس الشعب التي توصل إليها المؤتمر، حيث رأت أنها قد تؤدي إلى تلاعب وتزوير كبيرين في الانتخابات.
وشددت كتلة المرشحين المحتملين للرئاسة، في بيان، على أهمية دور شيوخ القبائل في عملية اختيار المندوبين، على غرار الانتخابات السابقة.
وبدأت الانتخابات الجزئية لمجلس الشيوخ (54 عضوا) في 25 يوليو/ تموز الماضي، وتنتخب برلمانات الولايات الفيدرالية الخمسة (بونتلاند، وغلمدغ، وجوبالاند، وهيرشبيلى، وجنوب غرب الصومال) أعضاء المجلس، حيث من المتوقع أن تستكمل العملية في منتصف سبتمبر/أيلول الجاري.
بينما تنطلق انتخابات مجلس الشعب في 1 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وتستمر حتى 20 نوفمبر/تشرين الثاني.
وينتخب نحو 30 ألف مندوب (ممثلين من القبائل) أعضاء مجلس النواب، وفق نظام قبلي يحوز توافقا سياسيا لا يرتبط بعدد السكان.
ولم يحدد بعد موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، رغم انقضاء ولاية الرئيس محمد عبد الله فرماجو، في 8 فبراير/شباط الماضي.
وفي حال قرر شيوخ القبائل مقاطعة الانتخابات، فإن من شأن ذلك عرقلة مسيرة إجرائها، نظرا للنفوذ الذي يتمتعون به على الأرض مقارنة بالأحزاب السياسية.