بهذا المعنى، فإن الإدارات السياسية والعسكرية الأمريكية، كانت مستمرة في ارتكاب الخطيئة نفسها، التي اضطرت للإقرار بها مجبرة لاحقا، وأنها، بعد أن دفّعت الشعب الأفغاني أكلافا هائلة، وخسرت بدورها، هي وحلفاؤها، آلاف الجنود ومئات المليارات، قررت الانسحاب بكلفة إضافية من الإهانة، كي تتعرّض أيضا لضربة عسكرية كبيرة توقع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وإدارته، إلى مأزق جديد قد يدفعه لأعمال عسكرية لا يعلم أحد متى تنتهي.
مفيد التذكير تاريخيا، أن تنظيم «الدولة الإسلامية – ولاية خراسان» الذي قام بالهجمات الأخيرة على المدنيين، وعلى الجنود الأمريكيين، وعلى عناصر حركة طالبان، لم يكن موجودا حينها، وأنه بدأ بالظهور عام 2013.
يمكن أيضا، من دون افتئات كبير، تحميل مسؤولية ذلك للسياسات الأمريكية، التي قررت، ردا على هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، احتلال أفغانستان ثم العراق، حيث قامت عمليا بهندسة العراق على صورة أفغانستان، وبعد الإنجاز الذي قامت به في تشكيل نخبة سياسية عراقية جاهزة للحكم ومرتبطة بها (وبعضها كان على علاقة بإسرائيل) وتحضير أشباه عراقيين لحامد كرزاي.
لقد أدت مضاعفات احتلال أمريكا للعراق إلى فتح الأبواب لنشوء تنظيم «الدولة الإسلامية» الذي استولى على الموصل بعملية خاطفة، ثم استولى على أجزاء كبيرة من سوريا، وشكّل تهديدا لدول الإقليم، تحوّل إلى مركز استقطاب وإلهام للحركات السلفية المسلحة التي رفعت رايته في آسيا وأفريقيا، أو قامت بعمليات إرهابية عالمية متأثرة بأدبياته، ومنها «ولاية خراسان» التي بزّت طالبان و»القاعدة» وكافة الحركات السابقة في عنفها ومتابعة حرب التنظيم المفتوحة ضد العالم أجمع.
جدير بالتفكّر تاريخيا، كيف أن محاولة أفغنة العراق الفاشلة، قد انتهت إلى إعلان قادة مجموعات مسلحة أفغانية ولاءها لتنظيم نشأ في بلد عربي قامت باحتلاله، وذلك بعد 12 عاما من الإدراج العجيب للعراق في رد واشنطن الانتقامي على عملية اتهم بها تنظيم أسسه سعودي (من أصول يمنية) مقيم في أفغانستان، حيث وافقت طالبان حينها على محاكمته على أراضيها، واضطرّت في سبيل احتلالها لبلد عربيّ لا صلة له البتة بـ»القاعدة» لفبركة الملف النووي للعراق.
من المدهش، أنه بعد هذا السياق التاريخي المرعب، وبسبب العملية الأخيرة فيما تتجهز الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء عمليات الإجلاء، أن يقوم «خبراء» أمريكيون، بمطالبة إدارة بايدن «بالانتقام من طالبان، حتى لو لم تنفذ هي الهجوم» وأن يقوم «بتوسيع المحيط الأمني للمطار بصورة كبيرة من خلال ضخ المزيد من القوات الإضافية» وهو، باختصار، استعادة للسيناريوهات الأمريكية التي قادت إلى كل هذا الجحيم الذي سنعاين، ولفترة طويلة، آثاره في أفغانستان والعراق.
من أفغانستان للعراق : دروس لا يريد أحد تعلّمها؟
رأي القدس العربي :