مركز القلم :
خالد محيي الدين الحليبي :
{ (78) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً -الإسراء (78) } .
وهنا:
(أقم الصلاة)
وأقم الصلاة كقوله تعالى : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل – هود 114 } وطرفي النهار هنا هما دلوك الشمس في الصباح وغسق الليل في بالمساء كما في قوله تعالى هنا : { وأقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا – الإسراء 78 }
وعن صلاة الليل بينها الله تبارك و تعالى في سورة المزمل عند قوله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً – المزمل1-5 } .
وأما :
قوله تعالى:
(لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ)
[ ودلك يدلك دلوكًا : أي مال ، و غسق الليل انصباب الليل على الكون والغاسق الليل إذا دخل في كل شيء – معجم ألفاظ القرآن باب الدال فصل اللام والكاف ] .
وهنا يتبين لنا أنهما توقيتان للصلاة والتسبيح لقوله تعالى : { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ- قّ39-40} وهنا يكون معنى ذلك أن الصلاة والتسبيح من قبل طلوع الشمس إلي دلوك الشمس وميلها وقت الظهيرة ووقت ما قبل الغروب وهما أوقات تسبيح يعقبه الصلاة بعد الغروب ثم صلاة الليل و هما العشائين أو العتمتين والقيام والفجر وهذه المواقيت للصلاة والتسبيح قال فيها عز وجل : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ- الروم17-18} .
وهذه الأوقات جاءت بالتصريح أنها أوقات صلاة في قوله تعالى { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ – هود114} .
وزلف الليل التهجد الذي قال تعالى فيه { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً-الإسراء 79} ويقول تعالى فيه أيضاً { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ – المزمل20} ثم يوصي القرآن الكريم بأهم وقت للصلاة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله أنها أثقل صلاة على المنافقين وهى صلاة الفجر كما في قوله تعالى:
(وَقُرْآنَ ) الْفَجْرِ (إِنَّ قُرْآنَ) الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)
وهنا القرآن هو كتاب الله المنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيات من الهدى والفرقان – البقرة البقرة 185 } .
وهذا القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله لينذر به الناس كما في قوله تعالى { وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ – الأنعام 19 } وقد أمر الله تعالى بتلاوته في قوله تعالى { وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلوا القرآن – النمل 92 }
وتلاوة القرآن تكون في صلاة قيام الليل لقوله تعالي : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً- المزمل1-4} و تلاوة القرآن الكريم أيضاً تكون في صلاة الفجر و هو أعظم الأوقات ثواباً عند الله تبارك تعالى فهو وقت تشهده الملائكة كما في قوله تعالى هنا { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً -الإسراء78 } .
وأما:
( الفجر )
هو بداية ظهور الخيط الأبيض في السماء لقوله تعالى { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ-البقرة187} .
وهو وقت صلاة لقوله تعالى { مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ-النور} .وهذه أوقات صلاة وتسبيح وراحة قيلولة بعد الظهر أو الظهرين بينها الله تعالى ومنهما أوقات دلوك الشمس وغسق الليل وما فيهما من صلوات و أعظمهم ثواباً وووقت فرقان بين المؤمنين والمنافقين هو وقت صلاة الفجر والقرآن الذي يتلوه المؤمن في صلاته وتشهده الملائكة كما في قوله تعالى {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً- الإسراء78 } .
وأما:
(ومشهودا)
أي تكون الملائكة شاهدةً عليها لقوله تعالى { وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ – يونس61} .
والشاهد يشهد وهو الفاعل والمشهود هو المفعول المشهود عليه كما في قوله تعالى { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ – البروج3} .
– والشاهد الأول على الخلق هو الله تبارك وتعالى لقوله عز وجل { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – التوبة105 } .
– كما أن الشاهد الثاني بعد الله تعالى على العالمين سيدنا محمد صلة الله عليه وآله :
وشهادته صلى الله عليه وآله على العالمين وكل الأمم لقوله تعالى { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ – آل عمران 81 }
وهذا الميثاق شهادة سيسئل عنها كل أنبياء الله تعالى يوم القيامة لقوله تعالى { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً- النساء41} .
– الشاهد بعد رسول الله الإمام علي على هذه الأمة ثم ائمة أهل بيت النبي (عليهم السلام) :
والشاهد الثاني بعد رسول الله صلي الله عليه وآله هو أمير المؤمنين الوصي لما نزل فيه من قوله تعالى لقوله تعالى : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ – هود17} .
[ روى ابن عساكر الدمشقيّ الشافعيّ في (تاريخ مدينة دمشق)، والكنجيّ الشافعيّ في (كفاية الطالب)، والثعلبيّ في تفسيره (الكشف والبيان)، وفيه، عن ابن عباس في قوله تعالى:”أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ” قال: هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، “وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ” قال: هو عليّ خاصة.(عليه السلام) .
وروى ذلك أيضاً الحمويّ الجوينيّ الشافعيّ في مؤلفه القيم (فرائد السمطين) وابن المغازلي الشافعي في (مناقب عليّ بن أبي طالب)، وفيه عن عباد بن عبد الله قال: سمعت عليّاً يقول: (ما نزلت آية في كتاب الله جل وعز، إلا وقد علمت متى نزلت، وفيم نزلت. وما من قريش رجلٌ إلا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله، تسوقه إلى جنة أو نار!)، فقام إليه رجلٌ فقال: يا امير المؤمنين ما نزل فيك؟ فقال له: (لولا انك سألتني على رؤوس الملأ ما حدثتك، اما تقرأ: ( ” أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ”) ؟! رسول الله على بينة من ربه، وأنا الشاهد منه أتلوه وأتبعه . وقريباً منه ما رواه الحسكاني الحنفي في (شواهد التنزيل)، وسبط ابن الجوزيّ في (تذكرة خواصّ الأمّة)، والحافظ ابو نعيم الاصفهانيّ في (حلية الأولياء)، والواحديّ في (أسباب النزول)، والقرطبيّ والماورديّ وأبو حيان في تفاسيرهم والقندوزي الحنفي في (ينابيع المودّة)، وابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة)، والخوارزمي الحنفيّ في (المناقب)، وقال النيسابوريّ في (تفسير غرائب القرآن): الشاهد منه: هو بعض محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يعني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال سبط ابن الجوزي الحنبلي الحنفيّ في (تذكرة الخواصّ): “وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ” هو من كان أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأمّا قوله تعالى : { “قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ” – سورة الرعد : ٤۳) } ، .
وهذه الآية كسابقتها في أمور عدّة ، منها اشتراكهما في التسمية بـ (آية الشاهد) ، وفي وفرة المصادر المفسرة لها بتعيين اسم الشاهد على رسالة المصطفى صلى الله عليه وآله مقروناً بالله تعالى، ثمّ إجماع تلك المصادر واتفاق مؤلفيها على رأي واحد، حيث روى الحافظ أبو نعيم في كتابه (ما نزل من القرآن في عليّ) عن محمّد بن الحنفية في ظل قوله عزوجل: “وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ” أنه قال: هو عليّ بن أبي طالب. وافقه على ذلك الحسكاني في (شواهد التنزيل)، والنطنزيّ في (الخصائص العلويّة)، والثعلبيّ في تفسيره أن ابن عباس قال: لا والله، ما هو أي الشاهد ، ما هو إلا علي بن أبي طالب، لقد كان عالماً بالتفسير والتأويل، والناسخ والمنسوخ، والحلال والحرام.
أمّا سعيد بن جبير وقد سئل هل الشاهد في الآية هو “عبد الله بن سلام ” ؟ فأجاب : لا ، و كيف وهذه السورة أي سورة الرعد ، مكية ، وعبد الله بن سلام أسلم بالمدينة ؟!. وممن أكدوا أن الشاهد في قوله تعالى: “وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ” هو أمير المؤمنين علي سلام الله عليه ، أيضاً السيوطي في (الدّر المنثور) ، والحبريّ في تفسيره، والقرطبيّ في (جامع أحكام القرآن) ، وشهاب الدين الشيرازي في (توضيح الدلائل) ، وابن المغازلي الشافعي في (مناقب عليّ)، والقندوزي الحنفي في (ينابيع المودّة)، وغيرهم كثير، حتى كتب الحافظ رجب البرسيّ في (الدر الثمين): لقد جعل الله علياً الشاهد لرسوله صلى الله عليه وآله يوم القيامة على أمته، وخصه بعلم الكتاب كله، فقال: “قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ” وهو عليّ عليه السلام بإجماع المفسرين. – شواهد التنزيل للحاكم ] .
ومن هنا يتبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله شاهداً على هذه الأمة ومن بعده الإمام علي عليه السلام يشهدان يوم القيامة على هذه الأمة ثم أئمة أهل البيت عليهم السلام شهود الله تعالى على هذه الأمة و على العالم إلى يوم القيامة .
و عددهم إثني عشر إماماً على عدد ساعات النهار والليل و يمكن الدعاء والإستشفاع والتوسل بهم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار .
وفي يوم القيامة هؤلاء الأئمة هم الشهود على هذه الأمة و كل أمة لها شهيداً عليهم من أنفسهم قال تعالى فيهم : {ويوم نبعث من كل أمة
(وَقُرْآنَ ) الْفَجْرِ (إِنَّ قُرْآنَ) الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)
وهنا القرآن هو كتاب الله المنزل علىرسول الله صلى الله عليه وآله لقوله تعالى { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبيات من الهدى والفرقان – البقرة البقرة 185 } .
وهذا القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله لينذر به الناس كما في قوله تعالى { وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ – الأنعام 19 } وقد أمر الله تعالى بتلاوته في قوله تعالى { وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلوا القرآن – النمل 92 } وتلاوة القرآن تكون في صلاة قيام الليل لقوله تعالي : { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً- المزمل1-4} .
و تلاوة القرآن الكريم أيضاً تكون في صلاة الفجر و هو أعظم الأوقات ثواباً عند الله تبارك تعالى فهو وقت تشهده الملائكة كما في قوله تعالى هنا { أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً -الإسراء78 } .
وأما:
( الفجر )
هو بداية ظهور الخيط الأبيض في السماء لقوله تعالى { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ- البقرة187} .
وهو وقت صلاة لقوله تعالى { مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ-النور} .
أي أن الفجر والعشاء والظهيرة أوقات صلاة وتسبيح وراحة قيلوله ومنهم أوقات دلوك الشمس وغسق الليل كما في الآية هنا وما بينهما من صلوات والأكثرهم ثواباً قرآن الفجر الذي تشهده الملائكة كما في قوله تعالى هنا {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً- الإسراء78 } .
وأما:
(ومشهودا)
أي تكون الملائكة شاهدةً عليها لقوله تعالى { وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ – يونس61} .
والشاهد يشهد وهو الفاعل والمشهود هو المفعول المشهود عليه كما في قوله تعالى { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ – البروج3} .
– والشاهد الأول على الخلق هو الله تبارك وتعالى
لقوله عز وجل { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ – التوبة105 } .
– كما أن الشاهد الثاني بعد الله تعالى :
بعد الله تعالى على هذه الأمة هو سيدنا محمد صلي الله عليه وآله لقوله تعالى { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً- النساء41} .
– الشاهد بعد رسول الله الإمام علي على هذه الأمة ثم ائمة أهل بيت النبي (عليهم السلام) :
والشاهد الثاني بعد رسول الله صلي الله عليه وآله هو أمير المؤمنين الوصي لما نزل فيه من قوله تعالى لقوله تعالى : { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ – هود17} .
[ روى ابن عساكر الدمشقيّ الشافعيّ في (تاريخ مدينة دمشق)، والكنجيّ الشافعيّ في (كفاية الطالب)، والثعلبيّ في تفسيره (الكشف والبيان)، وفيه، عن ابن عباس في قوله تعالى:”أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ” قال: هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، “وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ” قال: هو عليّ خاصة.(عليه السلام) .
وروى ذلك أيضاً الحمويّ الجوينيّ الشافعيّ في مؤلفه القيم (فرائد السمطين) وابن المغازلي الشافعي في (مناقب عليّ بن أبي طالب)، وفيه عن عباد بن عبد الله قال: سمعت عليّاً يقول: (ما نزلت آية في كتاب الله جل وعز، إلا وقد علمت متى نزلت، وفيم نزلت. وما من قريش رجلٌ إلا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله، تسوقه إلى جنة أو نار!)، فقام إليه رجلٌ فقال: يا امير المؤمنين ما نزل فيك؟ فقال له: (لولا انك سألتني على رؤوس الملأ ما حدثتك، اما تقرأ: ( ” أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ”) ؟! رسول الله على بينة من ربه، وأنا الشاهد منه أتلوه وأتبعه . وقريباً منه ما رواه الحسكاني الحنفي في (شواهد التنزيل)، وسبط ابن الجوزيّ في (تذكرة خواصّ الأمّة)، والحافظ ابو نعيم الاصفهانيّ في (حلية الأولياء)، والواحديّ في (أسباب النزول)، والقرطبيّ والماورديّ وأبو حيان في تفاسيرهم والقندوزي الحنفي في (ينابيع المودّة)، وابن أبي الحديد في (شرح نهج البلاغة)، والخوارزمي الحنفيّ في (المناقب)، وقال النيسابوريّ في (تفسير غرائب القرآن): الشاهد منه: هو بعض محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يعني عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال سبط ابن الجوزي الحنبلي الحنفيّ في (تذكرة الخواصّ): “وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ” هو من كان أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأمّا قوله تعالى : { “قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ” – سورة الرعد : ٤۳) } ، .
وهذه الآية كسابقتها في أمور عدّة ، منها اشتراكهما في التسمية بـ (آية الشاهد) ، وفي وفرة المصادر المفسرة لها بتعيين اسم الشاهد على رسالة المصطفى صلى الله عليه وآله مقروناً بالله تعالى، ثمّ إجماع تلك المصادر واتفاق مؤلفيها على رأي واحد، حيث روى الحافظ أبو نعيم في كتابه (ما نزل من القرآن في عليّ) عن محمّد بن الحنفية في ظل قوله عزوجل: “وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ” أنه قال: هو عليّ بن أبي طالب. وافقه على ذلك الحسكاني في (شواهد التنزيل)، والنطنزيّ في (الخصائص العلويّة)، والثعلبيّ في تفسيره أن ابن عباس قال: لا والله، ما هو أي الشاهد ، ما هو إلا علي بن أبي طالب، لقد كان عالماً بالتفسير والتأويل، والناسخ والمنسوخ، والحلال والحرام.
أمّا سعيد بن جبير وقد سئل هل الشاهد في الآية هو “عبد الله بن سلام ” ؟ فأجاب : لا ، و كيف وهذه السورة أي سورة الرعد ، مكية ، وعبد الله بن سلام أسلم بالمدينة ؟!. وممن أكدوا أن الشاهد في قوله تعالى: “وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ” هو أمير المؤمنين علي سلام الله عليه ، أيضاً السيوطي في (الدّر المنثور) ، والحبريّ في تفسيره، والقرطبيّ في (جامع أحكام القرآن) ، وشهاب الدين الشيرازي في (توضيح الدلائل) ، وابن المغازلي الشافعي في (مناقب عليّ)، والقندوزي الحنفي في (ينابيع المودّة)، وغيرهم كثير، حتى كتب الحافظ رجب البرسيّ في (الدر الثمين): لقد جعل الله علياً الشاهد لرسوله صلى الله عليه وآله يوم القيامة على أمته، وخصه بعلم الكتاب كله، فقال: “قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ” وهو عليّ عليه السلام بإجماع المفسرين. – شواهد التنزيل للحاكم ] .
ومن هنا يتبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله شاهداً على هذه الأمة ومن بعده الإمام علي عليه السلام يشهدان يوم القيامة على هذه الأمة ثم أئمة أهل البيت عليهم السلام شهود الله تعالى على هذه الأمة و على العالم إلى يوم القيامة .
و عددهم إثني عشر إماماً على عدد ساعات النهار والليل و يمكن الدعاء والتوسل و الإستشفاع بهم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار .
وهؤلاء شهوداً على الناس يوم القيامة و كل أمة لها شهيد عند الله تعالى من أنفسهم قال تعالى : { و يوم نبعث من كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم ـ النحل 89} .
فاليهود لهم شاهد عليهم وهو عبد الله بن سلام لما نزل فيه من قوله تعالى { شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ – الأحقاف } .
والنصارى لهم شاهد وكل أمة خلقها الله تعالى لها شهوداً عليهم وعلى أعمالهم من بعد الموت وعند
الله تعالى والحساب يوم القيامة .
وكل شهيد يكون شاهداً على أحداث وظلم وقائع حدثت اختارهم الله تعالى ليكونوا شهداء على الناس يوم القيامة .
ثم يقول تعالى:
(79) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79)