عمان – «القدس العربي» :
يستطيع القطب البرلماني الأردني صالح العرموطي، وباسترخاء سياسي شديد، تأسيس جملة معارضة وأخرى معترضة تحاول تذكير الأردنيين بأن استقبالهم لـ 2500 شخص من لاجئي الأفغان هو من بركات الاتفاقية الأمنية العسكرية الموقعة قبل أشهر قليلة مع الأمريكيين.
طبعاً، يتحدث العرموطي هنا عن استقبال عملاء للأمريكيين ساعدوهم في أفغانستان في عمان، معتبراً أن الخطوة التي أعلنت عنها الخارجية الأردنية أمس الأول هي جزء من منظومة الاعتداء على السيادة الأردنية.
تصريحات العرموطي في هذا السياق تحاول ترسيم الوقائع وانطلاقاً من موقف معارض تحت عنوان كلفة وفاتورة اتفاقية أمنية وقعت مع الأمريكيين وأثارت ولاتزال تثير المزيد من الجدل.
لكن ما لا يتحدث عنه ورموز الاعتراض بالعادة وبالتفصيل المطلوب هو كيفية بناء إستراتيجية وطنية مستقلة تماماً في علاقة غير ندية مع حليف هو الولايات المتحدة، يصنفه وزير المالية الأردني الدكتور محمد العسعس، على هامس نقاش مع «القدس العربي» بأنه الصديق الدولي الوحيد الذي يدفع مالاً اليوم للشعب الأردني.
ثمة مليار و600 مليون دولار مساعدة نقدية مباشرة وقعها الأمريكيون، لا بل حولت في جزء منها إلى الخزينة الأردنية. ذلك عنصر قد يسقط من حسابات الساسة المعارضين محلياً، حيث لا يقول أي منهم بإمكانية الاستغناء عن أضخم مبلغ تحصل عليه الخزينة الأردنية في إطار العلاقات والتحالفات الدولية.
وثمة تجاهل للاستحقاق الدستوري وتوقيع اتفاقيات مخالفة للدستور تمس بالسيادة في منطق العرموطي، وآخرون في المعارضة لا تجيب عليه الحكومة الأردنية أيضاً، بدورها، بالتفصيل المطلوب. ويزداد النقاش تعقيداً في الشارع بسبب سلسلة من الخذلانات والخيبات التي تعرضت لها الدولة الأردنية طوال عقود تحت بند التعاون مع المجتمع الدولي في ملف اللجوء. لسبب أو لآخر، ألهب الإعلان عن الاستعداد لاستقبال 2500 أفغاني إقامة مؤقتة في الأردن النقاشات النخبوية وتلك الشعبوية، وبأثر رجعي، حول ما سمي بالاتفاقية الأمنية للولايات المتحدة، وهي اتفاقية يقول بعض الخبراء المعارضين بأنها تسمح للجيش الأمريكي أو للجهات المتعاقدة معه بالدخول إلى الأراضي الأردنية واستعمالها دون جوازات سفر أو تأشيرات، وحتى دون الحصول على إذن مسبق.
لا ترد الحكومة بدورها على مثل هذا المنطق علناً على الأقل، وإن كانت الاعتراضات -وهي بالجملة اليوم- فيها قدر من الشعبوية إلى حد ما، فيما لا تجيب كالعادة على أسئلة البديل عن مساعدات الحليف الأمريكي والتي تعتبر أساسية في منع الاسترسال في تراجع المنظومة الاقتصادية الأردنية.
مؤخراً، قيل للأردنيين، بعد إقرار المساعدة السنوية وتوقيع وثائقها، بأن ثمة مالاً في برامج دعم، ويمكنهم تقديم عروض للاستفادة منها في بعض المؤسسات الأمريكية الداعمة. وفي ضوء هذه النصيحة، يفترض أن يتفاعل العسعس ورئيس الطاقم الاقتصادي الوزير ناصر الشريدة لالتقاط ما يمكن التقاطه أيضاً من عشرات ملايين الدولارات بضوء سياسي أخضر للرئيس جو بايدن.
وتلك نصائح في عالم السياسة لا يمكنها أن تكون مجانية. والأفضلية التي تمنح مالياً للأردن تعني بالنتيجة بأن المبالغة في الحديث عن الجزئية الأفغانية أو عن تلك الاتفاقية الأمنية تحتاج إلى وقفة في القراءة الواقعية لحجم الإمكانات قياساً برغبة المجتمع الدولي بمساعدة الأردن، فقد سبق لناشط أمريكي فلسطيني بارز هو الدكتور سنان شقديح، أن تحدث عن موقع متقدم للأردن عند الإدارة الأمريكية الحالية، وعن أموال موجودة ويمكن الاستفادة منها إذا ما حفظ الأردني درسه السياسي والفني بصورة جيدة.
في قياسات خبير بالتحالفات الاقتصادية الدولية، تحدثت معه «القدس العربي» عدة مرات، هو الدكتور أنور الخفش، ثمة أساس لتبادل المنفعة عند التحالف السياسي، والأردن له مصالح أكيدة ومهمة من التقارب مع الأمريكيين.
لكن في عالم اليوم، تخرج مفردات وعبارات مثل «استقلالية القرار الوطني» و»العزف المنفرد» من قاموس القراءة الواقعية لمسار الأحداث حتى عندما تلطم صفقة استضافة لاجئين أفغان بعدد قليل مستودع الذكريات المرة عند الأردنيين في مسألة اللجوء.
هنا تحديداً، تنشطت الذاكرة الشعبية والشعبوية الأردنية، واستعاد الأردنيون كل ما هو محزن فيما سمي بخدعة اللجوء السوري حيث الأرقام والبيانات المعلنة تتحدث عن التزام المجتمع الدولي فقط بـ 7 % من الأموال التي خصصت لدعم الأردن من أجل اللاجئين الأردنيين، وحيث اعتراض بالجملة على استضافة أعوان الأمريكيين من الأفغان في الشارع اليوم بصورة تعيد إنتاج المخاوف المتربطة بتفعيلات الاتفاقية الأمنية والعسكرية الغامضة مع الأمريكيين، والتي لم يناقشها أو يقرها البرلمان، وإن كان التكييف القانوني عند الحكومة يتحدث عن اتفاقية ليس من النوع الذي يلزم دستور الحكومة بعرضها على ممثلي الشعب.
تحدث العرموطي عن توزيع القوات الأمريكية في الأردن على 13 موقعاً داخل المملكة، وعن استقدام قوات من العراق وقطر والكويت بموجب تلك الاتفاقية المثيرة للجدل.
لكن في موقع القرار، وتحديداً في أقرب مسافة من رئاسة الوزراء، ثمة حديث عن مبالغات وتهويلات في الأرقام والحيثيات هنا، فالاتفاقية تجديد لاتفاقيات سابقة، وطابعها لوجستي، ووجودها مفيد اقتصادياً وسياسياً، والزيادة التي رصدت حتى الآن على عديد القوات الأمريكية لم تصل بعد إلى 1000 جندي زيادة على القوات التي كانت موجودة أصلاً، فيما الحديث عن اتفاقية لها علاقة ببرامج تبادل وتعاون وتدريب، وهي أمور كانت تحصل طوال 50 عاماً.