ويكي شيعة :
استشهاد الإمام علي عليه السلام
وكانت آخر وقعة خاضها الإمام علي هي معركة النهروان، حيث جابه فيها مجموعة من أنصاره الذين فرضوا التحكيم عليه في حرب صفين آنفاً، لكنهم ندموا بعدة أيام، فنكثوا عهدهم وخرجوا من بيعة الإمام، وقد عُرفوا هؤلاء فيما بعد باسم الخوارج أو المارقين، فانتصر عليهم الإمام ، وكان يتهيأ لقتال المتمردين في الشام – بعد أن فشل التحكيم عند اللقاء بين الحَكَمَين – بيد أنه في صبيحة اليوم التاسع عشر من رمضان سنة أربعين للهجرة عند صلاة الفجر، قام عبد الرحمن بن ملجم المرادي – وهو من الخوارج – بشجّ الإمام في مسجد الكوفة، وذلك بعد حوالي خمسة أعوام من الحُكم.
قبل أن يفارق الإمام الحياة، بقي يعاني الجُرح ثلاثة أيام، وعَهِد خلالها بالإمامة إلى ولده الإمام الحسن السبط بأمر الله تعالى ليقوم بعده بمهامه في قبال الأمة.
محتويات
محاولات اغتيال
لقد تعرض الإمام عليّ بن أبي طالب للقتل عدة مرات، ومن أشهرها كانت ليلة هجرة النّبيّ .[1]
وبعد ليلة المبيت وخروج عليّ مع الفواطم إلى النبيّ قد تأكّدت عزيمة جمع من الكفّار على قتله عندما لحقوه بالطريق. و قالوا له: ارجع بالنسوة، وحالوا بينه وبين النسوة كي يرجعوهنّ، فشدّ عليهم وقتل أحدهم.[2]
وثمّ بعد ذلك في حرب بدر ومقتل أكثر من نصف الذين قُتلوا من صناديد الكفّار على يده تأكّدت عزائم الكفّار على قتله أكثر فأكثر.
ثمّ في حرب أحد لمّا فرّ المسلمون إلاّ عدد قليل منهم وواسا عليّ النبيّ بنفسه وفرّق الكفّار المحدقين بالنبيّ وقتل رؤساءهم، اشتدّت نوايا الكفّار وعزمهم على قتل عليّ , فكان يغري بعضهم بعضاً على قتله والفتك به. كما يدلّ على ذلك ما رواه جماعة عن أسيد بن أبي إياس أنّه كان يحضّ المشركين على قتله وينشد:
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم ذبحا | وقتلة قعصة لم يذبح | |
عشرون أفناكم قعصا وضربا | يفتري بالسيف يعمل حدّه لم يصفح | |
أعطوه خرجا واتقوا بمضيعة | فعل الذليل وبيعة لم تربح |
وكان الأمر على هذا المنهاج في طول أيّام الخلفاء الثلاثة كما تكشف عن ذلك أبيات أمير المؤمنين المعروفة المستفيضة:
تلكم قريش تمنّاني لتقتلني فلا | وربك ما برّوا ولا ظفروا | |
فإن بقيت فرهن ذمّتي لهم | بذات روقين لا يعفو لها أثر |
ثمّ تلاهم القاسطون وهم معاوية وأهل الشام ومن شايعهم على قتال عليّ .
المارقين و واقعة التحكيم
- مقالة مفصلة: واقعة التحكيم
وعند محاربة القاسطين لأمير المؤمنين زيدت في مناوئي عليّ فرقة ثالثة وهم المارقون الخوارج.
وهؤلاء أكثرهم كانوا من عبّاد أهل الكوفة والبصرة ومن قرّاء القرآن ولكن لم يكونوا على بصيرة في علم القرآن وكان غاية جهدهم الإكثار من تلاوة القرآن والمداومة على الأذكار والأوراد وكانوا مع عليّ مجدّين في قتال أعدائه ولكن عند ما رفع معاوية وجنده المصاحف على الرماح-مكرا وخديعة-في صباح ليلة الهرير ودعوا عليّاً وعسكره إلى تحكيم القرآن والرضا والتسليم لحكم القرآن وأبى عليهم عليّ لعلمه بأنّ القوم لا يريدون حكم القرآن بحسب الواقع وإنمّا لجؤوا إلى ذلك لينجوا من المهلكة.
فعند ذلك أصرّ هؤلاء الحمقى على عليّ كي يقبل هذه الدعوى ويصالح معاوية على تحكيم القرآن وهدّدوا عليّاً على رفضه ذلك بالقتل أو تسليمه إلى معاوية أو الانفراج عنه كي يقتله أهل الشام.
ومن أجل إصرار هؤلاء الجهّال على نزعتهم حدث اختلاف شديد وتضارب في الرأي في جند الإمام أمير المؤمنين حتّى كادوا أن يتقاتلوا.
فاضطرّ الإمام أمير المؤمنين إلى قبول الصلح وتحكيم القرآن تحت شروط وقيود تبطل خديعة معاوية ومكره، فكتبوا كتاب الصلح وأمضاه رؤساء الفريقين ووقّعوا عليه، فعند ذلك انتبه المغفّلون من القرّاء بأنّهم خدعوا فيما أصرّوا عليه أوّلا فجاؤوا إلى عليّ وألحّوا عليه أن يعود إلى محاربة معاوية فأبى عليهم عليّ وقال لهم: ويلكم إنّ اللّه أمر بالوفاء بالعهد مع المشركين فكيف ينقض عهده مع هؤلاء وهم مسلمون؟! وقال لهم جهاراً: إنّه لا يرجع عن عهده مع الناكثين إلاّ أن يخونوا هم العهد أو تنتهي مدّة المعاهدة من غير وفاق على حكم القرآن.
فحينئذ كفّره الخوارج وكفّروا كلّ من رضي بتحكيم القرآن ولم يتب منه وفارقه بعضهم في نفس المعركة.
ولمّا انفصل أمير المؤمنين من معركة صفّين راجعاً إلى الكوفة لم يدخلوا معه الكوفة وعسكروا بموضع يقال له: الحروراء وعزموا على أن يدعوا عليّاً مجدّداً إلى الرجوع عن العهد ونقضه كي يذهبوا معه ثانياً إلى حرب معاوية وإلاّ سيحاربونه ويقتلونه.
معركة نهروان
- وجرى بين أمير المؤمنين وبينهم رسلٌ ورسائل ومحاجّات كثيرة في خلالها رجع بعضهم عن نزعته ووقف آخرون متردّدين وبقي أكثرهم على لجاجهم وعنادهم وسعوا في الأرض بالفساد، وقتلوا الأبرياء وأهلكوا الحرث والنسل ونابذوا عليّاً بالحرب وخرجوا إلى موضع يقال له: النهروان معلنين الحرب.
فخرج إليهم عليّ بالجنود واحتجّ عليهم وخطبهم وطلب منهم الرجوع إليه كي يذهب بهم إلى حرب معاوية من أجل أنّ الحكمين لم يتّفقا وخانا ما أخذ عليهما من الحكم بالقرآن والتجنّب عن متابعة الهوى.
فلم يلتفت الخوارج إلى احتجاج عليّ وشدّوا على أصحابه وقتلوا منهم أفراداً.
فعند ذلك ثبّت أمير المؤمنين أصحابه وحرّضهم على قتال الخوارج وبشّرهم بما وعد اللّه تعالى لمن يقتل هؤلاء الأشقياء وأخبرهم بأنّه لا يقتل منهم إلاّ دون عشرة وأنّه لا ينجوا من الخوارج إلاّ دون عشرة.[3]
ثمّ شدّ بأصحابه على المارقين فقضوا عليهم عدا من فرّ منهم من المعركة وهم دون العشرة، وعدا المجروحين منهم فإنّه دفعهم إلى عشائرهم كي يداووهم.
وبعد وقعة النهروان والقضاء على رؤوس الخوارج خمدت شوكتهم فعندئذ غيّر الباقون من الخوارج ومن على نزعتهم مجرى المناوئة وعزموا على الفتك والاغتيال.
مؤامرة ابن ملجم على اغتيال أمير المؤمنين
قال ابن سعد :[4]
-
- قالوا: انتدب ثلاثة نفر من الخوارج [وهم] عبد الرحمن بن ملجم المرادي– وهو من حمير وعداده في مراد وهو حليف بني جبلة من كندة- والبرك بن عبد اللّه التميمي وعمرو بن بكير التميمي فاجتمعوا بمكّة وتعاهدوا وتعاقدوا ليقتلنّ هؤلاء الثلاثة: عليّ بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ويريحنّ العباد منهم فقال عبد الرحمن بن ملجم: أنا لكم بعليّ بن أبي طالب. وقال البرك: أنا لكم بمعاوية. وقال عمرو بن بكير: أنا أكفيكم عمرو بن العاص.
فتعاهدوا على ذلك وتعاقدوا وتواثقوا “على أن” لا ينكص رجل منهم عن صاحبه الذي سمّي “له” ويتوجّه إليه حتّى يقتله أو يموت دونه.
فتواعدوا بينهم ليلة سبع عشرة من شهر رمضان ثمّ توجّه كلّ رجل منهم إلى المصر الذي فيه صاحبه.
فقدم عبد الرحمن بن ملجم الكوفة فلقي أصحابه من الخوارج فكاتمهم ما يريد وكان يزورهم ويزورونه. فزار يوماً نفراً من تيم الرباب فرأى امرأة منهم يقال لها: قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تيم الرباب- وكان عليّ قتل أباها وأخاها يوم النهروان، فأعجبته فخطبها فقالت: لا أتزوّجك حتّى تسمّي لي. فقال: لا تسأليني شيئاً إلاّ أعطيتك.
فقالت: ثلاثة آلاف وقتل عليّ بن أبي طالب. فقال: واللّه ما جاء بي إلى هذا المصر إلاّ قتل عليّ بن أبي طالب وقد آتيناك ما سألت.
ولقي عبد الرحمن بن ملجم شبيب بن بجرة الأشجعي فأعلمه ما يريد ودعاه إلى أن يكون معه، فأجابه إلى ذلك. وبات عبد الرحمن بن ملجم تلك الليلة التي عزم فيها أن يقتل علياً في صبيحتها، يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده، حتى كاد أن يطلع الفجر فقال له الأشعث: فضحك الصبح فقم، فقام عبد الرحمن بن ملجم وشبيب بن بجرة، فأخذا أسيافهما ثم جاءا حتى جلسا مقابل السدة التي يخرج منها علي.
أحداث الليلة التي استشهد فيها أمير المؤمنين
وروي أّنه لما دخل شهر رمضان كان أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند عبد الله بن العباس فكان لا يزيد على ثلاث لقم فقيل له في ليلة من الليالي ما لك لا تأكل؟ فقال: يأتيني أمر ربي وأنا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان فأصيب.[5]
وعن الشريف الرضي رحمه الله قال: “وبإسناد مرفوع إلى الحسن بن أبي الحسن البصري” قال: سهر علي في الليلة التي ضرب في صبيحتها، فقال: إني مقتول لو قد أصبحت فجاء مؤذنه بالصلاة فمشى قليلاً فقالت ابنته زينب يا أمير المؤمنين مر جعدة يصلي بالناس فقال: لا مفر من الأجل، ثم خرج.
وفي حديث آخر قال: جعل يعاود مضجعه فلا ينام، ثم يعاود النظر في السماء، ويقول: والله ما كَذبت ولا كُذّبت، وإنها الليلة التي وعدت، فلما طلع الفجر شد إزاره وهو يقول:[6]
أشدد حيازيمك للموت | فإن الموت لاقيكا | |
ولا تـجـزع مـن المـوت | وإن حــل بواديكا |
وروي أنّ الإمام أمير المؤمنين لما أراد الخروج من بيته في الصبيحة التي ضرب فيها خرج إلى صحن الدار استقبلته الإوز فصحن في وجهه فجعلوا يطردوهن، فقال: دعوهن فإنّهن صوايح تتبعها نوايح، ثم خرج فأصيب.[7]صلوات الله وسلامه عليه.
قال الحسن بن علي : وأتيته سحيراً فجلست إليه فقال: إني بت الليلة أوقظ أهلي فملكتني عيناي وأنا جالس فسنح لي رسول الله فقلت: يا رسول الله ما لقيت من أمتك من الأود واللد؟ فقال لي: ادع الله عليهم. فقلت: اللهم أبدلني بهم خيراً لي منهم، وأبدلهم بي شراً لهم مني.
فزت و رب الكعبة!
وخرج الإمام صلوات الله وسلامه عليه وصلى بالناس فبينما هو ساجد ضربه اللعين ابن ملجم على رأسه بالسيف فصاح الإمام صلوات الله وسلامه عليه: فزت ورب الكعبة
فقال بعض من حضر ذلك:[8] فرأيت بريق السيف وسمعت قائلاً يقول لله الحكم يا علي لا لك، ثم رأيت سيفاً ثانياً فضربا جميعاً، فأما سيف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق، وسمعت علياً يقول: لا يفوتنكم الرجل. وشد الناس عليهما من كل جانب، فأما شبيب فأفلت، وأخذ عبد الرحمن بن ملجم فأدخل على علي فقال: أطيبوا طعامه وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا أولى بدمه عفواً أو قصاصاً، وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين!
وأما شبيب بن بجرة، فإنّه خرج هارباً فأخذه رجل فصرعه وجلس على صدره، وأخذ السيف من يده ليقتله، فرأى الناس يقصدون نحوه، فخشي أن يعجلوا عليه فوثب عن صدره وخلاه، وطرح السيف عن يده ففاته، فخرج هارباً حتى دخل منزله، فدخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره، فقال له: ما هذا؟ لعلك قتلت أمير المؤمنين! فأراد أن يقول: لا، فقال: نعم، فمضى ابن عمه فاشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله.[9]
حمل الإمام إلى داره بعد ضربه
لما ضرب أمير المؤمنين احتمل فأدخل داره فقعدت لبابة عند رأسه وجلست أم كلثوم عند رجليه ففتح عينيه فنظر إليهما فقال: الرفيق الأعلى خير مستقراً وأحسن مقيلاً.
وأخذ ابن ملجم فأدخل على علي، فقال أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا ولي دمي، عفو أو قصاص، وإن مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين.
وقال ابن الاثير: أًدخل ابن ملجم على أمير المؤمنين ، وهو مكتوف فقال: أي عدو الله ألم أحسن إليك، قال: بلى قال . فما حَملَك على هذا؟! قال ابن ملجم: شحذته أربعين صباحاَ “يقصد بذلك سيفه”، وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، قال علي : لا أراك إلا مقتولاً به، ولا أراك إلا من شر خلق الله، ثم قال : النفس بالنفس إن هلكت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين، تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا يُقتلن إلا قاتلي، انظر يا حسن إذا أنا متّ من ضربتي هذه، فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثـلن بالرجل، فإنّي سـمعت رسول الله إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور.
وفي كتاب الخرائج قال عمرو بن الحمق: دخلت على علي ، حين ضرب الضربة بالكوفة، فقلت: ليس عليك بأس إنّما هو خدش، قال: لعمري إنّي لمفارقكم، ثم أغمي عليه، فبكت أم كلثوم، فلما أفاق قال : لا تؤذيني يا أم كلثوم، فإنّك لو ترين ما أرى، إنّ الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض والنبيين يقولون انطلق يا علي فما أمامك خير لك مما أنت فيه.
لقد بقي الإمام علي يعاني من ضربة المجرم الأثيم ابن ملجم، ثلاثة أيام، عهد خلالها بالإمامة إلى ابنه الإمام الحسن المجتبى ، وطوال تلك الأيام الثلاثة كان يلهج بذكر الله، والرضا بقضائه، والتسليم لأمره، كما كان يُصدر الوصية تلو الوصية، داعياً إلى إقامة حدود الله عزوجل، محذراً من اتباع الهوى والتراجع عن حمل الرسالة الإسلامية.
اشتراك بني أمية في قتل الإمام
لم تكن مؤامرة قتل الإمام صلوات الله وسلامه عليه مقتصرة على الخوارج فحسب بل أن بني أمية كان لهم الأثر الفاعل في التخطيط والتمويل والتأسيس لهذه الحادثة الرزية التي أصيب بها الإسلام واستفاد منها أهل النفاق والكفر، وعلى هذه المشاركة الأموية في قتل الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه توجد شواهد عديدة منها:
أولاً: اتفقت الروايات على أنّ ابن ملجم من بني مراد، وكان عداده في كندة، أي تسجيل نفوسه ومسؤوليته الحقوقية والجنائية في كندة ورئيسها الأشعث بن قيس!
وأنّ ابن ملجم دخل الكوفة قبل شهر من اغتياله لأمير المؤمنين ونزل ضيفاً عند الأشعث! واتفقت الروايات على أنّ الأشعث كان رجل معاوية الأول في العراق، وأنّه عمل بكل قدرته لإنجاح مؤامرة ابن ملجم في قتل أمير المؤمنين وأشرك عدداً من رجاله فيها! فهل يعقل أن لا يكون معاوية وراءها أو في مجراها ؟! قال أبي الفرج الأصفهاني : “وللأشعث بن قيس في انحرافه عن أمير المؤمنين أخبار يطول شرحها…”. انتهى [10].
وقال البلاذري:[11] وبعث الأشعث ابنه قيس بن الأشعث صبيحة ضرب علي فقال: أيْ بنيَّ انظر كيف أصبح الرجل وكيف تره؟ فذهب فنظر إليه ثم رجع فقال: رأيت عينيه داخلتين في رأسه، فقال الأشعث: عينيْ دميغ ورب الكعبة. انتهى.[12]
ولم يهنأ الأشعث بقتل أمير المؤمنين ، فقد هلك بعده بأيّام يسيرة[13][14] تاركاً فرخيه جعدة ومحمد بن الأشعث، ليواصلا تآمر أبيهما على العترة النبوية، ويشتركا في قتل الإمامين الحسن والحسين .
ثانياً:إن أبا الأسود الدؤلي صاحب أمير المؤمنين ألقى تبعة مقتل الإمام علي بني أمية، وذلك في مقطوعته التي رثى بها الإمام والتي جاء فيها:
ألا أبلغ معاويـة بـن حـرب | فلا قرت عيون الشامتـينا | |
أفي شهر الصلاة فجعـتمونا | بخير الناس طرا أجمعينا | |
قتلتم خير من ركب المطايا | ورحلها ومن ركب السـفينا |
ثالثاً: افتخار بعض الأمويين عندما أدخلوا السبايا في مجلس يزيد بن معاوية لعنه الله بقوله:[16]
نحن قتلنا عليا وبني علي | بسيوف هنـدية ورماح | |
وسبينا نساءهـم سبي ترك | ونطحناهم فأي نطاح |
قاتل الإمام هو أشقى الأولين و الآخرين
هناك أخبار كثيرة أنبأت باستشهاد الإمام علي قبل استشهاده. ومنها ما جاء في الخطبة الشعبانية. فقد روي أنّ رسول الله بعد أن تحدّث عن شهر رمضان وشرفه وثواب الطاعة فيه بكى.
قال له أمير المؤمنين: يا رسول الله ما يبكيك؟
قال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك، وقد انبعث أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة صالح فيضربك ضربة على مفرق رأسك، ويشقه نصفين ويخضّب لحيتك من دم رأسك.
فقال له أمير المؤمنين : يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني؟
فقال : في سلامة دينك؛ ثم قال : يا علي من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبّك فقد سبّني، لأنّك مني كنفسي، وروحك من روحي وطينتك من طينتي، وإنّ الله عز وجل خلقني وإياك واصطفاني وإياك، واختارني للنبوة واختارك للإمامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي، يا علي أنت وصيي وأبو ولدي وزوج ابنتي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي، أمرك أمري، ونهيك نهيي، أقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية انك لحجة الله على خلقه وأمينه على سره وخليفته على عباده.
بعد استشهاد الإمام علي
إخفاء قبره
أخفى أهل البيت سلام الله عليهم قبر أمير المؤمنين طوال عهد الدولة الأموية خوفا أن تنتهك حرمته من قبل أعداءه الذين استمرّوا يسبّونه على المنابر ثمانين عاماً ومعهم الخوارج وإنّ أمير المؤمنين كان يخشى أن يقدم هؤلاء على نبش قبره فتثور بني هاشم لذلك فيتسنى للأمويين عذر في استئصالهم فهم كانوا يلتمسون الذرائع لقتلهم لذلك أخذ أهل البيت يتعاهدون على إخفاء قبره عن العامة، عملاً بما أوصى به جدهم أمير المؤمنين .
عن أبي جعفر قال : إن أمير المؤمنين أمر ابنه الحسن أن يحفر له أربعة قبور في أربعة مواقع، في المسجد وفي الغري وفي دار جعدة بي هبيرة المخزومي وفي الرحبة، وإنما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعداءه موضع قبره.[17]
أما إظهار القبر للعامة من المسلمين فكان في أيام داود العباسي المتوفي سنة 133 هـ حيث أصلحه وعمل عليه صندوقا وسكن بعض العلوية النجف حتى القرن الرابع الهجري, وإذ بالنجف من السادة العلوية ألف وثلاثمائة، عدا غيرهم من الموالين.
الهوامش
- ↑ الأميني، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، ج 2، ص 85.
- ↑ العاملي، الصحيح من سيرة الإمام علي، ج 2، ص 192.
- ↑ ابن عبد البرّ، الإستيعاب بهامش الإصابة، ج 3، ص 55.
- ↑ الطبقات: ج3، ص35.
- ↑ النيسابوري، روضة الواعظين، ص 135 ـ 136.
- ↑ الشريف الرضي، خصائص الأئمة، ص 63.
- ↑ النيسابوري، روضة الواعظين، ص 135 ـ 136.
- ↑ ابن سعد، الطبقات، ج 3، ص 35.
- ↑ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 95.
- ↑ الأصفهاني, مقاتل الطالبيين، ص 20.
- ↑ البلاذري، أنساب الأشراف: ص496.
- ↑ ومثله في الطبقات لابن سعد، ج 3، ص 144.
- ↑ العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج 1، ص 313.
- ↑ ابن عساكر، تاريخ دمشق، ج 9، ص 144.
- ↑ القرشي، حياة الإمام الحسين عليه السلام، ج 2، ص 103 ـ 109.
- ↑ الطبرسي، الاحتجاج، ج 2، ص 28.
- ↑ ابن طاووس، فرحة الغري، ص 32.
المصادر والمراجع
- الأميني، عبد الحسين، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، مركز الغدير للدراست الإسلامية، قم، 1995م.
- مرتضى العاملي، جعفر، الصحيح من سيرة الإمام علي، المركز الإسلامي للدراسات، بيروت، 2009م.