"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

القرآن الكريم يحذرمن غرق مشارق الأرض و مغاربها كآية من آيات ستنزل بإفساد الناس في الأرض

خالد محيي الدين الحليبي :

مركز القلم :

بلاد تغرق بسيول صيفاً وأخرى من بلاد الثلج يموت فيها المئات  بحرارة فوق الخمسين و بلاد تضربها الثلوج العظيمة شتاءاً وأخرى تغرق صيفاً بسيول والأدهى و الأغرب أعاصير في الصيف وانزلاقات طينبة وزلازل شرقاً وحرائق غرباً  وبلاداً عربية كاملة مشردة أو بلاقوت يوم أو ضوء مصباح أو عمل أو مشردون في الخيام فهل أعاصير الغرب هذه عقوبة أم غضب بإفساد فعلوه في الأرض والله تعالى يعاقبهم عليه  :

لقد أحزنتنا مشاهد تدمير بيوت وسيارات وممتلكات وموت بشر بين  شرق الأرض وغربها وماحدث أخيراً في ألمانيا وبلجيكا والتي قيل فيها أنها غير مسبوقة من قبل .

وهذا ما دفعنا للبحث عن الأسباب التي قد تكون خفية عن الكثير ممن يقولون بأنه التغيير المناخي فقط ويسكتوا كأنهم هم الخالقين للأرض والمتحكمين فيها وهذه هى بداية زوال بلدانهم من على وجه البسيطة لقوله تعالى :

{ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – يونس 24 } وهذه الريح نقول في مقدمة بحثنا الصغير هنا موكول بها بإذن الله نبي الله سليمان عليه السلام لقوله تعالى :

 

{ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ – الأنبياء 81}

تفسير بن كثير  [ أي : وسخرنا لسليمان الريح العاصفة ، ( تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ) يعني أرض الشام ، ( وكنا بكل شيء عالمين ) وذلك أنه كان له بساط من خشب ، يوضع عليه كل ما يحتاج إليه من أمور المملكة ، والخيل والجمال والخيام والجند ، ثم يأمر الريح أن تحمله فتدخل تحته ، ثم تحمله فترفعه وتسير به ، وتظله الطير من الحر ، إلى حيث يشاء من الأرض ، فينزل وتوضع آلاته وخشبه ، قال الله تعالى : ( فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ) ، وقال ( غدوها شهر ورواحها شهر ) [ سبأ : 12 ] .

تفسير القمي : [علي بن إبراهيم: في قوله تعالى: { وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً } قال: تجري من كل جانب { إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } قال: إلى بيت المقدس، والشام ]

يقول جمال حمدان في كتابه وصف مصر [ أن الريح تأتي عاصفة فإذا وصلت إلى بورسعيد تحولت إلى ريح طيبة – وصف مصر جمال حمدان ] غير مؤذية فهل هذه آية من الله تعالى تؤكد ما سنذكره

يقول تعالى :

 

{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ – الرعد 41}

 

وهذه من الآيات مما فسرها البعض على غير معناها لأنها من الآيات المستقبلية التي لم تحدث في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وإذا حدثت فبطريقة غير ملحوظة لعلماء ذلك الزمان :

أورد الطبري في تفسيرهذه الآية  مايلي :

[  حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا علي بن عاصم, عن حصين بن عبد الرحمن, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله: (أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: أولم يروا إلى القرية تخربُ حتى يكون العُمْران في ناحية؟

–  قال: حدثنا حجاج بن محمد, عن ابن جريج, عن الأعرج, أنه سمع مجاهدًا يقول: (نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: خرابُها  – حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن الأعرج, عن مجاهد مثله قال: وقال ابن جريج: خرابُها وهلاك الناس .

– حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي جعفر الفرَّاء, عن عكرمة قوله : (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: نخرِّب من أطرافها .

وقال آخرون : بل معناه : ننقص من بَرَكتها وثَمرتها وأهلِها بالموت .

ذكر من قال ذلك:

–  حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله قال: حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: (ننقصها من أطرافها) يقول: نقصان أهلِها وبركتها .

–  حدثنا ابن حميد قال: حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد, في قوله: (ننقصها من أطرافها) ، قال: في الأنفس وفي الثمرات, وفي خراب الأرض .

– حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبي, عن طلحة القناد, عمن سمع الشعبي قال: لو كانت الأرض تُنْقَص لضَاق عليك حُشَّك, ولكن تُنْقَص الأنفُس والثَّمرات . * * * وقال آخرون: معناه: أنا نأتي الأرض ننقصها من أهلها, فنتطرَّفهم بأخذهم بالموت . *ذكر من قال ذلك:

– حدثنا الحسن بن محمد قال: حدثنا شبابة قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (ننقصها من أطرافها) ، قال: موت أهلها .

– حدثنا ابن بشار قال: حدثنا يحيى, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: الموت

– حدثني المثنى قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا هارون النحوي قال: حدثنا الزبير بن الخِرِّيت عن عكرمة, في قوله: (ننقصها من أطرافها) ، قال: هو الموت . ثم قال: لو كانت الأرض تنقص لم نجد مكانًا نجلسُ فيه .

– حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: كان عكرمة يقول: هو قَبْضُ الناس

– حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قال: سئل عكرمة عن نقص الأرض قال: قبضُ الناس .

– حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال: حدثنا جرير بن حازم, عن يعلى بن حكيم, عن عكرمة في قوله: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: لو كان كما يقولون لما وجَد أحدكم جُبًّا يخرَأ فيه .

– حدثنا الفضل بن الصباح قال: حدثنا إسماعيل بن علية, عن أبي رجاء قال: سئل عكرمة وأنا أسمع عن هذه الآية: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) ، قال: الموت ]

وكل هذه الأراء لم تحقق مراد الله تعالى ولا كبد الحقيقة لأن زمانها لم يكن قد أتى   وقت نزولها  كما سنبين الآية من خلال بيان القرآن بالقرآن لتعلم مراد الله تعالى منها :

يقول عز وجل :

{ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ – الرعد 41}

 وهذه الآية يبينها قوله تعالى :

{ بَلْ مَتَّعْنَا هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۗ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ  – الانبياء 44}

 وهنا :

 (أولم يروا)

 

وهنا (أولم يروا)  وردت في قوله تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَىٰ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ – النحل 48 } واليمين والشمائل هما أطراف الأرض على أن يبدأ اليمين والشمائل من مثلث الحجاز وسيناء وبيت المقدس لقوله تعالى { سبحان الذي اسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا – الاسراء 1} ومن هذا المثلث تخرج الرياح لتلف العالم لقوله تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ – السجدة 27 }

 

ونقول من هذه البقعة لقوله تعالى عن سيدنا سليمان عليه السلام أنه الموكول بإذن الله عن الريح في الحياة الدنيا لقوله تعالى : { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ – ص 35-37 } وكذلك قال تعالى إن كانت ريح قاصف عاصف مدمر {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ – الأنبياء 81 }  وهذه الريح في قوة سرعتها من وإلى الأرض المباركة تأخذ مدة شهر كما قال عز وجل { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ – سبأ 12 } .

وهذا بعلم علمه الله تعالى له وسخر معه كل شيئ قال تعالى { ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين – النمل 15 } .

 

ومن هنا يتبين لنا أن الريح سواء كانت خارجة من الأراضي المقدسة حتى رجوعها لنفس المنطقة رخاء بالخير والبركة والنعمة على البشرية كلها أو بعذاب منه تعالى في ريح قاصف عاصف تكون في مدة زمنية قدرها شهر حتى تعود لنفس النقطة من الأرض المقدسة وهذه الريح آية من آيات  الله تعالى التي قال فيها أنها ضمن آيات أخرى لم تأت بعد وسيراها الناس : { سنريهم آياتنا في الآفاق  وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق – فصلت 53 } وموكل بها بإذن الله  ملائكة بأمر من نبي الله سليمان ملكاً وحصراً له إجابة من الله تعالى بدعوة دعاها وهى قوله : { رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاءاً حيث أصاب } .

 

فإذا نزلت هذه الريح على قوم وفيها عذاب من الله تعالى وقبض أرواح لقوم غضب الله عليهم فلا بشرى لهم كما في قوله تعالى : { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين- الفرقان 22 } ويقول تعالى مبيناً أن هذا العذاب ينزل على قوم مكنهم الله تعالى من الأرض كما في قوله تعالى  { أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ – الانعام 6 } .

وبهذه الريح هنا يبين تعالى أنها تتسبب في أعاصير تقلل مساحة الأرض فتنكمش اليابسة على حساب البحر بذنوب العباد وغضب الله تعالى عليهم .

ثم يبين تعالى أنه قادر على أن ينتقم من الأعراب الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وأهل بيته عليهم السلام فيقول تعالى : { وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون – المؤمنون 95}

ومما وعدهم الله تعالى هنا إغراق أطراف الأرض إن لم يتوبوا كمقدمة لهلاك أكبر

قال تعالى فيه هنا { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ – الرعد 41}  وذلك حكم الله تعالى في الظالمين ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب

 

وأما :

(أَنَّا نَأْتِي)

 وهنا يبين الله تعالى لنا أن تكذيب الناس يسبب نزول العذاب عليهم كما في قوله تعالى { فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ماكانوا به يستهزئون – الشعراء 6 } . وينذر الله الله تبارك وتعالى الذين ظلموا قائلاً : { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ  أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ  – الأعراف 97- 100} .

ثم يبين تعالى إن لم يتوبوا فسيرسل عليهم ملائكة بآيات من الله تعالى قال فيها : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ – الأنعام 158 } .

ومن آيات الله هنا نقصان الأرض وغرق أجزاء منها بأطراف الأرض بظلمهم قال تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ – الرعد 41}

 وأما :

 (الأرض)

 والأرض هنا عكسها السماء لقوله تعالى  { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ – الأنبياء 30 } .

ومن هنا يتبين لنا أن إغراق الأرض وتآكلها يأتى بحركة في الأجرام السماوية

ولذلك يقول صلى الله عليه وآله في القمر وتفسير سورة الفلق { قل أعوذ برب الفلق – الفلق } استعيذوا بالله من هذا الغاسق إذا وقب . ومعلوم أن القمر مسؤول عن حركة المد والجزر البحري وله تأثير على كل السوائل حتى دماء بني آدم وأمزجتهم بين أول الشهر ومنتصفه وآخره . بالإضافة إلى زيادة سرعة حركة الأفلاك والليل والنهار كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله قائلاً [ إن من علامات خروج الدجال أن تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كإحراق السعفة … الحديث ]  وذلك بمعاصي العباد تتأثر أفلاك السماء فإما تنزل زلزالاً بهم أو إعصار فيه نار يحرقهم أو إعصار بحري يغرقهم بذنوبهم .

فإذا تحرك الغاسق تحركت الملائكة بإذن الله وبأمر من نبي الله سليمان عليه السلام كما في قوله تعالى { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ – الأنبياء 81 }  والأرض التي بارك الله فيها للعالمين هى الأرض المقدسة الوارد ذكرها في قوله تعالى { ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم – المائدة 21 }

 

وتلك العاصفة أو العواصف والتي تغرق اليابسة بسبب ظهور الفساد في الأرض كما في قوله تعالى { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها – وادعوه خوفاً وطمعا – الأعراف 56 }  وقال تعالى  { لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا – الأنبياء 22 } .

وهذا الفساد الذي انتشر في الأرض من كفر ونفاق وزنا واكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء  وسفك الدماء البريئة  قال تعالى هنا { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي كانوا يكسبون – الروم 41 } .

وهنا قال تعالى البر وليس الأرض لأنه عز وجل بغضبه على الناس سيقلب البر بحراً فيغرقهم بما أفسدوا في الأرض وبما كسبوا  كما في قوله تعالى {أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا  أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ۙ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا – الإسراء 68-69 } .

وهذا الغرق يحدث كبداية لزوالهم نهائيا من الدنيا كإنذار من الله تعالى بأنهم إن لم يتوبوا فالقادم أسوأ بما كسبوا قال تعالى { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – يونس 24 }

وهذا الأمر الإلهي بهلاك القرى والبلاد بدايته إنذار من الله تعالى بريح قاصف عاصف تغرق بلاد أقصى شرق الأرض وغربه كما في الآية هنا { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ – الرعد 41}

ثم يبين تعالى أن الأرض بعد ذلك في الدنيا والآخرة لن يرثها إلا عباد الله الصالحين في قوله تعالى  { ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون – الأنبياء 105  }

وأما :

(ننقصها)

 النقص عكس الزيادة قال تعالى {  وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ – فاطر 11 }  والنقص هنا يكون من الأرض على حساب البحر لورود هذا اللفظ في قوله تعالى  { قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ولدينا كتاب حفيظ – ق4 }  وهذا النقص من الأرض على حساب البحر في أطراف الأرض لقوله تعالى هنا { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ – الرعد 41}

وذلك يحدث إذا سارت كل أمة في طريق تقليد آبائهم في ظلمهم وكفرهم وعدم إيمانهم بالله تعالى لورود هذا اللفظ في قوله تعالى  { فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَٰؤُلَاءِ ۚ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ ۚ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ  – هود 109 } .

وأما :

( من أطرافها)

 

الأطراف والطرف في القرآن الكريم وردت في قوله تعالى { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من اللليل – هود 114 } ويقول تعالى أيضاً  { ومن الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى – طه 130 }

 

وطرف النهار يبدأ بشروق الشمس من مشرقها  وطرق الليل يبدأ بغروبها من مغربها وهنا يبين تعالى أن نقصان الأرض سيبدأ بهذه الأعاصير التي بيناها من قبل بإذن الله تعالى وموكول بها نبي الله سليمان عليه السلام فتبدأ بإغراق بلاداً من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب لعلهم يتوبون أويرجعون عما هم فيه من كفر وظلم وفجوروشذوذ  وسفك دماء للمسلمين بأرجاء المعمورة  ولذلك يقول تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ – الرعد 41}

. فكلما عصى بني آدم ربهم كلما تغيرت الأفلاك وأعدت الملائكة عدتها لإهلاك البشر وهم يظنون أنه احتباس حراري فقط من ظواهر مادية فقط يرونها بأعينهم دون إدراك لخفايا الموضوع  أنها جرائمهم وسوء سلوكهم  مع الله تعالى وعباده المستضعفين وانتشار  الكفر والفجور وسفك الدماء والإفساد في الأرض .

أهـ .

 

ومن هنا نكون قد بينا بأن سلوك بني آدم هو سبب غضب السماء عليهم إن لم يكونوا من أهل الكتاب وأن الإيمان بالله تعالى وحسن الخلق يهدأ معه العالم وتسكن فيه الطبيعة عن غضبها قال تعالى :

 

{ %8