الخليج الجديد :
استهدفت الغارات الجوية الأمريكية في سوريا منطقة مهمة ضمن شبكة إيرانية تستخدم لنقل الأسلحة والمقاتلين عبر الشرق الأوسط من طهران إلى بيروت.
ففي وقت مبكر من يوم الجمعة، قصفت طائرات أمريكية مواقع بمحيط مدينة البوكمال السورية، الواقعة مباشرة على الجانب الآخر من الحدود مع العراق، في منطقة تسيطر عليها فعليا ميليشيات مدعومة من إيران، وتستخدم كنقطة عبور للإمدادات.
استهدف القصف شاحنات إمداد كانت متجهة إلى قاعدة إيرانية قريبة، حسب “عمر أبوليلى”، المدير التنفيذي لـ”دير الزور 24″، وهو موقع إخباري مقره في شرق سوريا، ووصف “أبوليلى” القاعدة بأنها “محور لوجستي بالمنطقة”.
وقالت “كتائب حزب الله” العراقي، وهي جماعة شيعية مدعومة من إيران، إن أحد عناصرها قُتل في القصف، فيما قال “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، وهو جماعة مراقبة للحرب في سوريا، إن 22 من عناصر الميليشيات قتلوا، نقلا عن مصادر لم يذكرها.
جاءت الضربة الأمريكية ردا على هجوم صاروخي استهدف في وقت سابق من هذا الشهر (15 فبراير/شباط) قاعدة جوية أمريكية في شمال العراق ( قاعدة حرير)؛ ما أسفر عن مقتل مقاول عسكري وإصابة آخرين، وكان من بين الجرحى جندي أمريكي، وأعلنت ميليشيا شيعية مسؤوليتها عن الهجوم.
ولم تعلق إيران على الضربة الجوية الأمريكية في سوريا، ونفت أي صلة لها بالهجوم الصاروخي على القاعدة الجوية الأمريكية، وقال النظام السوري إن الإجراء الأمريكي يظهر “التجاهل الأمريكي لدور القانون الدولي في حل الأزمة السورية”.
جدل في أمريكا
في واشنطن، جددت الضربة الجدل حول سلطة الجيش في تنفيذ مثل هذه العمليات بدول أجنبية؛ حيث انتقد العديد من المشرعين الديمقراطيين هذا القصف.
وقال السيناتور “تيم كين”، في استجواب حول القصف، انضم إليه فيه السيناتور “كريس مورفي”، والسيناتور “رو خانا”: “ليس دستوريا القيام بعمل عسكري هجومي دون موافقة الكونجرس، وفي ظل غياب الظروف الاستثنائية”.
وبعد أن قتلت غارة جوية أمريكية القائد الإيراني “قاسم سليماني”، العام الماضي، شارك “كين” و”خانا” في رعاية قرارات هدفت لمنع توجيه ضربة عسكرية لإيران دون موافقة الكونجرس، لكن هذا الجهد عارضه الرئيس السابق “دونالد ترامب”.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، “جون كيربي”، إن الرئيس “جو بايدن” مُخول بالدفاع عن الجنود الأمريكيين بموجب المادة الثانية من الدستور، وكذلك بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تمنح الدول الأعضاء حق الدفاع عن النفس.
وأضاف “كيربي”: “كانت الضربة ضرورية لمواجهة التهديد، وكانت متناسبة مع الهجمات السابقة (التي تعرضت لها القوات الأمريكية بالعراق)”.
كما خاطب “كيربي” المشرعين الذين اشتكوا من أنهم لم يتم إطلاعهم بشكل كاف مسبقا على الضربة، قائلا إن جلسات إحاطة في الكونجرس ستعقد بالخصوص في الأيام المقبلة.
حلفاء إيران على حدود العراق
لقد عززت الجماعات المسلحة الموالية لإيران، المرتبطة بـ”الحرس الثوري”، وجودها على جانبي الحدود السورية العراقية منذ أن لعبت دورا رئيسيا في طرد تنظيم “الدولة” من المنطقة عام 2017.
إذ تسيطر هذه الجماعات الحليفة لإيران على منطقة بين الحدود العراقية السورية تسمح لها بنقل المعدات والأفراد العسكريين من إيران إلى لبنان.
كما تستخدم إيران والجماعات المسلحة المرتبطة بها المطارات في المنطقة لنقل الأسلحة والأشخاص.
وتشعر إسرائيل بالقلق من أن حرية حركة الأسلحة والأفراد إلى سوريا ولبنان يمكن أن تهدد أمنها، وشنت القوات الجوية الإسرائيلية غارات في سوريا في السنوات الأخيرة في محاولة لتعطيل سلسلة التوريد هذه.
كما أن سيطرة الجماعات المسلحة المدعومة من إيران على معبر “القائم” الحدودي بين العراق وسوريا، أيضا، يمثل لها مصدرا مهما للتوريدات من طهران.
ووفقا لمسؤولين عراقيين، فإن هذه الجماعات تحصل على مليارات الدولارات من المدفوعات التي يتم تحصيلها في المعابر والمطارات العراقية.
وبينما يتحرك “بايدن” لإعادة إشراك طهران في المفاوضات حول برنامجها النووي، يجب عليه أيضا التعامل مع مجموعة من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، والتي تمتد عبر العراق وسوريا ولبنان.
وحول ذلك، قال “ريناد منصور”، وهو باحث زميل في مركز الأبحاث البريطاني “تشاتام هاوس” ومؤلف ورقة بحثية حديثة عن الجماعات المتشددة: “يمكنهم (الإيرانيون) حشد المقاتلين من أطياف واسعة لبدء تشكيل مجموعات مقاومة والبدء في استهداف الولايات المتحدة”.
اختبار للعلاقة مع روسيا
لقد بدت الضربة الجوية الأمريكية يوم الجمعة ردا على هجوم الأسبوع الماضي على القوات الأمريكية، مع الوضع في الحسبان ألا تتسبب في تصعيد مع القيادة السياسية في العراق.
وتختبر الضربة الأمريكية أيضا علاقات واشنطن مع موسكو؛ القوة الأجنبية الرئيسية الأخرى في سوريا، إذ ساعدت القوة العسكرية الروسية في قلب مجرى الحرب السورية لصالح “بشار الأسد”.
وقال وزير الخارجية الروسي، “سيرجي لافروف”، إن الولايات المتحدة حذرت الجيش الروسي قبل 4 أو 5 دقائق من الغارة الجوية، عبر خط ساخن أُقيم بين الجانبين.
ونقلت وكالات الأنباء الروسية عن “لافروف”، قوله: “إذا كنت تتحدث عن مسألة عدم التضارب، كما هو معتاد في العلاقات بين العسكريين الروس والأمريكيين، فإن هذا النوع من الإخطار لا يعطي شيئا”.
وبعد هجوم عام 2019 أسفر عن مقتل متعاقد أمريكي في العراق، قتلت الولايات المتحدة “سليماني”، وهو قائد عسكري إيراني كبير، في غارة بطائرة بدون طيار في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، وردت إيران بهجوم صاروخي على قاعدة للقوات الأمريكية في العراق.
بعد هاتين الضربتين المتبادلتين، نقلت طهران صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى إيرانية وروسية الصنع إلى أجزاء من سوريا على طول الحدود العراقية، حسب شخص مطلع على عمليات المخابرات الأمريكية في المنطقة.
وقال المصدر إن الصواريخ المخزنة في مستودع تحت الأرض ومواقع أخرى كانت تهدف إلى ردع الولايات المتحدة عن مهاجمة معاقل إيران على طول نهر الفرات في الأراضي السابقة لتنظيم “الدولة” بالمنطقة الحدودية بين سوريا والعراق.
في سوريا، لعب الحرس الثوري الإيراني والميليشيات المتحالفة معه دورا مركزيا في مساعدة “الأسد” على استعادة جزء كبير من البلاد من المعارضة، وهو الدور الذي قاده “سليماني”.
واستخدمت إيران شركات أمنية سورية خاصة لتأمين الطرق السريعة، وساعدت الشركات في إنشاء خطوط إمداد تسهل حركة الأفراد والمعدات العسكرية بين إيران وسوريا.
وقال “منهل باريش”، وهو باحث سوري كتب ورقة عن الشركات الأمنية السورية لصالح معهد الجامعة الأوروبية: “إذا عبرت من مناطق المعارضة إلى مناطق سيطرة النظام، فستكون أساسا في طهران”.