الزيادة السكانية… “عزوة” مصر القاتلة

اندبندنت :

يبلغ عدد الأطفال العاملين 1.8 مليون ومولود جديد كل 13 ثانية ويغلب التسييس وصبغة التدين على الموقف من تحديد النسل

المجتمع المصري يعاني تحت وطأة الزيادة السكانية   (أ ف ب)

لم تعد المسألة “عزوة” أو تفاخراً أو حتى سنداً للظهر أو مدداً للجيب. كما تعدت حدود “أن أجد من يرعاني حين أتقدم في العمر”، أو “أن أفوز على سنية ابنة خالتي وأتفوق على حسنية ابنة عمتي في عدد الرؤوس التي أضخها في عالم العيال”. حتى القنبلة صرعوها بعد ما فجروها، والأرانب التهموها بالملوخية بعد أن خرج السباق من فئة الأرانب إلى الديناصورات ومرجح إلى ما هو أشرس.

سباق شرس في مصر تدور رحاه على مدار الثانية وليس الساعة. مولود كل 13 ثانية تستقبله مصر حاملاً معه أو معها حزمة من المتطلبات والتوقعات والطموحات آخذة في التحول من خانة الممكن إلى الممكن بصعوبة إلى اللاممكن.

صراع من أجل الإنجاب

يتجلى اللاممكن في مشكلة مصر السكانية ليس فقط في صراع محموم من أجل الإنجاب من دون هوادة أو منطق أو هدف، ولكن في استمرارية جهود مواجهة خطر الانفجار السكاني على مدار عقود على السطح، بينما استمرارية أشد بأساً وأقوى أثراً تدور تحت السطح لتشجيع المضي قدماً بخطى ثابتة نحو الانفجار باعتباره خيراً كثيراً وبركة وفيرة.

ليس هناك ما هو أوفر من العيال في مصر هذه الآونة. وهي وفرة معلومة للقاصي والداني، مرئية بالعين المجردة على كل ناصية وفي كل ركن. حديث الملايين لا يفتر أو يخفت عن ملايين الصغار الذين بلغ تعدادهم 23 مليون طفل في مراحل التعليم المدرسي. ملايين أخرى من الصغار أعدادهم غير موثقة بين عاملين وبلا مأوى ومتسربين من التعليم.

وعلى مدار العقد الماضي، لم يعد مشهد طفل يكنس الشارع أو يقود “توك توك” أو يركض بين السيارات في إشارة مرور أو يجلس مع حفنة من الصغار متصنعاً البكاء من دون دموع أو المذاكرة على ضوء نور الشارع أو النوم إلى جوار مسؤولة قسم التسول في منطقة بعينها يلفت الانتباه كثيراً.

عقد كامل تبخرت فيه جهود تنظيم الأسرة الهشة أصلاً، وتبددت المخاطبات الدينية الرسمية الممسكة بعصا الحساسية الدينية من المنتصف. التباعد بين حمل والآخر مطلوب لصحة الأم وصلاح الأسرة وسلام المجتمع. هذا العقد الملتهب المتخم بأحداث وحوادث سياسية وأمنية وأيديولوجية ألقت بظلال اعتبرها البعض وخيمة لكن انتهزها الآخر ليعاود سباقاً محموماً حيث “العيل ييجي برزقه”.

وحبذا لو كان الرزق “توك توك” لنقل الركاب أو دراجة نارية لتوصيل الطلبات، فإن تعذر هذا وذاك فليتسول مع أشقائه أو يدق باب “التضامن الاجتماعي” من أجل معاش استثنائي أو “التموين” بحثاً عن مزيد من الأرغفة المدعمة والمواد التموينية التي يمكن بيعها في سوق سوداء لتحقيق هامش ربح ما.

هوامش الربح في مصر متعددة، وأغلبها ناجم عن قطاع الاقتصاد العشوائي. مهن لا أول لها أو آخر، ولا سند قانوني أو ضرائب، ولا رعاية اجتماعية أو صحية تغلغلت في المجتمع بشكل حاد على مدار عقد مضى وجانب كبير من وقوده أطفال لا يزيد عمر بعضهم على عشرة أعوام. وبحسب أحدث مسح للجهاز المركزي للمحاسبات ومنظمة العمل الدولية يبلغ عدد الأطفال المنخرطين في العمل نحو 1.8 مليون طفل، بينهم نحو 1.6 مليون طفل يعملون في أعمال خطرة.

وبين الخطورة التي يتعرض ويعرض الآخرين لها عادل، 10 سنوات، سائق “توك توك” في شبرا، وأخرى شبيهة يخوضها محمد، 11 سنة، عامل الديليفري على دراجة نارية في مدينة الشروق، وثالثة يتجرعها حسين وحسن ومحسن المتراوحة أعمارهم بين أربع سنوات وشهرين والذين تتسول بهم أمهم (أو هكذا تقول) على ناصية في حي روض الفرج تمضي القنبلة السكانية في مصر بعد انفجارها في وجوه الجميع.

الجميع ممن تابعوا كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام أثناء افتتاح عدد من المنشآت الطبية أدلوا بدلوهم في شؤون القنبلة. منهم من اعتبرها مأساة مصر الكبرى، ومنهم من مصمص الشفاة وحوقل واعترض وقال: “سبحان الله. خير ربنا نعتبره حملاً وثقلاً؟! ربنا يهدي”.

ملف العيال

الرئيس المصري فتح الملف الملغوم المتشابك والمتقاطع وملفات أخرى أعتى خطورة: ملف العيال وسباق ضخ المزيد والمزيد. قال السيسي إن الزيادة السكانية بشكلها الحالي تؤثر سلباً في كل القطاعات المصرية، محملاً إياها مسؤولية عدم شعور المواطن بتحسن حقيقي في أحواله المعيشية. وأضاف أن هذه الزيادة لا تتناسب مطلقاً وموارد الدولة.

“أكثر من طفلين مشكلة” أربع كلمات دالة وواضحة قالها الرئيس المصري أسعدت قلوب البعض. لكن الآخر ممن وهب حياته لضخ العيال إما لأنهم “عزوة”، أو باعتبار كل رأس منهم مصدر دخل إضافي، أو لأنه “سنة الحياة”، أو لأن الشيخ أفتى بذلك، لم يشعر بارتياح.

أم حسين وحسن ومحسب، التي تتسول بهم قالت شاجبة فكرة الطفلين: “أهل الخير يطعموننا ولنا رب اسمه الكريم. ما هذا الكلام عن طفلين فقط؟ نعترض على إرادة ربنا”؟ وبسؤالها عما قاله السيسي عن حاجة مصر إلى تريليون دولار أميركي لتتمكن الدولة من المضي قدماً مع سباق الإنجاب، قالت، “لا أعرف إلا المليون وهذا يزيد على الألف. لكن ما لنا بهذا الكلام ده؟”

شأن الجميع

الشأن السكاني في مصر شأن الجميع وفي الوقت نفسه ليس شأن أحد. بمعنى آخر، تُركت قضية الزيادة السكانية ليتناولها كل بحسب هواه، مع الإبقاء على الغطاء الشرعي الرسمي ممثلاً في “الوحدة الصحية” و”شلبية” و”حسنين ومحمدين” وتستيف الأوراق الدالة على أن جهود تنظيم الأسرة تسير على قدم وساق.

أما العقل الجمعي والفكر الشعبي فلم يظلا فقط على ما هما عليه من اعتبار “العيل ييجي برزقه” و”العيال عزوة” و”الشيخ قال كده”، بل أمعن الشيخ في قوله بالتحريم بعد نزوله من على منبر التحليل مع فتح أبواب الإفتاءات المستوردة حيناً ومحلية الصنع حيناً، التي لم تكتف بتحريم تحديد الأسرة أو حتى تنظيمها، بل اعتبرت التكاثر مهمة دينية من يقصر فيها مذنب.

الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، الذي يحظى بمكانة أقرب ما تكون إلى التقديس في مصر الحديثة، وتذاع أحاديثه التلفزيونية في كل يوم جمعة حتى اللحظة والملقب بـ”إمام الدعاة”، الذي تملأ صوره واجهات الميكروباصات ووسائل النقل العام في دلاله على الشعبية قال في حديث مسجل وبالغ الانتشار: ما يقولونه عن تحديد نسل وتناسل وبتاع (متهكماً) وكأن غذاء الطفل لا يأخذه من أمه. فإن جاء (حدث الحمل) يأكله، وإن لم يجيء ينزل في الكابينيه (المرحاض). وهنا هلل الحاضرون وضحكوا.

وأضاف: “سيبوا ربنا يشوف كونه. في واحدة تحمل في واحد مرة، ومرة أخرى في اثنين ومرة في سبعة. لما (طفل) واحد قضاه (كفاه الغذاء)، ولما كان سبعة مش برضه قضاه؟!” عاود الحاضرون تكبيرهم وتهليلهم مثنيين على “إمام الدعاة”.

تراث الاتكال

اليوم يقف “إمام الدعاة” ومعه تراث بات متجذراً متعمقاً متغلغلاً في ثقافة هي في الأصل تميل إلى الاتكال الكلي على السماء من دون تخطيط أو تدبير أو تعقل في مسألة الإنجاب في مواجهة صارخة وخطيرة مع قنبلة من العيال انفجرت ولا تكف عن إطلاق شظية كل 13 ثانية.

اليوم، وبينما مساجد مصر المئة ألف تصدح بموضوع أهمية تنظيم الأسرة في خطبة الجمعة من أعلى المنابر، وفي العام الـ21 من الألفية الثالثة، وبعد مرور ما يزيد على نصف قرن على تطبيق البرنامج القومي لتنظيم الأسرة، يجد المصريون أنفسهم يقاومون خط الفقر الذي يرزح تحته وعليه وفوقه مباشرة نحو 40 في المئة منهم بيـَـدٍ، ويمضون قدماً بالأخرى في الإنجاب الجنوني.

جنون الإنجاب يواكبه جنون تبخر المنطق وتحلل التعقل. فمصر التي كانت بين أوائل دول المنطقة المطبقة لبرنامج قومي لتنظيم الأسرة في عام 1966 عبر خدمات طبية واسعة ومنظمة وتحظى بقبول مجتمعي من دون تكفير أو تنديد، تجد نفسها هذه الآونة في حاجة ماسة إلى إعادة إحياء الفكرة بعدما أصابها الكثير من العطب والتلف والتسييس والتديين.

سياسة ودين وعيال

وبين التسييس والتديين خط رفيع تضيع معالمه أحياناً. ومع الكثرة العددية، تدفع القضايا الحساسة والمهمة الشعب بملايينه التي تزيد على المليون إلى التحليل الاستراتيجي والتفنيد الديني والتفسير المجتمعي، كل بحسب أهوائه وانتماءاته.

ومنذ تحدث الرئيس المصري عن الزيادة السكانية التي تنوء الدولة بحملها وتحول دون شعور المواطن بتحسن أحواله المعيشية على رغم الجهود الرسمية المبذولة، والأثير العنكبوتي يكاد ينفجر من تخمة التحليل الشعبي. جموع المؤيدين للرئيس المصري والمؤمنين بأن ضخ العيال الجنوني يقضي على الأخضر واليابس يملأون صفحاتهم تأييداً وتشجيعاً لما قال.

البعض منهم اتخذها فرصة لتصعيد النقاش والتجرؤ بطرح ما يجول في عقول البعض أو ما يثار خلف الصفحات المغلقة خوفاً من عنف المتدينين الجدد.

كتب أحدهم ويدعى ماجد: “المواطن البليد يقول العيال عزوة. هي العيال التي لم ولن تذهب لمدرسة أو تلقى تربية وتنشئة. انظر إلى دول أوروبا التي سبقتنا بقرون ستجدهم يفكرون بدل المرة ألفاً قبل الإنجاب لأن الطفل إنسان قبل أن يكون كائناً بلا ثمن أو مكانة. أنت فرح بخلفتك وقدرتك على النكاح. وهم فرحون بتقدمهم وقدرتهم على ابتكار الدواء والأمصال والعيش الرغد”.

وقالت حنان: “من تنجب طفلها الثاني يجب أن يتم تعقيمها هي وزوجها عقب الولادة. وكل ما عدا ذلك لن يقنع جحافل الغارقين في إنجاب الأطفال وأغلبهم يشجع تعدد الزوجات لينافسوا الأرانب والدجاج وحتى ننفق نحن عليهم من دمائنا وعملنا”.

جماعات الإسلام السياسي

وفي المقابل، بادر آخرون إلى الدق على أوتار السياسة الملونة بألوان جماعات الإسلام السياسي. كوادر جماعة الإخوان المسلمين وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي من المعروف عنهم انتمائهم لفكر الجماعة أو أذرعتها الإعلامية والتغريدية كتبوا الكثير عن “فشل الدولة في التنمية والتحجج بالزيادة السكانية”.

كتب أحدهم: “النظام بات مدركاً أن الأزمة قادمة لا محالة، وأنه عاجز عن إيجاد حل سريع، فبحث عن حجة قديمة ألا وهي الزيادة السكانية التي هي ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله سندنا وعزوتنا وثروتنا”. وكتبت أخرى، “النظام يلوم عجزه على الزيادة السكانية وهذا يعكس جهلاً بالاقتصاد. فالنمو السكاني يعني نمواً اقتصادياً ونمواً إنتاجياً”.

البنى التحتية والتموين

وهناك من تعلقوا بتلابيب الجسور والطرق والمدن السكنية الجديدة وغيرها من مشروعات البنى التحتية الجاري بناؤها على قدم وساق. كتبت “أم معاذ”، “بدل الكباري والطرق نأكل الناس التي لا تجد ما تأكله. زودوا مخصصات التموين وارفعوا المعاشات المخصصة للفقراء والأسر التي لديها عدد كبير من الأطفال”.

الأدهى من ذلك أن أذرع الجماعة دشنت هاشتاغات على “تويتر” يحوم جميعها حول فكرة أن النظام السياسي في مصر يحارب الدين ويعادي المتدينين والدليل الذي يستخدمونه في تغريداتهم هو أنهم (النظام) يحاولون تقليص أعداد المسلمين عبر تحديد النسل.

تلون القنبلة السكانية بألوان الدين تارة والسياسة تارة أخرى ليس جديداً. لكن يظل تلونها بألوان المنطق والتعقل والتخطيط مفتقداً. وعلى الرغم من أن خطبة الجمعة اليوم كان موضوعها المحدد سلفاً “تنظيم النسل: قضية أخذ بالأسباب الشرعية”، فإن شبهة اتباع المؤسسات الدينية الرسمية توجهات الدولة مرة يميناً وأخرى يساراً سلاح ذو حدين. ومن جهة أخرى، فإن الإصرار على الزج بالدين طرفاً رئيساً في صراع العيال يثير مخاوف البعض.

الدين والحياة

ويتخوف البعض من أن تمضي مصر قدماً في عدم الفصل بين الدين ومجريات الحياة، فيحلل أحدهم اليوم تنظيم الأسرة وأرباح البنوك وقدوم السياحة ويحرمها آخر غداً أو بعد غد.

ويشار إلى أن مصر شهدت على مدار ما يزيد على نصف قرن تشاركاً للسلطة الدينية حيث سطع نجم شيوخ ومفتيي الزوايا غير الخاضعة للدولة وطغوا أحياناً على مؤسسة الأزهر الشريف ودار الإفتاء. ليس هذا فقط، بل إن المؤسستين الرسميتين طالهما كذلك ما طال الثقافة الشعبية المصرية من تشدد وتطرف وأفكار وتفسيرات دينية مستوردة.

يشار إلى أن مجمل “فتاوى الزوايا” دار على مدار سنوات حول تحريم تنظيم الأسرة، وأخفها وطأة كان السماح بالتنظيم حيث تباعد المرأة بين كل حمل والآخر بنحو ثلاث أو أربع سنوات في حال كان هناك سبب صحي يمنعها. يشار أيضاً إلى أن مؤسسات الدولة الدينية دأبت على التأكيد على جواز التنظيم لكن لم يجرؤ أحد على التطرق إلى المنع الكلي للإنجاب بعد طفل أو طفلين!

دوائر العيال المفرغة

وهذا يعني استمرار الدوران في حلقات مفرغة أبطالها وضحاياها جيوش العيال الجرارة. خبير الدراسات السكانية ورئيس الجمعية المصرية لدراسات الهجرة أيمن زهري، يقول إن “35 في المئة من المصريين تحت سن الـ15 سنة، و35 في المئة آخرون أقل من 35 سنة، أي أن 70 في المئة من المصريين تحت سن الـ35 سنة. وهذا يعني أن المصريين في عمر الزواج والإنجاب عددهم كبير جداً.

كما أن مصر تشهد نحو مليون زيجة في العام الواحد أي مليون ولادة لمليون طفل أول في العام في هذه الفئة لمدة لا تقل عن 20 عاماً مقبلة، أي أن المشكلة السكانية ستبقى ملازمة لمصر لعقدين كاملين على الأقل”.

التمكين هو الحل

ويرى زهري أن المسألة لا يجب أن تختزل في دعاية إعلامية ورائدات أسرة وإعلانات لأن الموضوع أصعب وأعمق من ذلك. يضيف أنه لا وجود لحلول سحرية في القنبلة السكانية، فقط حلول واقعية وسياسة نفس طويل وإرادة سياسية وثقافية واضحة وصريحة. ويحدد زهري روشتة الإنقاذ في ثلاث خطوات. يقول: “الأولى هي مكافحة التطرف الديني وخرافة أن العيل بييجي برزقه. والثانية تمكين المرأة والثالثة تمكين المرأة أكثر”.

المرأة المصرية تعاني الأمرّين جراء الثقافة الشعبية المتلونة بألوان التشدد الديني الذي غزا مصر على مدار العقود الخمسة الماضية. مكانتها التي لا تعدو اعتبارها بوتقة للإنجاب ووسيلة للتنفيس عن الشهوات لم تعد حكراً على أماكن ريفية بعينها وذلك بعدما غزت الملايين القادمة من الريف المدن وأحاطت الأحياء بدوائر العشوائيات السكنية والفكرية.

مقرر المجلس القومي للسكان السابق عمرو حسن، يؤكد مسألة التمكين باعتبارها الطريق الوحيد لاستدامة السيطرة على القنبلة السكانية. يقول بوجوب تغيير ثقافة المجتمع تجاه قضايا تمكين المرأة، وأن مشاركتها في العمل والمجتمع واستغلال طاقتها بدلاً من تفريغها كلها في الحمل والإنجاب المتواصلين أمر بالغ الأهمية. كما أن قرار الإنجاب يجب أن يكون مشتركاً بين الزوجين ومدروساً من حيث مستقبل القادم الجديد إلى العالم من حيث السكن والصحة والتعليم.

قرطة عيال

وفي سياق التعليم حيث دروس موجهة لذكر محاسن الأسرة الصغيرة وموضوعات تعبير تكتب منذ عقود عن “أهمية تنظيم الأسرة في تقدم المجتمعات”، وفي مؤتمر عقد قبل نحو عامين من أجل تدريب المعلمين في مصر على سبل التدريس الحديثة، تحولت الجلسة إلى شكوى وأنين من تدني الرواتب ومصاعب الحياة.

وقف معلم اللغة العربية المفوه يشكو ضنك العيش، وظلم الدولة التي تخصص له راتباً يكفيه وأسرته لمنتصف الشهر. المعلم قال إن له من الأبناء أربعة والخامس في الطريق. وتوقع أن يلقى كلامه عن مصاعبه وعياله الخمسة تعاطفاً، وهذا ما حدث بالفعل من زملائه وزميلاته الملاصقين له بين الحضور. فكل منهم يحمل هماً مشابهاً وعدداً مقارباً من العيال.

أما المنصة، فكان الوضع مختلفاً. قال أحد الخبراء من المتحدثين: “ربنا يخلي الأولاد، لكن خمسة أطفال عبء كبير عليك وعلى الدولة”! تجهم المعلم وكشر عن أنيابه، ودافع عن “قرطة عياله” بالتأكيد مرة على أن العيال يأتون برزقهم، وأخرى على أن التدخل في مشيئة الرحمن معصية، وثالثة بتلويحه بأن قرار الإنجاب “حرية شخصية”.

حرية المواطنين الشخصية في الإنجاب تضرب بعنف في مصر. وبين توقعات من قبل الآباء والأمهات بأن عليهم الإنجاب وعلى الدولة توفير المسكن والمأكل والمشرب من باب العدالة الاجتماعية، وتوقعات الطبقات المدهوسة المعارضة لكثرة العيال، التي توجه ضرائبها لتمويل عملية الإنجاب الجنونية رغماً عنها، وتوقعات الدولة بأن تسفر خطبة جمعة هنا ومناشدة رئاسية هناك عن تغيير في ثقافة باتت متجذرة وفكر ديني أصبح متوطناً، وتوقعات قادة فكر ديني يقول بعضهم على المنبر ما لا يقوله بعد نزوله تمضي مصر في محاولات حثيثة للتعايش مع قنبلتها السكانية لحين إشعار آخر.

عن leroydeshotel

شاهد أيضاً

نيوزيلندا تدرج “حزب الله” اللبناني و”أنصار الله” على قائمة الإرهاب

RT : أعلنت نيوزيلندا تصنيفها “حزب الله” اللبناني وحركة “أنصار الله” الحوثية في اليمن “منظمتين …