في بداية العقد الاخير من القرن العشرين شهد العالم تفكك الاتحاد السوفيتي وهو ماشكل تحفيزا للولايات المتحدة للتخطيط في بلورة نظام عالمي جديد يقوم على القطبية الاحادية دون منازع.
وفي هذا السياق ادركت الولايات المتحدة ان النجاح في مخططها الجديد يكمن بوضع استراتيجيات تحد من ظهور لاعبين مستقلين جدد في العالم يشكلون تهديدا لهيمنتها كايران والصين وروسيا.
ومن هذا المنطلق سعت واشنطن الى التأسيس لتحالفات مناهضة قرب الجمهورية الاسلامية الايرانية بهدف فرض العزلة الكاملة عليها والغاء خصوصياتها الاستراتيجية.
في هذا السياق كشف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في تصريحه لصحيفة واشنطن بوست في آب / اغسطس 2020 عقب يوم واحد من زيارته لواشنطن، عن مشروع “الشام الجديد” بمشاركة الاردن ومصر والذي يرمي، حسب الظاهر، الى توطيد العلاقات الاقتصادية بين هذه البلدان الثلاثة.
ونوه الى ان تنفيذ هذا المشروع سيثمر عن انجاز مشاريع استثمارية وتقنية مشتركة بشكل حر بين هذه البلدان، ومن المتوقع انجاز مشروع استثماري بكلفة 18 مليار دولار في مد انبوب نفطي من البصرة العراقية الى العقبة الاردنية ومنها الى مصر حيث يرغب هذان البلدان شراء النفط العراقي بسعر مخفض يقل 16 دولارا عن سعر خام برنت وفي المقابل يستورد العراق الكهرباء من مصر والاردن عبر شبكة مشتركة.
ويرمي هذا المشروع الى دفع العراق باتجاه الاقتصاديات ذات التبعية الاميركية في البلدان العربية كمصر والاردن وبلدان الخليج الفارسي وهو مايعني العدول عن الاتفاقية الموقعة بين العراق والصين عام 2019 إبان حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.
وفي ذات السياق يتم الاستفادة من “اتفاقية ابراهيم” التي وقعتها اميركا والكيان الصهيوني والامارات في 13 اب/ اغسطس 2020 تأكيدا على مسار التطبيع بين الامارات والبحرين مع كيان الاحتلال والتي اثمرت عن توقيع اتفاقية بين هذه الانظمة الثلاثة في 15 ايلول/ سبتبمر 2020 في الولايات المتحدة ومن ثم انضمام السودان الى اتفاقية ابراهيم في تشرين الاول/ اكتوبر بذات العام مايفتح الابواب أمام التعاون الاقتصادي والاستثماري بين هذه الانظمة.
وخطط الكيان الصهيوني والامارات، ضمن الاتفاقية المذكورة، الى مد انبوب نفطي يربط بين مينائي ايلات واشكلون في فلسطين المحتلة ودخل الجانبان في مفاوضات مغلقة لوضع التفاصيل حيث يهدف المشروع الى نقل النفط الاماراتي الى ايلات على ساحل البحر الاحمر ومن هناك الى ميناء اشكلون على ساحل المتوسط عبر انبوب بطول 254 كيلومترا لتصديره الى اوروبا، وفي هذا السياق أعلن مدير المؤسسة الاميركية للتعاون المالي آدام بونر في تشرين الاول/ اكتوبر عام 2020 عن تأسيس “صندوق ابراهيم” في القدس المحتلة باستثمار أولي قدره 3 مليارات دولار لتعزيز التطبيع بين الامارات وكيان الاحتلال ومن المتوقع مشاركة السعودية في هذا المشروع ايضا حيث سيتم نقل نفطها من البقيق شرقا الى ميناء ايلات ومنه الى اوروبا واميركا وعندئذ ستلغى الحاجة الى نقل الامارات نفطها وغازها باستخدام الناقلات.
يرمي هذا المشروع الى نقل النفط من الخليج الفارسي الى اوروبا وكذلك نقل نفط اذربيجان وكازاخستان الى افريقيا وجنوب شرق آسيا وهو مايحد من أهمية ودور هذا الممر الحيوي ومضيق هرمز وبالتالي يخفض الدور الرقابي الاستراتيجي للجمهورية الاسلامية الايرانية بهذا الصدد.
واستمرارا لمخططات الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب في تشديد الضغوط على ايران وظفت إدارة بايدن طموحات انقرة في خطط الربط البري مع بلدان آسيا الوسطى من اجل الدفع باستراتيجية الغاء دور ايران من المعادلات الاقليمية.
وترمي هذه الخطة ضمن إطار رابطة البلدان الناطقة بالتركية الى تحقيق شعار الربط البري بدءً من ارومتشي في الصين وحتى اسطنبول وهو مايسمى مشروع “طريق لاجورد” والذي يوصل مينائي تركمن باشي في تركمانستان واكتاو في كازاخستان الى ميناء باكو في بحر قزوين بهدف الغاء الطريق البري عبر ايران والالتفاف عليها في عمليات التبادل التجاري بين الشرق والغرب وتحقيق الاهداف التاريخية لتركيا بهذه المنطقة.
وتم توقيع الاتفاقية المذكورة في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017 في عشق اباد عاصمة تركمانستان خلال اجتماع وزاري ضمّ افغانستان وتركمانستان واذربيجان وجورجيا وتركيا.
ووفق تقديرات الخبراء تبلغ كلفة تنفيذ هذا الاتفاق اكثر من ملياري دولار والذي يهدف ايضا تسهيل وصول افغانستان الى الاسواق الاوروبية.
وفي حال وضع استراتيجيات حكومة بايدن الرامية لاحتواء ايران قيد التنفيذ سيسفر ذلك عن فقدان خصوصياتها الجيواقتصادية الجيوسياسية تدريجيا وستتحول الى لاعب لايستطيع اداء دور هام على صعيد بلورة المعادلات السياسية والاقتصادية في غرب آسيا الا ان ايران ماتزال تمتلك فرصا طيبة للتغلب على هذا التحدي بالاعتماد على قدراتها الذاتية مايتطلب منها تطوير مشاريع النقل والمواصلات وتحفيز روسيا والصين والهند للمشاركة في المشاريع الاستثمارية الخاصة بقطاع النقل والمواصلات في البلاد.
وفي هذا السياق ينبغي تكثيف الجهود بين هذه البلدان من اجل تنمية التعاون لمواجهة المخططات الاميركية الرامية للاحتواء كما ان هذه البلدان تربطها مصالح مشتركة في هذه المجالات حيث ان المشاريع الاميركية الثلاثة السابقة تهدف دفع التبادل التجاري في المنطقة صوب اميركا واوروبا وهو مايعني ازاحة روسيا والصين معا عن الاسواق الاستهلاكية والطاقة في المنطقة لصالح البلدان الغربية.
ولمواجهة المخططات الاميركية السابقة ينبغي لكل من ايران وروسيا والصين تكثيف الجهود في اكمال ممر الشمال – الجنوب واكمال طريق الحرير الصيني عبر ايران باتجاه اوروبا وافريقيا.
وينبغي الاشارة الى انه رغم الجهود التي تبذلها بلدان آسيا الوسطى والقوقاز مع تركيا واميركا ضمن اطار مشروع “لاجورد” الا انها لاترغب باحتكار تركيا على الطرق التجارية والترانزيت وبالتالي تحدوها الرغبة بتعددية الطرق التجارية لاسيما وان ايران تقدم تسهيلات لهذه البلدان في الوصول الى الهند وجنوب شرق آسيا.
احمد مهدي