لندن- “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا تحليليا أعده مراسلها في الشرق الأوسط مارتن شولوف تحت عنوان “عرابو السلطة في العالم العربي يراقبون عن كثب تونس”، وقال إن السياسة التي تقف وراء الأحداث الأخيرة في تونس هي محلية إلا أن اللاعبين في المنطقة يريدون التأثير عليها. وقال إن بوتقة انتفاضات الربيع العربي قد سحقت بعد عقد من اندلاعها. وكانت البداية في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2010 في تونس ثم مصر وليبيا، حيث انهارت أنظمة قمعية أمام ضغط الشوارع الساخطة، وتحولت هذه الدول الثلاث إلى ساحة تأثير كبرى منذ ذلك الوقت. ويرى الكاتب أن النزاع يدور بين ما أطلق عليها الدول البوليسية القومية العربية التي تضم السعودية والإمارات ومصر التي عادت بعد الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح السيسي في 2013 وحصلت على حماية من أبو ظبي والرياض.
وعلى الجانب الآخر قطر وتركيا وبقايا الإخوان المسلمين الذين سحقهم السيسي ويحصلون على حماية أنقرة والدوحة. ومثل مصير الإخوان خط صدع حول الطرف الذي ثبت وصمد أمام الآخر. لكن حركة النهضة الميالة للإخوان المسلمين لعبت دورا مهما في الشؤون السياسية التونسية منذ عشرة أعوام.
وفي بداية العام الحالي تم تشكيل حكومة في ليبيا بموافقة من تركيا العدو اللدود للإمارات التي زعمت أنها تراقب وتنتظر. لكن أبو ظبي التي دخلت حرب وكالة مكلفة في ليبيا وأنفقت ببذخ لتقوية مصر، ستكون لديها مصلحة بمصير تونس.
وكانت الإطاحة بالحكومة ليلة الأحد نتيجة تلاقي عدة أحداث من التقدم البطيء نحو المثل الديمقراطية والتداعي الاقتصادي والبطء الدولي الذي لم يقدم التشجيع الكافي. وبالتأكيد، فردة الفعل على الانقلاب في تونس كانت صامتة. ومع أن السياسة التي تقف وراءه محلية إلا أن مواقف اللاعبين بالمنطقة بمن فيهم الإمارات لا تزال غير واضحة.
ويدعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تونس، مع أن تقدمه في العالم العربي كان مصدر سخط من الإمارات التي يشعر بعض قادتها أن ليبيا لم تقدم إلا مكاسب قليلة وزادت قوة الإسلام السياسي.
ويقول الكاتب إن قيس سعيد، رجل تونس القوي تعهد بمواجهة النهضة، بعد أن قطع عمل رئيس الوزراء الذي صمت فإنه يواجه عقبات قليلة لتوطيد سلطته الجديدة. وفي شوارع العاصمة التونسية فإن سياسة عزل الحكومة تظل محلية، والشعب متعب وفقد عدد منه الأمل بقدرة الديمقراطية الغضة على تقديم أي شيء، إلا أن عددا من اللاعبين في المنطقة سيراقبون بدون أي تأنيب للضمير.
وهناك اعتقاد متزايد في العواصم الأوروبية يوم الثلاثاء أن بعض الدول بالمنطقة لم تكن غير راضية عن التطورات.
وأشار شولوف في تقرير أعده مع سايمون سيبكمان كوردال إلى أن شوارع العاصمة التونسية بعد يومين من توقف عجلة الديمقراطية التونسية بدت هادئة وغير مبالية وبحضور الجيش التونسي حول مبنى التلفاز الذي بات يشير إلى حضور غير مريح.
واختفى المتظاهرون الذين خرجوا يوم الأحد قبل قرارات سعيد بعزل رئيس الوزراء وتجميد عمل البرلمان مع أن الشوارع كانت نقطة غليان وسخط. وبدلا من ذلك يعبر المارة لشأنهم غير آبهين بخطورة اللحظة، وفي بعض مناطق تونس فالمزاج كان احتفاليا.
وبعد النجاح المعروف للثورة التونسية والزحف باتجاه الديمقراطية، تبدو حاملة لواء الربيع العربي مرهقة وغير واثقة من نفسها، فبطء التغيير أتعب السكان وأدى كوفيد-19 والبطء العالمي ببعضهم للبحث عن الرجل القوي الذي قد يقدم لهم مستقبلا أكثر إشراقا من ذلك الذي انتظروا قادتهم السياسيين لكي يقدموه.
وعند موقف سيارات قال عبد الرزاق قسومة، (53 عاما) إنه يدعم قرارات الرئيس 99% لكنه غير متأكد من الطريقة التي كانت يجب أن تكون أكثر ديمقراطية. وقال عن البرلمان إن قادته فقدوا ثقة الشعب وهناك حاجة لشباب فيه وقتال أقل “وهناك حاجة له ولن يكون هناك بلد بدون برلمان، لكنه بحاجة للثقة”.
وقال آخر واسمه فراس القلا، (24 عاما) إن التدخل كان متأخرا وكان يجب أن يكون قبل 10 أعوام واتهم الساسة الفاسدين الذين سرقوا مال الدولة ولم يقدموا شيئا و”ما عليك إلا الذهاب إلى المستشفيات، ستصدمك، انظر لمستشفياتنا وبيوتنا وسيارتنا، كل شيء خطأ”. وأضاف “الديمقراطية أمر جيد والمشكلة هي الديمقراطية التونسية، نحن بخير ونريد أن نعيش معا، ويجب أن نعيش، تريد أن تصلي وأريد أن أشرب البيرة، ما المشكلة، كل واحد يستطيع عمل ما يريد”.
وقال هشام المشيشي، رئيس الوزراء المعزول إنه لن يعترض على قرار عزله في وقت تحرك فيه سعيد للسيطرة على الوضع من خلال فرض حظر التجوال بين الساعة السابعة مساء والسادسة صباحا ومنع الحركة بين المدن التونسية. وفاجأت قرارات سعيد القادة السياسيين لكن غياب الشرطة من الشوارع يعني عدم خوف الذين سيطروا على السلطة من ردة فعل وشيكة.
وقالت النائبة عن حركة النهضة، سيدة الونيسي إن تعليق البرلمان وضع سابقة غير مشجعة في البلد الذي قاتل بشدة لغرس الديمقراطية منذ سقوط زين العابدين بن علي. وتساءلت “هل هذه هي الطريقة التي تحل فيها المشاكل؟” و”لا أعتقد أن إغلاق هذه المؤسسات هو الحل، وتم انتخابنا كسعيد”. وقالت إن “فيروس كورونا كان أمرا كبيرا” و”هو واحد من التحديات عندما تعطي الحكومة الأولوية للاقتصاد على الوضع الصحي، وهذا ما يحدث، وكل الدول التي فعلت هذا لم تنجح”.
وقال راشد شاذلي، (34 عاما) والذي أصيب بعيار ناري في أثناء الثورة قبل عقد من الزمان، معلقا على ما يبدو أنه انقلاب “لا يهمني كيفية تصوير الناس لهذا، وهو خطأ” و”قاتلنا حتى الموت. وما قاتلنا من أجله كان أمرا جديرا. والعودة بخدر إلى أيام بن علي ليس مقبولا، انظر إلى مصر وسوريا تعلم دروس التاريخ”. وتساءل شاذلي “هل ما حدث هنا بسبب التنافس؟ لا أعرف لكن الزمن سيكشف”.