Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

الصاروخ الإيراني يغير الشرق الأوسط

القدس العربي :

حسين مجدوبي

منذ سنوات طويلة، وجزء من أخبار العالم يتمحور حول الملف النووي الإيراني، عبر موقف هجومي للغرب، الراغب في إيقاف المشروع بدعم من إسرائيل والعربية السعودية، وموقف روسي – صيني ينحو نحو التوفيق. ونجحت إيران في المناورة، ليس بدهائها السياسي أو بقدرتها على التفاوض، بل بفضل صناعة الصواريخ المتطورة التي حققتها. وهي بهذا، ترسم الطريق لعشرات الدول ومنها العربية، بشأن إعادة تصورها للعتاد العسكري لتقليص الفارق مع الدول الكبرى خدمة لأمنها القومي.
وإذا قرأنا التاريخ، سيخبرنا بمدى تأثير التقدم العسكري في مجريات هذا التاريخ، وهناك لقطة مهمة في بداية فيلم «أوديسا 2001» للمخرج ستانلي كوبريك تدل على كيفية تحقيق الإنسان تلك القفزة الهائلة، عندما اكتشف قوة العصا العظمية، وهي اللقطة التي يربطها لاحقا بالصاروخ الذي يغزو الفضاء. ومن امتلك السيف وأبدع في صناعته حقق السلطة، ثم من طور سلاح السهام حقق السلطة والتفوق، ومن اكتشف البارود سيطر على الحروب، ومن كان السباق إلى البندقية كان سباقا إلى الفوز بالحروب، وصولا إلى العتاد العسكري الثقيل، مثل الدبابات والطائرات والمدرعات ثم القنبلة النووية. وانتصر هتلر على فرنسا في ظرف أيام لأن الصناعة العسكرية الألمانية كانت رائدة، وحسمت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية بفضل القنبلة النووية.
وفي العلاقات الدولية، خاصة الأزمات أو البحث عن التوازن، مهما كانت قوة المفاوضات، ومهما كان ذكاء بعض القادة السياسيين، فالعامل الحاسم في التوازن أو فرض القرارات مثل، السلم أو الحرب بمفهوم الغزو أو خرق القانون، هو قوة السلاح الذي تتوفر عليها دولة ما. ويعود جزء من خرق القوى الكبرى للقانون الدولي وفرض سياسة الغاب في بعض الأحيان، إلى قوتها العسكرية والاقتصادية التي تمنحها قوة سياسية. وارتكبت الولايات المتحدة خروقات كبيرة معتمدة على ترسانتها العسكرية، وقامت روسيا مؤخرا بضم شبه جزيرة القرم، ضد القانون الدولي، بفضل قوتها العسكرية، حيث لا يجرأ أحد على مواجهتها، وفرضت إسرائيل قوتها في الشرق الأوسط لعقود بفضل تفوقها الحربي، خاصة الطيران.

التقدم في صناعة الصواريخ جنب إيران الهجوم الغربي والإسرائيلي ضدها، ومنحها قوة التفاوض حول مشروعها النووي

والآن نعيش فصلا جديدا بين العلاقة الشديدة الارتباط بين مستوى التسلح والقرارات الدولية، وهي الحالة الإيرانية ومشروعها النووي. فقد حاول الغرب بدعم من إسرائيل وبعض الدول العربية إيقاف المشروع النووي الإيراني ثم تحديد سقف للصناعة الصاروخية، ولم ينجح الغرب في فرض هذا الهدف بالقوة بسبب القوة المضادة، أي القوة العسكرية الإيرانية، ولو كانت إيران ضعيفة مثل حالة العراق لجرى تدمير مشروعها النووي، كما تم في العراق سابقا عبر الهجوم الإسرائيلي يوم 7 يونيو/حزيران 1981 على مفاعل نووي كان قيد الإنشاء، وهي العملية التي تعرف باسم «عملية أوبرا» ثم لاحقا عبر حرب 2003. إسرائيل قوة عسكرية ضخمة، ولكنها غير قادرة على مواجهة إيران وتحقيق الانتصار، كما أن الولايات المتحدة أكبر دولة عسكرية في العالم الآن، لكنها لا تستطيع تدمير المشروع النووي الإيراني، إلا إذا استعملت السلاح النووي، وهذا مستبعد إن لم نقل بالعمل المستحيل في السياق الدولي الحالي.
عانت إيران من الحصار الاقتصادي والعسكري، وراهنت على تطوير ترسانتها الصاروخية، وهي بهذا طبقت نظرية اعتمدها الاتحاد السوفييتي سابقا، وكانت: أمام التفوق الجوي والبحري للولايات المتحدة، وبغض النظر عن السلاح النووي، راهن الكرملين وقتها على تطوير ترسانة الصواريخ، سواء الهجومية لضرب السفن، أو منظومة الدفاع الجوي لاعتراض الطائرات الأمريكية. ويتجلى نجاح تقليد إيران لهذه الاستراتيجية في تصنيعها صواريخ قادرة على إغراق حاملات الطائرات من جهة، ثم قادرة على ضرب العمق الإسرائيلي من جهة أخرى. وكان من نتائج هذه السياسة التصنيعية، إحجام الولايات المتحدة عن تنفيذ أي هجوم عسكري ضد إيران، بل عند لحظات التوتر تترك حاملة الطائرات بعيدة عن الخليج العربي، لكي لا تكون في مرمى الصواريخ الإيرانية، ثم عدم إقدام إسرائيل على شن أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
لقد أدركت إيران استحالة تصنيعها مقاتلات عسكرية متطورة قادرة على مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، وفي المقابل اعتمدت على تطوير الصناعة الصاروخية. وتؤكد الدراسات العسكرية أن الانتقال من جيل من الطائرات المقاتلة إلى آخر يتطلب على الأقل 20 سنة، مثلا انتقال الولايات المتحدة من جيل مقاتلات إف 16 وإف 15 إلى إف 22 وإف 35 تطلب أكثر من عقدين. بينما الانتقال من جيل صاروخي إلى آخر يتطلب خمس سنوات فقط، وهذا يعني أن المستقبل لصناعة الصواريخ وليس المقاتلات. وفرض الصاروخ الإيراني وضعا جيوسياسيا جديدا في الشرق الأوسط، ولعل أبرز مثال هو حزب الله. في مقال سابق لي يعود إلى 3 أغسطس/آب 2006 بعنوان «توازن الرعب بين سلاح الجو الإسرائيلي وصواريخ حزب الله» الذي يعالج كيف خلقت صواريخ حزب الله المفاجأة، خاصة عندما نجح حزب الله في ضرب العمق الإسرائيلي وإلحاق الضرر بفرقاطة إسرائيلية في عرض البحر، وقتها أخذت إسرائيل والولايات المتحدة صورة مسبقة عن صناعة إيران للصواريخ، ووقتها اتخذ البنتاغون قرار عدم الدخول في الحرب مع إيران. وكان جورج بوش يرغب في شن حرب ضد طهران، إلا أن جميع الأجهزة الاستخباراتية والجيش عارضا بشدة ذلك عام 2007. لهذا كان حديث الكثير من الخبراء عن حرب أمريكية ضد إيران بعيدا عن المنطق العسكري. ومن المظاهر الأخرى لفرض الصاروخ الإيراني واقعا جديدا، هو الحرب في اليمن، حيث يستخدم الحوثيون الصواريخ لضرب السعودية، ما جعل الرياض تطلب السلام بعدما كانت ترفض بشدة في السابق.
وتجنب الكثيرون الحديث عن القوة الصاروخية لإيران لاسيما في العالم العربي، وإن جرى تناولها فيكون عبر ثنائية الشيعة والسنة، أي التبخيس والتبخيس المضاد. في حين أن التقدم في صناعة الصواريخ هو الذي جنب إيران الهجوم الغربي والإسرائيلي ضدها، كما منحها قوة التفاوض حول مشروعها النووي.
ويبقى التساؤل: ماذا لو كانت الدول العربية قد راهنت على صناعة صواريخ متينة، ولاسيما في حالة مصر التي تتوفر على القدرة الصناعية لذلك، بدون شك كان الشرق الأوسط سيكون مختلفا نوعا ما.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»