الخليج الجديد :
كان “علي الشهابي” مبتهجا رغم بعض القلق الذي يبدو عليه أثناء جلوسه على طاولة كبيرة في “لي تسي فانج”، وهو مطعم حائز على نجمة ميشلان، وأحد مرافق فندق “لا ريزيرف” الفاخر، الذي يطل على بحيرة جنيف في سويسرا.
كان ذلك في 27 أغسطس/آب 2018؛ حيث دعا “الشهابي”، مؤسس “المؤسسة العربية” (سعودية غير ربحية مقرها واشنطن)، آنذاك، 30 شخصا مهما لحضور القمة السنوية الثانية للمؤسسة، فيما تم إجراء الدعوة وفق “قاعدة تشاتام هاوس” الصارمة (مرر خلال المناقشات ما تعلمته، لكن لا تذكر أسماء).
كانت سمعة “الشهابي” (62 عاما) ، التي بنيت حديثا في واشنطن، على المحك.
وعلى العشاء، تحاورت شخصيات بارزة مثل السفير السعودي في المملكة المتحدة الأمير “خالد بن بندر آل سعود” مع صحفيين ومحللين سياسيين بارزين.
وقاد تلك المناقشات “الشهابي”، وهو شخص طويل القامة وبلحية قصيرة ويرتدي نظارة طبية.
القصة من البداية
افتتح “الشهابي”، وهو مصرفي سابق، “المؤسسة العربية” في مارس/آذار 2017 لسد ما يعتقد أنه “فجوة كبيرة”.
بالنسبة له، أُسيء فهم السعودية بشكل مؤسف، وكانت إصلاحات ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” حقيقية، وليست مجرد مسكنات.
إذ يعتقد “الشهابي” أن حكومته فشلت في تسويق نفسها للخارج.
سرعان ما ترك “الشهابي” بصمته في واشنطن؛ حيث أقام حفلات عشاء لشخصيات من نخبة المدينة، وأجرى مقابلات مع العديد من القنوات التلفزيونية.
لكن عندما أُغلقت المؤسسة فجأة، بعد 11 شهرا من اجتماع “لا ريزيرف”، أصاب ذلك كثيرون بالحيرة. فماذا حدث بالضبط؟
إغلاق “المؤسسة العربية”
كان الإغلاق مثيرا للفضول لأسباب ليس أقلها أن “الشهابي” مثلما صنع خصوما فقد صنع أصدقاء يروجون للقضية السعودية، لا سيما في دفاعه المستميت عن ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، في أعقاب جريمة قتل “جمال خاشقجي”.
هذه هي قصة كيف نهضت “المؤسسة العربية” واختفت، وفقا لمئات الصفحات من ملفات دعوى قضائية رفعتها إحدى الموظفات السابقات بالمؤسسة ضد “الشهابي”، ومقابلات مع 4 أشخاص مرتبطين بالأخير أو مؤسسته.
كان “الشهابي” شديد الصمت بشأن الإغلاق في ذلك الوقت، وعزا ذلك إلى الخلافات بين المانحين.
لكن آخرين كانوا غير مقتنعين بتبرير “الشهابي”.
ففي رسالتها الأولى، وعدت “المؤسسة العربية” بسد ما أسمته “فجوة رئيسية في فهم وتغطية سياسات السعودية” بين الأصدقاء.
إذ أبدى “الشهابي”، في كثير من الأحيان، تذمره من ظهور أكاديميين أمريكيين بوسائل إعلام محلية والخوض في شؤون المملكة رغم أن أقدامهم لم تطأ يوما الأراضي السعودية، كما أنهم لا يعرفون العربية، واصفا ذلك بـ”العبث”.
قام “الشهابي” بتعيين “فراس مقصد”، أحد كبار الباحثين في مؤسسة فكرية تركز على الشرق الأوسط، رئيسا تنفيذيا لمؤسسته.
وقالت “جينف عبده”، وهي موظفة سابقة في “المؤسسة العربية”، خلال إفادة قضائية في سبتمبر/أيلول 2020: “كان فراس المروج الرئيسي للشهابي”؛ فقد “قدمه إلى الناس في جميع أنحاء المدينة”.
كما قام “الشهابي” بتعيين “برنارد هيكل”، الباحث الأمريكي البارز في شؤون السعودية وصديقه منذ 20 عاما، كواحد من عدة مستشارين له.
تدفقات مالية
وأفادت مجلة “بوليتيكو” الأمريكية بأن “الشهابي”، وهو خريج جامعة برينستون وكلية هارفارد للأعمال ومؤلف كتابين، ركز على تصحيح المفاهيم حول المملكة في واشنطن، وحضر حفلات الكتاب، وأجرى العشرات من اللقاءات الصحفية والتلفزيونية التي تناقش الشؤون السعودية.
في هذا الأثناء، تدفقت الأموال على مؤسسته. فقد تلقت المؤسسة 6 ملايين دولار عامي 2017 و2018، وفقا لملفات مصلحة الضرائب الأمريكية.
وأخبر “الشهابي” موظفين ومعارف أن مانحيه كانوا رجال أعمال أثرياء في الرياض، لكن التساؤلات حول مصدر هذه الأموال كانت تطارده دائما.
ومع ذلك، لم يتظاهر “الشهابي” أبدا بأنه مستقل؛ ففي الأحاديث الخاصة كان صريحا بشأن صلاته بالنخبة السعودية.
وغالبا ما كان يسافر بين الرياض وواشنطن، والتقى “بن سلمان” عدة مرات، وكانت تربطه علاقات ودية مع شخصيات مثل “فيصل بن فرحان”، وزير الخارجية السعودي الحالي.
وقبل الذهاب إلى واشنطن، عمل “الشهابي” في بنوك بمنطقة الخليج، بما في ذلك البنك المركزي السعودي.
قال “جوزيف آدم إيرلي”، وهو مدير في مؤسسة “أرابيا”: “كان الناس يعرفون أن الشهابي سعودي، وكانوا يعرفون أنه يحظى بدعم رسمي من المملكة”.
كان والد “الشهابي”، “سمير”، لاجئا فلسطينيا حصل على الجنسية السعودية في الأربعينات من القرن الماضي، وعمل لاحقا سفيرا للسعودية لدى الأمم المتحدة وباكستان وتركيا.
شعر “الشهابي”، الذي قضى معظم شبابه خارج السعودية بسبب عمل والده، بإحساس قوي بالانتماء للمملكة بغض النظر عن أصوله الفلسطينة.
بعد مرور عام على تأسيس “المؤسسة العربية”، كان صيت السعودية مرتفعا في واشنطن.
فقد عقد الرؤساء التنفيذيون لشركة “أبل” و”جوجل” لقاءات مع الأمير “بن سلمان”؛ واصطحبوه في جولات إرشادية داخل حرمهم الجامعي في وادي السيليكون في أبريل/نيسان 2018.
وفي يونيو/حزيران من العام ذاته، أشاد الرئيس السابق “دونالد ترامب” بـ”بن سلمان”؛ لأنه سمح للنساء السعوديات بقيادة السيارة للمرة الأولى.
جريمة قتل “خاشقجي”
لكن هذه المشاعر تبخرت عندما قُتل “خاشقجي” في أوائل أكتوبر/تشرين الأول 2018 داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
فقد حل الصمت على السفارة السعودية في شارع نيو هامبشاير بواشنطن، وكان “الشهابي” الصوت الوحيد البارز؛ حيث ظهر في برنامج “فرونت لاين” عبر خدمة البث العامة (PBS) وبرنامج “أمانبور” على شبكة “سي إن إن” الإخبارية للدفاع عن رواية المملكة للأحداث. (استنتجت وكالة المخابرات المركزية لاحقا أن “محمد بن سلمان” أمر بالقتل على الأرجح).
وقال مسؤول كبير سابق في وزارة الخارجية الأمريكية طلب عدم ذكر اسمه من أجل التحدث بحرية: “كان على الشهابي أن يصبح المتحدث باسم محمد بن سلمان في واشنطن”.
وأضاف المسؤول أنه لم يكن من قبيل المصادفة بعد جريمة قتل “خاشقجي” بفترة وجيزة أن يتم استبدال سفير المملكة بواشنطن الأمير “خالد بن سلمان”.
أثار موقف “الشهابي” غضب الكثيرين، خاصة أنه كان يعرف “خاشقجي” جيدا.
فقد كتبت “كارين عطية”، محررة مقالات “خاشقجي” في صحيفة “واشنطن بوست”، على “تويتر” في ذلك الوقت: “استمر في صرف تلك الشيكات يا علي الشهابي. لا أستطيع أن أفهم كيف تستطيع النوم ليلا”.
بعد مقتل “خاشقجي”، رحل “الشهابي” لفترة وجيزة إلى كاليفورنيا، وفي النهاية تلاشى الغضب.
منذ أوائل عام 2019، بدأت جماعات الضغط السعودية جهودا مكثفة لإصلاح صورة المملكة داخل الكونجرس، ووقعت شركات أمريكية عقودا جديدة مع الحكومة السعودية.
إغلاق مفاجئ
يمكن القول إن القضية السعودية كانت بحاجة إلى “المؤسسة العربية” أكثر من أي وقت مضى.
لكن في 30 يوليو/حزيران 2019، انتهى أمر تلك المؤسسة أثناء تناول غداء.
ففي العاشرة من صباح ذلك اليوم، جلس “الشهابي” تحت لافتات مؤسسته خلال حلقة نقاش استضافها “المجلس الأطلسي”.
وكان كعادته قتاليا طوال الفعالية، وعندما انتهت الحلقة في الساعة 12 ظهرا، وقف “الشهابي” وصافح الحضور، قبل أن ينزل من على المنصة.
بعد فترة وجيزة، ظهرت رسالة على مجموعة “واتس آب” الخاصة بموظفي “المؤسسة العربية”.
إذ دعا “الشهابي”، في الرسالة، جميع موظفي المؤسسة إلى العودة للمكتب في غضون ساعة.
فقد كانت المؤسسة تُغلق أبوابها.
وداخل غرفة الاجتماعات، قال “الشهابي” لحوالي 12 شخصا تجمعوا حول الطاولة أن المتبرعين للمؤسسة أوقفوا التمويل.
وقال إنه يجب على الموظفين حزم أمتعتهم، وأن عناوين بريدهم الإلكتروني ستتوقف عن العمل.
كما قال إنه، بعد أيام، سيتسلم الموظفون اتفاقيات عدم إفشاء لتوقيعها، وبعدها ستحرر لهم مكافأة نهاية الخدمة.
وفي تصريح لــ”إنسايدر”، قال “الشهابي”: “لقد أنشأت المؤسسة العربية لتكون مستقلة عن تدخل المانحين. وعندما رأيت أن ذلك لم يعد ممكنا، أغلقتها. هذا هو الأمر بكل بساطة”.
ولم تستجب السفارة السعودية في واشنطن لطلب للتعليق.
تكهنات في واشنطن
في الأيام التي أعقبت إغلاق المؤسسة، انتشرت التكهنات في واشنطن.
فقد قال أكاديمي كبير عمل في مراكز أبحاث تركز على الشرق الأوسط لأكثر من عقدين: “كان الأمر غير متوقع”؛ فقد “حدث شيء غريب حقا لأن هذا ليس ما تفعله المنظمات”.
إحدى النظريات، كما قال “جريجوري غوز”، وهو مستشار سابق في “المؤسسة العربية”، هي أن مقتل “خاشقجي” جعل من الصعب للغاية الاستمرار في التسويق لصورة المملكة بالولايات المتحدة.
وهناك نظرية أخرى مفادها أن المانحين انسحبوا في ضوء الدعوى القضائية المرفوعة ضد “الشهابي” من قبل “علا سالم”، مديرة الاتصالات السابقة في المؤسسة.
ففي شكواها في أبريل/نيسان 2019 ، زعمت “علا” أن “الشهابي” كان تمييزيا، وقام بأفعال جنسية غير مرغوب فيها معها، وهددها.
وبحسب الشكوى، قال “الشهابي” لـ”علا” عام 2017: “سأقطع رأسك إذا لم تبلين بلاء حسنا في هذه المهمة”.
وتزعم “علا” أن “الشهابي” قال لها في مناسبة أخرى: “تعال هنا لم أحصل على قبلتي الصباحية اليوم”.
ورد “الشهابي” في إفادته أمام المحكمة، قائلا إنه يمازح موظفيه “باستمرار” باستخدام تعبير “قطع الرؤوس”، ونفى أن يكون طلب تقبيل موظفته.
وقال “الشهابي” لــ”إنسايدر”: “لو شعرت أن صاحبة الدعوى القضائية لها أدنى حق، لكنت بادرت بتسوية هذه الدعوى بسرعة وبهدوء عبر دفع جزء بسيط من التكاليف القانونية كما يفعل الآخرون”.
ولا تزال الدعوى القضائية متداولة بين ساحات القضاء.
ذكي لكن مستبد
اتفق جميع الأشخاص المرتبطين بـ”الشهابي” أو مؤسسته، الذين تحدثت معهم “إنسايدر”، على أن الأخير ذكي ومقدام وجدير بالثناء.
لكنهم اتفقوا كذلك على أنه عدواني ومتهور ومدمر للذات.
وقالت “علا” في شهادتها: “أبسط شيء يمكن أن يغضبه. إنه في الواقع أسوأ من السير على قشر البيض. إنه مثل السير في حقل ألغام”.
ووافقت “جينف عبده” موظفة المؤسسة على شهادتها. وقالت: “لقد كان الشهابي يرهب الموظفين طوال الوقت”، ووصفته أيضا بأنه “مستبد للغاية”.
وقال الأكاديمي الكبير لـ إنسايدر”: “إنه أحد أكثر الأشخاص اندفاعا الذين تعاملت معهم في واشنطن”.
وبرر “الشهابي”، لـ”إنسايدر”، تصرفاته، قائلا: “الأمر في واشنطن هو إما أن تأكل أو تُؤكل”.
وأضاف: “كان علي أن أكون صاخبا وصريحا وعدوانيا؛ لأنك لا تستطيع إحداث تأثير سريع في مكان مثل العاصمة من خلال التحدث بلطف وخجل”.
وتابع: “كنت أدافع عن وجهات نظر تتعارض بشكل مباشر مع السرد السائد، كان علي أن أفرض هذه الآراء بقوة، وإلا فلن يتم سماعها مطلقا”.
واستطرد: “هل أزعج ذلك بعض الناس؟ نعم بالطبع”.
إهانات بحفلات عشاء
حفلات العشاء التي كان يقيمها “الشهابي” كانت معروفة جيدا في واشنطن، لكن ليس للسبب المعتاد.
وحول ذلك، قالت “جينف” في شهادتها: “كان الشهابي يهين الناس في حفلات العشاء حيث يغادرون بغضب”.
وفي إحدى حفلات العشاء، التي حضرها صحفيون من “سي إن إن” و”ذا أتلانتيك”، أمضى “الشهابي” الليلة “وهو يصرخ في أي شخص يختلف معه”، كما قال الصحفي “حسن حسن”، زوج “علا”، في شهادته.
وعندما سئُل “الشهابي” عن ذلك، قال لـ”إنسايدر”: “كانت حفلات العشاء الخاصة بي شائعة جدا في واشنطن. كنت أقيمها في كثير من الأحيان مرتين في الشهر ، وإذا كُنت قد أمضيت وقتي في الصراخ في الأشخاص، فأنا أشك في أنهم كانوا سيستمرون في الحضور”.
كما تصاعدت حدة غضب “الشهابي” عندما تمادى موظفوه في انتقاد “بن سلمان”، وفقا لما ذكرته “جينف” في شهادتها.
إذ قالت إن “الشهابي” حاول ذات مرة منع نشر مقال كتبته لصحيفة “واشنطن بوست” قبل ساعات من موعد نشره؛ لأنه لم يُظهر “بن سلمان” بشكل إيجابي.
لكن “الشهابي” نفى صحة ذلك. وقال لـ”إنسايدر”: “لم نحاول أبدا منع أي شيء يكتبه موظفونا؛ لأننا كنا حساسين بشأن هذا الاتهام بالتحديد”.
وعلى الرغم من إيمانه الراسخ برؤية “بن سلمان”، لم يكن دعم “الشهابي” للسعودية على الدوام.
وعن ذلك، قال “هيكل”: “لم يكن (الشهابي) أبدا مدافعا فظا”.
فلطالما كان “الشهابي” مختلفا مع كيفية إدارة البلاد، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمؤسسة الدينية والبيروقراطية الحكومية.
ففي عام 1996، وبعد أن حظرت السلطات الدينية الرياضة على النساء، غادر الرجل السعودية حتى تتمكن ابنته من الدراسة في دبي.
أين “الشهابي” الآن؟
ويقضي “الشهابي” الآن معظم العام بالبرتغال في مزرعة أفوكادو اشتراها والده الراحل.
ولا يزال على نطاق واسع ضيفا في وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية؛ يزيل الغموض عن التطورات السعودية فور ظهورها، رغم أن خطته لاستخدام مؤسسته للتأثير على واشنطن لصالح الرياض لم تسر كما هو مخطط لها.
لكن تلك الجهود لم تمر مرور الكرام.
وقال “هيكل” لــ”إنسايدر”: “كانت هناك كل أنواع العروض المقدمة له ليكون في الرياض إذا أراد ذلك”.
وفي مارس/آذار 2020 ، أعلن “الشهابي” أنه تم تعيينه في المجلس الاستشاري لمدينة “نيوم”، وهي مدينة ضخمة مستقبلية قيد الإنشاء في شمال غرب السعودية.
و”نيوم” هو المشروع الثمين والركيزة الأساسية لـ”رؤية 2030″، التي يتبناها “بن سلمان” في السعودية.
ومن بين أعضاء مجلس الإدارة أيضا مؤسس “سوفت بنك”، “ماسايوشي سون”.
وقال “إيريلي”: “أعتقد أن هذا يخبرك أن الشهابي لا يزال موردا بشريا قيما لكبار المستويات في الحكومة السعودية”.
وفي الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، يظل التسويق للسعودية في واشنطن عملية صعبة، لكن من المؤكد أن “الشهابي” سيواصل المحاولة.