لندن – القدس العربي”:
نشر موقع “ذي انترسيبت” تقريرا عن الجاسوس الذي استخدمه مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) للتجسس على المسلمين في أمريكا. وقال فيه تريفور آرونسن، إن غريغ مونتيلي لم يكن غريبا على العملاء الفيدراليين، فقد كان رجلا ضخما قضى أيام مراهقته وشبابه كلاعب كمال أجسام هاو.
عاش مونتيلي من خلال سرقة تجار المخدرات، لكن صفقة لم تسر حسب المخطط لها في عام 1986، ووجد مونتيلي نفسه جالسا على كرسي أمام عملاء من وكالة مكافحة المخدرات الذين عرضوا عليه أمران، السجن أو التحول لمخبر.
وعاش مونتيلي من خلال سرقة تجار المخدرات، لكن صفقة لم تسر حسب المخطط لها في عام 1986، ووجد مونتيلي نفسه جالسا على كرسي أمام عملاء من وكالة مكافحة المخدرات الذين عرضوا عليه أمران، السجن أو التحول لمخبر. واختار الأخير حيث بدأ حياته كجاسوس لعقدين. ونظرا لملامحه الإثنية الغامضة فقد ناسب معظم المهام التي وكله بها أف بي آي ووكالة مكافحة المخدرات “دي إي إي”، حيث لعب دور عنصر في جماعات التفوق العرقي الأبيض إلى قاتل روسي بالأجرة وتاجر مخدرات صقلي. وتباهي مونتيلي قائلا “كنت جيدا في كل ما أقوم به”.
وفي عام 2006، اتصل به عميلان من مكتب مكافحة الإرهاب، الذي تحول من قسم لا أهمية له قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر إلى أولوية بعدها وعرضا عليه مهمة طموحة. وطلبا منه التخفي كرجل أسلم حديثا واختراق المساجد في جنوب كاليفورنيا التي يعيش فيها حوالي نصف مليون. وهم مجموعة سكانية متعددة يسكنون في ظل ديزني لاند بمقاطعة أورانج الواسعة. وقال “هذه مهمة ضخمة لـ إف بي آي” و “كانت تجربة، وهو ما أطلقوا عليها ورؤية إن كنت قادرا على خداع مجتمع بكامله. وأنا رجل أبيض، صحيح؟ والغطاء لمهمتي أنني سوري، والدي فرنسي وأمي سورية وقام والدي بقمع جانبي الديني من والدتي”.
قضى مونتيلي 18 شهرا وهو يقوم بتسجيل الحوارات والتنصت على المسلمين الذين لم يشكوا به وغذي المسؤولين عنه في إف بي أي بالمعلومات حول عدد من الرجال والنساء الذين كانت تهمتهم الوحيدة هي ممارسة معتقداتهم الدينية.
وقضى مونتيلي 18 شهرا وهو يقوم بتسجيل الحوارات والتنصت على المسلمين الذين لم يشكوا به وغذي المسؤولين عنه في إف بي أي بالمعلومات حول عدد من الرجال والنساء الذين كانت تهمتهم الوحيدة هي ممارسة معتقداتهم الدينية. وأطلقت “إف بي أي” على المهمة “عملية فليكس”، وجاءت من كون مونتيلي متحمسا للياقة البدنية. فعبر تقديم خدمات اللياقة البدنية للمسلمين، اعتقد إف بي آي أن مونتيلي سيكون قادرا على بناء الثقة مع المسلمين وتحديد مكامن الخطر الأمني المحتملة. وقال ياسر فزغقة، الإمام في جنوب كاليفورنيا “أتذكر أنه قدم لي كمسلم جديد” و “كان بلياقة بدنية عالية وأتذكر أنني قلت له هذا، وذكر أنه قد يتدرب معي”.
لكن مونتيلي اختلف لاحقا مع إف بي آي، عندما سجن بارتكاب جنايات. وبعد الإفراج عنه عام 2008 أراد تصفية الحسابات. وعقد مؤتمرا صحافيا مرتجلا في غرفة المعيشة في بيته دعا إليه الصحافة المحلية وكشف عن “عملية فليكس”، ووصف كيف تجسس على المسلمين لصالح إف بي آي بدون أن يكون لديه اعتقاد أن هؤلاء المسلمين يرتكبون جرائم. وبعد فترة قصيرة من فضح عملية إف بي آي اتصل به اتحاد الحريات المدنية الأمريكي للتحالف معه. ووافق مونتيلي لتسجيل نشاطاته لصالح إف بي آي في شهادة مشفوعة بالقسم عام 2011 وزعم فيها أن العملاء الفيدراليين انتهكوا الضمانات الدستورية. وستقدم القضية في تشرين الثاني/نوفمبر إلى المحكمة العليا الأمريكية التي ستقرر إن كانت وزارة العدل لها الحق بإلغاء القضية دون محاكمة. وكما في معظم حالات مرحلة ما بعد 9/11 تأمل الحكومة الفيدرالية بعمل هذا متذرعة بما يطلق عليه “مميزات الدولة السرية” والتي تسمح للحكومة الأمريكية منع نشر معلومات قد تضر بالأمن القومي. ويرى مايكل جيرمان الذي كان عميلا لـ إف أي آي ويعمل زميلا في مركز برينان للعدالة أن الحكومة ليست معنية بأسرار الدولة بقدر ما هي معنية بالهروب من المحاسبة العامة لها على أفعالها و “استخدام ميزة أسرار الدولة هي من أجل حماية أسلوب إف بي آي من التدقيق العام والمحاسبة القانونية ولهذا تستمر الممارسات بدون اعتراف عام يقود للإصلاح”. وأصبحت القضية من أهم التحديات القانونية لمراقبة المسلمين في مرحلة ما بعد 9/11 وبات فيها مونتيلي، الرجل المفتول العضلات والخشن، الشخصية المركزية. ولدى اتحاد الحريات المدنية الأمريكي ومونتيلي دوافع مختلفة للكشف عما جرى في عملية فليكس. فالاتحاد راغب بمحاسبة الحكومة على خرقها الدستور عبر استهداف أقلية دينية. أما مونتيلي فيريد من الناس معرفة أنه كان جاسوسا من الدرجة الأولى ومسؤولا عن واحد من برامج جمع المعلومات المحلية بمرحلة ما بعد 9/11. وقال “سأنتفع من المشاركة” و “هذا ميراثي وأنا من صنعه، وكنت أنا عملية فليكس”.
ويقول الكاتب إنه التقى مع مونتيلي قبل 11 عاما عندما كان يدرس الطريقة التي رد فيها إف بي آي على الهجمات الإرهابية، وذلك في مكتب محاميه قرب مطار جون وين، في مقاطعة أورانج في كاليفورنيا. ووصف الكاتب ضخامته وصلعته وقوله “أنا لست ملك جمال العالم ولكنني الرجل غير الواضح، أليس كذلك؟”. ويعلق الكاتب أن عملية تجسس أإف بي آي على المسلمين معروفة، فقد جند المكتب في مرحلة ما بعد الهجمات أكثر من 15.000 عميلا، وهو العدد الأكبر في تاريخه. واستخدم هؤلاء الأشخاص لجمع معلومات عن جرائم هجرة ومشاكل مالية يمكن أن تستخدم كورق تجنيد عملاء آخرين.
وزاد عدد المخبرين بدرجة أنشأ فيها إف بي آي برنامج كمبيوتر “دلتا” لمتابعة وإدارة مصادره البشرية. وقاد المخبرون عملاء المكتب إلى تنظيم مئات من العمليات ضد المسلمين في البلاد. وفي هذه العمليات لعب المخبرون دورا في المؤامرات الإرهابية المزعومة مثل توفير السلاح والمال والدعم اللوجستي المطلوب. وقبل عقد كان الصحافيون من أمثال الكاتب يحاولون فهم حجم عمليات الرقابة على المسلمين، ولم يكن من السهل تقييم مخبرين مثل مونتيلي والتأكد من مصداقيتهم رغم ما لديه من وثائق تثبت عمله مع إف بي آي. ونظرا لمشاكله مع القانون وسجنه فلم يكن شخصا يوثق به إن لم يتحول إلى كذاب محترف. وكانت لديه عادة تقديم المعلومات بالقطارة لكي يظل في الصورة وتقديم معلومات يرى أن الصحافة مهتمة بها، مثل زعمه أن إف بي آي طلب منه معاشرة امرأة مسلمة. وظلت قصته تدور حول مصداقيته، صحيح أنها غريبة ومهمة ولكن هل علينا تصديقه؟
وبعد عقدين لم تعد عمليات المراقبة التي قام بها إف بي آي ضد المسلمين مثيرة للغرابة، فقد كشف الغطاء وليس كما كان عليه الحال عندما خرج مونتيلي وتحدث عن عملية فليكس. وتقول أهيلان أرولانانثام، المحامية في اتحاد الحريات المدنية الأمريكية ” الكثير من الرقابة التي مورست على المسلمين وأغضبت الناس في ذلك الوقت أصبحت عادية” ولا يزال عملاء إف بي آي “يقابلون الناس في المجتمع المسلم ويسألونهم أحيانا عن الوقت الذي سيذهبون فيه للصلاة في المسجد وما سيقوله الإمام هناك وكم مرة تصلي وقائمة عدم السماح بالسفر وقاعدة بيانات الإرهاب في مكانها”.
ويعتقد الكاتب أن حملة إف بي آي ضد المجتمعات المسلمة متجذرة بتصحيح الفشل الأمني الذريع بعد الهجمات. فقد عانى المكتب قبلها من التأخر التكنولوجي في ظل مديره لوي فري الذي كان تقليديا ومعاد للتقدم. وفي يوم الهجمات اضطر الموظفون لاستخدام أجهزة الفاكس لتوزيع صور المهاجمين المشتبه بهم. وقال جون أشكروفت، المدعي العام للجنة التحقيق في هجمات 9/11 “لم يكن لدى العملاء منفذ حتى لأبسط تكنولوجيا الإنترنت”. وأخبر جورج دبليو بوش روبرت مولر الذي عين بعد الهجمات بأسبوع أن مكافحة الإرهاب يجب أن تكون أساسية و”يجب ألا يحدث هذا أبدا”. ورد مولر بقسوة من خلال تجنيد مخبرين من داخل المجتمع المسلم ومتابعة أي دليل مهما كان سخيفا، مرددا شعار الحكومة “لو شاهدت شيئا فقل أي شيء”. وبدأ المكتب بإدخال التكنولوجيا، ففي 2005 عين مولر فيليب ماد، الرجل الثاني السابق في مركز مهمة مكافحة الإرهاب في سي آي إيه، كنائب لمدير فرع الأمن القومي الذي أنشيء حديثا. وتولى ماد إدارة مشروع جديد اسمه “إدارة المجال” والذي لاحق المهاجرين المشتبه بتورطهم في تجسس لنقل المعلومات التكنولوجية والتجارية إلى بلدانهم الأصليةـ
مما سمح برسم خريطة لكل المجتمعات المسلمة في أمريكا. ودفع ماد باتجاه “الجانب المظلم” للمكتب حيث وصف عملاء في أف بي آي البرنامج بأنه “إدارة معركة”، لأنه سمح باستهداف مناطق جغرافية بناء على عدد السكان المسلمين، وضمن هذا السياق تم شن عملية فليكس في 2006 بجنوب كاليفورنيا وتكليف مونتيلي. ودخل هذا مقاطعة أورانج كشخص مهتم بالإسلام ونطق بالشهادة. وعمل مع عدة رجال ولعب ألعاب الفيديو مع أخرين وخرج في مواعيد مع نساء مسلمات، وحمل معه أداة تسجيل زوده بها إف بي آي التي بدت مثل سلسلة مفاتيح سيارة سجل عبرها مئات الحوارات بين المصلين المسلمين. وكان طرف عملية قال أنها استهدفت أشخاص لمجرد ممارستهم الشعائر الدينية. وقال مونتيلي إن المعلومات هي لتجنيد مخبرين. وقال يعتقد الناس أن إف بي آي يريد اعتقال المسلمين “لا يريدون اعتقال مسلمين بل تجنيدهم كمخبرين، وفعلوا” و “مضى 15 عاما منذ عملي، وأنظر لبعض الأشخاص الذين كانوا في سن 23 عاما وهم الآن في سن 38 عاما وهم أئمة ومخبرون. وأعرف هذا لأنني اعطيتهم المعلومات”. وكان مونتيلي يعرف لعبة إف بي آي حيث بالغ في تقدير مصروفاته ودفع مبالغ متدنية للمخبرين. وبلغ مجمل ما قدمه المكتب له عن تجسسه على المسلمين في جنوب كاليفورنيا 177.000. لكن كل العملية انهارت عندما بدأ المسلمون يشكون بأن مونتيلي متطرف وأبلغوا الشرطة عنه وطالبوا بالحد من نشاطاته. وبعد 6 أشهر اعتقل بتهمة محاولة خداع امرأتين وأخذ منهما 150.000 دولار، حيث اعترف بجرمه وسجن مدة 8 أشهر. وخلال فترة تجسس مونتيلي بدأ المسلمون يشكون في رقابة إف بي أي لمجتمعهم. ودعا فزغة وهو إمام من أصل إريتري الذي مدح متانة عضلات مونتيلي، ستيفن تيدويل، مساعد مدير مكتب إف بي آي في لوس أنجلس للتحدث مع المصلين والتأكيد لهم أنه لا توجد رقابة عليهم. وسأله أثناء الاجتماع عن التقارير الصحافية التي تحدثت عن رقابة على طلاب جامعة كاليفورنيا، فكان رده “لا نثق بها” أي التقارير. وحسب مونتيلي فقد طلب منه إف بي آي جمع المزيد من المعلومات عن فزغة.
وسواء كانت عملية فليكس ناجحة أم لا، فإننا لا نعرف الكثير لأن إف بي آي رفض الكشف عن معلومات تتعلق بها. ومصدرنا هو مونتيلي الذي لم يزعم أنه زود المكتب بمعلومات عن المسلمين وجند مخبرين بل وقدم معلومات عن القاعدة ساعدت في مقتل أسامة بن لادن. وربما كان كلامه مجرد تفاخر، لكنه يحمل بعض الحقيقة، فقد قدم معلومات قادت لاعتقال أحمد الله سايس نيازي، الذي اتهم بخرق قانون الهجرة وعدم الكشف عن علاقة سابقة مع القاعدة. وكان نيازي صهر حارس سابق لبن لادن. وسجل مونتيلي كلام نيازي الذي زعم أنه شاهد وصول بن لادن في مروحية إلى أفغانستان عام 1996. لكن قرار مونتيلي التحرك ضد المكتب أدى لخسارة الحكومة القضية ضد نيازي رغم ما سجله من معلومات تورطه. وقال محامو نيازي إن إف بي آي حاول تجنيده كمخبر وتهديده بتسريب معلومات شخصية عنه.