قِصَصٌ عديدةٌ مُثيرةٌ سيتم الكشف عنها فيما هو مُقبِلٌ من الأيّام والشّهور والسّنين عن أسرار وفضائح الاحتِلال الأمريكي لأفغانستان، ولكنّ قصّة هُروب الرئيس الأفغاني أشرف عبد الغني وزوجته اللبنانيّة وأفراد أُسرته تظَل الأكثر إثارةً حتّى الآن على الأقل.
السيّد محمد زهير أغبار السّفير الافغاني في طاجيكستان الذي يُعتَقد أنّه استقبل الرئيس الهارب عندما توقّف في محطّته الأُولى “طشقند” حسب بعض التّقارير الإخباريّة، روى جوانب قصّة الهُروب هذه بقوله إنّ الرئيس عبد الغني دعا يوم فراره إلى عقد اجتِماع طارئ للوزراء وكِبار المَسؤولين في الدّولة، وبهدف التّمويه، ليتَوجَّه إلى المطار ليستقلّ الطّائرة ومعه أفراد أُسرته، وما تيسّر من الملايين من الدّولارات مُتَّجِهًا إلى أبو ظبي محطّة لُجوئه الآمِن الأخيرة، بينما كان الوزراء ينتظرونه، وعلى رأسهم نوّابه الذين لم يَكُن لديهم أيّ علم بخطط هُروبه.
السّفير أغبار قال “إنّ الرئيس لم يَتْرُك “شعبه” والمُقرَّبين مِنه مِن المَسؤولين تحت رحمة القدر، بل قام بسرقة الأموال من ميزانيّة الدّولة والشّعب، واستقلّ وأفراد أُسرته وأقاربه أُسطُولًا من ثلاث طائرات، وادّعى أنّه خرج بثيابه وعمامته وأحذيته فقط”.
هذا الهُروب المُعيب والجبان من رئيسٍ وعد أنصاره بالقِتال حتّى الموت قبل يومٍ من هُروبه، يُفَسِّر أسباب انهِيار الجيش الأفغاني وتِعداده 300 ألف جُندي أنفقت أمريكا على تدريبه وتسليحه أكثر من مِئة مِليار دولار، مثلما يُجَسِّد حجم الفساد وضخامة تِعداد الفاسدين في البِلاد، ابتِداءً من الرئيس وحتّى آخِر مُوظَّف في سُلطته.
كيف يتَوقّع أيّ أحد، أمريكيًّا كان أو أفغانيًّا أن يُدافِع هذا الجيش عن نظامِ حُكمٍ يتزعّمه رئيسٌ فاسِد جبان يَهرُب من البِلاد، ومعه الملايين، ويَتْرُك أنصاره يُواجِهون مصيرهم لوحدهم؟
الرئيس عبد الغني ادّعى أنّه هرب من أجل حقن الدِّماء، لا نَعرِف عن أيّ دِماء يتحدّث، المُؤكَّد أنّه حقَن دمائه وأُسرته، وليس دِماء الشّعب الأفغاني أو الشَّق الذي راهن عليه والاحتِلال الأمريكي على وجه التّحديد.
إنّه فشَلٌ أمريكيٌّ بكُلّ ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فشَل في بناء الدّولة، وفشَل في تحقيق الازدِهار الاقتِصادي، وفشل في زرع بُذور الدّيمقراطيّة والحداثة، وحتّى فشل في القضاء على تنظيم “القاعدة” و”الإرهاب” رُغم إنفاق أكثر من ترليونيّ دولار في هذا المَيدان، فتنظيم الدّولة الإسلاميّة ـ ولاية خراسان الذي يحتمي بكُهوف تورا بورا، النّسخة المُستَحدثة الأخطر من تنظيم “القاعدة” لتبنّيه عقيدة أبو مصعب الزرقاوي ونهجه، بدأ يتَحَرَّك بقُوَّةٍ في أفغانستان، ويُهَدِّد باستِقرارها ويَكشِف عن نواياه مُجَدَّدًا باستِهداف حركة طالبان.
أمريكا لا تُراهِن إلا على الفاسِدين الانتِهازيين من أمثال أشرف عبد الغني، لأنّها لا تَجِد إلا أمثالهم الذين يقبلون باحتِلالها، وتنفيذ مُخطّطاتها، هكذا فعلت في فيتنام، وهكذا تفعَل في العِراق وسورية وليبيا ومُعظم الدّول العربيّة المُوالية لها.. ولهذا تَخْرُج من هَزيمةٍ لتَدخُل في أُخرى وأكثر إذلالًا.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”