كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية أن الزعيم الحالي لتنظيم “داعش” أبو إبراهيم الهاشمي القرشي كان “متعاوناً” مع خاطفيه الأميركيين خلال استجوابه، وخاصة عندما عرض عليه الإبلاغ عن منافسيه داخل تنظيمه السابق لـ”داعش”، الذي كان يُعرف آنذاك باسم “دولة العراق الإسلامية”.
وقالت الصحيفة إنه في تقارير الاستجواب السرية الأميركية، تم تصوير المعتقل العراقي ذي الرقم M060108-01 بأنه سجين نموذجي “متعاون” مع خاطفيه الأميريكيين ويتحدث بشكل غير عادي وبذل واسع جهده كي يكون مفيداً. وأضافت الصحيفة أنه بعد أسابيع من هذه الاستجوابات، قتل جنود أميركيون أبو قسورة في غارة على مدينة الموصل العراقية.
وأوضحت الصحيفة أن هذه المعلومات كشف عنها المسؤولون الأميركيون مع الإفراج عن عشرات من تقارير الاستجواب السرية السابقة هذا الأسبوع تضمنت معلومات نادرة عن الأيام الأولى للقائد الإرهابي من الأشهر التي قضاها في معسكر اعتقال أميركي في العراق.
وعلى الرغم من أن وزارة الدفاع الأميركية كانت قد أصدرت سابقاً عدداً قليلاً من الوثائق التي تصور القرشي، زعيم “داعش” المستقبلي كمخبر، فإن السجلات التي تم إصدارها حديثاً هي صورة ودية لواشٍ في سجن غزير الإنتاج قدم للقوات الأميركية عشرات التفاصيل التي لا تقدر بثمن والتي ساعدتهم على قتال المنظمة الإرهابية التي يرأسها الآن والتي كانت تسمّى أنذاك “القاعدة في العراق”.
يقول تقرير صدر عام 2008 عن الرجل واسمه الحقيقي أمير محمد سعيد عبد الرحمن مولى: “المحتجز يبدو أكثر تعاوناً مع كل جلسة استجواب”. ويقول تقرير آخر: “المحتجز يقدم الكثير من المعلومات عن الشركاء في تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”.
وقالت الصحيفة إن أكثر من 53 تقريراً منقحاً بشكل جزئي أظهروا أن تعاون تضمن تعاون مولى (القرشي) مع القوات الأميركية تضمن المساعدة في رسم تقريبي لكبار المشتبهين بالإرهاب، وتحديد المطاعم والمقاهي التي يفضل رفاقه تناول العشاء فيها.
وأضافت أنه في مفارقة ساخرة، يظهر مولى في التقارير أنه كان مفيداً تحديداً في تزويد الأميركيين بالمعلومات اللازمة لملاحقة وحدة الدعاية التابعة للجماعة، وكذلك ملاحقة غير العراقيين في منظمته، وهم متطوعون من جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انضموا إلى التنظيم أثناء الاحتلال الأميركي للعراق. تعتبر فروع الإرهاب الأجنبي والعمليات الإعلامية من أكثر المكونات فعالية لتنظيم “داعش” اليوم.
وقال كريستوفر ماير، مساعد وزير الدفاع الأميركي للعمليات الخاصة والصراع منخفض الحدة: إن مولى قام بعدد من الأشياء لإنقاذ رقبته، وكان لديه سجل طويل من العدائية – بما في ذلك أثناء الاستجواب – تجاه الأجانب في داعش”. وأضاف ماير، الذي ناقش في مقابلة السجلات الصادرة عن مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت، وهي مؤسسة أكاديمية ممولة من البنتاغون في الأكاديمية العسكرية الأميركية: “مع صعود داعش، والرغبة في تشكيل خلافة بآلاف المقاتلين الأجانب، كان ذلك إشكالياً” لمولى.
وقد ساعدت السجلات، التي تم إصدارها كجزء من دراسة أكاديمية، المسؤولين الأميركيين في سد الفراغات في سيرة مولى، وهو مسؤول غامض نسبياً في “داعش” عندما سمّي كـ”خليفة” بعد مقتل أبو بكر البغدادي في تشرين الأول / أكتوبر 2019. فبعد بعض الشكوك الأولية بشأن الهوية الحقيقية للزعيم الجديد، خلص مسؤولو مكافحة الإرهاب الأميركيون إلى أن مولى هو شخصية عراقية معروفة لهم منذ أسره سابقاً.
وظهر أن العراقي، الذي كان آنذاك يبلغ من العمر 31 عاماً، وكان مسؤولاً متوسط المستوى داخل “دولة العراق الإسلامية” – التي عُرفت لاحقاً باسم “الدولة الإسلامية” (داعش) – أُلقي القبض عليه في أواخر عام 2007 أو أوائل عام 2008، وخضع لعشرات الاستجوابات من قبل المسؤولين العسكريين الأميركيين. وغير معروف التاريخ الدقيق لإطلاق سراحه، لكن سجل الاستجواب توقف في تموز / يوليو 2008. وبحلول ذلك الوقت، توقف مولى عن كونه متعاوناً، وكشفت التقارير أنه كان “قلقاً” بشأن وضعه، مشيرة إلى أنه كان يتوقع أن يُكافأ على كمية المعلومات التي قدمها.
وما يتضح من التقارير هو أنه على مدى شهرين على الأقل في أوائل عام ، كان مولى حلم كل محقق، حيث كشف عن هويات قادة الإرهاب وقدم توجيهات شبيهة بالخرائط حول كيفية العثور عليهم. وفي إحدى الحالات، كشف للمسؤولين الأميركيين عن دفتر هاتفه الشخصي، وهو دفتر ملاحظات أسود صودر عندما تم القبض عليه. وفي إحدى جلسات الاستجواب، أشار إلى أرقام هواتف 19 من مسؤولي “الدولة الإسلامية”، بل حتى كشف عن مقدار الأموال التي جناها بعضهم.
وكتب دانيال ميلتون، الأستاذ المشارك في مركز مكافحة الإرهاب وأحد الباحثين الذين راجعوا الوثائق، في مقال نشرته مدونة الأمن القومي “لاوفير” Lawfare: “كان مولى طائراً مغرداً يتمتع بموهبة وقدرة فريدتين. وتقارير الاستجواب هذه مليئة بمثل هذه التفاصيل”.
وقالت الصحيفة إن المسؤولين الأميركيين الذين نشروا هذه الوثائق قد أدركوا إمكاناتها كمصدر لإحراج مولى، على الرغم من أن خلفية زعيم “داعش” كمخبر كانت معروفة بالفعل داخل الأوساط الإسلامية المتشددة. وكان معلقون بارزون مؤيدون لـ”داعش” قد انتقدوا على مواقع التواصل الاجتماعي الموالية للتنظيم قرار ترقية مولى إلى منصب الخليفة، بحجة أنه غير مؤهل لهذا المنصب.
وقد تولى مولى هذا المنصب بعد أشهر عدة من تحرير آخر معاقل تنظيم “داعش” في سوريا ، ومنذ ذلك الوقت، ظل بعيداً عن الأضواء نسبياً. يعتقد مسؤولو مكافحة الإرهاب الأميركيون أنه يختبئ في العراق أو سوريا، القاعدة التقليدية للجماعة الإرهابية. وهناك، واصل شنّ تمرد منخفض الدرجة تميز بهجمات متكررة ضد المواقع العسكرية والمسؤولين الحكوميين والقبليين.
في المقابل، سعت أجهزة الدعاية لتنظيم “داعش” إلى تحويل الانتباه إلى إنجازات أفرع التنظيم في إفريقيا، حيث يقوم الإرهابيون المسلحون بشكل جيد بقتل الجنود الحكوميين بشكل منتظم والاستيلاء على مناطق جديدة أحياناً. فالشهر الماضي، استولى متشددون على بلدة بالما على الساحل الشمالي لموزمبيق في عملية جريئة أسفرت عن مقتل العشرات.
ونقلت “واشنطن بوست” أن المسؤولين الأميركيون يحذرون من أنه حتى مولى، الملطخة سمعته جزئياً، لا يزال خطيراً، نظراً للإمكانات الوفيرة للحصول على المال والأسلحة والمجندين في المحافظات المدمرة في شرق سوريا، والتي ينعدم فيها القانون إلى حد كبير.
وقال جون غودفري، القائم بأعمال المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية إلى التحالف العالمي ضد “داعش”: إن مقاتلي “داعش” ينتظرون حلول وقتهم وينتظرون تغيّر الظروف لصالحهم. فهم يشنّون ما يكفي من الهجمات البارزة لإظهار أنهم ما يزالون هناك ولا يزالون مفيدين.
(الميادين)