الناصرة- “القدس العربي” :
جدد رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق الجنرال في الاحتياط عاموس يادلين رئيس معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب تأكيداته على أن القضية الفلسطينية عادت بقوة بعد اتفاقات التطبيع مشددا على القول “انتهت الأوهام”. في مقال موسع نشرته القناة العبرية 12 قبيل التدهور الأمني بيوم واحد (الإثنين) أوضح يادلين أن الجيل الجديد لدى الشباب الفلسطينيين لا يعلم أي أثمان نجمت عنها الانتفاضة الثانية لافتا لانعكاس ذلك في شجاعتهم وجرأتهم في الضفة وغزة والقدس.
واعتبر أن هناك خمس قضايا مركزية على إسرائيل أن تحسم أمرها بها داعيا لتقليص فعاليات استفزازية مثل منع نواب من اليمين بناء مكاتبهم داخل أحياء الشطر الشرقي من القدس وتبديد التوتر في المدينة. ويقول يادلين إن وسائل الإعلام تراقب وتغطي الأحداث الأخيرة في الحرم القدسي الشريف ومنع العملية العسكرية في حاجز سالم في شمال الضفة الغربية وتهديدات الثأر الصادرة عن قادة حماس والجهاد الإسلامي.
ويدعو يادلين لتمعن المعضلات المركزية والأساسية القائمة في الحلبة الفلسطينية – مع كل مركباتها: السلطة الفلسطينية، حماس، والمقدسيون – برؤية واسعة وأطول مدى. ويتابع “استراتيجيا ما هي الجدوى السياسية التي ترعاها إسرائيل مقابل الفلسطينيين؟ على مستوى المنظومات – كيف يتم صيانة الهدوء النسبي في الساحة الفلسطينية وسط تعزيز قوة الردع وهي مركب مركزي لتأمين الهدوء الأمني؟ على المستوى التكتيكي – ما هي الخطوات التي ينبغي القيام بها وما هي الأهداف الاستراتيجية والمنظوماتية؟”.
دولة واحدة غير ديموقراطية أو غير يهودية
في معرض قراءته النقدية يقول يادلين إنه على المستوى الاستراتيجي امتنعت حكومة الاحتلال عن القيام ببحث معمق حول الهدف الوطني لإسرائيل مقابل الشعب الفلسطيني. ويتساءل هل هدفنا قيام دولة واحدة أم أن البوصلة هي دولة يهودية، ديموقراطية عادلة وآمنة؟ منبها أن عدم اتخاذ قرار يعني قرارا يقود لدولة واحدة تكون غير ديموقراطية أو ليست يهودية.
ويضيف “مهم أن نلاحظ أن قادة إسرائيل غير واعين لوجود خطاب سياسي مختلف عن الماضي لدى الفلسطينيين. بعد فشل استراتيجياتهم الثلاث المركزية – الإرهاب، تدويل الصراع والاعتماد على العالم العربي يعزز الفلسطينيون خطاب الحقوق بشكل كبير”. ويؤكد الجنرال الباحث الإسرائيلي أنه إذا فشل الفلسطينيون في بناء دولة فإنهم يطالبون بحقوق متساوية كمواطنين في إسرائيل الكبرى- على أمل طويل الأمد بأن تكون أغلبية ديموغرافية عربية فيها.
ويرى أن الفلسطينيين يأملون، مرحليا، الاستفادة من امتيازات إسرائيل الاقتصادية ومراكمة نقاط في معركة لنزع شرعيتها. ويتابع “ينعكس الهدف الفلسطيني بشكل خاص لدى الفلسطينيين الشباب في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. هذا جيل لم يختبر الانتفاضة الثانية ولم يعرف أثمانها الكبيرة بالنسبة للشعب الفلسطيني. هذا جيل يستخدم منتديات التواصل الاجتماعي وينكشف لتحريض داخلي وخارجي كبير يفاقم المحنة الحقيقية لدى المجتمع الفلسطيني تحت الحكم الإسرائيلي منذ أكثر من نصف القرن”.
إنتاج الوهم
ويشير يادلين أنه في المقابل تتمسك إسرائيل بـ”الوضع الراهن” (الستاتيكو) معتبرا أن النجاح في المعركة مع “الإرهاب”، دعم دونالد ترامب الذي حمى إسرائيل من تسونامي دبلوماسي، اتفاقات التطبيع التي صادرت “الفيتو“ من يد الفلسطينيين على علاقات إسرائيل مع العالم العربي، مواجهة تهديدات غزة (القبة الحديدية وتحييد الأنفاق)، كل ذلك أنتج وهما بأن القضية الفلسطينية قد اختفت أو على الأقل لا حاجة لمبادرة إسرائيلية عملية لمعالجتها ويضيف “طبعا هذا وهم. فأحداث الأيام الأخيرة تعزز الحاجة بتقدير استراتيجي شامل حول أهداف إسرائيل والطريق لتحقيقها”.
معضلات إسرائيل
ويؤكد يادلين أنه لا يوجد حاليا إصغاء لدى القيادة السياسية لأي قراءة استراتيجية ولا حتى إدارة حكيمة للأزمة وكل شيء عالق بالأزمة السياسية الداخلية والقضائية المستمرة معتبرا أن الحكومة التي ستقوم قريبا عليها تكديس أبحاث ومداولات بأعلى المستويات من أجل تعريف محدث للبوصلة الاستراتيجية في الحلبة الفلسطينية. برأيه أن الصراع مع الفلسطينيين من جهة أخرى هو موضوع تدور حوله خلافات أيديولوجية جوهرية بين شركائها ولذلك وفي ظل عدم وجود صلاحية فإنه من المرجح أن تستمر سياسة “هدوء مقابل هدوء” و“إدارة الصراع” ويضيف “مع ذلك فإن هذا الهدف المرحلي عليه توفير جواب لخمس مسائل مركزية: من هو صاحب البيت المفضل علينا في الساحة الفلسطينية- حماس أم السلطة الفلسطينية؟”.
ويتساءل يادلين أيضا: كيف نعود للمسار الدبلوماسي الذي تركته حكومة نتنياهو قبل سنوات كثيرة؟ كيف نستغل اتفاقات التطبيع لدفع عملية سياسية مقابل الشعب الفلسطيني؟ وكيف نمنع أحداث القدس وربما صواريخ من غزة أن تخرب علاقات إسرائيل الناشئة مع دول الخليج؟ كيف نمنع تعاظم قوة حماس في غزة وكيف نؤمن عدم تطوير قدراتها العسكرية كالتي امتلكها حزب الله على حدودنا الجنوبية؟ كيف نتدبر أمورنا مقابل إدارة أمريكية تعود للمواقف التقليدية لواشنطن في موضوع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ومقابل محكمة الجنايات الدولية؟
يتساءل يادلين أيضا: كيف نعود للمسار الدبلوماسي الذي تركته حكومة نتنياهو قبل سنوات كثيرة؟
كذلك يطرح أسئلة أخرى: كيف نعبئ مجددا بطارية شرعية إسرائيل الدولية بعدما تعرضت لأضرار كبيرة في الأسبوع الأخير بسبب أحداث القدس وغياب إسرائيل عن ساحة الوعي في الشبكات الإعلامية والقنوات الدبلوماسية التقليدية؟
ويعتقد يادلين أنه في المستوى المنظوماتي أن السؤال هو كيف تتم تسوية التوتر بين الحاجة للدفاع عن مواطني إسرائيل وتعزيز قوة ردعها مقابل الفهم السياسي بضرورة تخفيف المواجهات ومنع التدهور، مشيرا لصحة رباطة الجأش، استمرار تحويل الأموال لقطاع غزة، إزالة الحواجز الكبيرة من باب العامود التي جاء نصبها خطأ منذ البداية، مطالبة محكمة العدل العليا بتأجيل الحكم في التماس أهالي الشيخ جراح. ويتابع “كل هذه خطوات سليمة وتنطوي على قدرة لتخفيف حدة التوتر ومع ذلك هناك مخاوف بأن يتم تفسيرها في الطرف الآخر كتعبير عن ضعف يشجع سياسة مواصلة الضغط على إسرائيل”.
ضربة مفاجئة لحماس
كما يعتقد أن هناك حاجة وحكمة للانتظار والتثبت هل أن تهديدات القيادي العسكري في حماس محمد ضيف وقادة الجهاد الإسلامي هي تعبير عن تآكل قوة ردع إسرائيل أم أنها معدة للمزاودة على السلطة الفلسطينية بعدما ألغى رئيسها محمود عباس الانتخابات العامة ومحاولة نسب ما يجري في القدس لحماس والجهاد.
وينبه يادلين لمحدودية هذه التوجهات المذكورة بالقول إن ضربة قوية ممكن أن تفضي لتصعيد شامل ويعتبرها المجتمع الدولي مفرطة وغير تناسبية. مشيرا إلى أن استراتيجية “الهدوء مقابل الهدوء“ لا تعالج موضع تعاظم قوة حماس داعيا لأن يكون ذلك مركبا مركزيا في كل ضربة كبيرة مفاجئة تقوم بها إسرائيل مستقبلا وإن كانت تهدف هذه الضربة بالأساس لتعزيز قوة ردعها. ويقول إنه على المستوى التكتيكي ينبغي الامتناع عن خطوات استفزازية ومن جهة أخرى منع حدوث عمليات “تخريبية” داعيا “للقيام بأفعال مهنية تعتمد الحد الأدنى من استخدام القوة وتمكين الفلسطينيين من ممارسة حياتهم في الضفة الغربية وتشجيع نشاط اقتصادي من أجل منع حالة غليان إضافية في الميدان”.
حزب الله في الشمال
ويؤكد على الحاجة بتهدئة الأوضاع في القدس بالسرعة الممكنة بسبب حساسية المكان للفلسطينيين وللعرب والمسلمين وقال إن حماس والسلطة الفلسطينية تخشيان التصعيد الأمني في نطاقهما وتريان في القدس موقعا مفضلا للتصعيد في نطاق “حربهما الواحدة بالأخرى وبالتأكيد ضد إسرائيل”.
ويرى أنه على جيش الاحتلال الاستعداد لتصعيد في اتجاهين: “انتفاضة شعبية” دون قيادة من الضفة الغربية هذه المرة أو جولة قتال كاملة مع غزة داعيا لاستخلاص دروس عدوان “الجرف الصامد“ عام 2014 داعيا للتثبت من إمكانية توجيه ضربة مفاجئة ومحددة جيدا للذراع العسكري لحركة حماس وقياداتها ولمكونات قوتها.
ويخلص يادلين للقول محذرا ومذكرا بوجود تهديد آخر في الشمال “في السطر الأخير ينبغي التذكر دائما أن التهديد من جهة الشمال جوهري أكثر. تدريب الجيش على حرب في الشمال ورفع حزب الله جاهزيته من الممكن أن ينقلا مركز الثقل الأمني من الحلبة الفلسطينية لجبهة الشمال وهي الأكثر خطرا بسبب موازين القوى”.