إرم نيوز :
لعقود كانت تركيا الملاذ الأول للعديد من الإيرانيين الذين إما يعبرون الحدود بشكل غير قانوني، أو يستخدمون السياسة التركية التي لا تلزم الزوار باستخراج تأشيرات.
ومنذ حملة القمع الإيرانية ضد الاحتجاجات الديمقراطية في 2009، وصل آلاف اللاجئين الإيرانيين لتركيا، حيث سجلت منظمة الأمم المتحدة نحو 40 ألف إيراني يسعون للحصول على الحماية الدولية في تركيا بحلول عام 2017، ومنذ ذلك الحين تولت الحكومة التركية تسجيل المهاجرين الدوليين، وذكرت أن 1425 إيرانياً طلبوا الحماية في تركيا العام الماضي.
إلا أن الوضع قد تغير في الأشهر الأخيرة، حيث يبدو أن الحكومة الإيرانية قد تمكنت من استهداف المعارضين الإيرانيين في تركيا، ولم تعد تركيا ملاذا آمنا كما كانت.
كابوس العيش الهنيء
وساقت صحيفة ”نيويورك تايمز“ في هذا الصدد قصة الأمريكي من أصل إيراني نيكولا أريان، وخطيبته الإيرانية فطيمة خوشرو، اللذين تحول حلمهما بالعيش في مدينة ساحلية صغيرة في تركيا إلى كابوس على أرض الواقع.
وقالت فطيمة إنها كانت تتلقى باستمرار رسائل تهديد، وإنها وخطيبها نيكولا يتعرضان لمضايقات من قبل رجال يعتقدون أنهم عملاء للحكومة الإيرانية، وقد ازدادت مخاوفهم بعد السماع عن اختطاف وقتل معارضين إيرانيين في تركيا في الأشهر الأخيرة.
وأضافت فطيمة التي فرت من إيران بعد سجنها وضربها لمشاركتها في احتجاج في الشوارع ضد ارتفاع أسعار الوقود: ”نحن خائفان حقاً، ولا نخرج إلا للذهاب إلى أقرب سوبر ماركت ونعود، وهناك رجال ملثمون يأتون إلى المبنى ويطرقون بابنا“.
وكشفت سانام فاكيل نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس البريطاني للأبحاث عن استهداف أصحاب الجنسية الإيرانية المقيمين في الخارج على وجه التحديد، وأوضحت: ”تستخدم إيران المواطنين ذوي الجنسية المزدوجة لورقة ضغط على الدول الغربية“.
ويندرج نيكولا آريان (51 عامًا) خطيب فطيمة ضمن هذه الفئة، فهو أمريكي من أصل إيراني، اشترى منزلاً في تركيا على أمل العيش هناك مع فطيمة بعد أن ازدهرت علاقتهما على الإنترنت قبل 3 سنوات.
إلا أنه منذ احتجاز فطيمة (31 عاماً)، خلال زيارة لعائلتها في إيران العام الماضي، وتعرضها للضرب والتهديد والاعتداء الجنسي خلال أكثر من 60 يوماً في السجن، عاش الثنائي في خوف من الاستخبارات الإيرانية.
وتصف فطيمة، خريجة كلية الحقوق من بلدة خرم أباد الإقليمية، نفسها بأنها ناشطة في مجال حقوق الحيوان، كما أنها حضرت احتجاجات في الشوارع لكنها لم تواجه مشاكل مع القانون إلا بعد بدء علاقتها بنيكولا، وهو أيضا لاجئ إيراني تعرض للاحتجاز والتعذيب عندما كان يبلغ من العمر 19 عاماً، ولجأ في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة في عام 2001.
ويعتقد نيكولا أن عمله كمترجم في العراق لصالح وزارة الدفاع الأمريكية منذ عام 2006، عندما كان الجيش الأمريكي يقاتل الميليشيات المدعومة من إيران، هو ما جعله عدوا في نظر الحكومة الإيرانية.
من جانبها، قالت فطيمة إنه خلال فترة سجنها تم استجوابها مراراً وتكراراً بشأن نيكولا آريان، وعُرض عليها صور فوتوغرافية للاثنين في تركيا.
ومن ثم تم إجبارها على خلع ملابسها وهُددت بالاغتصاب إذا لم تتعاون، وقالت إنها أُجبرت على تسجيل اعتراف ثم طلب منها العودة إلى نيكولا في تركيا، وأن تخدره وتقود عملاء إيرانيين إليه حتى يتمكنوا من اختطافه، وأصدروا حكما ضدها بتاريخ 20 ديسمبر بالسجن لمدة عام و74 جلدة.
ومنذ وصولها إلى تركيا، رفضت فطيمة تنفيذ الأوامر، وتعرضت للعديد من الإساءات في الرسائل النصية التي يرسلها المحقق، وبما أن استخراجها كخطيبة لتأشيرة إلى الولايات المتحدة قد تستغرق شهوراً، حثها محاميها على تقديم طلب لجوء في أوروبا الغربية، معربة عن ترددها من الخطوة التالية، قائلة: ”فقدت قدرتي على اتخاذ القرارات، وأعرف أنني إذا عدت سأدفع ثمنًا باهظًا“.
خطف واستدراج
وفي الأسبوع الماضي، أعلن مسؤول تركي بارز أن المعارض الإيراني البارز حبيب شعبان قد خُطف وأعيد بالقوة من تركيا إلى إيران في أكتوبر الماضي.
وخلص المحققون إلى أن عناصر من الاستخبارات الإيرانية استدرجته من منزله في السويد إلى تركيا ثم خدروه وهرّبوه عبر الحدود بمساعدة مجموعة لتهريب المخدرات، وذلك وفقا لمسؤول لم تكشف هويته طبقا للبروتوكول الرسمي.
وفي ديسمبر، طُعن الناشط الإيراني أرسالان رضائي حتى الموت في إسطنبول، وعلى الرغم من أنه لم يتضح بعد من يقف وراء مقتله، إلا أن النشطاء الذين عرفوه يقولون إنه كان يتلقى تهديدات من عملاء للحكومة الإيرانية.
ويشعر الناشطون بقلق خاص إزاء ما قد يحدث للمعارضين الذين تتم إعادتهم إلى إيران، حيث تم استدراج روح الله زم، الذي كان يدير قناة على مواقع التواصل الاجتماعي، من المنفى في فرنسا إلى العراق، حيث تم اختطافه وإعادته إلى إيران، ثم أُعدم شنقاً الشهر الماضي.
اتفاقية لتسليم المجرمين
ووقعت تركيا، التي سعت في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع طهران، اتفاقية لتسليم المجرمين مع إيران، تقوم بترحيل الإيرانيين الذين عبروا الحدود بشكل غير قانوني أو ليس لديهم تصاريح إقامة.
ومع ذلك، قال ليفنت بيسكين، وهو محامٍ تركي يمثل فطيمة والعديد من الإيرانيين الآخرين الذين فروا من البلاد مؤخراً، إن هناك دلائل على أن تركيا تتصرف بمزيد من الحذر منذ اختطاف شعبان، ومنذ أن شنت الجماعات النسائية في تركيا حملات على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم النشطاء الإيرانيين.
وقال ليفنت إنهم ”يحاولون أن يكونوا أكثر لطفاً ورعاية، وهذا ليس تغييرا في السياسة بل زيادة في الحذر“.
واتضحت هذه القضية في حالة الصحفي الإيراني محمد مسعد، الذي اُعتقل في شرق تركيا يوم 18 يناير بعد عبور الحدود بشكل غير قانوني من إيران لتجنب السجن، حيث دعت لجنة حماية الصحافيين التي تتخذ من نيويورك مقرا لها تركيا إلى الامتناع عن ترحيل الصحافي، الذي كان قد حصل في نوفمبر على جائزة المنظمة الدولية لحرية الصحافة، وفر من بلده بعد تلقيه أوامر بالذهاب إلى السجن.
وأكد مسؤول تركي بارز أن مسعد احتُجز وأُدخل المستشفى بسبب سوء الحالة الصحية، وقال إنه أوضح أنه صحافي وتقدم بطلب للحصول على حماية دولية، مما أوقف إجراءات ترحيله.
هامي اكسوي المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية ذكر في بيان، ردا على سؤال حول إعادة التوطين الجبري للفارين المعرضين للاضطهاد، أن ”تركيا، طبقا لالتزاماتها الدولية، تلتزم بمبدأ عدم رد الفارين“.
وعلى الرغم من تأكيدات تركيا، يقول الناشطون والمعارضون الإيرانيون في البلاد إنهم قلقون على مستقبلهم.
تهديدات عبر الإنترنت
وفي حالة أخرى، بدأت سمية راموز (38 عاماً)، وهي ناشطة يمثلها نفس محامي فطيمة، الاختباء في تركيا بعد أن تلقت تهديدات من عملاء المخابرات الإيرانية.
وكانت سمية، مصففة شعر من بلدة عبدان الجنوبية، جزءًا من مجموعة سرية تدعم عودة الملكية الدستورية في إيران، ونظمت احتجاجات في عام 2017، وهربت إلى تركيا منذ 3 أشهر.
وأكد ليفينت أن سمية اعتقلت في إيران العام الماضي لمدة 3 أشهر، وتعرضت للضرب المبرح أثناء التحقيق معها لدرجة أنها أصيبت في كبدها، كما اعتدى عليها أحد الحراس جنسياً، وقالت سمية: ”ما زلت أعاني من الكوابيس ليلاً ونهاراً، وأستيقظ وأنا أصرخ بمفردي“.
وتظهر وثائق المحكمة أن سمية أُطلق سراحها بكفالة في 31 يوليو الماضي قبل الفرار إلى تركيا، وهي الآن تعيش في بلدة صغيرة على الساحل الشمالي لتركيا، وتتلقى تهديدات عبر الإنترنت وبشكل شخصي.
وقالت الناشطة الإيرانية إنها سمعت أشخاصاً يتحدثون الفارسية خارج بابها، وفي إحدى الليالي حاول أحدهم اقتحام شقتها، وتملكها الخوف واعتقدت أنهم سيقتلونها.