مركز القلم للأبحاث والدراسات "يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)
المجلة :
وفي تعريف بسيط للدراما، فإنها انعكاس للحياة الواقعية، ولكن بشكل تشخيصي يؤديه الممثل، لرسم وتجسيد بعض الأشخاص قد يقابلها أو يعيش معها المشاهد، في مواقف مختلفة وأوقات متفاوتة، وتهدف إلى إحداث تأثير ونشر رسائل أخلاقية وثوابت راسخة في المجتمعات التي تعرض فيها هذه الأعمال الدرامية، وفي الغالبية العظمى ترسخ الأعمال الدرامية سواء مسرحية أو تلفزيونية، إلى قيم الخير ونبذ العنف والشر.
منذ سنوات طويلة اعتبر صناع الأعمال الدرامية في مصر والوطن العربي، أن شهر رمضان موسم وسباق سنوي لعرض أنواع مختلفة من الدراما على المشاهدين، ولكن على النقيض وعكس توقعات المشاهدين، جاءت بعض مسلسلات دراما 2021، لتقدم محتوى صادم للجمهور، وذلك لبناء السياق الدرامي لأبطال المسلسل على أنهم أشخاص دون المستوى سواء الأخلاقي أو العلمي أو المجتمعي، وتصدير كثير من الألفاظ البذيئة والخارجة، وفي بعض الأحيان الإيحاءات الجنسية على الشاشة، متجاهلاً مؤلف العمل والقائمين على القيم والرسائل التي يجب توصيلها للمشاهد والمتلقي من خلال الدراما.
مسلسلات أثارت الجدل في السباق الرمضاني
بعد عرض ما يقرب من 10 حلقات من المسلسلات الرمضانية، جاء مسلسل «ملوك الجدعنة»، بطولة الفنان مصطفى شعبان وعمرو سعد، وتأليف عبير سليمان، وإخراج أحمد خالد موسى، من أكثر الأعمال التي تعرضت للانتقاد، سواء من قبل المتخصصين أو المشاهدين، وذلك لأن العمل مليء بمشاهد العنف والألفاظ الخارجة، ولتصويره شخصية «الجدع»، الشهم، على أنه شخص دائم الشجار، ويحمل الأسلحة البيضاء دائما، وهدفه هو الوصول إلى الثراء السريع سواء من طريق مشروع أو غير مشروع.
الفنانة القديرة سميحة أيوب: لا أشارك في أعمال مبنية على العنف والبلطجة، وتناول المخدرات… والبلطجة عار على الدراما والفن
ولم يقتصر الأمر على «ملوك الجدعنة»، إنما يأتي مسلسل «اللي ملوش كبير» للنجوم: ياسمين عبد العزيز، أحمد العوضي، وتأليف عمرو محمود ياسين، وإخراج مصطفى فكري، الذي تعرض للنقد بسبب تجسيد العوضي لدور أحد البلطجية دائم الشجار، والذي يبحث دائماً عن افتعال المشاكل مع الآخرين، بالرغم من أن الدراما المصرية لها باع كبير في تجسيد شخصية «الفتوة»، الذي ينصر المظلوم ويدافع عن الضعيف، ولكن في سياق درامي يجعله نموذجا يحتذى به وليس نموذجا منفرا للمحيطين به.
وجاء في سجل الأعمال الدرامية، التي ضمت الكثير من مشاهد العنف والمخدرات والجنس، مسلسل «لحم غزال»، الذي تقوم ببطولته غادة عبد الرازق، تأليف إياد إبراهيم وإخراج محمد أسامة، ونقل المسلسل صورا ومشاهد رفضها الكثير من المشاهدين، ومن بينها قتل «غزال»، لحمدي الميرغني، والذي يتاجر في الهيروين، بسبب قيامه بخطف ابنها الوحيد، ورفضه إخبارها بمكانه، وهو ما اضطرها لحرقه في منزلها، والتخلص منه بعد تفحم جثته.
ومن الأعمال التي أثارت الكثير من الجدل، بسبب احتوائه على مشاهد وألفاظ لا ترتقي إلى المستوى العام، مسلسل «الطاووس»، بطولة جمال سليمان، وسهر الصايغ، وتأليف كريم الدليل، وإخراج رؤوف عبد العزيز، وتدور أحداثه حول فتاة يتم تخديرها واغتصابها من قبل شباب أصحاب مال ونفوذ، لم يواجه المسلسل الانتقادات فقط بل وصل الأمر لحد تقديم الشكاوى للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وذلك بعد عرض مشهد اغتصاب أمنية التي تجسد دورها سهر الصايغ.
وبدوره قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، فتح التحقيق فوراً مع المسؤولين عن إنتاج المسلسل ومسؤولي القنوات التي تقوم بعرضه، لتلقيه شكاوى عديدة، حول استخدام لغة لا تتفق مع الأكواد التي أصدرها المجلس، وتؤكد على ضرورة إعلاء القيم وعدم المساس بالأسر المصرية أو الحط من شأنها، أو إظهارها في صورة تسيء إليها.
وأكد المجلس في بيان له، أنه ينحاز إلى حرية الفن، وإطلاق طاقات الإبداع والتفرد والقيم الجمالية، ولا يضع قيوداً من أي نوع على تلك المعاني النبيلة، لكنه يعمل في نفس الوقت على تنقية الأجواء ومنع الصور التي تسيء للفن المصري الأصيل، مشيراً إلى أن احترام المشاهدين من أولويات الأعمال الفنية الهادفة، حفاظاً على الهوية وتماسك الأسر والابتعاد عن أي صورة تشوهها، أو تحض على العنف اللفظي والجسدي، وأن تتبنى الأعمال الدرامية محتوى إيجابيا يحترم القيم المتعارف عليها.
وأضاف المجلس أن لجنة رصد الأعمال الدرامية تقوم أولاً بأول بمتابعة ما يتم عرضه من مسلسلات ومراقبة مدى الالتزام بالأكواد الإعلامية، وتتلقى شكاوى المواطنين وكذلك انتقادات النقاد والكتاب والمهتمين بذلك.
غضب بسبب انتشار البلطجة والمخدرات
المتخصصون في الحقل الفني كان لهم رأي في ظاهرة انتشار دراما البلطجة والمخدرات في السباق الرمضاني 2021، فقالت الفنانة سماح أنور، عبر حسابها الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «ابن الحلال مابيشيلش مطوة على فكرة ولا بيحشش، ولا بيستضعف، ولا قليل الأدب، ولا بيشتم البنات والستات علشان هو راجل بقى ولازم نخاف منه وكده ولا حاجة، وعن ملوك الصياعة بس السنة دي بيسموها جدعنة، وفكنا بقى من حوار دي نماذج من المجتمع والجو البلدي القديم ده، عايزني أحبه واتعاطف معاه ليه، حاتستفيد إيه فهمني».
وشاركتها نفس الفكرة، الفنانة القديرة سميحة أيوب، والتي قالت إنها لا تشارك في أعمال مبنية على العنف والبلطجة، وتناول المخدرات، مؤكدة أن البلطجة عار على الدراما والفن.
برلماني مصري: أغلب مسلسلات رمضان هذا العام يغلب عليها طابع الألفاظ البذيئة ليتم تداولها بين الأطفال والمواطنين في الشوارع، بحيث تُصبح ثقافة خلال الفترة المقبلة
واتفق معهما في الرأي الناقد السينمائي والمخرج رامي عبد الرازق، قائلاً إن «هذا العام يشهد تناقضا لم نشاهده من قبل، فالإنتاج ضخم وفي بعض الأحيان مبالغ فيه بشكل لا يصدق في حين أن الأفكار متواضعة إلي حد كبير، باستثناء بعض الأعمال، مؤكدا أن دراما 2021 بها الكثير من خيبات الأمل فبعض الأسماء الفنية الكبيرة صدمتني، كما أن هناك بعض الأعمال كان من المفترض أن تأخذ طابع الدراما والأكشن وأخذت الطابع الكوميدي».
بيان عاجل أمام مجلس النواب يطالب بفرض عقوبات
وفي سياق متصل، أصدر النائب هشام الجاهل، عضو مجلس النواب، بيانا عاجلا، قال فيه: «إنه من خلال مُتابعته الجيدة لكافة مسلسلات شهر رمضان الكريم 2021، لرصد كافة الأخطاء التي لا بد أن تتم محاسبة فريق العمل عليها، مُشيرًا إلى أن مسلسلات هذا العام تشهد العديد من الألفاظ البذيئة وعلى رأسها مسلسل (ملوك الجدعنة) والذي يستوجب فرض العقوبات عليها».
وأكد عضو مجلس النواب، في بيانه، أنه «لا يمكن لأحد أن ينكر الدور الكبير الذي تلعبه مسلسلات رمضان في ثقافة المواطنين وتوعيتهم ضد القضايا المتداولة والعادات الخاطئة الموروثة، ورغم ذلك فإنها تمارس دورها خطأ ولا بد من مُحاسبتها على ذلك»، مضيفاً أن «أغلب مسلسلات رمضان هذا العام يغلب عليها طابع الألفاظ البذيئة ليتم تداولها بين الأطفال والمواطنين في الشوارع، بحيث تُصبح ثقافة خلال الفترة المقبلة، ولذلك لا بد أن تكون للحكومة وقفة رادعة تجاه هذه الأعمال»، متسائلاً: «هل مسلسل (ملوك الجدعنة) يعتبر مسلسلا هادفا يُسلط الضوء على القيم والمبادئ والأخلاق؟ أم يندرج تحت قائمة المسلسلات الهابطة والتي تدعو إلى البلطجة؟».
