"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

فورين بوليسي : العلاقة الأمريكية “الخاصة” مع إسرائيل لا تساوي كلفتها الباهظة وحان وقت التغيير

لندن – “القدس العربي”:

إبراهيم درويش :

نشر موقع مجلة “فورين بوليسي” قبل 3 أيام مقالا لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ستيفن وولت بعنوان “حان الوقت لإنهاء “العلاقة الخاصة” مع إسرائيل”،

الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة تجاه الفلسطينيين، قدمت المزيد من الأدلة على أن واشنطن يجب أن توقف الدعم الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي غير المشروط لإسرائيل.

وقال فيه إن فوائد دعم الولايات المتحدة لإسرائيل لم تعد توازي تكاليفه المرتفعة، مضيفا أن الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة تجاه الفلسطينيين، قدمت المزيد من الأدلة على أن واشنطن يجب أن توقف الدعم الاقتصادي والعسكري والدبلوماسي غير المشروط لإسرائيل.

ومنذ ذلك الوقت تحول المقال إلى “تريند” وأصبح الموضوع الرئيسي في المجلة، حيث أشار في بدايته إلى جولة القتال الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين التي انتهت بالطريقة المعتادة: بوقف لإطلاق النار خرج الفلسطينيون منه الأكثر ضررا بدون حل المشاكل الجوهرية. ولكن الجولة كشفت عن ضرورة توقف الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والدبلوماسي الأمريكي غير المشروط، “ففوائد تلك السياسة صفر والتكاليف باهظة وما تزال في ارتفاع. وبدلا من العلاقة الخاصة، تحتاج الولايات المتحدة وإسرائيل إلى علاقة طبيعية بينهما”.

وأضاف أن “العلاقة الخاصة” بين الولايات المتحدة وإسرائيل كانت مبررة في يوم ما على أساس أخلاقي، وذلك أن إقامة دولة يهودية كان يعتبر الرد المناسب على قرون من معاداة السامية العنيفة في العالم المسيحي، بما في ذلك الهولوكوست.

و”كانت المبررات الأخلاقية قوية، لو تجاهل المرء تداعيات ذلك على العرب الذين كانوا يعيشون في فلسطين لقرون طويلة وفقط فيما لو اعتقد المرء أن إسرائيل تشترك مع الولايات المتحدة في قيمها الأساسية”. وتكون مبررة لو صدقنا أن إسرائيل هي فعلا “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، ولكنها ليست ديمقراطية ليبرالية مثل الولايات المتحدة، حيث من المفترض أن تحظى جميع الأديان والأعراق بحقوق متساوية (بغض النظر عن مدى مثالية هذه الغاية ومدى تحقيقها على أرض الواقع). فقد منحت الصهيونية بناء على غاياتها الأساسية، اليهود في إسرائيل امتيازات لم تمنحها لغيرهم وذلك عن إدراك وقصد.
ويعتقد والت أن عقودا من الاحتلال الإسرائيلي الوحشي قد دمرت كل المبررات الأخلاقية التي كانت أساس الدعم الأمريكي. ذلك أن الحكومات الإسرائيلية من كل التوجهات لم تتوقف عن توسيع المستوطنات والتنكر لحقوق الفلسطينيين ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية داخل إسرائيل ذاتها واستخدام القوة العسكرية الإسرائيلية المتفوقة لقتل وترهيب سكان غزة والضفة الغربية ولبنان دون خشية من المساءلة أو العقاب.

ولم يكن مفاجئا أن تصدر كل من منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية بيتسيلم تلك التقارير الموثقة بشكل جيد وتصف تلك السياسات بكونها تنم عن ممارسات نظام الفصل العنصري (أبارتيد).

وأضاف أن انحراف السياسة الإسرائيلية نحو اليمين والدور المتعاظم للأحزاب المتطرفة في السياسة الإسرائيلية كان سببا في إلحاق مزيد من الضرر بصورة إسرائيل، بما في ذلك في أوساط كثير من اليهود الأمريكيين.

وتساءل الكاتب إن كانت إسرائيل مكسبا استراتيجيا، وأجاب أنه في الماضي كان هذا الكلام مبررا. فأثناء الحرب الباردة، مثلا، كانت مساندة إسرائيل طريقة فعالة للحد من نفوذ الاتحاد السوفييتي في الشرق الأوسط لأن الجيش الإسرائيلي كان قوة مقاتلة متفوقة على القوى العسكرية العميلة للسوفييت مثل مصر وسوريا. كما كانت إسرائيل توفر مصدراً مفيدا للمعلومات الاستخبارية من حين لآخر. ولكن الحرب الباردة انتهت قبل 30 عاما أو يزيد. وبات الدعم غير المشروط لإسرائيل يسبب اليوم مشاكل أكثر لواشنطن لم تعد لديها القدرة على حلها. فلم تتمكن إسرائيل من عمل شيء لمساعدة الولايات المتحدة في حربيها ضد العراق. بل واضطرت الولايات المتحدة إلى إرسال صواريخ باتريوت إلى إسرائيل أثناء حرب الخليج الأولى لحمايتها من هجمات صواريخ سكود العراقية.
وحتى لو استحقت إسرائيل الثناء بتدمير المفاعل النووي السوري الذي كان حينها قيد الإنشاء في عام 2007 أو في المساعدة على تطوير فيروس ستاكسنيت الذي استخدم لإلحاق أضرار مؤقتة في أجهزة الطرد المركزي الإيرانية، فإن قيمتها الاستراتيجية باتت أقل بكثير مما كانت عليه أثناء الحرب الباردة. كما أن الولايات المتحدة ليست مجبرة لتزويد إسرائيل بدعم غير مشروط من أجل أن تحصد مثل تلك الفوائد.

وأشار الكاتب إلى كلفة العلاقة الخاصة الباهظة، بدءا من مساعدات عسكرية واقتصادية تزيد عن 3 مليارات دولار لإسرائيل كل عام، وذلك على الرغم من ثراء إسرائيل التي تحتل المرتبة التاسعة عشر عالميا من حيث مستوى دخل الفرد. مع أن التكاليف الحقيقية للعلاقة الخاصة هي سياسية.

وكما أثبتت أحداث الأسابيع الماضية، فالدعم غير المشروط لإسرائيل يزيد من صعوبة ادعاء الولايات المتحدة التفوق الأخلاقي على المسرح الدولي.

وفي وقت تحاول فيه إدارة بايدن تحسين سمعة الولايات المتحدة بعد 4 سنوات كارثية من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وتحاول التمييز بين سلوك وقيم الولايات المتحدة وتلك التي تصدر عن خصومها مثل الصين وروسيا، كما تسعى في أثناء ذلك إلى إعادة تقديم نفسها باعتبارها الضامن لنظام عالمي يقوم على القيم والأخلاق.

وعندما تقف الولايات المتحدة وحيدة وتستخدم حق الفيتو لمنع 3 قرارات منفصلة لمجلس الأمن الدولي بشأن وقف إطلاق النار، وتعيد التأكيد أكثر من مرة على أن إسرائيل لها “حق الدفاع عن نفسها”، وتقرر تزويد إسرائيل بأسلحة إضافية تقدر قيمتها بحوالي 735 مليون دولار. وبالمقابل تقدم للفلسطينيين كلاما لا قيمة له حول حقهم في العيش في الحرية والأمن، بينما تدعم حل الدولتين (رغم أن هذا الأخير لم يعد يأخذه أحد على محمل الجد)، فإن إدعاءالالتزام بالمستوى الأخلاقي يغدو فارغا ونفاقا مفضوحا. ولذلك لم يكن مستغربا أن تسارع الصين إلى الاستهزاء بالموقف الأمريكي.

أما الثمن الآخر للعلاقة الخاصة فيتمثل في تكافؤ مستوى الجهد الذي يواجه فريق بايدن مقارنة مع ما تحتاجه العلاقات مع إسرائيل.

تجد الولايات المتحدة نفسها، مرة أخرى، متورطة في أزمة تعتبر إلى حد كبير من صنع يديها.

فالرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن ومستشاره للأمن القومي جيك سوليفان لديهم من المشاكل التي تشغل بالهم ما هو أكبر بكثير من تصرفات بلد صغير في الشرق الأوسط.
ومع ذلك تجد الولايات المتحدة نفسها، مرة أخرى، متورطة في أزمة تعتبر إلى حد كبير من صنع يديها وتتطلب عناية وتستأثر بوقت مهم كان من الأجدر أن يكرس للتعامل مع قضايا مثل التغيرات المناخية والصين وكورونا والانسحاب من أفغانستان والتعافي الاقتصادي وحزمة كبيرة من المشاكل الأثقل وزنا.
ولو كانت للولايات المتحدة علاقة طبيعية بإسرائيل، فسوف تحظى حينها بالاهتمام الذي تستحقه، وليس أكثر من ذلك.

الدعم غير المشروط يفرض قيودا على الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط.

ويرى الكاتب أن الدعم غير المشروط يفرض قيودا على الدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط.
فالتفاوض، مثلا على اتفاق جديد بهدف الحد من قدرة إيران على إنتاج الأسلحة النووية سيكون أسهل بكثير لو لم تواجه الولايات المتحدة معارضة مستمرة من حكومة بنيامين نتنياهو، علاوة عن المعارضة الشديدة من قبل العناصر المتشددة في اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. ومرة أخرى، فوجود علاقات طبيعية مع بلد شرق أوسطي يمتلك فعلا ترسانة من الأسلحة النووية قد يساعد واشنطن في جهودها المستمرة منذ زمن للحد من انتشار تلك الأسلحة إلى أماكن أخرى.

وتفرض الرغبة في حماية إسرائيل على الولايات المتحدة إقامة علاقات مع حكومات أخرى في الشرق الأوسط ليس لها كثير من المعنى من الناحية الاستراتيجية أو الأخلاقية. فدعم الولايات المتحدة للنظام الدكتاتوري البغيض في مصر (بما في ذلك تجاهل الانقلاب العسكري الذي دمر الديمقراطية الناشئة في ذلك البلد منذ عام 2011) إنما يقصد منه، ولو جزئيا، ضمان استمرار مصر في الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع إسرائيل واستمرار معارضتها لحركة حماس. كما أن الولايات المتحدة أكثر استعداداً للتسامح مع انتهاكات المملكة العربية السعودية (بما في ذلك في اليمن وجريمة قتل الصحافي المعارض جمال خاشقجي) نظرا للعلاقة الضمنية بين الرياض وإسرائيل الآخذة في الترسخ.

كما وساعدت عقود من الدعم غير المشروط لإسرائيل على زيادة الأخطار التي واجهتها الولايات المتحدة من الإرهاب. وكان أسامة بن لادن وغيره من رموز القاعدة في غاية الوضوح بهذا الشأن، حيث كان الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل ومعاملة إسرائيل القاسية للفلسطينيين أحد الأسباب الرئيسية التي حفزتهم على اتخاذ القرار بمهاجمة “العدو البعيد”. كما ورد في تقرير هيئة التحقيق الرسمية في 9/11 بخصوص خالد شيخ محمد، والذي وصفته بالعقل المدبر للهجمات و”باعترافه شخصيا، فإن مشاعر عداء خالد شيخ محمد تجاه الولايات المتحدة لم تنتج عن تجاربه هناك عندما كان طالبا وإنما جاءت من معارضته الشديدة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة المنحازة لإسرائيل”.

وربط الكاتب العلاقة الخاصة بالمغامرات الأمريكية الفاشلة الأكبر الشرق الأوسط بشكل عام، بما في ذلك غزو العراق في عام 2003. ولم تكن إسرائيل هي من ابتدع هذه الفكرة السخيفة وإنما تنسب إلى تيار المحافظين الجدد المناصر لإسرائيل في الولايات المتحدة. وعارض بعض قادة إسرائيل الفكرة في البداية وأرادوا من إدارة جورج دبليو بوش التركيز بدلاً من ذلك على إيران. ولكن بمجرد أن قرر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الإطاحة بالزعيم العراقي صدام حسين ستكون الخطوة الأولى في برنامج أشمل لإعادة تشكيل المنطقة ككل انضم إلى الجوقة كبار المسؤولين الإسرائيليين، بما في ذلك نتنياهو ورئيسا الوزراء الإسرائيليان السابقان إيهود باراك وشمعون بيريز، وساعدوا في تسويق فكرة الحرب لدى الشعب الأمريكي.
فقد كتب كل من باراك وبيريز مقالات في ذلك وظهرا في مقابلات في وسائل الإعلام الأمريكية لحشد الدعم لصالح الحرب، وتوجه نتنياهو إلى مبنى الكونغرس من أجل توجيه رسائل مشابهة لأعضاء الكونغرس. وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي تظهر أن اليهودالأمريكيين كانوا أقل دعما للحرب من عامة الجمهور، إلا أن لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية (إيباك) وغيرها من منظمات اللوبي المناصر لإسرائيل ألقوا بثقلهم خلف معسكر الحرب أيضاً. لم تكن العلاقة الخاصة هي التي سببت الحرب، ولكن الروابط الوثيقة بين البلدين ساعدت في تعبيد الطريق.

وجعلت معزوفة العلاقة الخاصة التي تقول إن التزام الولايات المتحدة تجاه إسرائيل لا يتزعزع من مناصرة إسرائيل امتحانا لابد من اجتيازه حتى يتمكن المرء من العمل في الحكومة، مما يقود إلى استبعاد عدد كبير من الأمريكيين المؤهلين والموهوبين.

وفي المقابل تزول كل المعوقات أمام كل من يعرب عن دعمه المطلق لإسرائيل ويتمكن من الوصول إلى أعلى المناصب في الحكومة، وكل من يعرف عنه نقده لإسرائيل ولو بشكل طفيف فإن طلبه للتوظيف سيواجه بالمشاكل.

فإذا ما تشكل انطباع عن شخص ما بأنه لا يناصر إسرائيل بما فيه الكفاية فقد يتم قطع الطريق على تعيينه كما حدث عندما اختير الدبلوماسي المخضرم ومساعد وزير الدفاع الأسبق تشاز دبليو فريمان في البداية ليشغل منصب رئيس مجلس المخابرات الوطنية في عام 2009، أو إجبار المرشحين على القيام بتصرفات مهينة مثل الإعراب عن الأسف الشديد أو التذلل.

ولا بد من التأكيد كما يقول وولت أن مصدر القلق ليس اعتبار هؤلاء الأشخاص دون المستوى من حيث الاستعداد لخدمة الولايات المتحدة، وإنما الخشية نابعة من أنهم قد لا يكونون ملتزمين بشكل لا لبس فيه بمساعدة دولة أجنبية. وهذا الوضع غير الصحي يمنع الإدارات الديمقراطية والجمهورية الاستفادة من أفضل المهارات ويضيف إلى التضليل المتنامي في الخطاب الحكومي الأمريكي. ويتعلم الموظفون الطامحون الذين يعينون حديثا في مراكز صنع القرار، عدم التعبير عما يفكرون به بشأن القضايا المتعلقة بإسرائيل، وبدلا من ذلك يرددون عبارات مألوفة حتى لو كانت مناقضة للحقيقة. وعندما ينفجر صراع كالعنف الذي حدث مؤخرا في غزة، تجد المسؤولين الرسميين والناطقين الإعلاميين باسمهم غير مرتاحين أمام منصاتهم، وهم يحاولون تجنب قول أي شيء قد يوقعهم هم أو المسؤولين عنهم في مشكلة. والخطر ليس في احتمال أن يقعوا في الكذب وإنما في أن ينطقوا عن غير قصد بالحقيقة.

ويعتقد وولت أن التصدعات في العلاقة الخاصة بدأت في الظهور. وساعد أشخاص يتحلون بالشجاعة مثل بيتر بينارت وناثان ثرول في اختراق حجب الجهل التي طالما أحاطت بهذه القضايا. وغير بعض أنصار إسرائيل مواقفهم بطرق يستحقون الثناء عليها. وفي الأسبوع الماضي نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالة تسرد فيها تفاصيل الصراع بشكل لم تفعله من قبل. وبدأت الكليشهات القديمة مثل “حل الدولتين” وكذلك “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها تفقد قوتها الساحرة.
والسؤال الأهم فيما إن كان هذا التغيير في الخطاب سيؤدي إلى تبدل حقيقي في سياسة الولايات المتحدة، ومتى.

ويؤكد وولت أن المطالبة بإنهاء العلاقة الخاصة لا تعني الدعوة إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات أو إلى إنهاء كل أشكال الدعم الأمريكي، وإنما هي مطالبة بأن تكون للولايات المتحدة علاقة طبيعية مع إسرائيل مثلها مثل علاقات واشنطن بالبلدان الأخرى. ومن خلال العلاقة الطبيعية سوف تقوم واشنطن بمساندة إسرائيل عندما تقدم على فعل أشياء تنسجم مع مصالح وقيم الولايات المتحدة بينما تنأى بنفسها عنها عندما تتصرف إسرائيل بشكل مخالف. وسوف تتوقف الولايات المتحدة عن حماية إسرائيل من الإدانة في مجلس الأمن الدولي، إلا حينما تستحق إسرائيل عن جدارة مثل تلك الحماية.

وحينها لن يجد المسؤولون الأمريكيون حرجاً في توجيه انتقادات صريحة بلغة مباشرة لنظام الأبارتيد في إسرائيل. وسيكون السياسيون والمعلقون وصناع السياسية في الولايات المتحدة أحرارا في أن يشيدوا بأعمال إسرائيل أو أن ينتقدوها – تماما كما يفعلون بانتظام في حال البلدان الأخرى – دون الخشية من أن يفقدوا وظائفهم أو أن يتعرضوا لحملات تشويه وتلطيخ سمعة بدوافع سياسية بحتة.

ويؤكد أيضا أن العلاقة الطبيعية لا تعني الطلاق، فسوف تستمر الولايات المتحدة في التعامل التجاري مع إسرائيل وتستمر المؤسسات الأمريكية بالتعاون مع نظيراتها الإسرائيلية في عدد من المشاريع.

كما وستعود العلاقة الطبيعية بالنفع على إسرائيل نفسها. فمنذ وقت طويل سمح الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل بانتهاج سياسات تركت آثارا عكسية عليها وعرضت مستقبلها للخطر وإن على المستوى البعيد. وفي مقدمة تلك السياسات مشاريع الاستيطان نفسها والرغبة التي لم تعد تخفى على أحد في إقامة إسرائيل الكبرى من خلال ضم الضفة الغربية وحشر الفلسطينيين في أرخبيل من الجيوب المعزولة.
ويمكن للمرء أن يضيف إلى  القائمة غزو لبنان في عام 1982 الذي أنتج حزب الله، والجهود الإسرائيلية السابقة لتعزيز حماس من أجل إضعاف فتح، والهجوم الفتاك على سفينة مافي مرمرة التي كانت تحمل مواد الإغاثة إلى غزة في مايو / أيار من عام 2010، والحرب الجوية الوحشية ضد لبنان في عام 2006 والتي عززت من شعبية حزب الله، والاعتداءات السابقة على غزة في 2008 و2009 و2012 و2014.
كما أن عدم استعداد الولايات المتحدة ربط مساعداتها لإسرائيل بشرط أن يحصل الفلسطينيون دولة قابلة للحياة كان السبب الذي أفشل عملية أوسلو وأضاع أفضل فرصة للتوصل إلى تسوية حقيقية تقوم على حل الدولتين.

وفي النهاية، ستؤدي العلاقة الطبيعية بين البلدين لإجبار الإسرائيليين على إعادة النظر في مسارهم الحالي وعمل المزيد من أجل تحقيق سلام حقيقي دائم. ورغم كل هذه المقترحات فلا يتوقع الكاتب أي تغيير في المواقف، نظرا لوجود جماعات المصالح والتي تدافع عن رؤية عفا الزمن عليها وتحاول تشويه سمعة كل من يطالها.