“أجواء حرب” تسود مِصر بعد الزّيارة الخاطِفَة للرئيس السيسي للخرطوم وتوقيع اتّفاق تعاون عسكري مع قِيادتها؟ لماذا بكَى الرئيس المِصري خِلال إحياء “يوم الشهيد”؟ وهل الخِيار العسكري الذي لم تَستبعِده السيّدة مريم المهدي بات عُنوان المرحلة؟

راي اليوم :

الزّيارة الخاطفة التي قامَ بها الرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي إلى الخرطوم السبت الماضي واستغرقت عدّة ساعات فقط، يَحلُو للبعض وصفها بأنّها “زيارة حرب” ورسالة قويّة مُوجّهة إلى إثيوبيا التي يُصِر رئيس وزرائها آبي أحمد على المُضِي قُدُمًا في المرحلة الثّانية من مَلء خزّان سدّ النهضة على النيل الأزرق في شهر تمّوز (يوليو) المُقبل، حتى بُدون اتّفاق مع دولتيّ المصَب، أيّ مِصر والسودان.

من تابع فعاليّات إحياء “يوم الشهيد” التي حضرها الرئيس السيسي اليوم (التاسع من آذار ـ مارس)، وشاهد حالة الحماس، والبرامج الوثائقيّة عن بُطولات الجيش المِصري في جبهات القِتال ضدّ إسرائيل، وبُكائه عندما قدّم التحيّة لنجل الشهيد مصطفى عبيدو، واستمع في الوقت نفسه إلى قصص الشهداء يُدرك جيّدًا أنّ القِيادة المِصريّة ربّما حسمت أمرها باللّجوء إلى الخِيار العسكري للتّعاطي مع أزَمة سدّ النهضة، بعد رفض إثيوبيا لكُلّ الوِساطات الإفريقيّة والدوليّة، وأنّ هذه الاحتِفالات هي بداية التّعبئة الشعبيّة والعسكريّة تحضيرًا لهذا الخِيار.

ولعلّ ما قالته السيّدة مريم المهدي، وزيرة الخارجيّة السودانيّة، في حديثٍ أدلت به إلى صحيفة “الشرق الأوسط” ونُشِر أمس الاثنين بعد زيارتها للقاهرة ولقائها مع الرئيس السيسي من أنّ هُناك خِيارات أُخرى للبلدين (مِصر والسودان) إذا أصرّت إثيوبيا على المَلء الأُحادي للسّد، إشارةً غير مُباشرة للخِيار العسكري المَذكور آنِفًا.

السّلطات الإثيوبيّة لم تَترُك أيّ خِيار آخَر لشُركائها في مِياه النيل الأزرق، فمِصر والسودان تحلّيا بالنّفس الطّويل وطرقَا كُلّ الأبواب، وقَبِلا بكُل جُهود الوِساطة الأمريكيّة والإفريقيّة، ولكن في نِهاية المطاف طفَح كيلهما عندما رفضت إثيوبيا اليوم مُبادرة سودانيّة أخيرة بتشكيل وِساطة رباعيّة تَضُم مُمثّلين عن رئاسة الاتّحاد الإفريقي (الكونغو) والولايات المتحدة، والاتّحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وأصرّت على التمسّك بالوِساطة الإفريقيّة التي وصلت إلى طَريقٍ مسدود بسبب تعنّتها.

عندما يُؤكّد السيّد ياسر عبّاس، وزير الرّي السوداني، أنّ القرار الإثيوبي بمَلء خزّان سدّ النهضة من طرفٍ واحد دون اتّفاق يُهدّد حياة 20 مِليون سوداني وجميع مشاريع الرّي السودانيّة في الشّرق بِما في ذلك سد الروصيرس، علاوةً على تجويع أكثر من خمسة ملايين أسرة مِصريّة، فإنّ هذا يعني أنّ خِيار الحرب أصبح لا مناصَ منه، لأنّ ضحايا هذه الخطوة، الإثيوبيّة الاستفزازيّة تتواضع أمام أعدادهم أرقام ضحايا القصف النّووي الأمريكي لمدينتيّ هيروشيما ونجازاكي (214 ألف قتيل) وربّما اعداد ضحايا الحرب العالميّة الأولى أيضًا.

مِصر والسودان لا تُريدان الحرب، فمَن يُريدها في أيّ مكانٍ آخَر، ولكن عندما تتعرض حياة هؤلاء الملايين من المُزارعين الأبرياء الذين سيموتون جُوعًا نتيجة هذه الخطوة الإثيوبيّة فمن يلوم حُكومتيّ البلدين إذا أقدمتا عليها، فهذا السّد بات يُشَكّل تهديدًا وجوديًّا لهُما ولشعبيهما معًا، وخرقًا لكُل الاتّفاقات والمُعاهدات التي أرست قواعد توزيع مِياه النيل بين الدّول المنبع ودولتيّ المصب، ولهذا لا نعتقد أنّه من قبيل الصّدفة توقيع وزيريّ دفاع مِصر والسودان اتّفاقًا للتّعاون العسكريّ الأسبوع الماضي، وتأكيد الرئيسين المِصري والسوداني (عبد الفتاح البرهان) في البيان المُشترك في أعقاب زيارة الرئيس السيسي للخرطوم “رفض سياسات فرض الأمر الواقع الإثيوبيّة، والإجراءات الأُحاديّة المُتعلّقة بسدّ النهضة”.

مِصر تعيش أجواء حرب، وقِيادتها إذا قالت فعلت، ويكفي التّذكير بأنّ اعتِبارها لمِنطقة سرت خطًّا أحمر غيّرت كُل الوقائع على الأرض في ليبيا، وصدَق من قال اتّق غضَب الحكيم، ويبدو أنّ تركيا ودُوَلًا عربيّةً أُخرى باتت تُطَبّق هذه المقولة وتعمل على إعادة عُلاقاتها مع القاهرة، ونأمَل أن تسير القِيادة الإثيوبيّة في هذه الاتّجاه أيضًا وتنزع فتيل التّوتّر وتَحتَكِم إلى لُغَةِ العقل.

“رأي اليوم”

عن leroydeshotel

شاهد أيضاً

كيم جونغ أون يدعو إلى الاستعداد لحرب نووية

شفقنا : حول عواقب إضفاء الطابع الرسمي على التحالف بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية …