الناصرة- “القدس العربي”:
يعدد الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية ورئيس معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب اللواء في الاحتياط عاموس يادلين الإنجازات والإخفاقات الأمنية في فترة حكم بنيامين نتنياهو الممتدة على التوالي طيلة 12 عاما (2009-2021).
وقال في مقال مطول نشره موقع القناة العبرية 12 إن الحذر الذي أبداه نتنياهو وعدم رغبته في خوض مغامرات عسكرية حال دون اندلاع حرب كبرى إضافة لتوسيع دائرة السلام مع الدول العربية والإسلامية وإنهما يشكلان إنجازا لا جدال فيه، داعيا للنظر إلى حكم نتنياهو في السنوات العشر الماضية برؤية واسعة وشاملة تلخص وتقدر مساهمة أولئك الذين كانوا يُنظر إليهم حتى وقت قريب في إسرائيل على أنهم “سيد أمن” بدون منازع.
وحسب يادلين واجهت إسرائيل في العقد الأخير تحديات أمنية من بينها الصراع ضد البرنامج النووي الإيراني، نتائج الاضطرابات الإقليمية على أمن إسرائيل، والمؤسسة الإيرانية بالقرب من الحدود الشمالية وتعزيز حزب الله في لبنان وحفر أنفاقه وهذه تضاف إلى مشاريع دقيقة في الضفة الغربية المحتلة واستمرار المواجهة مع حماس في قطاع غزة وحزب الله.
ويقول يادلين إنه في حين نظر أنصار نتنياهو لنتنياهو على أنه “سيد أمن” الذي لا بديل له، يزعم منتقدوه وخصومه أنه فشل هو الآخر في المجال الأمني. ويضيف “يوضح الواقع أن الحقيقة كما في كثير من الحالات ليست على الحواف. خلال حكمه لم يقم نتنياهو بصياغة مفهوم شامل ومتين للأمن، ويمكن استنتاج تصوره بأثر رجعي من أفعاله ومما أغفله”، موضحا أن نتنياهو اعتقد أن دمج قوة إسرائيل الأمنية مع القوة الاقتصادية من شأنه أن يزيد من قوتها السياسية في نظر دول العالم.
ويؤكد أن قدرة نتنياهو الخطابية النادرة لم تقم بصياغة مفهوم أمني عميق ومتجدد لإسرائيل، مفهوم من شأنه أن يضع بوصلة تحدد أهدافها الاستراتيجية ورؤيتها لمستقبلها، منوها أنه في كل السنوات التي قضاها كقائد تصرف نتنياهو وفقا لنهج تكتيكي نشط ولكن بسلبية استراتيجية في مواجهة الحاجة إلى تعزيز الأهداف طويلة المدى للأمن القومي الإسرائيلي”.
رؤية على الورق
وطبقا ليادلين قدر نتنياهو الذي واجه صعوبة في قيادة عمل الطاقم والتفكير في الفريق أنه سيكون وحده قادرا على صياغة مفهوم للأمن ولذا قدم مفهوما سريا إلى مجلس الوزراء السياسي والأمني في 2018 لكنه لم يعرضه مطلقا على قيادة الجيش ولم يخضعه لأي نقاش عام وبل لم يطبق خاصة بعدما دهمت البلاد جائحة الكورونا وتكررت أربع جولات انتخابية.
ويمضي يادلين في مراجعة فترة حكم نتنياهو بروح نقدية: “مرت إسرائيل بعقد من الزمن دون حروب دموية كبرى ومكلفة. رغم الجولات الثلاث من القتال ضد حماس في عهد نتنياهو في 2012 و2014 و2021، لم تشهد إسرائيل حربا كبيرة منذ حرب لبنان الثانية في 2006. نتنياهو يعرف كيف تقوي قوة الردع الإسرائيلية ضدها الأساسي: الردع كان متبادلا. إن حذر نتنياهو وعدم استعداده للشروع في مغامرات عسكرية يمكن أن تنزلق إلى حرب طويلة ومكلفة يحسب له”.
وينوه أنه أتقن تبني ما يعرف بالمعركة بين الحروب كمفهوم منهجي مبتكر بديلا عن خيار الحرب الواسعة وأن هدفه الرئيسي كان منع أعداء إسرائيل من إقامة قوة على الجبهة الشمالية مع إدارة مخاطر جديرة. كما يقول إن نتنياهو تبنى وجهة نظر الجيش في إيقاف المؤسسة الإيرانية وكذلك في إحباط مشروع الصواريخ الدقيقة لحزب الله منوها أن نجاحه في ذلك جزئي.
بالإضافة إلى ذلك يقول يادلين إن الحاجز تحت الأرض ضد الأنفاق في غزة أثبت كفاءته العالية في عملية حارس الأسوار من خلال وقف اقتحام واسع ومفاجئ باطني إلى إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك أدى بناء السياج على طول الحدود الإسرائيلية المصرية إلى وقف دخول المتسللين من القارة الأفريقية وهو عقبة حالت فعليا دون تشكيل تهديد ديموغرافي لطابع إسرائيل باعتبارها دولة يهودية وديمقراطية”.
برأي يادلين فإنه من أبرز الإنجازات السياسية في عهد نتنياهو توقيع اتفاقات التطبيع مع دول عربية بارزة مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب
وبرأي يادلين فإنه من أبرز الإنجازات السياسية في عهد نتنياهو توقيع اتفاقات التطبيع مع دول عربية بارزة مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب والتي كسرت فعليا صيغة “الأراضي مقابل السلام” علاوة على تعزيز العلاقات الأمنية مع مصر بقيادة الرئيس السيسي بشكل كبير”.
وقف المشروع النووي الإيراني
وينبه إلى أن وقف تقدم إيران نحو السلاح النووي كان الهدف الأول لنتنياهو لكنه فشل في تحقيق هذا الهدف وعن ذلك يقول يادلين “عندما تولى نتنياهو منصبه لم يكن هناك سوى بضع مئات من أجهزة الطرد المركزي من الجيل القديم في إيران في موقع واحد. خلال 12 عاما من حكم نتنياهو، حققت إيران قفزة كبيرة إلى الأمام في طريقها نحو قنبلة نووية. وهي اليوم تشغل الآلاف من أجهزة الطرد المركزي التي تم تطوير المئات منها وتثري كميات كبيرة إلى مستوى عالٍ من التخصيب. لدى الإيرانيين ثلاثة مواقع تخصيب محمية جيدا والعديد من الصواريخ الموجهة نحو إسرائيل”.
حزب الله وحماس
ويواصل يادلين التوقف عند إخفاقات نتنياهو ويقول إنه رغم عمليات الجيش فقد زاد حزب الله وحماس بشكل كبير قوتيهما وحسنا أنظمة أسلحتهما وطورا قدرات تكنولوجية مثيرة للإعجاب في مجالات دقة الصواريخ والطائرات بدون طيار والدفاع الجوي ونطاق ترسانة الصواريخ خاصة أن حزب الله يملك 100 ألف من الصواريخ.
ويتابع “في مواجهة كل من حماس وحزب الله، فشل نتنياهو فشلا ذريعا إذ أخفق في منع تسليح المنظمات الإرهابية التي تشكل تحديا أمنيا أكبر من تهديدات جيوش الدول المجاورة. يُحسب له ولصالح رئيس الأركان المقدم غادي آيزنكوت أنه سيتم تسجيل تدمير الأنفاق التي بناها حزب الله على الحدود الشمالية”.
دولة واحدة بين البحر والنهر
ويقول إنه فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية لم يحرز نتنياهو أي تقدم في العملية السياسية مما خلق وضعا زاحفا لواقع دولة واحدة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، منبها أنه بالإضافة إلى ذلك وبدلا من مواجهة السلطة الفلسطينية طمعا بإضعاف حماس كثفت الأخيرة في عهد نتنياهو قوتها عسكريا وسياسيا وأقامت حكومة في قطاع غزة. ويضيف “حققت حماس إنجازا نفسيا مهما جدا كحامية ومحررة للأسرى الفلسطينيين منذ أن وافق نتنياهو على الإفراج المكثف عن أسرى فلسطينيين ضمن صفقة شاليط: نتنياهو فضل الحفاظ على حماس المتطرفة في قطاع غزة والسلطة الفلسطينية الضعيفة في الضفة الغربية”.
ويحذر يادلين أنه بدلا من التسبب في انهيار حكم حماس كما وعد مرارا وتكرارا في حملاته الانتخابية، فشل نتنياهو فشلا ذريعا في كل تعاملاته مع “المنظمة الإرهابية الفلسطينية” التي تسيطر على قطاع غزة. ويقول إنه بالإضافة إلى ذلك فإن رضوخ نتنياهو المخزي لمطالب حماس في صفقة شاليط والإفراج عن مئات “القتلة الملطخة أيديهم بالدماء” ورفضه الموافقة على توصيات لجنة شمغار بشأن التعامل مع “المنظمات الإرهابية الرئيسية” ستجعل من الصعب في المستقبل القيام بذلك.
كما ينبه أن حماس أصبحت قوية بشكل خاص في أعقاب عملية حارس الأسوار، بعد أن أضافت القدس إلى معادلة العلاقات مع إسرائيل مقابل قطاع غزة ونصبت نفسها على أنها المدافع عنها وعن الأماكن المقدسة مقابل تقهقر مكانة السلطة الفلسطينية وأخيرا أصبحت القدس نفسها أقل وحدة بل بالعكس.
العلاقات مع واشنطن
ويعتبر يادلين أن العلاقات مع الولايات المتحدة من أهم جوانب الأمن القومي الإسرائيلي منوها أنها أهم حليف لإسرائيل في كل المجالات وأنه بعد أربع سنوات من الحكم المتعاطف في فترة ترامب ترك نتنياهو إرثا إشكاليا مع إدارة بايدن في كل منطقة تقريبا. ويتابع “حتى لو تضمن ميزان الحقوق في عهد نتنياهو نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، فقد شهدنا في الميدان استمرار العمليات السلبية في العاصمة. اتبعت دول قليلة فقط خطى ترامب وأعادت إدارة بايدن قنصلية القدس الشرقية إلى وضعها السابق. لقد أضرت قراراته بمكانة إسرائيل في المدينة وأوضحت انتفاضة السكاكين مدى تقسيم المدينة فعليا”.
العلاقة مع الأردن
ويعتقد هو الآخر أن نتنياهو أضر بعلاقات مهمة مع “الجارة من الشرق”، المملكة الأردنية ويقول إن الحدود الطويلة معها هي عبارة عن منطقة عازلة مهمة ضد المحور الشيعي – العراق وإيران. متطابقا مع رئيس الجناح السياسي الأمني في وزارة الأمن سابقا الجنرال في الاحتياط عاموس غلعاد يقول يادلين إن التعاون الأمني مع الأردن مهم وحيوي لأمن إسرائيل وعن ذلك يتابع “أدى انعدام الثقة بين نتنياهو والملك عبد الله إلى تجميد العلاقات وأنهى من بين أمور أخرى، الوجود الإسرائيلي في الجيبين في منطقتي الباقورة والغمر”.
تآكل الميزة النوعية
ويرى أنه خلال ولاية نتنياهو كرئيس للوزراء، تآكلت الميزة النوعية لإسرائيل وأن إيران تعمل على سد الفجوات التكنولوجية والجودة – من تقدمها في المجال النووي إلى أنظمة الصواريخ الدقيقة وصواريخ كروز والقدرات السيبرانية والطائرات بدون طيار وقدرات الأقمار الصناعية وقدرات الدفاع الجوي المتقدمة.
من ناحية أخرى تم انتهاك مبدأ الحفاظ على التفوق النوعي الإسرائيلي على إمداد جيران إسرائيل بالأسلحة الغربية المتطورة مثل طائرات من طراز إف 35 لدول خليجية غير مستقرة وغواصات ألمانية للجيش المصري.