لندن- “القدس العربي”:
قال المعلق في صحيفة “التايمز” روجر بويز بمقال تحت عنوان “أخطاء إسرائيل الفادحة لا تنفع إلا إيران” التي ستكون الرابح الوحيد من أحداث القدس وغزة.
وأشار في بداية مقاله إلى أن المسلمين ينظرون إلى المسجد الأقصى كثالث الحرمين قداسة بعد مكة والمدينة. فيما يتعامل الأرثوذكس اليهود مع هذه البقعة العصيبة والصدع الحضاري بأنها مكان الهيكل الثالث الذي سيعلم بناؤه ظهور الميسايا.
وكان على الحكومة الإسرائيلية أن تعرف وبشكل مناسب أن المشاكل تتخمر هذا الأسبوع عندما تجمع الطلاب اليهود المتشددون والمستوطنون قريبا للاحتفال بالسيطرة على كل المدينة في عام 1967. وهي لحظة كانت تستدعي تعاملا أمنيا حساسا. وبدلا من ذلك “إسرائيل أخطأت في الوقوع في فخ من صنعها. حيث جرى فجأة إطلاق صواريخ من قطاع غزة على إسرائيل. بالإضافة إلى هجوم الطائرات الإسرائيلية على قادة حماس والجهاد الإسلامي، والاحتجاجات في جميع أنحاء الضفة الغربية. كما بات هناك حديث أيضا عن انتفاضة جديدة واحتمال حقيقي بأن صفقة القرن لدونالد ترامب، أو ما يطلق عليها اتفاقيات إبراهيم والتي تحاول بناء شراكات بين إسرائيل وبعض جيرانها ستموت قبل أن تزهر”. و”لا توجد هناك دولة عربية تريد الارتباط ببلد سمح لشرطته باقتحام مجمع المسجد مع قرب نهاية شهر الصيام، رمضان. فالشارع الغربي غاضب”.
وأضاف أن إسرائيل “لن تلام فقط على الرصاص المطاطي ولا القنابل المسيلة للدموع التي ألقاها رجال شرطة غير منظمين وبدون تجربة، بل كان على إسرائيل التي تراقب إيران عن كثب وأكثر من أي جهة، معرفة ما يطبخ لها في طهران. فهناك المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي الذي أثنى على “دماء المقاومة النقية” التي تسري في عروق الفلسطينيين.
وقال “في الماضي كان الفلسطينيون يدافعون عن أنفسهم برمي الحجارة أما اليوم فيردون بهجمات صاروخية دقيقة”. ويعلق بويز أن المرشد كان بإمكانه إضافة أن هذه الصواريخ صممتها وزودتها طهران كمساهمة في “محور الجهاد”.
وأشار الكاتب إلى تصريحات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله الذي علق على مقتل 45 إسرائيليا في تدافع أثناء احتفال ديني كإشارة على عدم استعداد إسرائيل لمواجهة الحرب. وكان يعني أنها ليست مستعدة لتقبل ضحايا كثر. ثم جاء قائد الحرس الثوري حسين سلامي، الذي قال إن إسرائيل “تسير نحو الحضيض”.
ويقول بويز إن إسرائيل شهدت أربع جولات انتخابية في عامين وفيها رئيس وزراء يحاكم بالفساد، وحزب إسلامي يمكنه لعب دور المرجح في عملية تشكيل الحكومة. وهذه مظاهر يعتبرها بقية العالم على أنها عرض للعملية الديمقراطية والانقسام، وبالنسبة لإيران وجماعتها فهي جاهزة للعصيان.
ويرى الكاتب أن طموح إيران على ما يبدو هو ظهور حماس كقوة موحدة للفلسطينيين وتدير بالإضافة لغزة الضفة الغربية التي يحكمها رئيس السلطة العصبي والمريض محمود عباس والذي قرر تأجيل الانتخابات. وهو ما سيزيد الضغط على إسرائيل. وفوجئ المراقبون الإسرائيليون بالخفة التي قفزت فيها حماس لدعم الفلسطينيين في القدس الشرقية والرد السريع بإطلاق الصواريخ باتجاه المدينة. ولم تفاجئ إيران فكل هذا جزء من خطة عمل محور الثورة.
وتريد طهران من كل هذا دق إسفين بين إسرائيل وأصدقائها العرب الذي يعملون على استراتيجية لمواجهة نشاطات إيران في المنطقة. وتقترب إسرائيل والإمارات من توقيع اتفاقية التجارة الحرة. والأمر لا يتعلق بإسرائيل فقط، ففي غياب سياسة أمريكية قوية من الشرق الأوسط يدخل اللاعبون الإقليميون، فالأردن ومصر والعراق تجري محادثات ثلاثية للاندماج الاقتصادي ويحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إصلاح العلاقات مع مصر والسعودية والإمارات وكل هذا مقلق لإيران.
ومن هنا فإثارة المشاكل تخلق معوقات أمام التعاون، فالملك سلمان يعتبر القضية الفلسطينية مهمة وعدم حلها يمثل عقبة للتعاون مع إسرائيل، أما الأردن فهو الوصي على المسجد الأقصى وينظر إليه بعين مثقوبة ويشجب الأفعال “البربرية” هذا الأسبوع. وألغت تركيا التي ألمحت للتصالح مع إسرائيل الفكرة في الوقت الحالي. ودعا أردوغان العالم، وبخاصة العالم الإسلامي القيام بتحرك فعال ضد هجمات إسرائيل على الأقصى والقدس والفلسطينيين”.
ويقول بويز إن الدول العربية ربما شعرت بالذنب لتجاهلها الفلسطينيين أو لا تستطيع التخلص من مشاعر العداء للصهيونية عندما تظاهر الناس في عشرينات القرن الماضي لحماية الأقصى من خطط اليهود لتدميره وبناء هيكل مكانه. ومهما كان الأمر، فأحداث هذا الأسبوع أرجعت محاولات بناء أرضية مشتركة بين إسرائيل ودول عربية للوراء.
ويرى أن فكرة دخول بنيامين نتنياهو الأزمة لإظهار أنه زعيم قوي ليست صحيحة، ذلك أن رئيس الوزراء الحالي في أضعف حالاته. ولكن لا مكاسب من الدخول في حرب مع غزة وتدمير الجسور الدبلوماسية التي بناها مع دول الخليج وتعقيد علاقته مع الإدارة الجديدة في واشنطن. وحتى الفلسطينيون، الذي شعروا بالامتنان من بيانات التعاطف لن يستفيدوا من حرب دموية أخرى. ورغم كل التصريحات النارية حول تراجع الجيش الإسرائيلي فأهداف الجناح السياسي لحماس لن تخدمها حرب باهظة بغزة في الوقت الحالي. والمستفيد الأول والأخير من كل هذا ستكون إيران.