[ يوشك أن تتداعي عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها …. الحديث ]
لندن ــ “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” تقريرا عن الباحث الأنثروبولوجي الألماني أدريان زينز، المعروف بأبحاثه حول المسلمين الإيغور في إقليم تشنجيانغ، شمال- غرب الصين. وتعرض في الفترة السابقة لعقوبات من بيجين في محاولة منها لإسكاته.
وتقول جوسي إنسور في تقريرها إن محاولات القرصنة على زينز بدأت بعد فترة قصيرة من نشره تقريرا عن الانتهاكات التي تمارسها الصين ضد المسلمين الإيغور، حيث وصلته رسالة إلكترونية بعد الأخرى من حسابات تحمل أسماء تبدو أنها من الإيغور وتدعوه لفتحها لأن فيها “أدلة” عن الانتهاكات.
فقد كشفت أبحاثه عن عمليات الاعتقال الجماعية والقمع ضد أقلية الإيغور مما جعله هدفا رئيسيا للحكومة الصينية. وفي مقابلة مع الباحث قال “عملهم ضدي كان، وبطرق أخرى، دليل نجاحي”. ويدير زينز مركز بحث بنفسه من ضاحية في مينيسوتا، مضيفا “ويظهر قلقهم”.
وكان آخر تقرير أصدره عن وضع المسلمين الإيغور في كانون الأول/ديسمبر وعبر معهد نيولاينز للإستراتيجيات والسياسة ومقره في العاصمة واشنطن، واحتوى على أدلة صادمة وهي أن نصف مليون إيغوري أجبروا على العمل في مزارع القطن أو المصانع الصينية.
وكشف بتفاصيل غير مسبوقة كيف تقوم السلطات بالذهاب إلى قرى الإيغور وتجند “العمال”. وقال إن التقارير الحكومية حافلة بـ “قصص النجاح” عن زيارات المسؤولين لبيوت القرويين وحتى “توافق” العائلات “على العمل”. وكان للتقرير تداعيات واسعة حيث منعت الولايات المتحدة استيراد القطن المنتج في منطقة تشنجيانغ والتي تقوم بتوفير نسبة 20% من إمدادات القطن عالميا.
واستشهدت الأمم المتحدة والكونغرس الأمريكي بأبحاث الألماني البالغ من العمر 46 عاما. وشكلت ورقة أعدها عن تعقيم النساء المسلمات في محاولة للحد من الإنجاب أساسا لقرار وزارة الخارجية الأمريكية اعتبار السياسة الصينية إبادة. إلا أن مواجهة القوى العالمية الصاعدة كان بمثابة معركة داوود وجالوت. وكرد على التقرير اتخذت بيجين خطوة غير عادية بفرض عقوبات عليه وعدد من نواب البرلمان والأكاديميين البريطانيين ومنعتهم من دخول الصين. ثم قامت الشركات التي ورد اسمها في التقرير بتقديم دعاوى قضائية ضده، وهي أول حالات عن باحث يواجه قضايا مدنية في الصين بسبب عمله في مجال حقوق الإنسان. وتزعم أن عمل زينز ليس فقط غير صحيح ولكنه أضر بسمعة الصناعة. وتطالب بتعويضات واعتذار وأمر قضائي يمنعه من مواصلة أبحاثه. وينفي زينز الذي يعمل كزميل بارز في المؤسسة التذكارية لضحايا الشيوعية الاتهامات، مشيرا إلى أن نسبة 90% من المعلومات التي استخدمها في تقارير حصل عليها من سجلات الحكومة الصينية العامة.
وقضى الباحث الذي يتحدث الماندرين بطلاقة أشهرا وهو يدرس آلاف الوثائق التي حصل عليها من مناطق بعيدة في الصين عبر الإنترنت وقام بربط النقاط للحصول على صورة أوسع عما يحدث في منطقة من أكثر المناطق مراقبة في العالم.
وقال زينز “يعرف عن الصينيين دقتهم في الحفاظ على السجلات” و”بطريقة ما فقد عبروا عن الفخر عما يقومون به. وهنأوا أنفسهم بأنهم استطاعوا إجبار الإيغور على عمل ما يريدونهم عمله”.
وفي البداية حاولت الحكومة التعتيم على معسكرات الاعتقال، لكن تسرب الأخبار عنها أجبر السلطات على تصويرها بأنها من أجل مكافحة الإرهاب. ويقول زينز “هي موجودة هناك وكل ما عليك هو البحث عنها”. وأضاف زينز الذي انتقل من مدينته شتوتغارت إلى أمريكا من أجل عمله “هناك الكثير من المواد والتي قد لا يفسرها المسؤولون بنفس الطريقة التي قد يفسرها العالم الخارجي”. وكان العمل للكشف عن معسكرات الاعتقال صعبا، ولم تستطع إلا قلة من الباحثين الكشف عنها، مما يجعله من أهم الباحثين في هذا المجال.
وكما يقول زميله الأكاديمي الصيني جين بونين إن الحكومة الصينية قلقة من عمل زينز “لأن الأدلة التي لديه يصعب عليها نفيها”. وفي الوقت الذي لن تؤثر الدعاوى القضائية عليه في بيجين طالما بقي خارج الصين، إلا أنه يخشى من قيام خصومه بتقديم دعاوى ضده في الولايات المتحدة. ويرى أن الصين تقوم بخطوات شديدة وواسعة لإسكات من يكتبون عن المعسكرات على أمل ردعه وغيره من البحث عميقا. وعلق قائلا: “أعتقد أنهم يحاولون استخدام هذا كتحذير- تحدث ضدنا وستواجه التبعات” و”لم نر مثل هذا من قبل”.
وزار زينز الذي قدم رسالة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة كامبريدج، إقليم تشنجيانغ مرة واحدة قبل عقد. وقام بتمويل عمله بنفسه حيث استخدم دخله من عمل جانبي مع شركة ألمانية ناشئة للبث عبر الفيديو. وبدأ الباحث الذي اكتشف الديانة المسيحية من جديد “ولد مرة أخرى” عمله بالتركيز على منطقة التبت البوذية التي تتمتع بالحكم الذاتي في الصين، حيث اعتقد أن “الرب قاده” إلى هناك. ثم بدأ بالتركيز على تشنجيانغ في 2018 والتي أصبحت بالنسبة له مهمة حياة كما يقول. وقال “كانت هذه دائما مهمة لي” و”دهشت لعدم اهتمام باحثين في هذه السجلات لأنها تكشف عن حجم وخطورة ما يحدث هناك”. ويقول إن كل عمله مؤمن ولديه بروتوكول خاص لحماية مصادره وعمله، مع أنه لم يكشف للصحيفة عن كيفية عمله، غير الإشارة إلى أنه يتم عبر التشفير أو الشبكات المؤمنة أو من خلال الشبكات الافتراضية الخاصة. وتأكد من أرشفة السجلات الرسمية التي كان محظوظا للوصول إليها، لأن الحكومة حذفتها. وتعرض لحملات تضليل من الصحف التي تملكها الدولة والمنشورات المؤيدة للدولة. وفي بحث عن زنيز في غوغل فأول ما تكتشفه هو مقال نشر في “ذي غلوبال تايمز” ويصف الباحث بـ “المحتال” والمخادع. ويعلق “في الأسوأ، يقومون بنشر مواد عني ونشرها في كل القنوات المختلفة، وهو عمل مكثف” و”هذا دليل عن أثر عملي”.
ويحذر خبراء حقوق الإنسان أن الدعوات القضائية في الصين تعتبر سابقة وترسل رسالة للشركات الأجنبية والمؤسسات التي ترغب بالحديث عن الوضع بالمنطقة. ويعتقد زينز أن إدارة جوزيف بايدن التي اتخذت موقفا قويا من بيجين إلى جانب الحكومات الأوروبية قد تقوم بمواجهة الصين الجريئة. ودعا لعقوبات مستهدفة وتمرير قانون منع العمالة القسرية للإيغور. وأضاف “لدى الحزب الشيوعي الصيني أيديولوجية ونهج يعتبر خطرا على الدول الحرة وهذا يظهر بوضوح أكثر وأكثر”.