بقلم :
خالد محيي الدين الحليبي
العرب والمسلمين إما أن يتصالحوا مع أنفسهم و دينهم وأهل بيت نبيهم وضعفائهم ويتراحمون فيما بينهم ومع غيرهم أو يكون قد حل زمان الزوال والإستبدال :
يقول تعالى وهو أصدق القائلين :
{ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ – الأنعام 65 }
لماذا تصل الأمور والإختلافات بين المسلمين إلى أن الأرض كلها لا تسعهما على الرغم من آيات كثيرة تدعوا للتسامح والعفو والبر والتقوى و التواصل و التراحم والتماس العذر والحب في الله وأنصاف الحلول ثم الصبر حتى العلاقة مع المخالف في الدين لا يجب اعتباره عدواً في كتاب الله الكريم مادام لم يحمل على هذه الأمة السيف أو يمكر بها كما في قوله تعالى { لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ –الممتحنة 8 } .
ولعل رفع هذه العقول من أدمغتهم من علامات الساعة كما قال صلى الله عليه وآله [ ” ترى كثيراً من الناس في ذلك الزمان قد مرجت عقولهم ” ]
والحديث هنا يقول : [ عن عبدالله ابن عَمرو رضي الله عنهما قال : ” شَبَّكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أَصابعه وقال : كيف أنت يا عبد الله بن عمرو إذا بقيتَ في حُثالة قد مَرِجَتْ عهودهم وأماناتهم ، واختلفوا فصاروا هكذا _ يعني شبك بين أصابعه كما في بادية الحديث وما تبينه أحاديث أُخر _ قال : فكيف أصنع يا رسول الله ؟ قال : ” تأخذُ ما تعرِف ، وتَدَعُ ما تُنْكِرُ ، وتُقبل على خاصتك ، وتَدَعُهم وعوامَّهم ” [ رواه البخاري ] .
وفي رواية أوردها رزين : أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : ” كيف بكم وبزمان تُغَرْبلُ الناس في غَرْبلة ، ثم تبقى حُثَالَة من الناس ، قَدْ مَرِجَتْ عُهُودهم وأماناتُهُم ، واختلفوا هكذا _ وشبك بين أصابعه _ قالوا : كيف بنا يا رسول الله ؟ قال : ” تأخذون ما تعرفون ، وتذَرون ما تُنكِرون ، وتُقْبِلون على أمرِ خاصَّتكم ، وتذَرون أمر عامَّتكم ” .
وفي أخرى ذكرها أيضاً قال : ” بينما نَحْنُ جُلُوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذَكر الفتنة فقال : ” إذا رأيتم الناس مرِجت عهودهم ، وَخفّت أماناتهم ، وكانوا هكذا _ وشبَّك بين أصابعه _ قال ابن عمرو : فقمت إليه ، ققلت : كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك ؟ قال : ” الزَمْ بيتك ، وأمْلِكْ عليك لسَانَكَ ، وخذ ما تعرف ، ودَعْ ما تنكر ، وعليك بأمر خاصَّةِ نَفْسِكَ ، ودَعْ عَنْكَ أمر العامة – البخاري ” .]
أي أن هؤلاء بجرائمهم حال الله تعالى بينهم وبين عقولهم فأصبحوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يقدرون العواقب الوخيمة لجرائمهم فلا يقدرون الأمور حق قدرها بأمانة وهنا يكونوا قد دخلوا في التيه المضروب عليهم بظلمهم وسفكهم للدماء وتكون قد حل بهم زمان زوالهم وعذابهم الثاني الذي قال تعالى فيه { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة } والبداية هنا التيه المضروب بينهم وبين الضمير و الفهم الحقيقي للأمور والبصيرة ولذلك يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام) “وليضربن عليكم التيه أكثر مما ضرب على بني إسرائيل” … الحديث – نهج البلاغة ] .
أي أنهم بسلوكهم الهمجي المتوارث في سفك الدماء وقلة الوازع الديني من بصيرة وضمير والوقع في الخيانة وسلب ومعايش الناس في كل حقبة زمنية ونرى كل دولة تأتى أسوأ مما قبلها في جرائم و آثام تراكمية عبر العصور و ضعوا الكثير منها بين ثنايا كتب الدين على أنها منه لتبرير أي سلوك مشين لحكام كل عصر حتى أصبحت كل فرقة ترجع إلى مرجعها الفقهي فيزين لهم سلوكهم مؤكداً لهم أنهم الفرقة الناجية والمنتصرين في الدنيا والآخرة ليغويهم ويغرر بهم وحولهم طائفة من المنتفعين والانتهازيين الذين يزينون للناس أعمالهم نظير خدمة أو منفعة يحصلون عليها من رجال الدين أو الحكام المستكبرين فظن كثير من السفهاء والسوقة والجوقة وأنصاف المتعلمين أن هذا هو الحق فقتل بعضهم بعضاً بلا رحمة .
لأن الحق والدين لهم وحدهم حصرياً دون غيرهم فجاءت المواقف المتشددة والصراعات القاتلة المدمرة بين أهل الدين واللغة الواحدة تماماً كما تتصارع المفترسات في الغابة فينسد الأفق بينهم فيظلا يقتتلان حتى يقتل أحدهما الآخر وهذه هى العقلية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من فجور شديد أو تطرف ديني شديد وكلاهما مدمر للدين والدنيا معاً وهذا السلوك معاكس لأثنين وعشرين لغة في بلاد الغرب تتحد مع بعضهم على الرغم من اختلافاتهم لتشكيل الإتحاد الأوروبي بين مسيحيين ويهود وبوذيين في اليابان وعلى النقيض كل بلاد العرب دين واحد ولغة واحدة ولا يوجد موانع مائية وجميعهم غير قادرين على الوحدة أو حتى التفاهم فيما بينهم لاتخاذ مواقف سياسية تخص وحدة المصير المشترك في خفة من الدين و قلة من الضمير وفي زمن رفع العقول بينهم فلا دين يجمعهم ولا حتى عصبية دنيوية جاهلية توحدهم .
وهنا يكون زمن الاستبدال الذي قال فيه تعالى للعرب { وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ولا تضروه شيئا } .
وهو زمان إبادة وهلاك شعوباً بظلمهم وإحلا ل شعوباً أخرى محلها ولذلك قال صلى الله عليه وآله [ تقوم الساعة والعرب أقل الناس ]
وذلك لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في الحديث [ عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو ليُوشِكَنَّ الله أن يبعثَ عليكم عقابًا منه، ثم تَدعونه فلا يَستجيب لكم))؛ صحيح الترمذيِّ.]
ثم ينحطون لدرك أسفل بأن يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف كما في الحديث الشريف [ ” كيف أنتم إذا طغى نساؤكم وفسق شبابكم وتركتم جهادكم قالوا وإن ذلك لكائن يا رسول الله قال : نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه يا رسول الله ؟ قال : كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر قالوا وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه ؟ قال : كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا قالوا وكائن ذلك يا رسول الله ؟ قال : نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون , قالوا وما أشد منه ؟ قال : كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف قالوا وكائن ذلك يا رسول الله ؟! قال : نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون , يقول الله تعالى : بي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيران ” – أخرجه أبو يعلى في مسنده، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد، والديلمي في الفردوس ، بألفاظ متقاربة وزيادات في بعضها . والحديث وإن كان إسناده ضعيفا فإن معناه صحيح مشاهد في واقع الناس ]
ثم ينحط الحكام لدرك أسفل والذي فيه هلاك هذه الأمة وهو قتل أهل الصلاح من الذين يأمرون بالقسط وقد بدأوا بأهل بيت النبي حتى الآن كما في قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍالنهاية المحتومة أَلِيمٍ – آل عمران 21 } .
وهنا تكون قد وصلت هذه الأمة إلى النهاية المحتومة والآجل المحدد لهم والذي قال تعالى فيه { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ – الشعرا 2-5-206} .
هذا وبالله التوفيق
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
خالد محيي الدين الحليبي