"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

العراق.. ساحة عمليات تعكس تطورات المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران

تعكس التوترات في العراق تطورات المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران حول الاتفاق النووي. وتشير الضربات الجوية الأمريكية الأخيرة إلى استمرار تصاعد التوترات في الوقت الذي تستخدم فيه إيران وكلاءها لاكتساب نفوذ أكبر أمام واشنطن في المفاوضات.

وكانت الميليشيات العراقية مصدر متاعب للحكومات العراقية منذ الغزو الأمريكي. وفي البداية، جرى إنشاء الميليشيات لحماية مصالح مختلف الأطراف التي جلبتها قوات التحالف إلى البلاد في عام 2003. ولاحقًا، نما حجمهم وقوتهم وبدؤوا يلعبون دورًا مهمًا في أمن البلاد وحكمها.

وكشف التصعيد الأخير في الأعمال العدائية بين القوات الأمريكية المتمركزة في العراق وإيران عن الخطر الذي يمكن أن تشكله هذه الميليشيات على مستقبل العراق.

وقبل أيام، شنت الولايات المتحدة هجوماً على 3 “منشآت تشغيلية ومخازن أسلحة” تابعة لقوات الحشد الشعبي بالقرب من الحدود العراقية السورية، رداً على الهجمات الأخيرة بطائرات بدون طيار على القوات الأمريكية في العراق.

وأفادت قوات الحشد الشعبي بمقتل 4 أعضاء من فصيل واحد في الهجوم الأمريكي وهددت بالانتقام. وقالت الميليشيا في بيان لها: “نؤكد أننا نحتفظ بالحق القانوني في الرد على هذه الهجمات ومحاسبة مرتكبيها على الأراضي العراقية”.

ولا يزال في العراق 2500 جندي أمريكي كجزء من تحالف دولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”. ومنذ أن تولى الرئيس “جو بايدن” منصبه في وقت مبكر من هذا العام، أصبحت المصالح الأمريكية في العراق بشكل متزايد هدفًا لهجمات الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران. وقد تم الإبلاغ عن أكثر من 23 هجوماً خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021، بينما تم تسجيل عشرات الحوادث المماثلة في عام 2019.

 

 

وقد بدأت الهجمات في ديسمبر/كانون الأول 2019، بمقتل متعاقد أمريكي وإصابة عناصر عراقية وأمريكية في هجوم صاروخي أصاب قاعدة للتحالف شمال العراق. وردا على ذلك، شنت القوات الأمريكية غارة جوية على منشآت تابعة لميليشيا “كتائب حزب الله” في غرب العراق، مما أسفر عن مقتل 25 من عناصرها. وتظاهر حشد من الميليشيات المدعومة من إيران أمام السفارة الأمريكية في بغداد تنديدا بمقتل عناصرهم. وتمكن بعض المتظاهرين من اختراق قاعة الاستقبال بالسفارة، مما دفع القوات الأمريكية إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.

وبعد أيام قليلة في 3 يناير/كانون الثاني 2020، قتلت غارة أمريكية بطائرة بدون طيار الجنرال الإيراني “قاسم سليماني” بعد وقت قصير من وصوله إلى مطار بغداد الدولي.

وقال وزير الدفاع الأمريكي السابق “مارك إسبر”، إن “هذه الضربة كانت تهدف إلى ردع الهجمات الإيرانية المستقبلية”. وأسفر الهجوم أيضا عن مقتل أحد مرؤوسي “سليماني”، وهو قائد الميليشيا العراقية “أبو مهدي المهندس”. وكان محكمة كويتية حكمت على “المهندس” بالإعدام غيابيا عام 1983 لدوره في مهاجمة السفارتين الأمريكية والفرنسية في مدينة الكويت ومحاولة اغتيال أمير الكويت.

واعترف المرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي”، الذي اهتز من الهجوم الأمريكي على “سليماني”، بأن واشنطن كانت قادرة على “قطع ذراع” إيران، لكنه وعد بقطع “ساق” الولايات المتحدة. وفي 8 يناير/كانون الثاني، هاجمت إيران منشأتين عراقيتين تستضيفان القوات الأمريكية في غرب وشمال العراق. وفي أعقاب ذلك، اعترف الإيرانيون للمرة الأولى بمسؤوليتهم عن إطلاق 15 صاروخًا على المنشأتين.

وأشارت تقارير إلى أن إيران تعمدت عدم التسبب في أي خسائر بشرية، بينما ذكر المسؤولون الأمريكيون أنهم كانوا على علم بخطط الهجوم مسبقًا وبالتالي كانوا مستعدين جيدًا. في غضون ذلك، زعم المسؤولون الإيرانيون أن الضربات قتلت 80 جندياً أميركياً.

 

 

سبب التصعيد الأخير

لم تشهد العلاقات بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإيرانية في العراق صعوبات كبيرة منذ عام 2003 حتى عام 2018. بل تم الحفاظ على نوع من “تقسيم العمل” المتبادل بين الجانبين، حتى قررت إدارة “ترامب” في منتصف عام 2018 الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات على طهران مما أثارغضب قادة إيران.

وبينما أصر “خامنئي” على أن بلاده ستنتقم لمقتل “سليماني”، فقد أوضح أن هدفه النهائي هو إخراج الولايات المتحدة من المنطقة. وطالب القوات الأمريكية بالانسحاب من العراق وسوريا، زاعمًا أن الوجود الإيراني في هذين البلدين قانوني وغير عسكري.

ومع ذلك، فإن طموحات إيران في إحياء إمبراطوريتها البائدة لم تتوقف. وقد نُقل عن نائب الرئيس الإيراني السابق “علي يونس”، في عام 2015 قوله: “أصبحت إيران الآن إمبراطورية، كما كانت عبر التاريخ. عاصمتها اليوم بغداد وهي مركز حضارتنا وثقافتنا كما كانت في الماضي”. وبحسب ما ورد أدلى مسؤولون إيرانيون آخرون بالعديد من البيانات المماثلة.

ومع ذلك، لم يشرح “خامنئي” ولا أي من المسؤولين الإيرانيين كيف سيخرجون القوات الأمريكية من العراق وسوريا.

 

 

البنادق المستأجرة

شاركت بعض الميليشيات المدعومة من إيران بفاعلية في الحرب الأهلية التي اندلعت في العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003. لكن مجموعات أخرى قاتلت قوات التحالف لفترة من الزمن، مثل ميليشيا “جيش المهدي”، التي أنشأها رجل الدين المثير للجدل “مقتدى الصدر”.

تم إنشاء معظم هذه الفصائل تحت أعين القوات الأمريكية، وتم تعيين بعض قادتها السياسيين من قبل قوات التحالف في مجلس الحكم الأول الذي أنشأته الولايات المتحدة في العراق في عام 2003. وبالرغم من ذلك فإن أغلب من قتلو أو أسروا من قادة ومقاتلي هذه الفصائل كان على يد قوات التحالف في نهاية المطاف.

ويتصدر “قيس الخزعلي” المقرب جدا من إيران، قائمة الأسرى حيث أنشأ مجموعة تسمى “عصائب أهل الحق”، والتي صنفتها الولايات المتحدة على أنها جماعة إرهابية.

وبدأ دور الميليشيات ينمو بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2012، وأصبحت تدريجياً أقوى من الجيش الرسمي لدرجة أنه في عام 2018 تم ضم حوالي 30 ميليشيا تابعة لقوات الحشد الشعبي رسميًا إلى الجيش، على أن تدفع الحكومة العراقية ميزانياتها وتجهزها.

علاوة على ذلك، تتمتع قوات الحشد الشعبي بحضور كبير في البرلمان العراقي من خلال تحالف “الفتح” الذي يضم أكثر من 40 مقعدًا في البرلمان امن أصل 329 مقعدًا. ويقود هذه الكتلة السياسية، “هادي العامري”، زعيم “فيلق بدر” الذي تم إنشاؤه في إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، للقتال مع الجيش الإيراني ضد بلاده.

وعرف “العامري”، الذي يتمتع بسلطة هائلة في العراق، بتقبيل يد “خامنئي” في عام 2015، بينما كان يتولى حقيبة النقل في العراق.

 

 

 ورقة مساومة

بعد انسحاب الولايات المتحدة من العراق في عام 2012، لم يتم استهداف القوات الأمريكية وقوات التحالف الأخرى في البداية من قبل قوات الحشد الشعبي. وفي الواقع، كان للتحالف دور حاسم في دعم الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق في 2017.

وبدأت هجمات الميليشيات المدعومة من إيران على قوات التحالف بشكل جدي في 2018-2019، رداً على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني والعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. ومع ذلك، لتجنب المزيد من الأعمال الانتقامية الأمريكية و “قطع” ذراعها الأخرى، غيرت السلطات الإيرانية مؤخرًا تكتيكاتها في العراق. لذلك، تم تنفيذ الهجمات الأخيرة على المنشآت الأمريكية من قبل مجموعات نخبوية سرية، وقد استخدمت أسماء غير معروفة.

ويتم اختيار هذه المجموعات، التي تضم أعدادًا أقل من المقاتلين مقارنة بالميليشيات الأخرى، من قبل الحرس الثوري الإيراني. وقد أكدت مصادر عراقية وغربية أن هذه المجموعات العسكرية الجديدة تقف وراء الهجمات الأخيرة على منشآت التحالف. كما يعتقد أن الحرس الثوري  يقود هذه المجموعات بشكل مباشر.

وفي إطار مساعيها للضغط على الإدارة الأمريكية لرفع العقوبات المفروضة على البلاد، تستخدم الحكومة الإيرانية قوات الحشد الشعبي العراقية كورقة مساومة في أي مفاوضات مستقبلية. ومع ذلك، يبدو أن المشكلة هي أن الولايات المتحدة لا ترى في الحملة العسكرية الإيرانية على منشآتها في العراق تهديدًا خطيرًا لمصالح الولايات المتحدة، فمعظم الخسائر البشرية والمادية حتى الآن كانت عراقية. ومن الواضح أن الهجمات الإيرانية تهدف إلى عدم إلحاق أضرار بشرية جسيمة بالقوات الأمريكية لتجنب أي انتقام أمريكي خطير.

في نهاية المطاف، أدى التنافس بين الولايات المتحدة وإيران في العراق إلى تحويل البلاد إلى دولة فاشلة حيث تآكلت الركائز المتبقية للعراق كدولة مستقلة وذات سيادة.

المصدر | إنسايد أرابيا – ترجمة وتحرير الخليج الجديد