"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

العدو للحكم.. وطالبان ساعدت الأمريكيين على وقفها

لندن -“القدس العربي”:

قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إن القوات الأمريكية من أفغانستان أنهت وجودها بأفغانستان بطريقة غير احتفالية مخلفة وراءها وعودا لم تتحقق وأسئلة مثيرة للقلق حول مستقبل البلاد.

وفي تقرير أعده توماس غيبونز- نيف قال فيه إن أطول حرب في تاريخ أمريكا انتهت بدون احتفال، وفي وقت حركت فيه الريح القمامة في المدرج الوحيد بمطار كابول الدولي، انتظر آلاف الأفغان عبثا على أمل الخروج من البلاد. وأطلقت حركة طالبان النيرات التي أضاءت ليل العاصمة. وفي الأيام الأخيرة لم يبق إلا جنديا مارينز صافحا مقاتلي طالبان في الوهج الخافت لمدرج المطار المحلي، وكانت هناك طوابير العطاش والمتعبين الذين ينتظرون الرحيل إلى مستقبل غير واضح. لكن الطرف الذي كان يملي الشروط هي طالبان في وقت تساءل فيه جيل من الأفغان عن نهاية 20 عاما من الأمل الممتد.

وهي الحرب التي أطلق أسماء القتلى فيها على الأنفاق ومقاعد المتنزهات بالولايات المتحدة.

على خلاف الاتحاد السوفييتي المهزوم فالإرث الأمريكي لم يكن دبابات مدمرة انتشرت في كل المساحات الأفغانية، ولكنها خلفت وراءها كل السلاح والمعدات التي تحتاجها طالبان المنتصرة لعدة سنوات قادمة.

وجاءت النهاية بالنسبة للولايات المتحدة والحلفاء الغربيين يوم الإثنين بعدما غادر الآلاف من الجنود الأمريكيين الذين دافعوا عن مطار حامد كرازي الدولي في موجات متتالية، وطائرة نقل عسكرية بعد الأخرى حتى لم يبق أحد في الساعات الأخيرة للحرب الخاسرة.

وعلى خلاف الاتحاد السوفييتي المهزوم فالإرث الأمريكي لم يكن دبابات مدمرة انتشرت في كل المساحات الأفغانية، ولكنها خلفت وراءها كل السلاح والمعدات التي تحتاجها طالبان المنتصرة لعدة سنوات قادمة، وهي نتاج 83 مليار دولار من تدريب وتجهيز الجيش الأفغاني وقوات الشرطة التي انهارت في غياب القيادة وتراجع الدعم الأمريكي.

وأكملت أفغانستان الدورة مرة ثانية كما فعلت خلال الأربعين عاما من العنف والاضطرابات. وللمرة الخامسة منذ اجتياح الاتحاد السوفييتي عام 1979 انهار نظام ليظهر نظام جديد. وما تبع ذلك في كل مرة هو انزلاق البلاد للانتقام وتصفية الحسابات ودورة جديدة من الفوضى والحرب الأهلية. والأمر بيد طالبان لكي تقرر إن كانت ستؤبد دوامة الانتقام كما فعلت عندما سيطرت على الحكم عام 1996 أو تبني مسارا جديدا وعد به قادتها في الأيام الماضية: القبول والمصالحة.

ومضت حوالي 20 عاما على قيام أسامة بن لادن بتنظيم هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة وإعلان الرئيس جورج دبليو بوش غزو أفغانستان في أول مرحلة من “الحرب الدولية على الإرهاب”. وما بقي للولايات المتحدة الآن هو التفكير بطريقة إدارة علاقتها مع النظام الإسلامي الذي أطاحت به في 2001، وهو سؤال يعيد مسألة الانتقام أم المصالحة وكيف ستحاول منع عودة الإرهاب الدولي النابع من أفغانستان.

وما بقي لدى أمريكا سوى منظور غارات بالطائرات المسيرة على الريف الأفغاني التي تخلف وراءها ضحايا بدون وجوه أو أسماء. ولن تواجه قواتها قنابل زرعت في الشوارع التي قد تضرب عربة حكومية أو حافلة تحمل عائلات. وبدلا من ذلك هناك نوع من القلق حول الكيفية التي ستحكم في طالبان بعد خروج الأمريكيين الحقيقي من البلاد، وهناك مخاوف على ما تركه انهيار الحكومة السريع على الاقتصاد.

وكان النزاع الذي خاضته الولايات المتحدة في أفغانستان هو أطول حروبها ولكن نهايتها كان سريعة كما بدا.

لكن مصير الانسحاب تم تقريره قبل 18 شهرا عندما وقعت إدارة دونالد ترامب اتفاقا مع طالبان لسحب القوات من البلد بحلول 1 أيار/مايو 2021. ووافقت طالبان بالمقابل على وقف استهداف القوات ومنع القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى من أن العثور على ملجأ في البلد. وزاد نفوذ طالبان بعد سنوات من قتال أقوى جيش في العالم، حيث تضاعف هذا النفوذ بعدما سيطرت الحركة على المواقع العسكرية النائية ونقاط التفتيش، ثم انتقلت إلى القرى والنواحي وبعد ذلك الطرق التي تربط بينها. ومع بداية هذا العام كانت طالبان قريبة من عدة مدن رئيسية في وقت بدأت فيه إدارة جوزيف بايدن مداولاتها حول التمسك بالاتفاق الذي وقعه دونالد ترامب.
وبعد إعلان الرئيس بايدن والناتو في نيسان/إبريل عن موعد الانسحاب النهائي في أيلول/سبتمبر كانت طالبان تسيطر على الناحية بعد الأخرى. وبدأت القوات الأفغانية بالاستسلام أو قطعت عنها الإمدادات. ثم بدأت طالبان بمحاصرة عواصم الولايات رغم الغارات الأمريكية والقوات الأفغانية التي قال المسؤولون الأمريكيون أن عددها يتجاوز 300.000 مقاتل، إلا أن العدد في الأيام الأخيرة للحرب لم يتجاوز سدس هذا الرقم حسب المسؤولين الأمريكيين. وهربت القوات الأفغانية أكثر مما قاتلت، ومن قتلوا وهم يواجهون بصدورهم العدو ماتوا من أجل قضية لم يكن حتى قادتهم يؤمنون بها.
وحتى قبل إعلان بايدن وصفقة ترامب مع طالبان كانت الولايات المتحدة في مرحلة انسحاب منذ عامة 2009، وهو العام الذي أعلن فيه باراك أوباما عن زيادة عدد القوات الأمريكية وموعد رحيلهم في 2014. ومنذ ذلك الوقت كان المسؤولون الأفغان وحلفاء أمريكا في حالة من التأهب والحدس بالأحداث ويحاولون تأمين مستقبلهم ومصالحهم المالية. وعزز عدم الوضوح الأمريكي الفساد المستشري الذي شجبه الغرب مع أنه لم يتوقف عن ضخ مليارات الدولارات على أمل حدوث تغيير ما. واليوم هرب الساسة الأفغان والتجار والنخبة التي تغذت على خزينة الحرب مخلفين وراءهم 100.000 أفغاني مؤهلون لإعادة التوطين في الولايات المتحدة نتيجة لخدماتهم وعملهم مع الأمريكيين.
وتطورت عمليات الإجلاء التي بدأت بشكل متواضع في تموز/يوليو إلى خروج جماعي بعد انهيار كابول في 15 آب/أغسطس، ثم تجمهر الآلاف أمام بوابات المطار وتخلى الناس عن سياراتهم وراقب الجنود الأمريكيون من خلال كاميرات الأشعة الحمراء والناس يجتاحون دفاعاتهم، لا بالقنابل أو الدبابات ولكن بحشود فوق الطاقة. ثم تعاونت الولايات المتحدة وطالبان من أجل تأمين المطار وبناء “إطار أمني” في محيطه، وذلك بعدما سقط الناس الذين تمسكوا بأجنحه الطائرات المقلعة وارتفع هدير المروحيات فوق السفارة الأمريكية التي تعد من أكبر البعثات الدبلوماسية في العالم. وأدت مشاهد الفوضى لاستحضار مشاهد حرب خاسرة أخرى، وتجمهر الناس على سطح السفارة الأمريكية في سايغون. وقال جندي أمريكي بطريقة غير ساخرة “لدينا علاقة منفعة متبادلة مع طالبان”.

وقبل عام أو 10 أعوام كانت طالبان مجرد ظلال في صف من الأشجار المتراصة، منظور غير مرئي قامت بتحويل الأرض أمام القوات الأمريكية والناتو والقوات الأفغان إلى جهنم محملة بحقول ألغام. وفي كل خطوة كان يطرح سؤال حول ما يجب عمله لو انفجر لغم بصديق ومزقه إلى أشلاء. ولكن طالبان ظهرت في الساعات الأخيرة من الحرب الأمريكية، في الطريق المحاذي للمطار وعند بواباته وفي العاصمة، وظهروا فجأة في كل مكان ورفرف علمهم بالأبيض والأسود حول مواقع الجنود الأمريكيين وسيطروا على الحشود وساعدوا الأمريكيين على إنهاء الحرب، وليس بناء على الشروط الأمريكية. وبالنسبة للجنود الأمريكيين فالأسابيع الأخيرة للحرب لم تكن دوريات عسكرية أو عمليات مكافحة إرهاب ولا تمشيط مناطق والحفاظ عليها او بناء الدولة.

ولم تكن هناك مداهمات على مخابئ الأسلحة لطالبان أو قتل صناع المتفجرات لأن صناع المتفجرات وقادتهم هم من يسيطرون على المدينة الآن. وقام جنود المارينز الشباب بمساعدة من كانوا محظوظين لكي يصلوا إلى بوابات المطار وسحبوا الناس من عتبات البوابات إلى ما يعتقد بعض الأفغان أنها حياة أحسن. وفي بعض الأحيان لم يكن لدى هؤلاء الأفغان وثائق ولهذا تمت إعادتهم. وإلى جانب صدمة إعادة الناس ومواجهة اليأس، عانى الجنود الأمريكيون في اللحظات الأخيرة من الحرب فقدان الرفاق في تفجير يوم الخميس.

في قطر والكويت وألمانيا والولايات المتحدة يقف عشرات الآلاف من الأفغان في صفوف مراكز التعامل مع الطلبات بعيدا عن ظل الحكومة الجديدة- القديمة لكنهم لا يعرفون متى ستتاح لهم فرصة دخول الولايات المتحدة. وفي أمريكا سيقرأ المؤرخون والمحللون وينظرون إلى الخلف الحلول الفاشلة والاستراتيجيات الخاطئة والضباط العسكريين الذين أكدوا على النصر لكنهم اعترفوا في الجلسات الخاصة وخلف الأبواب المغلقة أن أمريكا تخسر الحرب. وبما طالب الرأي العام الأمريكي بالمحاسبة على خسارة آلاف الجنود وتريليونات الدولارات في حرب أعادت طالبان للحكم وأقوى مما كانت عليه قبل 20 عاما. وربما لم يعيروا الأمر اهتماما واستمروا في حياتهم في أمريكا التي ستظل بشكل شخصي واقتصادي وسياسي مرتبطة بالحرب، لاحظوا أم لم يلاحظوا. أما بالنسبة لمن بقوا في أفغانستان، 38 مليون نسمة ناقص آلاف الذين فروا في الأسابيع الأخيرة، فكل ما يمكنهم عمله هو مساءلة أنفسهم ومن يستمع إليهم، ماذا بعد؟