اذاعة طهران :
برنامج : علي(ع) في القرآن- الحلقة : 49
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الحنّان المنّان، والصلاة والسلام عليى المصطفى سيد الإنس والجانّ، وعلى آله سفن النجاة والأمان. السلام عليكم، إخوتنا وأعزّتنا المؤمنين، ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في لقاءٍ طيبٍ آخر معكم، ووقفةٍ أخرى عند آياتٍ أخرى من كتاب الله جلّ وعلا، لأمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام نصيبه الأوفى فيها. وفي البدء هنا، أيها الإخوة، أحببنا أن نبين أنّ عبارةً قرآنيةً بصيغة: (الّذين آمنوا) قد تكرّرت في كتاب الله عزّوجل عشرات المرّات، تقدّمتها أحياناً عبارة النداء (يا أيها)، أو الحرف المشبّه بالفعل (إنّ) واقترنت بها عبارة (وعملوا الصالحات). وطالما مررنا على مثل هذه الصّيغ والعبارات مرور الكرام وقد اقتضى الأمر أن نتأمّل فيها، أو أن نسأل أهل التفسير عنها. فمن تريد مثل هذه الآيات يا ترى، ومن تقصد ومن تخاطب؟!
لو فتحنا كتاب (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل) وجدنا مؤلّفه الحافظ الحسكانيّ، وهو حنفيّ المذهب، يكتب في ظلّ الاستثناء القرآنيّ قوله تعالى في آخر آيةٍ من سورة الشعراء : “إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً” راوياً يقول: حدّثني عليّ بن موسى بن إسحاق بإسنادٍ يصل الى عكرمة، عن ابن عبّاس أنّه قال: ما في القرآن آية “إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ” إلاّ وعليٌّ أميرها وشريفها، وما من أصحاب محمّدٍ رجلٌ إلاّ وقد عاتبه الله، وما ذكر علياًّ إلاّ بخير. وحدّث أبو بكر الشيرازيّ في كتابه (نزول القرآن في شأن امير المؤمنين عليه السلام) عن مالك بن أنس صاحب المذهب المعروف به، بسندٍ يصل الى أنس بن مالك الصحابيّ المعروف أنّه قال في قوله تعالى: “إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا” نزلت في عليّ، صدّق أوّل الناس برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. ولربّما عنى ابن عبّاس أو أنس بن مالك العبارة القرآنية فقط، أن يكون عليٌّ عليه السلام أميرها ومصداقها، وإن جاءت هذه العبارات في آياتٍ عديدة، على نحو صيغٍ متعدّدةٍ مختلفة، من ذلك قوله تبارك وتعالى:
“وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ” (سورة البقرة الآية ۲٥)،”وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (سورة البقرة الآية ۸۲)،”إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ” (سورة يونس الآية ۹)،”إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً” (سورة الكهف الآية ۱۰۷)،والان نذهب معاً، أيها الإخوة الأحبّة، الى الأخبار الكاشفة عن شيءٍ من حقيقة “الَّذِين آمَنُواْ” دلالةً ومصداقاً وبياناً واقعياً لهذا المصطلح القرآنيّ الشريف، تداولته الكتب التفسيرية والمجاميع الحديثية بالتعريف الصريح، فمثلاً يروي أبو نعيم الحافظ الأصفهانيّ في كتابه (النور المشتعل) بسندٍ يصل الى مجاهد، ليروي عن ابن عبّاس أنّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (ما أنزل الله آيةً فيها: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ” إلاّ وعليٌّ رأسها وأميرها). قال أصحاب التحقيق: رواه عن أبي نعيم النّطنزيُّ في كتابه (الخصائص)، والسيد ابن طاووس في كتابه (اليقين في إمرة أمير المؤمنين)، والخوارزميّ في (المناقب)، مرّةً عن مجاهد، وأخرى عن عكرمة، كلاهما عن ابن عبّاس، حيث قال: ما أنزل الله عزّوجلّ في القرآن آيةً يقول فيها: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ” إلاّ كان عليّ بن أبي طالبٍ شريفها وأميرها. وعن أبي نعيم، وقد رواها في كتابه (حلية الأولياء)، روى ذلك الگنجيّ الشافعيّ في مؤلّفه (كفاية الطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب)، وابن البطريق في كتابه (خصائص الوحي المبين). وذكره ابن حجر في (الصواعق المحرقة) مخرجاً عن الطبرانيّ وابن أبي حاتم، وفي آخرالخبر قول ابن عبّاس: ولقد عاتب الله أصحاب محمّدٍ صلى الله عليه وآله في غير مكان، وما ذكر علياً إلاّ بخير.
وفي بعض النصوص الشريفة، يرويها عكرمة وغيره عن ابن عبّاس: قول النبيّ صلى الله عليه وآله: (ما أنزل الله في القرآن آيةً يقول فيها: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ” إلاّ وعليٌّ رئيسها وأميرها). أو عن حذيفة بن اليمان أنّ أناساً تذاكروا فقالوا: ما نزلت آيةٌ في القرآن فيها “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ” إلاّ في أصحاب محمّد. فقال حذيفة مصححّاً ورافعاً للتعميم الموهم: ما نزلت في القرآن “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ” إلاّ كان لعليٍّ لبّها ولبابها). أي أنّ أصل الآية في الإمام عليّ عليه السلام، هو مصداقها الأتمُّ الأكمل، ومن جاراه وولاه ومضى على نهجه كان من الذين آمنوا بالتّبع والتوليّ والتأسّي، لأنّه الذي لم يعاتب، وذاك من دلائل عصمته، ومن مؤهّلات إمامته، وتلك كلمة ابن عبّاس: ما من أحدٍ من أصحاب محمّدٍ وقد عوتب في القرآن، إلاّ عليّ بن أبي طالب، فإنّه لم يعاتب في شيءٍٍ منه. وفي خبرٍ آخر انّه قال: ولقد عاتب الله المؤمنين في القرآن في غير آية، ما فيهم عليّ. وفي خبرٍ ثالث قال: وما بقى أحدٌ من أصحاب رسول الله صلّيى الله عليه وآله إلاّ وقد عوتب في القرآن غيره. ويوم سئل ابن عباّس: وأين عاتبهم الله؟ أجاب بمثالٍ صريحٍ واضح قائلاً: قوله: “إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ” (سورة آل عمران الآية ۱٥٥)، لم يبق مع رسول الله أحدٌ إلاّ عليٌّ وجبرئيل.
وإضافةً الى المصادر الشيعية الوفيرة، فقد ذكرت الأخبار السابقة ورواياتها مصادر سنيةٌ شهيرة، منها: (نور الأبصار) للشبلنجيّ الشافعيّ، و(مجمع الزوائد) للهيثميّ الشافعيّ، و(الرياض) للمحبّ الطبريّ و(كنز العمّال) للمتّقي الهنديّ، و(ينابيع المودّة) للقندوزيّ الحنفيّ، و(تاريخ الخلفاء) للسيوطيّ، و(مفتاح النجات) للبدخشيّ، ونظم درر السمطين للزرنديّ الحنفيّ، الحنبليّ، و(وسيلة المآل) للحضرميّ، و(عيون الأخبار) للبغداديّ، وعشرات المصادر المعروفة والمعتمدة التي أقرّت بأنّ القرآن الكريم اعتبرت علياً عليه السلام أميراً للمؤمنين، لأنّه خوطب “بالَّذِين آمَنُواْ” وهو أمير كلّ آية فيها هذه العبارة، وشريفها، ورأسها ورئيسها، ولبّها ولبابها، ولم يدّع أحدٌ من الصحابة هذا الفضل مهما كانت منزلته. وإذا كان للإمام عليّ ٍعليه السلام في هذا الأمر فضل، فإنّ له فيه كذلك أفضلية، لأنّ الله عاتب أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وآله عتاباتٍ كثيرةً، ومرّة أحياناً في آياتٍ عديدة شملتهم، ولم يذكر سبحانه علياً إلاّ بخيرٍ وثناءٍ ومناقب وفضائل، وهذا عين الأفضلية، فهو المثال الأكمل، والمصداق الأتمُّ الأفضل، للذين آمنوا، فيكون هو الأولى بالتولي والطاعة والاقتداء به بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله.
رابط :
http://arabicradio.net/news/34921