لندن- “القدس العربي”:
علقت صحيفة “أوبزيرفر” على سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان، بالقول إن هذا البلد أذّل الغرب وقوّى أعداءه، وحان الوقت للتعاون مع حكام كابول الجدد لمنع تهديد أكبر.
وأضافت الصحيفة أن “أفغانستان هي مأساة وحكاية أو مثال تحذير لعصرنا، مثل الموجات الأخيرة من الناس اليائسين الذي تدافعوا إلى الطائرات في مطار كابول والانتحاريين الذين يهددون بقتل الكثير من الناس الذي لا ذنب لهم، مثل الأمواج البشرية التي غمرت الحدود مع باكستان والسكان الباقين الذين اختبأوا عالقين في بيوتهم خوفا من طالبان العائدة. وعلى مَن في الغرب الذين قاتلوا 20 عاما لتشكيل مستقبل أفغانستان مساءلة أنفسهم: ماذا فعلنا؟”.
يرى الكثيرون في هذه الهزيمة المذهلة، وبهذه الطريقة، أن التاريخ سيحكم عليها أنها هزيمة أساسية للمفاهيم الغربية الإشكالية عن التدخل الإنساني والنظام الدولي القائم على القوانين.
يرى الكثيرون في هذه الهزيمة المذهلة، وبهذه الطريقة، أن التاريخ سيحكم عليها أنها هزيمة أساسية للمفاهيم الغربية الإشكالية عن التدخل الإنساني والنظام الدولي القائم على القوانين.
ولا تنكر الصحيفة تحقق الكثير من التقدم، حيث قام حلفاء الناتو بتطبيق نظرياتهم عن بناء الدولة. وتعلم أجيال عدة من الأفغان الشباب، وفُتح المجال أمام المرأة والفتيات لمواصلة مسيرتهن العملية، وازدهر الإعلام الحر وحرية التعبير، وولدت ديمقراطية هشة ولكنها حيوية، وكل هذه كانت إنجازات يجب الافتخار بها. إلا أن المكاسب التي تم الترحيب بها أخفت وراءها العيوب القاتلة.
فقد قدمت حركة طالبان نفسها على أنها حركة جهاد ضد الإمبريالية. وصمدت أمام كل محاولات تعزيز القوات الأجنبية، وتحدت أحدث وأدق الأسلحة الأمريكية، وتبنت أساليب وحشية، وهي لا تهتم بالثمن الإنساني الذي تتركه على المدنيين، ورفضت الاستسلام.
وتقول الصحيفة أن السياسات الغربية تذبذبت وتم تحويل المصادر في أفغانستان إلى حرب جديدة في العراق. وفي الوقت نفسه، أفقد الفساد والرشوة مصداقية المشروع، في وقت ربّت باكستان وبهدوء التمرد. وترى الصحيفة أن مقاومة الأفغان للحكم الغربي المباشر تحولت إلى نقطة تعبئة وحشد لعدد من الأفكار، والتفكير الإسلامي الجديد الذي انتشر من السعودية في الثمانينات من القرن الماضي. أما بالنسبة للدول العربية والإسلامية، فقد تعرضت التقاليد العلمانية والتسامح الديني لهجوم حاد. وأدت عقيدة العنف التي تبنتها القاعدة وتنظيم “الدولة” لظهور معتقد أكثر تطرفا مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” في أفغانستان أو ما يعرف بولاية خراسان، وهي الجماعة التي هاجمت مطار كابول الأسبوع الماضي ودفعت أمريكا لرد انتقامي.
وتعلق الصحيفة أن الغرب الذي فشل في تشكيل أفغانستان على صورته، وجد نفسه يتشكل حسب ما تريده أفغانستان. وتراجع كل من جورج دبليو بوش وباراك أوباما عن كل خطوة بعد إحباط محاولاتهما وترنح الناتو بسبب الخلافات، وعدم استعداد دوله لتحمل الأعباء المالية. ولم يعد بالإمكان مواصلة حرب أدت لكلفة بشرية ومالية وانتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما أدى لنزيف سياسي تحول إلى أزمة هزيمة للنفس.
فالمعركة التي خسرها الغرب في أفغانستان، تحولت إلى مجاز عن ضعفه وانحطاطه، يستخدمه حكام روسيا العدوانيين وملالي إيران والديكتاتوريون في كل مكان. وهو سرد سياسي وأخلاقي بات الكثيرون في الغرب يقبلونه. وفي الوقت الذي تعثر فيه تقدم الديمقراطية في أفغانستان، انتعشت الأفكار المعادية للأجانب والزعماء القوميين الشعبويين في أوروبا والولايات المتحدة، ووقفت الصين تنتظر مثل طير جارح يحوم حول جثة السياسة الغربية.
ولو وُجد كيبلينغ ( الكاتب الإنكليزي) بيننا اليوم، لذكّرنا بأن أفغانستان هي المدمر للأوهام والإمبريالية وغير ذلك. فقد تعرضت الولايات المتحدة، القوة العظمى بدون منازع، للإذلال. ووجدت بريطانيا التي تقوم وبنرجسية بإعادة تشكيل دورها العالمي أنها لا تملكه. وهُزم الناتو، أقوى تحالف عسكري، واكتشف الجواسيس الذين أعمتهم الهزيمة بأن “معلوماتهم الاستخباراتية” خاطئة أو أنها جاءت متأخرة.
تعرضت الولايات المتحدة، القوة العظمى بدون منازع، للإذلال. ووجدت بريطانيا التي تقوم بإعادة تشكيل دورها العالمي أنها لا تملكه، وهُزم الناتو، أقوى تحالف عسكري.
وتجاهلت الولايات المتحدة المهتمة بنفسها أوروبا التي اكتشفت أنها لا تساوي شيئا. وتحطم، ربما بشكل دائم الرئيس جوزيف بايدن، الحكيم والصارم. فقد بدا رجلا يعرف السياسة الخارجية وحازما ووصل إلى البيت الأبيض وسط العداء لدونالد ترامب حيث تمتع بشعبية. ولكنه الآن يواجه تداعيات حساباته الكارثية الخاطئة. وأثرت الفوضى في مطار كابول على شعبيته، وأضرت بقيادة أمريكا العالمية، وأضعفت قدرته على مواصلة السياسات المحلية و”الغطرسة لها دائما ثمن”.
وتقول الصحيفة إن الضرر التاريخي الذي تسببت به الدول الغربية على نفسها إضافة إلى الفوضى التي خلفتها وراءها في أفغانستان، ضخمة. وهناك العديد من الأسئلة التي تطرح الآن، وأهمها مصير آلاف الأفغان الذين تعتبرهم طالبان عملاء للأجانب، ولم يستطيعوا الخروج مع القوات الأجنبية. واعترفت بريطانيا أنها فشلت في اجلاء أكثر من 1.000 شخص يحق لهم الخروج، مع أن العدد قد يكون أعلى. ويصل هذا إلى حد الخيانة، حيث كان يجب اتخاذ كل الإجراءات لتأمين هروبهم في “المرحلة الثانية”.
وبات واضحا أن الأزمة الإنسانية واللاجئين ترتبطان معا. وتحذر الأمم المتحدة من هروب نصف مليون شخص وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقص الأدوية. وبناء على الطريقة التي ستتصرف فيها طالبان، فإن العدد مرشح للتزايد، خاصة إذا اندلعت حرب أهلية مع أمراء الحرب في شمال افغانستان.
ومن الملحّ البحث عن طرق للحديث مع نظام حركة طالبان الناشئ التي كانت جيدة في إدارة حركة تمرد لكن ليس لديها معرفة جيدة في إدارة البلاد. وهناك حاجة لإنشاء شكل من التواصل الدبلوماسي لتأمين إيصال المساعدات الإنسانية في المستقبل. وهناك حاجة للتعاون مع طالبان التي يجب أن تساعد في مواجهة تنظيم الدولة- ولاية خراسان” لمنع الإرهابيين الأجانب من بناء موطئ قدم لهم في البلاد.
وقد يكون هذا التعاون غير مستساغ لكنه ضروري. وعندما ينجلي غبار الأزمة، يجب أن تشكل لجنة للتحقيق في طريقة حكومة بوريس جونسون العقيمة لإدارة عملية الانسحاب التي تمت ليلة السبت، بما في ذلك التحقيق في أداء وزير الخارجية دومينيك راب ووزارته، وضياع وثائق مهمة في سفارة لندن بكابول. وفي الوقت الحالي يجب التركيز على الساعات الأخيرة في المرحلة النهائية للمأساة.