"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

اللغة العربية سلاحاً ذو حدين إما تجعلك خير الناس أو شر أمة أخرجت للناس

بقلم :

خالد محيي الدين الحليبي 

اللغة العربية من أثرى اللغات وأكثرها مترادفات لدقة البيان والإيضاح كما يريده الناطق بها وذلك لحرف إضافي فيها يميزها عن كل لغات العالم وهو حرف الضاد ولذلك تسمى بلغة الضاد .

ولقد كان العربي بفصاحته وذكئه يستطيع إلقاء قصيدة من ألف بيت من أعلى لأسفل ومن أسفلها لأعلاها ولم ينتبهوا أنها قوة ذات حدين فكل اسم له عدة مترادفات ككتاب وصحيفة وسفر ومجلد وكلها تعني كتاب مع اختلاف المعاني التي يقصدها الناطق بها . وهذا الثراء اللغوي أعطاهم القدرة على الكلام الكثير والوقوع في الأخطاء والنفاق وتلبيس الحق باطل والباطل حقاً والسفسطة الكلامية حتى إن كل العالم ينشئ اسواقاً لبيع وشراء المنتجات والبضائع إلا العرب كان لديهم سوقاً لبيع الكلام وهو سوق “عكاظ” في الجاهلية فكانت الأشعار في ذلك الزمان تمثل صحافة اليوم وأخبار القبائل يباع فيها الكلام كما تباع السلع والمأكولات والبضائع .

فلما نزل القرآن الكريم قضى على هذه التجارة في الكلام لأنها تدفع العبد إلى القول بغير عمل وهو نفاق والكلام الكثير بما يضيع الوقت دون فائدة .

والقرآن الكريم وضع حدوداً شديدة لهذا الكلام ولذلك قال تعالى في العرب إذا تركوا كتاب ربهم وكلما بغير فهل فهو نفاق يسبب مقت الله تعالى لفاعل ذلك الفعل ولقد وقع العرب في الجاهلية في تلك الجريمة  لسعة الثروة اللغوية التي يستطيعون بها لي الكلام وتحريفه عن موضعه ولذلك قال تعالى فيهم  { الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر على ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله – التوبة }

ومن هنا حذر الله تعالى العرب بلغتهم من لي الكلام في قوله تعالى { وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا – النساء } ولي الكلام هنا له مترافات يمكن للعربي  أن يستخدمها في التملص من عهوده ووعوده وقد حدد القرآن الكريم معاني الألفاظ وتدرجها في المعنى  ودقة الفاظه بما لا يدع طريقاً للي الكلام أو تحريفه وصرفه عن مراده فيكون النفاق ونكث العهود و ومن ثم الفساد في الأرض ولذلك نقول بأن القرآن الكريم  ودراسته تجعل العربي يفهم الألفاظ  الخارجة من الفم بطريقة واحدة وفق معنى واحد واضح محدد لا لبس فيه

فلا يمكن صرف الكلام لمعان أخرى  كما كانوا يقولون  مثلاً  [ المعنى في بطن الشاعر ] فيمكن للشاعر ان يقول أشياء ويعني بها أموراً أخرى بالتورية أو الكناية أو التعريض ثم الإدعاء أنه لا يقصد ثم يحلف بعد أن يقول كلاماً  يفهمه شخص بطريقة وآخرين  بطريقة أخرى .

كما يمكن للخارجين على القرآن الكريم  أن يستخدموا معسول الكلام واللحن في الحجة ويمكن أن يقلبوا المعاني كذباً بكلمات ومن هنا  قال النبي صلى الله عليه وآله لعل أحدكم يكون ألحن حجة من الآخر فأحكم له كما في الحديث [  عن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. ] .

ولدقة فهم مايخرج من الفم باللغة العربية عند دارسي لغة القرآن الكريم تعتريه حدة قال فيها صلى الله عليه آله [الحدة تعتري حملة القرآن لعزة القرآن في أجوافهم  – منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ] .

والعكس نجد أن لفظ الأعاجم الذي أطلقه القرآن الكريم على غير العرب في قوله تعالى { ولو أنزلناه على بعض الأعجمين ما كانوا به مؤمنين }  وذلك لأنهم لن يفهموا فصاحة القرآن ودقة ألفاظه التي تؤكد أنه ليس كتاب بشر في زمن تنزيل القرآن الكريم لأنه نزل وسط فصحاء بلغاء يستطيعوا التمييز بين كلام البشر والمنزل من عند الله تبارك وتعالى .

 :   [ والأعجمي في اللغة  الأخرس وغير العربي والغير مبين]  .

ومن هنا آمن بعض العرب به لفهمهم دقة ألفاظه وأنه منزل من عند الله تعالى والعكس عند الأعاجم لديهم حدة في الفهم لعدم اتساع اللغة عندهم ووجود مترافات كثيرة يتملصون بها من عهودهم ومالتزموا به من عهود ووعود .

و هنا كانوا أكثر من العرب أستقامة في الأخلاق عند حكامهم وسهولة اندفاعهم لسفك الدماء على الرغم من ظاهرهم الغير دموي وذلك لانسداد الأفق اللغوي عندهم نحو حلول وتنازل كل طرف بحجج من اللغة مقنعة ليتنازل كل طرف عن بعض استحقاقاته نحو انصاف الحلول وكل طرف ينافق الآخر في سبيل الحصول عل مستحقاته بخدعة من الكلام المعسول والذي قد يستخدم فيه التورية والكناية ولي الكلام عن معناه وصرفه لمعان اخرى أو  بلحن حجة وهنا يكون لي الكلام هو الطريق نحو التفاهم بين العرب .

فإذا استدار الزمان وترك العرب العمل بكتاب الله تعالى ودراسته في آخر الزمان و تحولوا إلى منافقين هنا يكونوا قد دخلوا في جاهلية أكبر بكثير مما كان عليه العرب قبل الإسلام حيث كانوا أصحاب شهامة وإكرام ضيف ويراعون حرمة النساء . وفي اخر الزمان هنا وبعد نزول القرآن وتركهم العمل بما فيه ودراسته يصبحوا وقد تحولوا إلى شر أمة أخرجت للناس لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في الآية الكريم { كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر }

ومن هنا أصبح العرب الآن بتخليهم عن كتاب ربهم إلا من رحم الله وقليل ماهم أشر أمة أخرجت للناس لنفاقهم وتركهم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر وتبلد مشاعرهم وعمى قلوبهم أمام الدماء التي تسفك فإذا وقعت الفتنة بدلاً من الإصلاح بين المتخاصمين كما أمر الله تعالى في قوله { إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم } يتحولوا لقوة تحريضية للطرف الأغنى والأقوى ضد الضعيف في سلوك مفعم بالخسة والنذالة الغير موجودة ولا معهودة في أي أمة من بلاد المعمورة .

ولاستقامة الأعجمين وعدم و قوعهم في الجناس و الإطناب والتورية والكناية والتعريض أصبحوا يدرسون القرآن فيسلم الكثير منهم في وقت بعد البون وشسع بين العرب وبين دينهم وقرآنهم فتسلط عليهم العالم كما قال صلى الله عليه وآله (يوشك أن تتداعي عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها … الحديث ) فالعالم  ششرقه وغربه أصبح يقتل ويبيد بلاداً بأكملها دون أن يتحرك أحد من ناطقي اللغة العربية لأن لديهم المترافات واتساع اللغة الذي يبررون به عدم اكتراثهم بما يحدث لإخوانهم والمستضعفين بالعالم .

وعلى عكس المسلمين نجد القرآن يحكم برقة قلوب ومشاعر النصارى في قوله تعالى { و جعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهابنية ابتدعوها ماكتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها – الحديد } وهذه الرأفة العرب عكس هذه الرأفة وهو الجبروت والطغيان الذي قال فيه تعالى { وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليهم من ربك طغياناً وكفراَ – المائدة } . ولذلك بين القرآن الكريم أن الأعراب أجدر بعناد على الخروج من الإلتزام بدين الله قال تعالى { الأعراب أشد كفراث ونفاقاً وأجدر على ألا يعلموا حدود ما أ  خاصة أهل بيت النبي نزل الله على رسوله – التوبة } . ولذلك أصبحت قلوبهم قاسية وأكبادهم غليظة لا يراعون في مؤمن إلا و لا ذمة  كما في قوله تعالى : { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ  كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ  – التوبة 7-10 } .

والسؤال هنا لماذا العالم كله لقتل شخص واحد تقوم الدنيا ولا تقعد وأصيب العالم العربي بالبلادة وعدم الإحساس والخنوع إلا لكثرة كلامهم  وقله فعلهم وهذا مما ينزل النقمة الإلهية في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلوان كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون – الصف }  .

ومن هذا المنطلق سنجد أن المغرب العربي الذي تأثر بالإستعمار و دخل في لسانه العجمة لتركه اللغة العربية هم الأسرع نحو الثورات لقلة الترادفات عندهم كما هو الحال عند الاعجمين  ومن هنا خرجوا من إطار الكلام الكثير وكثرة المترادفات إلى الأعاجم الذين ليس لديهم مترافات كثيرة يحورون بها الكلام ويتملصون بها عن المسؤلية ويحولون قضاياهم المصيرية الحياتية التي فيها حياة أو موت إلى قضية كلامة يناقشونها حتى يفرغ العدو من ذبح بلاداً بأكملها وربما يحولونها إلى نكتة يتفكهون بها كما هو شائع في بعض البلدان العربية وهذا الداء لحكمة إلهية خرجت بلاد المغرب العربي عن هذه العباءة ليقضي الله أمرا كان مفعولا  .

ولذلك نوصى العرب والمسلمين جميعا بدراسة أحكام القرآن والحديث النبوي الشريف  ليخرج المسلم عن هذا الداء المتوارث منذ عصر الجاهلية الأولى الذين كانوا يبيعون الكلام حتى عصر الفضائيات التي لا هم لها إلا الكلام والتضليل لإخراج الناس من النور إلى الظلمات التي أصبحت ظلمات متوارثة كثيرة بعضها فوق بعض  .

هذا

وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

خالد محيي الدين الحليبي