"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

هل تُعيد اتفاقيات أبراهام تاريخ تحالف العرب مع “مملكة إسرائيل”؟

رصيف22 :

مع الاتفاق على أنها “غير مسبوقة”، رأى خبراء ومراقبون أن اتفاقيات أبراهام، الموجة الأخيرة من صفقات التطبيع الدافئة بين إسرائيل ودول عربية، تمثل بالأساس محوراً ناشئاً ضد عدو مشترك في المنطقة هو إيران.

لكنّ كُثراً  لم ينتبهوا إلى أن هذه الاتفاقيات تعيد التاريخ، حين اتحدت جيوش عربية – دول الشام تحديداً – مع قوات “مملكة إسرائيل” قبل 3000 عام تقريباً لمواجهة الإمبراطورية الآشورية التي كانت تسعى إلى الاستيلاء على أراضي الطرفين على السواء. ذُكرت “مملكة إسرائيل” في التوراة، وورد أنها كانت من 12 سبطاً من بني إسرائيل.

سنة 853 قبل الميلاد، اصطف جيشان هائلان في سهل قرب مدينة قرقر (تعرف أيضاً قرقار وقرقور) القديمة، وتقع في شمال سوريا اليوم، وحدثت معركة قرقور الشهيرة.

من جهة، وقفت قوات الإمبراطورية الآشورية، القوة العسكرية العملاقة في بلاد ما بين النهرين. وعلى الجهة الأخرى، خليط من الوحدات الشامية، بما في ذلك جنود المشاة الآراميون والخيول الـ”سور-حيثية” – وهو اسم أُطلق على مجموعة من الدول والمدن الصغيرة جنوب آسيا الصغرى وشمال سوريا التاريخية، بين عامي 1200 و700 ق.م، والمركبات التي أرسلتها “مملكة إسرائيل” والجمال التي يقودها حاكم عربي.

وذلك على الرغم من أن هذه الممالك – العرب وبنو إسرائيل – كانت متحاربة في ما بينها.

نصب كورخ

عرف العالم عن معركة قرقور عن طريق “نصب كورح” أو نصب كورخ” الذي أرّخ عليه الملك الآشوري شلمنصر الثالث (حكم بين عامي 859 و824 ق.م) للغزوات التي شنها خلال فترة السنوات الست الأولى من حكمه، وعُثر عليه قبل 160 عاماً.

والنقش واحد من اثنين من الأحجار المتراصة التي عثر عليها جون جورج تيلور، الدبلوماسي وعالم الآثار البريطاني، عام 1861 في كورخ، ما يُعرف حالياً بقرية أوكتيبي (Uctepe) في كردستان التركية.

قبل 3000 عام، اتّحد العرب مع “مملكة إسرائيل” لصد خطر الإمبراطورية الآشورية. اتفاقيات أبراهام تمثل محاولة لتشكيل تحالف ضد إيران. انتهى التحالف القديم بالفشل والاقتتال، فعلامَ ينتهي الجديد؟

على النصب، دوّن شلمنصر عن المعركة الكبرى التي خاضها في قرقور ضد تحالف دولي روى أعضاؤه وقواتهم تفاصيل دقيقة. بشكل أساسي، قاد التحالف ثلاث شخصيات:

بن حداد الثاني (حدادزير) ملك آرام دمشق في منتصف القرن التاسع قبل الميلاد، وإيرهوليني (أو إيروليني) وكان ملك حماة (حماة الحديثة في سوريا)، إحدى الممالك الـ”سور-حيثية” آنذاك وتقع قرقور ضمن أراضيها، وحاكم ثالث ذُكر باسم “آهابو سيريلايو” (Ahabbu Sirilayu) يقول غالبية العلماء إن المقصود به أحاب ملك “مملكة إسرائيل” المذكور في التوراة.

قال نداف نعمان، عالم الآشوريات والمتخصص في التاريخ اليهودي بجامعة تل أبيب، لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، إن “التسلسل الزمني صحيح” يدعم ذلك. يعتقد نعمان أن الأكثر إثارة للدهشة من تحالف الملك الإسرائيلي مع الممالك العربية هو انضمام “جندبو العربي” (Gindibu the Arab)، أحد ملوك مملكة قيدار العربية عام 853 ق.م، إلى هذا التحالف.

الغريب في انضمام “جندبو العربي” للتحالف هو أنه حكم إحدى الممالك العربية في شمال شبه الجزيرة العربية البعيدة عن مسرح المعركة.

لكن بشكل عام، يبدو أن تمكن شلمنصر من إخضاع جميع الأراضي الواقعة شرق الفرات خلال سنواته الأولى على العرش الآشوري له، وقيامه بحملات عبر النهر، واستيلائه على مدن رئيسية مثل حلب، واتجاهه نحو البحر الأبيض المتوسط، منح العرب و”بني إسرائيل” ما وصفه نعمان بـ”بضع سنوات للتحضير” بعدما “أدركوا أن لديهم فرصة واحدة لإيقافه”.

هزيمة التحالف وانهيار الممالك

في حين قال بيتر ماشينيست، المؤرخ الأمريكي الخبير في آشور القديمة والأستاذ المتقاعد للعبرية ولغات شرقية أخرى بجامعة هارفارد، لـ”آرتس”، إن “رواية شلمنصر هي ‘معرض المحتالين‘ للقوى السياسية الرئيسية في بلاد الشام آنذاك، وأول دليل حقيقي لدينا على من كان في المنطقة في ذلك الوقت”، يشكك مؤرخون في دقة معلوماتها.

مصير التحالف غير المسبوق بين العرب و”بني إسرائيل” أكثر الأمور تعقيداً بشأن ما يوثقه النصب. يزعم نصب كورخ أن شلمنصر هزم تحالف العرب و”بني إسرائيل” وقتل 14000 منهم، و”نثر جثثهم على مسافات بعيدة”. تفاخر الملك الآشوري أيضاً بأن “السهل (أمام قرقور) كان صغيراً جداً ليسع الجثث المتساقطة، وتم استخدام الريف الواسع لدفنها”.

برغم ذلك، يظن معظم العلماء أن معركة قرقور كانت “طريقاً مسدوداً” أمام شلمنصر في أحسن الأحوال، لأنه عقبها لم يسجل الآشوريون أي دفع الجزية من قبل الملوك المزعومة هزيمتهم، كما كان شائعاً وقتذاك.

وتُظهر النقوش اللاحقة من عهد شلمنصر أن الملك الآشوري اشتبك مراراً مع التحالف في نفس المنطقة في ثلاث حملات على الأقل خلال أوائل أربعينيات القرن الثامن قبل الميلاد، بحسب نعمان الذي قال لـ”هآرتس”: “لم يدفعوا له أي شيء لأنه لم ينجح في دحر هذا التحالف. لقد تمكنوا من الصمود لفترة طويلة، أطول مما فعل أي شخص آخر ضد الإمبراطورية الآشورية”.

فقط في عام 841 ق.م، بعد انهيار تحالف الملوك تمكن شلمنصر من جمع الجزية من آرام و”مملكة إسرائيل” وبقية المنطقة.

كانت قوات التحالف المناهض للآشوريين مثيرة للإعجاب، إذا كان النقش دقيقاً في ما أورد، فإن هذا يعني أن معركة قرقور كانت واحدة من أكبر معارك التاريخ حتى ذلك الحين. افترض النصب أن الحلفاء حشدوا عشرات الآلاف من جنود المشاة وآلاف الخيول والجمال والمركبات الحربية، حيث قدم أحاب وحده 2000 من هذه الآلات الحربية ذات العجلات وساهم جنديبو بـ1000 جمل.

لكن الأرجح أن هذه الأرقام كما بقية المعلومات التي يوردها نصب كورخ مبالغاً فيها، إما نتيجة لخطأ في الكتابة أو لتعظيم انتصار شلمنصر المزعوم، كما قال ماشينيست. بشكل عام، نادراً ما اعترف الحكام القدامى بالهزيمة في السجلات العامة، بل غالباً ما بالغوا في وصف انتصاراتهم، لا سيما في النقوش الضخمة التي خدمت آلة الدعاية الخاصة بهم.

في غضون ذلك، يرى نعمان أن الدلالة المؤكدة لهذه الأرقام هي أن “مملكة إسرائيل لعبت دوراً رئيسياً في التحالف” مع العرب رغم أن شلمنصر لم يكن قد هاجمها مباشرةً، مستنتجاً من ذلك أن أحاب “كان رجل دولة توقع التهديد الذي تشكله الإمبراطورية الآشورية وأدرك أنه يجب العمل مع جيرانه، ولهذا السبب كان مستعداً لإرسال ‘الجيش الإسرائيلي‘ لحماية مثل هذه الأرض البعيدة”.

في النهاية، سيطر الآشوريون في القرن التالي على الشرق الأوسط بأكمله وحدث ما كان يخشاه أحاب والملوك العرب حين اتحدوا؛ دمروا “مملكة إسرائيل” ورحّلوا جزءاً من سكانها، وأخضعوا العرب لحكمهم. ويعتقد العلماء أن تحالف العرب وبني إسرائيل الذي صمد على ما يبدو ضد هجمات الآشوريين المتكررة قد انهار بسبب “تغير الحكام” و”الاقتتال الداخلي” أو بكلمات أدق عودة العرب و”الإسرائيليين” إلى الاقتتال.

وهنا، يجدر التساؤل: هل تستمر اتفاقيات أبراهام في إعادة التاريخ وتنتهي هي الأخرى بعودة “الحلفاء” العرب مع إسرائيل إلى مربع الصراع؟