” العشر الأوائل من سورة الإسراء أو سورة (بني إسرائيل)

سبب النشر

ليس إلا ابتغاء وجه الله تبارك وتعالى ففي الحديث الشريف ” من تقاضى على القرآن أجراً فذاك حظه من القرآن ” .. صدق رسول الله صلى الله عليه وآله

والخشية تكون من كتمان علماً قد ينتفع به العالم على كافة الديانات والمذاهب الإسلامية خشية وبالتالي الخشية هنا من الوقوع في الإثم لقوله صلى الله عليه وآله : [ من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار… ]

  صدق رسول الله صلى الله عليه وآله  .

وهو علم ذا بصمة منفردة لا يستطيع أحد في العالم سرقته أو نسبته إلى نفسه لتفردنا به دون غيرنا وعدم تكراره من قبل في مكان من العالم بل هو حصري  لموقع القلم دون منازع  أو منافس في هذا الموضوع .

خالد محيي الدين الحليبي 

المقدمة :

هذا التفسير  الذي بين يديك أخي الكريم لا يخرج عن كونه تفسيراً للقرآن بطريقة جديدة وشرعية أصيلة في نفس الوقت ألا وهى بيان القرآن بالقرآن.

قال بن  كثير وكثير من المفسرين أن خير التفاسير ” بيان القرآن بالقرآن”  فإن لم يجد ف بالسنة النبوية المطهرة  ثم باللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم وقد ندرت التفاسير التي تبين القرآن بالقرآن وإن التزموا لم يصلوا إلى بيان بعض الآيات التي لم يجدوا لها مرادف يبينها .

وبعد أن التزمو بهذا المنهج عجز الكثير منهم عن بيان بعض آياته فلجأوا حيلة وهى الإعتماد على آراء وأقوال لعلماء آخرين سلفاً وخلفاً  وليس امامك مثال أوضح من تفسير الشنقيطي ” أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ”  لما عجز عن  بيان بعض الآيات لجأ إلى أقوال زيد وعمر في الآية وعجزه وغيره لأنهم ليسوا من الموكول إليهم بيان كتاب الله تعالى هم أهل البيت الإبراهيمي من قبل (عليهم السلام) ثم وورثتهم الذين نزل فيهم آخر كتب الله تعالى على سيد الخلق وأهل بيته (عليهم الصلاة والسلام)  وإلا لماذا جمع نبي الله إبراهيم وبنيه ولوطاً ابن اخيه كان نبياً ايضاً (سلام اله عليهم)  وقال لهم { يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } وذلك لأن بيان الكتاب موكول به ملك يوحي بفهمه وبيانه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهون نبي الله جبريل عليه السلام يبينه ثم يلهم فهمه لأهل بيت النبي عليهم السلام بطريقين الأول : بالميراث الطبيعي الشرعي لنبي الله صلى الله عليه وآله وبما نقوله عنه والثاني : بالإصطفاء الإلهي لهم عليهم السلام وإلهامهم فهم غوامضه وما أشكل على الأمه في فهمه  وذلك لأن القرآن كلام الله  وهو ليس كتاباً أرضياً ليفهمه كل على طريقته كما قال الخليفة عمر { حسبنا كتاب الله } مجرداً بغير بيان من رسول الله صلى الله عليه وآله عليه ليقول فيه كل بهواه فتتفرق الأمة في فهمه كما ترى الآن كثير من التفاسير لفقدانهم بيان رسول الله صلى الله عليه وآله وضباع الكثير من التفسير داخل كتب السنن والتي تحتاج إلى مجهود جمع كبير من العلماء لترتيب بيان رسول الله صلى الله عليه وآله لكتاب الله تعالى كي تعلم الأمة مراد الله تعالى من آياته .

وبالتالي كتاب الله تعالى كأي كتاب أرضي فيه جزء كسبي يكتسبه العلماء بجهودهم واطلاعهم وقراءاتهم الواسعة ولأنه كتاب الله السماوي فيه جزء وهبي يحرم منه كل العالم إلا أهل بيت النبي عليهم السلام يلهمه الله تعالى لهم  إلهاماً وللعلماء الأتقياء الفضلاء من ذريتهم ولذلك قال تعالى : { لا يمسه إلا المطهرون} أي لا يدرك غور معناه إلا من مسه الطهر ولم يمسه الطهر إلا أهل بيت النبي الذي قال تعالى فيهم { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا} ولذلك قال تعالى من قبل في نبي الله سليمان عليه السلام لما قذف الله تعالى في قلبه البيان : { ففهمناها سليمان} , وقال أيضاً صلى الله عليه وآله ” واتقوا الله ويعلمكم الله ” .

ويقول أمير المؤمنين عليه السلام محذراً من اعتمد على هواه وسلفه من مجاهيل النسب : [( ” القرآن أبعد عن فهم الرجال “)  وهو يقول ذلك لأن الله تعالى كما بينا أوكل له من يفهمه للناس و يبينه لهم ويفصل لهم غوامضة وهم أهل بيت النبي عليهم السلام وذريتهم الوعاء الذي يلقي فيه الفهم والمراد الألهي من كتاب الله تعالى وأحكامه .

وبالتالي سلكنا مسلك بيان القرآن بالقرآن  وبحديث رسول الله صلى الله عليه وآله ووفق بيان أهل بيت النبي عليه السلام والذي تبين أن بيان القرآن بالقرآن هو نفس فهم أهل بيت النبي لكتاب الله تعالى كما سنبينه في حينه ,  وفي هذا البيان جعلنا القرآن حاكماً علي القرآن ولكن ليس بالأيه كما فعل الشنقيطي و غيره بل بالكلمة ومشتقاتها وأين وردت لبيان مراد الله تعالى منها وترابط الكلمة مع التي قبلها و بعدها في تسلسل عجيب جميل منظم بالفعل حبل مترابط الآيات والسور على ترتيب النزول كما قال تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعا} وتقطيعه وتفريقا وتمزيقاً لأحكام الله تعالى ولن يصل أحد فعل ذلك إلى مراد الله تعالى من آياته وهذا هو العلم الذي فقده المسلمون وضاعوا بين الأمم وكادوزا أن يهلكوا بعد أن ابتعدوا عن نهج وعلم وفهم أهل بيت نبيهم لكتاب الله تعالى وهو تأويل أهل البيت الي قال فيه صلى الله عليه وآلهلأمير المؤمنين علي : [ ” ياعلي تقاتلهم على التأويل كما قاتلتهم على التنزيل ” ] .

فأخرجنا من بواطنه أسراراً وعجائب قال فيها سيد الخلق (” وهو الذي لا تنقضي عجائبه “) .

وحيث أن القرآن نزل إلى سماء الدنيا جملة واحدة  كما في قوله تعالى { إنا أنزلناه في ليلة القدر } ثم نزل إلى لأرض منجماً على أسباب نزول كانت معلومة قبل بدأ الخلق فيمن ستنزل هذه الآيات فإن القرآن قد إكتمل وفيه كل شرائع من قبلنا ومهيمناً عليها  لذلك كل كلمة في كتاب الله تعالى وردت في موضع فقد وردت في موضع آخر تبين معناها ولا يتطابق هذا المعنى بين موارد الألفاظ المختلفة أبداً فالقرآن تدرجي البيان لكلماته و مثال على ذلك  الكذب في القرآن فهناك الكذب والإفك والإفتراء  والخرص  كلهم كذابون ولكن كل لفظ له معنى يوضح تدريجاً مراد الله منه فإذا قال عالم الإفك هو الكذب وسكت فلم يفهم مراد الله تعالى من اللفظ  فالكذب مادة أخرى وإن كانت من الكذب إيضاً  .

– فإن كانت قلب حقائق على الظن فهو إفك .

– وإن كان على سبيل  التخمين و الإختراع والتخليق للكذبة  فهو خراص .

– وإن كانت رجماً بالغيب وبلا علم يقيني  فهو مفتري . وكلهم كذابون يجتمعون على الكذب و هكذا كل ألفاظ القرآن من قال أن قاتل في حديث ” أمرت أن أقاتل الناس ” وجعلها كالقتل في كتاب الله  لم يفهم مراد الله تعالى و الفارق بينهما كبير ومختلف إذ قتل غير قاتل غير اقتتل . ومثال آخر في قوله تعالى {وإليه ترجعون } تختلف عن معنى إليه تقلبون فمن قال إليه تقلبون بمعني ترجعون وتوقف فهو معنى منقوص لم يصل فيه إلى مراد الله تعالى من الآية .

وبالتالي  :

لبيان معني هذه الكلمات لكي نستدل من خلالها  على مراد الله  تعالى منها تأتي مثلا  كلمة  إفك تأتي على حادث الإفك زمن الرسول صلى الله عليه وآله ثم تأت في موضع آخر لبيان معناها مثلاً في قول المفترين الذين افتروا على الله تعالى الكذب قائلين أن لله ولد سبحانه و تعالى عما يشركون { ألا إنهم من إفكهم ليقولون  ولد الله- الصافات 151}  أي من شدة كذبهم وترويجهم لهذه الكذبة .

كما أن قصص القرآن كله وما ورد في شأن أهل الكتاب لم يأتنا الله تعالى به إلا لنفهم مقصوده تعالى من الألفاظ الشرعية العقائدية ولنعلم مراد الله تعالى منها فمثلا  لا يجوز القول بأن قوله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم الكافرون – المائدة } أنها نزلت في أهل الكتاب ولا شأن لنا بها وهذا لا يمكن أن يعتقده مسلم يؤمن بالله تعالى و بهذا الكتاب أن يقول هذا القول وهذا خطئ فاحش لأن القرآن لا يبينه إلا قرآن مثلة ثم حديث رول الله صلى الله عليه و آله والذي لن يختلف مع كتاب الله

وما نزل قصص القرآن إلا لبيان مترادفات القرآن وأحكامه ومن لم يلتزم بهذا القول فيكون قد فرق القرآن ووزعه على العالم ولن يبقى للمسلمين إلا عدة سور نؤمن بها مادام باقي القرآن لا يجب الالتزام به في البيان والعمل لأنه خاص بأهل الكتاب ويكون قد فرق القرآن وجعله عضين كما في قوله تعالى { كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين فوربك لنسألنهمأجمعين عما كانوا يعملون}

وهذا لا يقول به إلا كافر ببعض الكتاب مؤمنا ببعضه كما في قوله عز وجل  { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض- البقرة } ولأن كل القصص القرآني جاءنا  الله تعالى به للاعتبار وللبيان .

وقد خرج معنا في هذه السورة نفي نسب اليهود الآن القطعي إلى نبي الله يعقوب عليه السلام ويثبت القرآن أنهم أولاد قابيل الملعون قاتل أخيه وبينت السورة قصة الصراع بين المسلمين و بني إسرائيل علي بيت المقدس والمقدسات وانتزاعهم لها  ثم رد بيت المقدس إلى المسلمين بقيادةأهل بيت نبيهم (عليهم السلام) ومن تولاهم مرة أخري بعد أن يهدموا كل ما علا على الأرض وليتبروا ما علوا تتبيرا .

وبينت هذه السورة أن سبب هذه الإبتلاآت على المسلمين كانت أولها وسببها المباشر حكم المترفين وطرد آل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) من الخلافة والشوري منذ السقيفة ونحن نعاقب إلى الآن على هذه الجريمة حتى أصبحنا أمة مهددة بالزوال الفعلي و الحقيقي من على وجه البسيطة ومع ذلك يخرج علينا طائفة من الناس ليقولوا نحن خير أمة كما قالت بنو إسرائيل من قبل { نحن أبناء الله وأحبائه }  الموحدون  بعد أن  قتلوا أهل بيت نبيهم ووهدموا المساجد و قتلوا المسلمين بالسيف كقطاع طرق والآن أصبح قطع الطريق بالطائرات و وهدم مساجد أهل البيت بالصواريخ والمتفجرات وخطف الدول العربية  المستضعفة بأحدث التقنيات وفقاً لنفس فكرة {نحن ابناء الله وأحباؤه}  وكادوا يزولوا من على وجه الدنيا { وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}  و ما زالوا يقولون نحن خير أمة وخير أمة جهلوا و نسوا بأن خير أمة هم أهل بيت النبي ومن تولاهم (عليهم السلام)  .

ويعدهم الشيطان ويمنهيم وما يعدهم الشيطان ألا غرورا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا بأنهم الخالدون وأنهم المنتصرون ونسوا أنه لانصر بغير ولاية الله الحق وهى ولاية لا تقوم على تقليد أباء وأجداد ولا آراء وأهواء في بيان الآيات يموهون فيها بالسلف الصالح  بعد أن فرقوا الأمة فهذا نقض لولاية الله الحق القائمة أولاً على كتاب الله تعالى ثم ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ولاية وإمامة أهل بيت النبي (عليهم السلام) وإن م يتوبوا إلى الله تعالى فالهلاك حتمي واقع بهم .

وعلو هذه الأمة الإسراع و الفرار إلى الله تعالى بالتوبة النصوح مما نعلمه ومما لا نعلمه قال تعالى { ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } .

وبينت كيفية النجاة عند مواجهة هؤلاء الظالمين. وهذه السورة جزء من تفسير ” النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ” أو ” تابوت السكينة ”  الذي شرعنا فيه منذ سنوات طويلة وهو مبين علي ترتيب النزول ببيان القرآن للقرآن الكريم بالكلمة كما بينا وعلى أسباب النزول وهذا أخرج لنا من القرآن العجائب والتي قال فيها سيد الخلق صلى الله عليه وآله (وهو الذي لا تنقضي عجائبه ) وقال فيه أيضاً صلى الله عليه وآله ( ” فيه نبأ من  كان قبلكم وخبر من سيأتي بعدكم”  ) وهنا قد بينا الخبر والنبأ فلا يتعجب متعجب قائلاً بأن هذا القول لم يقل به أحد من قبل خاصة في أمر بني إسرائيل وصراعهم على بيت المقدس مع المسلمين وأهل بيت النبي عليهم السلام وشيعتهم  وبيان السورة لهذا الأمر  بالتفصيل . يقول تعالى { قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين } و الحجة في الكتاب والسنة النبوية المطهرة ولا حجة لقول أحد أو فعله بعد قول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وأهل بيته (عليهم السلام) .

وجاء ترتيب هذه السورة السابع والأربعين في التنزيل . وبعد هذه المقدمة البسيطة الميسرة أهدي هذا العمل إلى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من محبي الله تعالى ورسوله و  آل بيته الكرام (عليهم الصلاة والسلام) وصحابته الأطهار الكرام الذين ضحوا بدمائهم وأموالهم وأنفسهم في سبيل هذا الدين القويم وأقدمه بين يدي الله تعالى و رسوله صلي الله عليه وآله مستشفعاً به إلي الله عز وجل لعله تعالي يكشف الغمة عن الإسلام والمسلمين المستضعفين في العالم أجمعين .

هذا

 وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

الشريف 

  خالد محيي الدين الحليبي

مركز القلم للأبحاث والدراسات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ- الإسراء1)

 

ورد في تفسير الدر المنثور للسيوطي :

مكية

أخرج النحاس ، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : نزلت سورة ” بني إسرائيل ” بمكة .

وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال : نزلت سورة ” بني إسرائيل ” بمكة .

وأخرج البخاري ، وابن الضريس ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود ، أنه قال في ” بني إسرائيل “، و ” الكهف “، و ” مريم ” : أنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي .

وأخرج أحمد ، والترمذي وحسنه، والنسائي ، والحاكم ، وابن مردويه ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة ” بني إسرائيل “، و ” الزمر ” .

[ ص: 139 ] وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عمرو الشيباني قال : صلى بنا عبد الله الفجر فقرأ السورتين، الآخرة منهما ” بنو إسرائيل ” .

قوله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا .

أخرج ابن جرير عن حذيفة، أنه قرأ : ( سبحان الذي أسرى بعبده من الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) .

وأخرج الطستي عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا . قال : سبحان تنزيه الله تعالى، الذي أسرى بمحمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ثم رده إلى المسجد الحرام . قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم، أما سمعت الأعشى وهو يقول :

قلت له لما علا فخره سبحان من علقمة الفاخر

وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن مردويه ، من طريق ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” أتيت بالبراق، وهو دابة، أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته حتى أتيت بيت المقدس [ ص: 140 ] فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت، فجاءني جبريل بإناء من خمر، وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل : اخترت الفطرة . ثم عرج بنا إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخير .

ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة؛ عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا، فرحبا بي ودعوا لي بخير .

ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل ، فقيل : من أنت؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بيوسف، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب بي ودعا لي بخير .

ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير .

ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا؟ قال : [ ص: 141 ] جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . [249ظ] ففتح لنا فإذا أنا بهارون، فرحب بي ودعا لي بخير .

ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بموسى، فرحب بي ودعا لي بخير .

ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : قد بعث إليه . ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم مسندا ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها فيها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشيها من أمر الله ما غشي تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى إلي ما أوحى، وفرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فقال : ما فرض ربك على أمتك؟ قلت : خمسين صلاة . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فإني [ ص: 142 ] قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم، فرجعت إلى ربي فقلت : يا رب خفف عن أمتي . فحط عني خمسا، فرجعت إلى موسى فقلت : حط عني خمسا . قال : إن أمتك لا يطيقون ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . قال : فلم أزل أرجع بين ربي وموسى حتى قال : يا محمد، إنهن خمس صلوات لكل يوم وليلة، بكل صلاة عشر، فتلك خمسون صلاة، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشرا، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا، فإن عملها كتبت سيئة واحدة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته، فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فقلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه .

وأخرج البخاري ، ومسلم ، وابن جرير ، وابن مردويه ، من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس قال : ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فقال أولهم : أيهم هو؟ فقال أوسطهم : هو خيرهم، فقال أحدهم : خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى، فيما يرى قلبه، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته [ ص: 143 ] حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده – يعني عروق حلقه – ثم أطبقه، ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد بعث إليه؟ قال : نعم . قالوا : مرحبا به وأهلا . ووجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل : هذا أبوك آدم فسلم عليه . فسلم عليه ورد عليه آدم وقال : مرحبا وأهلا بابني، نعم الابن أنت . فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال : “ما هذان النهران يا جبريل ؟” . قال : هذا النيل والفرات عنصرهما . ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر . قال : “ما هذا يا جبريل ؟” . قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك .

ثم عرج به إلى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى : من هذا؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث إليه؟ قال : نعم، قالوا : مرحبا به وأهلا .

[ ص: 144 ] ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية، ثم عرج به إلى السماء الرابعة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى الخامسة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السادسة فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السابعة فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم؛ منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة ولم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى : رب لم أظن أن ترفع علي أحدا . ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما يوحي إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال : يا محمد، ماذا عهد إليك ربك؟ قال : “عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة” . قال : إن أمتك لا تستطيع ذلك، ارجع فليخفف عنك ربك وعنهم . فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كأنه يستشيره، فأشار إليه جبريل ، أن نعم إن شئت . فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى، فقال وهو مكانه : [ ص: 145 ] “يا رب، خفف عنا؛ فإن أمتي لا تستطيع هذا” . فوضع عنه عشر صلوات . ثم رجع إلى موسى فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال : يا محمد، والله لقد راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فضعفوا وتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك . كل ذلك يلتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل ، فرفعه عند الخامسة فقال : “يا رب، إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم، فخفف عنا” . فقال الجبار : يا محمد . قال : “لبيك وسعديك” . قال : إنه لا يبدل القول لدي؛ كما فرضت عليك في أم الكتاب، وكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك . فرجع إلى موسى فقال : كيف فعلت؟ فقال : “خفف عنا؛ أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها” . فقال موسى : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “يا موسى، قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه” . قال : فاهبط باسم الله . واستيقظ وهو في المسجد الحرام .

[ ص: 146 ] وأخرج النسائي ، وابن مردويه ، من طريق يزيد بن أبي مالك، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “أتيت ليلة أسري بي بدابة فوق الحمار ودون البغل، خطوها عند منتهى طرفها، كانت تسخر للأنبياء قبلي، فركبته ومعي جبريل فسرت، فقال : انزل فصل . ففعلت، فقال : أتدري أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر إن شاء الله . ثم قال : انزل فصل . ففعلت، فقال : أتدري أين صليت؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى . ثم قال : انزل فصل، فصليت، فقال أتدري أين صليت؟ صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى . ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام، فقدمني جبريل فصليت بهم .

ثم صعد بي إلى السماء الدنيا، فإذا فيها آدم فقال لي : سلم عليه . فقال : مرحبا بابني والنبي الصالح .

ثم صعد بي إلى السماء الثانية، فإذا فيها ابنا الخالة عيسى ويحيى، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة، فإذا فيها يوسف، ثم صعد بي إلى السماء الرابعة، فإذا فيها هارون، ثم صعد بي إلى السماء الخامسة، فإذا فيها إدريس، ثم صعد بي إلى السماء السادسة، فإذا فيها موسى ثم صعد بي إلى السماء السابعة، فإذا فيها إبراهيم، ثم صعد بي فوق سبع سماوات، وأتيت سدرة المنتهى فغشيتني [ ص: 147 ] ضبابة فخررت ساجدا، فقيل لي : إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك . فمررت على إبراهيم فلم يسألني شيئا، ثم مررت على موسى فقال لي : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : خمسين صلاة . قال : إنك لن تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك، فاسأل ربك التخفيف . فرجعت فأتيت سدرة المنتهى فخررت ساجدا فقلت : يا رب، فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة، فلن أستطيع أن أقوم بها أنا ولا أمتي . فخفف عني عشرا، فمررت على موسى فسألني فقلت : خفف عني عشرا، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فخفف عني عشرا ثم عشرا، حتى قال : هن خمس بخمسين، فقم بها أنت وأمتك . فعلمت أنها من الله صرى، فمررت على موسى فقال لي : كم فرض عليك؟ فقلت : خمس صلوات . فقال : فرض على بني إسرائيل صلاتان فما قاموا بهما، فقلت : إنها من الله . فلم أرجع .

وأخرج ابن أبي حاتم ، من وجه آخر عن يزيد بن أبي مالك، عن أنس قال : لما كان ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل، حمله جبريل عليها، ينتهي خفها حيث ينتهي طرفها .

[ ص: 148 ] فلما بلغ بيت المقدس أتى إلى الحجر الذي ثمة، فغمزه جبريل عليه السلام بأصبعه فثقبه، ثم ربطها ثم صعد، فلما استويا في صرحة المسجد قال جبريل : يا محمد، هل سألت ربك أن يريك الحور العين؟ قال : “نعم” . قال : فانطلق إلى أولئك النسوة، فسلم عليهن، وهن جلوس عن يسار الصخرة، “فأتيتهن، فسلمت عليهن فرددن علي السلام، فقلت : من أنتن؟ فقلن : خيرات حسان نساء قوم أبرار؛ نقوا فلم يدرنوا، وأقاموا فلم يظعنوا، وخلدوا فلم يموتوا . ثم انصرفت فلم ألبث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير، ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة، فقمنا صفوفا ننتظر من يؤمنا، فأخذ بيدي جبريل فقدمني فصليت بهم، فلما انصرفت قال جبريل : يا محمد أتدري من صلى خلفك؟ قلت : لا . قال : صلى خلفك كل نبي بعثه الله .

ثم أخذ بيدي فصعد بي إلى السماء، فلما انتهينا إلى الباب استفتح، قالوا : من أنت؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث إليه؟ قال : نعم . ففتحوا له وقالوا : مرحبا بك وبمن معك . فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم . فقال لي جبريل : ألا تسلم على أبيك آدم؟ قلت : بلى . فأتيته فسلمت عليه، فرد علي وقال : مرحبا بابني والنبي الصالح .

ثم عرج بي إلى السماء الثانية فاستفتح، فقالوا مثل ذلك، فإذا فيها عيسى [ ص: 149 ] ويحيى . ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح، فقالوا مثل ذلك، فإذا فيها يوسف . ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح، قالوا مثل ذلك، فإذا فيها إدريس . ثم عرج بي إلى السماء الخامسة فاستفتح، فقالوا مثل ذلك، فإذا فيها هارون . ثم عرج بي إلى السماء السادسة فاستفتح، فقالوا مثل ذلك، فإذا فيها موسى . ثم عرج بي إلى السماء السابعة فاستفتح، فقالوا مثل ذلك، فإذا فيها إبراهيم .

ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام الياقوت واللؤلؤ والزبرجد، وعليه طير خضر؛ أنعم طير رأيت . فقلت : يا جبريل إن هذا الطير لناعم . فقال : يا محمد، آكله أنعم منه . ثم قال : أتدري أي نهر هذا؟ قلت : لا . قال : الكوثر الذي أعطاك الله إياه، فإذا فيه آنية الذهب والفضة، يجري على رضراض من الياقوت والزمرد، ماؤه أشد بياضا من اللبن، فأخذت من آنيته فاغترفت من ذلك الماء فشربت، فإذا هو أحلى من العسل، وأشد رائحة من المسك . ثم انطلق بي حتى انتهى إلى الشجرة، فغشيتني سحابة فيها من كل لون، فرفضني جبريل ، وخررت ساجدا لله .

[ ص: 150 ] فقال الله لي : يا محمد، إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة، فقم بها أنت وأمتك . ثم انجلت عني السحابة، وأخذ بيدي جبريل فانصرفت سريعا، فأتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئا، ثم أتيت على موسى فقال : ما صنعت يا محمد؟ قلت : فرض علي ربي وعلى أمتي خمسين صلاة . قال : فلن تستطيعها أنت ولا أمتك . فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك . فرجعت سريعا حتى انتهيت إلى الشجرة، فغشيتني السحابة، وخررت ساجدا، وقلت : رب، خفف عنا . قال : قد وضعت عنكم عشرا . ثم انجلت عني السحابة، فرجعت إلى موسى فقلت : وضع عني عشرا . قال : ارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم” . فوضع عشرا إلى أن قال : هن خمس بخمسين . ثم انحدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : “ما لي لم آت على أهل سماء إلا رحبوا بي وضحكوا إلي، غير رجل واحد سلمت عليه فرد علي السلام، ورحب بي ولم يضحك إلي؟! قال : ذاك مالك خازن جهنم، لم يضحك منذ خلق ولو [250و] ضحك إلى أحد ضحك إليك” . قال : “ثم ركبت منصرفا” . فبينا هو في بعض طريقه مر بعير لقريش تحمل طعاما، منها جمل عليه غرارتان، غرارة سوداء، وغرارة بيضاء، فلما حاذى العير نفرت منه واستدارت، وصرع ذلك البعير وانكسر، ثم إنه مضى فأصبح فأخبر عما كان، فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا : يا أبا بكر، هل لك في [ ص: 151 ] صاحبك؟ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ثم رجع في ليلته! فقال أبو بكر : إن كان قاله فقد صدق وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا؛ نصدقه على خبر السماء . فقال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما علامة ما تقول؟ قال : “مررت بعير لقريش وهي في مكان كذا وكذا، فنفرت الإبل منا واستدارت، وفيها بعير عليه غرارتان : غرارة سوداء، وغرارة بيضاء، فصرع فانكسر” . فلما قدمت العير سألوهم فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك سمي أبو بكر الصديق، وسألوه : هل كان فيمن حضر معك موسى وعيسى؟ قال : “نعم” . قالوا : فصفهما . قال : “أما موسى، فرجل آدم كأنه من رجال أزد عمان وأما عيسى، فرجل ربعة سبط، تعلوه حمرة كأنه يتحادر من لحيته الجمان” .

وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، والبيهقي في ” الدلائل “، من طريق عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة، عن أنس قال : لما جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 152 ] بالبراق، فكأنها صرت أذنيها، فقال جبريل : يا براق، فوالله ما ركبك مثله . وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال : “ما هذه يا جبريل ؟” قال : سر يا محمد . فسار ما شاء الله أن يسير، فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول : هلم يا محمد . فقال له جبريل : سر يا محمد . فسار ما شاء الله أن يسير، فلقيه خلق من خلق الله فقالوا : السلام عليك يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر . فقال له جبريل : اردد السلام . فرد السلام، ثم لقيه الثانية فقال له مثل ذلك، ثم الثالثة كذلك حتى انتهى إلى بيت المقدس، فعرض عليه الماء والخمر واللبن، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن . فقال له جبريل : أصبت الفطرة، ولو شربت الماء لغرقت أمتك، ولو شربت الخمر لغوت أمتك . ثم بعث له آدم فمن دونه من الأنبياء، فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، ثم قال له جبريل : أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق، فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه، فذاك عدو الله إبليس، أراد أن تميل إليه، وأما الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى .

[ ص: 153 ] وأخرج ابن مردويه ، من طريق كثير بن خنيس، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “بينما أنا مضطجع في المسجد ليلة نائما، إذ رأيت ثلاثة نفر أقبلوا نحوي، فقال الأول : هو هو . قال الأوسط : نعم . قال الآخر : خذوا سيد القوم . فرجعوا عني، ثم رأيتهم الليلة الثانية، فقال الأول : هو هو . فقال الأوسط : نعم، وقال الآخر : خذوا سيد القوم . فرجعوا عني حتى إذا كانت الليلة الثالثة رأيتهم، فقال الأول : هو هو . وقال الآخر : خذوا سيد القوم . حتى جاؤوا بي زمزم فاستلقوني على ظهري، ثم غسلوا حشوة بطني، ثم قال بعضهم لبعض : أنقوا . ثم أتى بطست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا، فأفرغ في جوفي .

ثم عرج بي إلى السماء فاستفتح فقالوا : من هذا؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك؟ قال : محمد . قالوا : وقد أرسل إليه . قال : نعم . ففتح، فإذا آدم إذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن يساره بكى . قلت : يا جبريل ، من هذا؟! قال : هذا أبوك آدم، إذا نظر عن يمينه رأى من في الجنة من ذريته ضحك، وإذا نظر عن يساره رأى من في النار من ذريته بكى” .

ثم قال أنس بن مالك : يا بن أخي إنه يطول علي الحديث . ثم عرج به [ ص: 154 ] حتى جاء السماء السادسة فاستفتح، فقال : من هذا؟ قال : جبريل ، قال : ومن معك؟ قال : محمد . قال : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . ففتح فإذا موسى .

ثم عرج به إلى السماء السابعة فاستفتح، قيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قال : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . ففتح فإذا إبراهيم، فقال مرحبا بالابن والرسول . ثم مضى حتى جاء الجنة فاستفتح فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قال : ومن معك؟ قال : محمد . قال : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . ففتح . قال : “فدخلت الجنة فأعطيت الكوثر، فإذا نهر في الجنة عضادتاه بيوت مجوفة من لؤلؤ، ثم مضى حتى جاء سدرة المنتهى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى [النجم : 8-10] . ففرض علي وعلى أمتي خمسين صلاة، فرجعت حتى أمر بموسى، فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : خمسين صلاة . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت إليه فوضع عني عشرا، فمررت على موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : أربعين صلاة . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت إليه فوضع عني عشرا، فمررت على موسى، فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : ثلاثين صلاة . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت إليه فوضع عني عشرا، ثم رجعت إلى موسى، فقال : كم فرض عليك [ ص: 155 ] وعلى أمتك؟ قلت : عشرين صلاة، قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت فوضع عني عشرا، ثم مررت على موسى، فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : عشر صلوات . قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت فوضع عني خمسا . ثم قال : إنه لا يبدل قولي ولا ينسخ كتابي، تخفيفها عنكم كتخفيف خمس صلوات، وإنها لكم كأجر خمسين صلاة . فمررت على موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك؟ قلت : خمس صلوات . قال : ارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك؛ فإن بني إسرائيل قد أمروا بأيسر من هذا فلم يطيقوه” . قال : “لقد رجعت إلى ربي حتى إني لأستحي منه” .

وأخرج البزار ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في “الدلائل” وصححه، عن شداد بن أوس قال : قلنا يا رسول الله، كيف أسري بك؟ فقال : “صليت لأصحابي العتمة بمكة معتما، فأتاني جبريل بدابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل، فقال : اركب، فاستصعبت علي، فأدارها بأذنها، ثم حملني عليها، فانطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، حتى بلغنا أرضا ذات نخل، فقال : انزل . فنزلت فقال : صل . فصليت، ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت؟ قلت : الله أعلم، قال : صليت بيثرب، [ ص: 156 ] صليت بطيبة . ثم انطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا فقال : انزل . فنزلت فقال : صل . فصليت، ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت؟ قلت : الله أعلم . قال : صليت بمدين، صليت عند شجرة موسى، ثم انطلقت تهوي بنا، يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصورها، فقال : انزل . فنزلت، ثم قال : صل . فصليت، ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت؟ فقلت : الله أعلم . قال : صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم . ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني، فأتى قبلة المسجد فربط فيه دابته، ودخلنا المسجد من باب فيه تميل الشمس والقمر، فصليت من المسجد حيث شاء الله، وأخذني من العطش أشد ما أخذني، فأتيت بإناءين؛ في أحدهما لبن، وفي الآخر عسل، أرسل إلي بهما جميعا، فعدلت بينهما، ثم هداني الله فأخذت اللبن فشربت حتى قرعت به جبيني، وبين يديه شيخ متكئ على منبر له، فقال : أخذ صاحبك الفطرة وإنه لمهدي .

ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي الذي في المدينة، فإذا جهنم تنكشف عن مثل الزرابي” . فقلنا : يا رسول الله كيف وجدتها؟ قال : “مثل الحمة [ ص: 157 ] السخنة، ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا وكذا، وقد أضلوا بعيرا لهم قد جمعه فلان، فسلمت عليهم فقال بعضهم : هذا صوت محمد، ثم أتيت أصحابي قبل الصبح بمكة، فأتاني أبو بكر فقال : يا رسول الله، أين كنت الليلة؟ فقد التمستك في مكانك . فقلت : أعلمت أني أتيت بيت المقدس الليلة؟ فقال : يا رسول الله، إنه مسيرة شهر فصفه لي” . قال : “ففتح لي صراط كأني أنظر إليه، لا يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم عنه” . فقال أبو بكر : أشهد أنك رسول الله . وقال المشركون : انظروا إلى ابن أبي كبشة، زعم أنه أتى بيت المقدس الليلة . فقال : “إن من آية ما أقول لكم أني مررت بعير لكم بمكان كذا وكذا وقد أضلوا بعيرا لهم، فجمعه فلان، وإن مسيرهم ينزلون بكذا ثم كذا، ويأتونكم يوم كذا وكذا يقدمهم جمل آدم، عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان” . فلما كان ذلك اليوم أشرف القوم ينظرون حتى كان قريبا من نصف النهار أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

وأخرج أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن [ ص: 158 ] جرير، وابن مردويه ، من طريق قتادة ، عن أنس بن مالك، أن مالك بن صعصعة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال : “بينما أنا في الحطيم – وربما قال قتادة : في الحجر – مضطجعا، إذ أتاني آت فجعل يقول لصاحبه : الأوسط بين الثلاثة . فأتاني فشق ما بين هذه إلى هذه – يعني من ثغرة نحره إلى شعرته – فاستخرج قلبي، فأوتيت بطست من ذهب مملوءة إيمانا وحكمة، فغسل قلبي بماء زمزم، ثم حشي ثم أعيد مكانه .

ثم أوتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار يقال له : البراق . يقع خطوه عند أقصى طرفه، فحملت عليه فانطلق بي جبريل حتى أتى بي السماء الدنيا فاستفتح، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : أوقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا فلما خلصت إذا فيها آدم، فقلت : يا جبريل ، من هذا؟ قال : هذا أبوك آدم، فسلم عليه . فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح .

ثم صعد حتى أتى إلى السماء الثانية فاستفتح، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : أوقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحبا [ ص: 159 ] به ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا، فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة، فقلت : يا جبريل ، من هذان؟ قال : هذان يحيى وعيسى، فسلم عليهما . فسلمت عليهما فردا السلام، ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح .

ثم صعد حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح، قيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا، فلما خلصت إذا يوسف، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : أوقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا، فلما خلصت إذا إدريس، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . ثم صعد حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : أوقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به، ولنعم المجيء جاء . فلما خلصت إذا هارون، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : أوقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا، فلما خلصت إذا أنا بموسى، [ ص: 160 ] فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح . فلما تجاوزت بكى . قيل له : ما يبكيك؟ قال : أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي . ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فاستفتح، قيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد، قيل : أوقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به، ولنعم المجيء جاء . ففتح لنا فلما خلصت إذا إبراهيم، قلت : [250ظ] من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه . فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال : مرحبا بالابن الصالح

والنبي الصالح .

ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، وإذا أربعة أنهار يخرجن من أصلها؛ نهران باطنان، ونهران ظاهران، فقلت : يا جبريل ، ما هذه الأنهار؟ فقال : أما الباطنان؛ فنهران في الجنة، وأما الظاهران؛ فالنيل والفرات .

ثم رفع لي البيت المعمور، قلت : يا جبريل ، ما هذا؟ قال : هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه، آخر ما عليهم .

ثم أتيت بإناءين؛ أحدهما خمر والآخر لبن، فعرضا علي، فقيل : خذ [ ص: 161 ] أيهما شئت . فأخذت اللبن، فقيل لي : أصبت الفطرة، أنت عليها وأمتك . ثم فرضت علي الصلاة؛ خمسون صلاة كل يوم، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، فقال : ما فرض ربك على أمتك؟ قلت : خمسين صلاة كل يوم . قال : إن أمتك لا تستطيع ذلك، وإني قد خبرت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . فرجعت إلى ربي فحط عني خمسا، فأقبلت حتى أتيت على موسى فأنبأته بما حط عني، فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا يطيقون ذلك . قال : فما زلت بين موسى وبين ربي يحط عني خمسا خمسا، حتى أقبلت بخمس صلوات، فأتيت على موسى فقال : بم أمرت؟ قلت : بخمس صلوات كل يوم . قال : إن أمتك لا يطيقون ذلك، إني بلوت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . فقلت : لقد رجعت إلى ربي حتى لقد استحيت، ولكن أرضى وأسلم، فنوديت : أن يا محمد، إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي؛ وجعلت الحسنة بعشر أمثالها” .

[ ص: 162 ] وأخرج البخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن مردويه ، من طريق يونس، عن ابن شهاب، عن أنس قال : كان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “فرج سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا، فأفرغه في صدري ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء، فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء : افتح . قال : من هذا؟ قال : جبريل . قال : هل معك أحد؟ قال : نعم، معي محمد . قال : أرسل إليه؟ قال : نعم . ففتح، فلما علونا السماء الدنيا، إذا رجل قاعد على يمينه أسودة وعلى يساره أسودة، فإذا نظر قبل يمينه تبسم، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح . قلت لجبريل : من هذا؟ قال : هذا آدم، وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين منهم أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى، ثم عرج بي إلى السماء الثانية فقال لخازنها : افتح . فقال له خازنها مثل ما قال الأول، ففتح” .

قال أنس : فذكر أنه وجد في السماوات آدم، وإدريس، وموسى، وعيسى وإبراهيم، ولم يثبت كيف منازلهم .

قال ابن شهاب : وأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة الأنصاري كانا [ ص: 163 ] يقولان : قال النبي صلى الله عليه وسلم : “ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام” . قال ابن حزم وأنس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتى مررت على موسى، فقال : ما فرض الله على أمتك؟ قلت : فرض خمسين صلاة . قال : فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك . فراجعت ربي فوضع شطرها، فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال : راجع ربك؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك . فراجعت ربي فقال : هي خمس وهي خمسون، لا يبدل القول لدي . فرجعت إلى موسى فقال : ارجع إلى ربك . قلت : قد استحييت من ربي . ثم انطلق بي حتى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها مسك” .

وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في “الدلائل”، وابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري قال : حدثنا رسول الله بالمدينة عن ليلة أسري به من مكة إلى المسجد الأقصى قال : “بينا أنا نائم عشاء في المسجد الحرام إذ أتاني آت فأيقظني، فاستيقظت فلم أر شيئا، وإذا أنا [ ص: 164 ] بكهيئة خيال فأتبعته بصري حتى خرجت من المسجد، فإذا أنا بدابة أدنى شبهه بدوابكم هذه بغالكم، غير أنه مضطرب الأذنين يقال له : البراق . وكانت الأنبياء تركبه قبلي، يقع حافره عند مد بصره فركبته، فبينا أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يميني : يا محمد، انظرني أسألك . فلم أجبه، ثم دعاني داع عن شمالي : يا محمد، انظرني أسألك . فلم أجبه، فبينا أنا أسير عليه إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها، وعليها من كل زينة خلقها الله، فقالت : يا محمد، انظرني أسألك . فلما ألتفت إليها، حتى أتيت بيت المقدس، فأوثقت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توثقها بها، ثم أتاني جبريل بإناءين؛ أحدهما خمر والآخر لبن، فشربت اللبن وتركت الخمر، فقال جبريل : أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك . فقلت : الله أكبر الله أكبر . فقال جبريل : ما رأيت في وجهك هذا؟ قلت : بينما أنا أسير إذ دعاني داع عن يميني : يا محمد، انظرني أسألك . فلم أجبه . قال : ذاك داعي اليهود، أما إنك لو أجبته لتهودت أمتك . قلت : وبينما أنا أسير إذ دعاني داع عن يساري : يا محمد، انظرني أسألك . فلم أجبه . قال : ذاك داعي النصارى، أما إنك لو أجبته لتنصرت أمتك، فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة، تقول : يا محمد، انظرني أسألك . فلم أجبها . قال : تلك الدنيا، أما إنك [ ص: 165 ] لو أجبتها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة .

ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين، ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم، فلم تر الخلائق أحسن من المعراج؛ أما رأيت الميت حين ربا بصره طامحا إلى السماء عجبه بالمعراج فصعدت أنا وجبريل ، فإذا أنا بملك يقال له : إسماعيل . وهو صاحب سماء الدنيا، وبين يديه سبعون ألف ملك، مع كل ملك جنده مائة ألف . فاستفتح جبريل باب السماء، قيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قيل : أوقد بعث إليه؟ قال : نعم . فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه الله على صورته لم يتغير منه شيء، وإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين، فيقول : روح طيبة ونفس طيبة، اجعلوها في عليين . ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار، فيقول : روح خبيثة ونفس خبيثة، اجعلوها في سجين . فقلت : يا جبريل ، من هذا؟ قال : هذا أبوك آدم . فسلم علي ورحب بي، فقال : مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح .

ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأخونة عليها لحم قد أروح وأنتن، عندها أناس يأكلون منها، قلت : يا جبريل ، من هؤلاء؟ قال : هؤلاء من أمتك يتركون الحلال ويأتون الحرام” . وفي لفظ : “فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم [ ص: 166 ] مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم، وإذا حوله جيف، فجعلوا يقبلون على الجيف يأكلون منها ويدعون اللحم، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الزناة، عمدوا إلى ما حرم الله عليهم وتركوا ما أحل الله لهم .

ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم خر، يقول : اللهم لا تقم الساعة . وهم على سابلة آل فرعون، فتجيء السابلة فتطؤهم، فسمعتهم يضجون إلى الله، قلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء من أمتك الذين يأكلون الربا، لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس [البقرة : 275] .

ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام لهم مشافر كمشافر الإبل، قد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم، ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار، ثم يخرج من أسافلهم فسمعتهم يضجون إلى الله، قلت : يا جبريل ، من هؤلاء؟ قال : هؤلاء من أمتك إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا [النساء : 10] .

ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن، ونساء منكسات بأرجلهن، فسمعتهن يضججن إلى الله، قلت : يا جبريل ، من هؤلاء النساء؟ قال : هؤلاء اللاتي يزنين ويقتلن أولادهن .

ثم مضيت هنيهة، فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم، ثم يدس في [ ص: 167 ] أفواههم، ويقال : كلوا كما أكلتم . فإذا أكره ما خلق الله لهم ذلك . قلت : يا جبريل من هؤلاء؟ قال : هؤلاء الهمازون من أمتك اللمازون الذين يأكلون لحوم الناس .

ثم صعدنا إلى السماء الثانية، فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله، قد فضل الناس بالحسن؛ كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قلت : يا جبريل ، من هذا؟ قال : هذا أخوك يوسف ومعه نفر من قومه . فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي . ثم صعدنا إلى السماء الثالثة، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى، ومعهما نفر من قومهما شبيه أحدهما بصاحبه؛ ثيابهما وشعرهما، فسلمت عليهما وسلما علي ورحبا بي . ثم صعدنا إلى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس قد رفعه الله مكانا عليا، فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي . ثم صعدنا إلى السماء الخامسة، فإذا أنا بهارون، ونصف لحيته بيضاء ونصفها سوداء، تكاد لحيته تصيب سرته من طولها، قلت : يا جبريل ، من هذا؟ قال : هذا المحبب في قومه، هذا هارون بن عمران ومعه نفر كثير من قومه، فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي . ثم صعدنا إلى السماء السادسة فإذا أنا بموسى بن عمران، رجل آدم، كثير الشعر، لو كان عليه قميصان خرج شعره منهما، وإذا [ ص: 168 ] هو يقول : يزعم الناس أني أكرم الخلق على الله وهذا أكرم على الله مني، ولو كان وحده لم أبال، ولكن كل نبي ومن تبعه من أمته . قلت : يا جبريل ، من هذا؟ قال : هذا أخوك موسى بن عمران ومعه نفر من قومه . فسلمت عليه وسلم علي ورحب بي . ثم صعدنا إلى السماء السابعة، فإذا أنا بإبراهيم، وإذا هو جالس مسند ظهره إلى البيت المعمور ومعه نفر من قومه، فسلمت عليه وسلم علي وقال : مرحبا بالابن الصالح . فقيل لي : هذا مكانك ومكان أمتك . ثم تلا إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين [آل عمران : 68] . وإذا بأمتي شطرين؛ شطر عليهم ثياب بيض كأنها القراطيس، وشطر عليهم ثياب رمد . ثم دخلت البيت المعمور، ودخل معي الذين عليهم الثياب البيض، وحجب الآخرون الذين عليهم ثياب رمد، وهم على خير، فصليت أنا ومن معي في البيت المعمور، ثم خرجت أنا ومن معي” . قال : “والبيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة . ثم دفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا كل ورقة منها تكاد تغطي هذه الأمة، وإذا في أصلها عين تجري يقال لها : سلسبيل . فينشق منها نهران، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : أما هذا، فهو نهر الرحمة، وأما هذا، فهو [ ص: 169 ] نهر الكوثر الذي أعطاكه الله . فاغتسلت في نهر الرحمة، فغفر لي من ذنبي ما تقدم وما تأخر، ثم أخذت على الكوثر حتى دخلت الجنة، فإذا فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وإذا أنا بأنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وإذا فيها رمان كأنه جلود الإبل المقتبة، وإذا فيها طير كأنها البخت” . قال أبو بكر : يا رسول الله، إن تلك الطير لناعمة؟ قال : [251و] “آكلها أنعم منها يا أبا بكر، وإني لأرجو أن تأكل منها” . قال : “ورأيت فيها جارية لعساء، فسألتها : لمن أنت؟ فقالت : لزيد بن حارثة” . فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا . “ثم عرضت علي النار، فإذا فيها غضب الله وزجره ونقمته، ولو طرح فيها الحجارة والحديد لأكلتها، ثم غلقت دوني .

ثم إني رفعت إلى سدرة المنتهى، فتغشاها، فكان بيني وبينه قاب قوسين أو أدنى، ونزل على كل ورقة ملك من الملائكة، ثم إن الله أمرني بأمره وفرض [ ص: 170 ] علي خمسين صلاة، وقال : لك بكل حسنة عشر، وإذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة، فإذا عملتها كتبت لك عشرا، وإذا هممت بالسيئة فلم تعملها لم يكتب عليك شيء، فإن عملتها كتبت عليك سيئة واحدة .

ثم دفعت إلى موسى فقال : بم أمرك ربك؟ قلت : بخمسين صلاة . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا يطيقون ذلك . فرجعت إلى ربي فقلت : يا رب، خفف عن أمتي فإنها أضعف الأمم . فوضع عني عشرا فما زلت أختلف بين موسى وربي حتى جعلها خمسا، فناداني ملك عندها : تمت فريضتي وخففت عن عبادي، وأعطيتهم لكل حسنة عشر أمثالها . ثم رجعت إلى موسى فقال : بم أمرت؟ قلت : بخمس صلوات : قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك . قلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحييته” .

ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعجائب : “إني أتيت البارحة بيت المقدس وعرج بي إلى السماء ثم رأيت كذا وكذا” . فقال أبو جهل : ألا تعجبون مما [ ص: 171 ] يقول محمد؟ قال : “فأخبرتهم بعير لقريش لما كانت في مصعدي رأيتها في مكان كذا وكذا وإنها نفرت، فلما رجعت رأيتها عند العقبة” . وأخبرتهم بكل رجل، وبعيره كذا ومتاعه كذا، فقال رجل : أنا أعلم الناس ببيت المقدس، فكيف بناؤه، وكيف هيئته، وكيف قربه من الجبل؟ فرفع لرسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس فنظر إليه فقال : “بناؤه كذا، وهيئته كذا، وقربه من الجبل كذا” . فقال : صدقت .

وأخرج البزار ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب “الصلاة”، وابن أبي حاتم ، وابن عدي، وابن مردويه ، والبيهقي في “الدلائل”، عن أبي هريرة في قوله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير . قال : جاء جبريل إلى النبي ومعه ميكائيل، فقال جبريل لميكائيل : ائتني بطست من ماء زمزم كيما أطهر قلبه وأشرح صدره . فشق عن بطنه، فغسله ثلاث مرات، واختلف إليه [ ص: 172 ] ميكائيل بثلاث طساس من ماء زمزم، فشرح صدره ونزع ما كان فيه من غل، وملأه حلما وعلما وإيمانا ويقينا وإسلاما، وختم بين كتفيه بخاتم النبوة، ثم أتاه بفرس فحمل عليه، كل خطوة منه منتهى بصره .

فسار وسار معه جبريل ، فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : “يا جبريل ، ما هذا؟!” . قال : هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف، وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه .

ثم أتى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت، ولا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال : “ما هؤلاء يا جبريل ؟!” . قال : هؤلاء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة .

ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والنعم، ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها، قال : “ما هؤلاء يا جبريل ؟!” . قال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله شيئا .

ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر، ولحم آخر نيء خبيث، [ ص: 173 ] فجعلوا يأكلون من النيء الخبيث ويدعون النضيج الطيب . قال : “ما هؤلاء يا جبريل ؟!” . قال : هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب، فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا، فتأتي رجلا خبيثا فتبيت معه حتى تصبح .

ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته، قال : “ما هذا يا جبريل ؟!” . قال : هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه .

ثم أتى على رجل قد جمع حزمة عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها، فقال : “ما هذا يا جبريل ؟!” . قال : هذا الرجل من أمتك؛ يكون عليه أمانات الناس لا يقدر على أدائها وهو يريد أن يحمل عليها .

ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من حديد كلما قرضت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء قال : “ما هؤلاء يا جبريل ؟!” . قال : هؤلاء خطباء الفتنة .

ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع . قال : “ما هذا يا جبريل ؟!” . قال : هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة، ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها .

[ ص: 174 ] ثم أتى على واد، فوجد ريحا طيبة باردة، وريح مسك، وسمع صوتا فقال : “يا جبريل ، ما هذا؟!” . قال : هذا صوت الجنة، تقول : يا رب، ائتني ما وعدتني، فقد كثرت غرفي وإستبرقي وحريري وسندسي وعبقريي ولؤلؤي ومرجاني وفضتي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي ومراكبي وعسلي ومائي ولبني وخمري، فائتني ما وعدتني . فقال : لك كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة . قالت : رضيت .

ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا، ووجد ريحا منتنة، فقال : “ما هذا يا جبريل ؟!” . قال : هذا صوت جهنم، تقول : رب ائتني ما وعدتني فلقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وضريعي وغساقي وعذابي، وقد بعد قعري، واشتد حري، فائتني ما وعدتني . قال : لك كل مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وكل خبيث وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب . قالت : قد رضيت .

ثم سار حتى أتى بيت المقدس، فنزل فربط فرسه إلى صخرة، ثم دخل فصلى مع الملائكة، فلما قضيت الصلاة قالوا : يا جبريل ، من هذا معك؟ قال : محمد صلى الله عليه وسلم . قالوا : أوقد بعث إليه؟! قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء .

ثم لقي أرواح الأنبياء، فأثنوا على ربهم، فقال إبراهيم : الحمد لله الذي [ ص: 175 ] اتخذني خليلا، وأعطاني ملكا عظيما، وجعلني أمة قانتا يؤتم بي، وأنقذني من النار، وجعلها علي بردا وسلاما . ثم إن موسى أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي كلمني تكليما، وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي، وجعل من أمتي قوما يهدون بالحق وبه يعدلون . ثم إن داود أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي جعل لي ملكا عظيما، وعلمني الزبور، وألان لي الحديد، وسخر لي الجبال يسبحن والطير، وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب . ثم إن سليمان أثنى على ربه فقال : الحمد لله الذي سخر لي الرياح، وسخر لي الشياطين؛ يعملون ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات، وعلمني منطق الطير، وآتاني من كل شيء فضلا، وسخر لي جنود الشياطين والإنس والطير، وفضلني على كثير من عباده المؤمنين، وآتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي، وجعل ملكي ملكا طيبا، ليس فيه حساب . ثم إن عيسى أثنى على ربه، فقال : الحمد لله الذي جعلني كلمته، وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له : كن . فيكون . وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وجعلني أخلق من الطين كهيئة الطير، فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذنه، ورفعني وطهرني وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان علينا سبيل .

ثم إن محمدا صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه عز وجل فقال : “كلكم أثنى على ربه، وإني مثن [ ص: 176 ] على ربي” . فقال : “الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وأنزل علي الفرقان فيه بيان لكل شيء، وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتي أمة وسطا، وجعل أمتي هم الأولين والآخرين، وشرح لي صدري، ووضع عني وزري، ورفع لي ذكري، وجعلني فاتحا وخاتما” . فقال إبراهيم عليه السلام : بهذا فضلكم محمد .

ثم : أتي بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها، فأتي بإناء منها فيه ماء، فقيل : اشرب . فشرب منه يسيرا، ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن، فقيل له : اشرب . فشرب منه حتى روي، ثم دفع إليه إناء آخر فيه الخمر، فقيل له : اشرب . فقال : لا أريده، قد رويت . فقال له جبريل : أما إنها ستحرم على أمتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليل .

ثم صعد بي إلى السماء فاستفتح، فقيل : من هذا يا جبريل ؟ قال : محمد . قالوا : وقد أرسل إليه؟! قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء . فدخل، فإذا هو برجل تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء، كما ينقص من خلق الناس، على يمينه باب يخرج منه ريح طيبة، [ ص: 177 ] وعن شماله باب يخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر إلى الباب الذي عن يساره بكى وحزن، فقلت : “يا جبريل ، من هذا؟” . قال : هذا أبوك آدم، وهذا الباب الذي يمينه باب الجنة، إذا نظر إلى من يدخله من ذريته ضحك واستبشر، والباب الذي عن شماله باب جهنم، إذا نظر إلى من يدخله من ذريته بكى وحزن .

ثم صعد بي جبريل إلى السماء الثانية، فاستفتح، قيل : من هذا معك؟ قال : محمد رسول الله . قالوا : وقد أرسل محمد؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء، فإذا هو بشابين، قال : “يا جبريل من هذان؟” . قال : عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا .

فصعد به إلى السماء الثالثة، فاستفتح، فقالوا : من هذا؟ قال : جبريل . [ ص: 178 ] قالوا : ومن معك؟ قال : محمد . قالوا : أوقد أرسل؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء . فدخل، فإذا هو برجل قد فضل على الناس في الحسن كما فضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، قال : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا أخوك يوسف .

ثم صعد به إلى السماء الرابعة، فاستفتح، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك؟ قال : محمد . قالوا : أوقد أرسل؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء . فدخل فإذا هو برجل، قال : “من هذا يا جبريل ؟” . قال : هذا إدريس، رفعه الله مكانا عليا .

ثم صعد به إلى السماء الخامسة، فاستفتح، قالوا : من هذا؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك؟ قال : محمد قالوا : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء . ثم دخل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقص عليهم، قال : “من هذا يا جبريل ، ومن هؤلاء الذين حوله؟” . قال : [ ص: 179 ] هذا هارون المحبب، وهؤلاء بنو إسرائيل .

ثم صعد به إلى السماء السادسة، فاستفتح، فقيل له : من هذا؟ قال : جبريل . قالوا : ومن معك؟ قال : محمد . قالوا : أوقد أرسل؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء . فإذا هو برجل جالس فجاوزه فبكى الرجل، قال : “يا جبريل من هذا؟” . قال : موسى” . قال : “فما باله يبكي؟” . قال : يزعم بنو إسرائيل أني أكرم بني آدم على الله، وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنيا وأنا في أخرى، فلو أنه بنفسه لم أبال، ولكن مع كل نبي أمته .

ثم صعد به إلى السماء السابعة، فاستفتح، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل . قيل : ومن معك؟ قال : محمد . قالوا : وقد أرسل؟ قال : نعم . قالوا : حياه الله من أخ وخليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء، فدخل فإذا هو برجل أشمط، جالس عند باب الجنة على كرسي، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس، وقوم في ألوانهم شيء، فقام هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلصت ألوانهم، فصارت مثل [ ص: 180 ] ألوان أصحابهم، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم، فقال : “يا جبريل ، من هذا الأشمط، ومن هؤلاء البيض الوجوه، ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، وما هذه الأنهار التي دخلوا؟” . قال : هذا أبوك إبراهيم أول من شمط على الأرض، وأما هؤلاء البيض الوجوه، فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم، وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، فتابوا فتاب الله عليهم، وأما الأنهار؛ فأولها رحمة الله، والثاني نعمة الله، والثالث سقاهم ربهم شرابا طهورا .

ثم انتهى إلى السدرة، قيل له : هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك . فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمرة لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما [251ظ] لا يقطعها، والورقة منها مغطية للأمة كلها، فغشيها نور الخلاق عز وجل، وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين تقع على الشجر .

فكلمه تعالى عند ذلك فقال له : سل . فقال : “اتخذت إبراهيم خليلا، وأعطيته ملكا عظيما، وكلمت موسى تكليما، وأعطيت داود ملكا عظيما، وألنت له الحديد، وسخرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكا عظيما، وسخرت له الجن والإنس والشياطين، وسخرت له الرياح، وأعطيته ملكا لا [ ص: 181 ] ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل، وجعلته يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذنك، وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان عليهما سبيل” .

فقال له ربه : وقد اتخذتك خليلا، وهو مكتوب في التوراة : حبيب الرحمن، وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وشرحت لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلا وذكرت معي، وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس، وجعلت أمتك أمة وسطا، وجعلت أمتك هم الأولين والآخرين، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم، وجعلتك أول النبيين خلقا، وآخرهم بعثا، وأولهم يقضى له، وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيا قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة “البقرة” من كنز تحت العرش لم أعطها نبيا قبلك، وأعطيتك الكوثر، وأعطيتك ثمانية أسهم؛ الإسلام والهجرة والجهاد والصلاة والصدقة وصوم رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلتك فاتحا وخاتما .

قال النبي صلى الله عليه وسلم : “فضلني ربي وأرسلني رحمة للعالمين، وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وألقى في قلب عدوي الرعب من مسيرة شهر، وأحل لي الغنائم، ولم [ ص: 182 ] تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا، وأعطيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه، وعرضت علي أمتي فلم يخف علي التابع والمتبوع، ورأيتهم أتوا على قوم ينتعلون الشعر، ورأيتهم أتوا على قوم عراض الوجوه صغار الأعين، كأنما خرمت أعينهم بالمخيط، فلم يخف علي ما هم لاقون من بعدي، وأمرت بخمسين صلاة” .

فلما رجع إلى موسى قال : بم أمرت؟ قال : “بخمسين صلاة” . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، فقد لقيت من بني إسرائيل شدة . فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرا، ثم رجع إلى موسى فقال : بكم أمرت؟ قال : “بأربعين” . قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فرجع فوضع عنه عشرا، إلى أن جعلها خمسا، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . قال : “قد رجعت إلى ربي حتى استحييت، فما أنا براجع إليه” . قيل له : أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات، فإنهن يجزين عنك خمسين صلاة، فإن كل حسنة بعشر أمثالها . فرضي محمد صلى الله عليه وسلم كل الرضا . قال : وكان موسى من أشدهم عليه حين مر به، وخيرهم له حين رجع إليه .

[ ص: 183 ] وأخرج الطبراني في “الأوسط”، وابن مردويه ، من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه عبد الرحمن، عن أبيه أبي ليلى، أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق، فحمله عليه بين يديه، ثم جعل يسير به، فإذا بلغ مكانا مطأطأ . طالت يداه وقصرت رجلاه حتى يستوي به، وإذا بلغ مكانا مرتفعا قصرت يداه وطالت رجلاه حتى يستوي، ثم عرض له رجل عن يمين الطريق، فجعل يناديه : يا محمد، إلى الطريق . مرتين، فقال له جبريل : امض ولا تكلم أحدا . ثم عرض له رجل عن يسار الطريق، فقال له : إلى الطريق يا محمد . فقال له جبريل : امض ولا تكلم أحدا . ثم عرضت له امرأة حسناء جملاء . فقال له جبريل : تدري من الرجل الذي دعاك عن يمين الطريق؟ قال : “لا” . قال : تلك اليهود . دعتك إلى دينهم . ثم قال : تدري من الرجل الذي دعاك عن يسار الطريق؟ قال : “لا” . قال : تلك النصارى [ ص: 184 ] دعتك إلى دينهم . ثم قال : تدري من المرأة الحسناء الجملاء؟ قال : “لا” . قال : تلك الدنيا تدعوك إلى نفسها .

ثم انطلقا حتى أتيا بيت المقدس، فإذا هم بنفر جلوس، فقالوا مرحبا بالنبي الأمي . وإذا في النفر شيخ، قال : “ومن هذا يا جبريل ؟” . قال : هذا أبوك إبراهيم، وهذا موسى، وهذا عيسى . ثم أقيمت الصلاة، فتدافعوا حتى قدموا محمدا صلى الله عليه وسلم، ثم أتوا بأشربة، فاختار النبي اللبن، فقال له جبريل : أصبت الفطرة . ثم قيل له : قم إلى ربك . فقام فدخل، ثم جاء فقيل له : ماذا صنعت؟ قال : “فرضت على أمتي خمسون صلاة” . فقال له موسى : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا تطيق هذا . فرجع، ثم جاء فقال له موسى : ماذا صنعت؟ فقال : “ردها إلى خمس وعشرين صلاة” . فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فرجع ثم جاء فقال : “ردها إلى اثنتي عشرة” . فقال موسى عليه السلام : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف . فرجع ثم جاء فقال : “ردها إلى خمس” . فقال موسى : ارجع فاسأله التخفيف . قال : “قد استحييت من ربي مما أراجعه، وقد قال لي ربي : إن لك بكل ردة رددتها مسألة أعطيكها” .

[ ص: 185 ] وأخرج ابن عرفة في “جزئه المشهور”، وأبو نعيم في “الدلائل”، وابن عساكر في “تاريخه”، من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أتاني جبريل بدابة فوق الحمار ودون البغل، فحملني عليه ثم انطلق يهوي بنا، كلما صعد عقبة استوت رجلاه كذلك مع يديه، وإذا هبط استوت يداه مع رجليه، حتى مررنا برجل طوال سبط آدم، كأنه من رجال شنوءة، وهو يقول ويرفع صوته : أكرمته وفضلته . فدفعنا إليه فسلمنا، فرد السلام، فقال : من هذا معك يا جبريل ؟ قال : هذا أحمد . قال : مرحبا بالنبي الأمي العربي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته . ثم اندفعنا، فقلت : “من هذا يا جبريل ؟” . قال : هذا موسى بن عمران . قلت : “ومن يعاتب؟” . قال : يعاتب ربه فيك . قلت : ويرفع صوته على ربه؟” . قال : إن الله قد عرف له حدته” . ثم اندفعنا حتى مررنا بشجرة كأن ثمرها السرح تحتها شيخ وعياله، فقال لي جبريل : اعمد إلى أبيك إبراهيم . فدفعنا إليه، فسلمنا عليه، فرد السلام، فقال إبراهيم : من هذا معك يا جبريل ؟ قال : هذا ابنك أحمد . فقال : مرحبا بالنبي الأمي الذي بلغ رسالة ربه ونصح لأمته، يا بني، إنك لاق [ ص: 186 ] ربك الليلة، وإن أمتك آخر الأمم وأضعفها، فإن استطعت أن تكون حاجتك أو جلها في أمتك فافعل . ثم اندفعنا حتى انتهينا إلى المسجد الأقصى، فنزلت، فربطت الدابة بالحلقة التي في باب المسجد التي كانت الأنبياء تربط بها، ثم دخلت المسجد فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد، ثم أتيت بكأسين من عسل ولبن، فأخذت اللبن فشربت، فضرب جبريل منكبي، وقال أصبت الفطرة . ثم أقيمت الصلاة، فأممتهم، ثم انصرفنا فأقبلنا” .

وأخرج الحارث بن أبي أسامة، والبزار ، وأبو يعلى ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في “الدلائل”، وابن عساكر ، من طريق علقمة، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أتيت بالبراق فركبته، إذا أتى على جبل ارتفعت رجلاه، وإذا هبط ارتفعت يداه، فسار بنا في أرض غمة منتنة، ثم أفضينا إلى أرض فيحاء طيبة، فسألت جبريل؟ قال : تلك أرض النار، وهذه أرض الجنة . فأتيت على رجل قائم يصلي، فقلت : من هذا يا جبريل ؟ فقال : هذا أخوك عيسى . فسرنا فسمعنا صوتا وتذمرا، فأتينا على رجل فقال : من هذا معك؟ قال : هذا أخوك محمد . فسلم ودعا لي بالبركة وقال : سل لأمتك اليسر . قلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا أخوك موسى . قلت : على من كان [ ص: 187 ] تذمره؟ قال : على ربه . قلت : أعلى ربه؟! قال : نعم، قد عرف حدته . ثم سرنا، فرأيت مصابيح وضوءا، فقلت : ما هذا يا جبريل قال : هذه شجرة أبيك إبراهيم، ادن منها . فدنوت منها، فرحب بي ودعا لي بالبركة، ثم مضينا حتى أتينا بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي تربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد، فنشرت لي الأنبياء، من سمى الله ومن لم يسم، فصليت بهم إلا هؤلاء الثلاثة؛ إبراهيم وموسى وعيسى” .

وأخرج ابن مردويه ، من طريق المغيرة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “صليت ليلة أسري بي في مقدم المسجد، ثم دخلت إلى الصخرة، فإذا ملك قائم معه آنية ثلاثة، فتناولت العسل، فشربت منه قليلا، ثم تناولت الآخر، فشربت منه حتى رويت، فإذا هو لبن، فقال اشرب من الآخر . فإذا هو خمر، قلت قد رويت . قال : أما إنك لو شربت من هذا لم تجتمع أمتك على الفطرة أبدا . ثم انطلق بي إلى السماء، ففرضت علي الصلاة، ثم رجعت إلى خديجة وما تحولت عن جانبها الآخر” .

وأخرج الطبراني ، وابن مردويه ، عن أم هانئ قالت : بات رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 188 ] ليلة أسري به في بيتي، ففقدته من الليل، فامتنع مني النوم؛ مخافة أن يكون عرض له بعض قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن جبريل أتاني فأخذ بيدي فأخرجني، فإذا على الباب دابة دون البغل وفوق الحمار، فحملني عليها، ثم انطلق حتى أتى بي إلى بيت المقدس، فأراني إبراهيم، يشبه خلقه خلقي، ويشبه خلقي خلقه، وأراني موسى، آدم طويلا، سبط الشعر، شبهته برجال أزد شنوءة، وأراني عيسى ابن مريم، ربعة أبيض، يضرب إلى الحمرة شبهته بعروة ابن مسعود الثقفي، وأراني الدجال، ممسوح العين اليمنى، شبهته بقطن بن عبد العزى” . قال : “وأنا أريد أن أخرج إلى قريش فأخبرهم ما رأيت” . فأخذت بثوبه، فقلت : إني أذكرك الله، إنك تأتي قوما يكذبونك وينكرون مقالتك، فأخاف أن يسطوا بك . قالت : فضرب ثوبه من يدي، ثم خرج إليهم فأتاهم وهم جلوس، فأخبرهم، فقام مطعم بن عدي فقال : يا محمد، لو كنت شابا كما كنت ما تكلمت بما تكلمت به وأنت بين ظهرانينا . فقال رجل من القوم : يا محمد، هل مررت بإبل لنا في مكان كذا وكذا؟ قال : “نعم، والله وجدتهم قد أضلوا بعيرا لهم، فهم في طلبه” . قال : فهل مررت بإبل لبني فلان؟ قال : “نعم، وجدتهم [ ص: 189 ] في مكان كذا وكذا، قد انكسرت لهم ناقة حمراء، فوجدتهم وعندهم قصعة من ماء، فشربت ما فيها” . قالوا : فأخبرنا ما عدتها وما فيها من الرعاء . قال : “قد كنت عن عدتها مشغولا” . فقام فأتي بالإبل فعدها وعلم ما فيها من الرعاء، ثم أتى قريشا فقال لهم : “سألتموني عن إبل بني فلان، فهي كذا وكذا، وفيها من الرعاء فلان وفلان، وسألتموني عن إبل بني فلان، فهي كذا وكذا، وفيها من الرعاء ابن أبي قحافة وفلان وفلان، وهي مصبحتكم بالغداة الثنية” . فقعدوا إلى الثنية ينظرون أصدقهم ما قال، فاستقبلوا الإبل فسألوا : هل ضل لكم بعير؟ قالوا : نعم . فسألوا الآخر : هل انكسر لكم ناقة حمراء؟ قالوا : نعم . ، قال : فهل كان عندكم قصعة من ماء؟ قال أبو بكر : أنا والله وضعتها، فما شربها أحد منا ولا أهريقت في الأرض . فصدقه أبو بكر وآمن به، فسمي يومئذ الصديق .

وأخرج أبو يعلى ، وابن عساكر ، عن أم هانئ قالت : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم بغلس وأنا على فراشي، فقال : “شعرت أني نمت الليلة في المسجد الحرام، فأتاني جبريل ، فذهب بي إلى باب المسجد، فإذا دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، مضطرب الأذنين، فركبته، فكان يضع حافره مد بصره، إذا أخذ بي في هبوط طالت يداه، وقصرت رجلاه، وإذا أخذ بي في صعود طالت رجلاه وقصرت يداه، وجبريل لا يفوتني حتى انتهينا إلى بيت المقدس، فأوثقته بالحلقة التي [ ص: 190 ] كانت الأنبياء توثق بها، فنشر لي رهط من الأنبياء؛ منهم إبراهيم وموسى وعيسى، فصليت بهم وكلمتهم، وأتيت بإناءين؛ أحمر وأبيض، فشربت الأبيض، فقال لي جبريل : شربت اللبن وتركت الخمر، لو شربت الخمر لارتدت أمتك . ثم ركبته فأتيت المسجد الحرام، فصليت به الغداة؟” . فتعلقت بردائه وقلت : أنشدك الله يا ابن عم، أن تحدث بهذا قريشا، فيكذبك من صدقك، فضرب بيده على ردائه فانتزعه من يدي، فارتفع عن بطنه، فنظرت إلى عكنه فوق إزاره كأنها طي القراطيس، وإذا نور ساطع عند فؤاده كاد أن يختطف بصري، فخررت ساجدة، فلما رفعت رأسي إذا هو قد خرج، فقلت لجاريتي : ويحك اتبعيه وانظري ماذا يقول وماذا يقال له . فلما رجعت أخبرتني أنه انتهى إلى نفر من قريش فيهم المطعم بن عدي، وعمرو بن هشام، والوليد بن المغيرة، فقال : “إني صليت الليلة العشاء في هذا المسجد، وصليت به الغداة، وأتيت فيما بين ذلك بيت المقدس، فنشر لي رهط من الأنبياء، فيهم إبراهيم وموسى وعيسى، فصليت بهم وكلمتهم” . فقال عمرو [ ص: 191 ] ابن هشام كالمستهزئ : صفهم لي . فقال : أما عيسى ففوق الربعة ودون الطويل، عريض الصدر، ظاهر الدم، جعد الشعر، تعلوه صهبة، كأنه عروة بن مسعود الثقفي، وأما موسى فضخم آدم طوال كأنه من رجال شنوءة، كثير الشعر، غائر العينين، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، خارج اللثة، عابس، وأما إبراهيم فوالله لأشبه الناس بي خلقا وخلقا” . فضجوا وأعظموا ذلك، فقال المطعم : كل أمرك قبل اليوم كان أمما غير قولك اليوم، أنا أشهد أنك كذاب؛ نحن نضرب أكباد الإبل إلى بيت المقدس مصعدا شهرا ومنحدرا شهرا، تزعم أنك أتيته في ليلة! واللات والعزى لا أصدقك . فقال أبو بكر : يا مطعم، لبئس ما قلت لابن أخيك، جبهته وكذبته، أنا أشهد أنه صادق . فقالوا : يا محمد، صف لنا بيت المقدس . قال : “دخلته ليلا وخرجت منه ليلا” . فأتاه جبريل ، فصوره في جناحه، فجعل يقول : “باب منه كذا في موضع كذا، وباب منه كذا في موضع كذا” . وأبو بكر يقول : صدقت، صدقت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : “يا أبا بكر، إن الله قد سماك الصديق” . قالوا : يا محمد، أخبرنا عن عيرنا . فقال : “أتيت على عير بني فلان بالروحاء قد أضلوا [ ص: 192 ] ناقة لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم ليس بها منهم أحد وإذا قدح ماء فشربت منه، ثم انتهيت إلى عير بني فلان، فنفرت مني الإبل، وبرك منها جمل أحمر عليه جوالق مخططة ببياض لا أدري أكسر البعير أم لا، ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم يقدمها جمل أورق وها هي ذه تطلع عليكم من الثنية” . فقال الوليد بن المغيرة : ساحر . فانطلقوا فنظروا فوجدوا كما قال، [252و] فرموه بالسحر، وقالوا : صدق الوليد . فأنزل الله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس [الإسراء : 60] .

وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، عن أم هانئ قالت : ما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي نائم عندي تلك الليلة، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا، فلما كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى الصبح وصلينا معه قال صلى الله عليه وسلم : “يا أم هانئ، لقد صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين” .

[ ص: 193 ] وأخرج ابن سعد ، وابن عساكر ، عن عبد الله بن عمرو ، وأم سلمة وعائشة ، وأم هانئ، وابن عباس، دخل حديث بعضهم في بعض قالوا : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة من شعب أبي طالب إلى بيت المقدس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “حملت على دابة بيضاء بين الحمار وبين البغل، في فخذها جناحان تحفز بهما رجليها، فلما دنوت لأركبها شمست، فوضع جبريل يده على معرفتها ثم قال : ألا تستحيين يا براق مما تصنعين؟ والله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم على الله منه . فاستحيت حتى ارفضت عرقا، ثم قرت حتى ركبتها، فعملت بأذنيها، وقبضت الأرض حتى كان منتهى وقع حافرها طرفها، وكانت طويلة الظهر طويلة الأذنين، وخرج معي جبريل لا يفوتني ولا أفوته حتى انتهى بي إلى بيت المقدس، فأتى البراق إلى موقفه الذي كان يقف فربطه فيه، وكان مربط الأنبياء، ورأيت الأنبياء جمعوا لي، فرأيت إبراهيم وموسى وعيسى، فظننت أنه [ ص: 194 ] لا بد أن يكون لهم إمام، فقدمني جبريل حتى صليت بين أيديهم، وسألتهم فقالوا : بعثنا بالتوحيد” . وقال بعضهم : فقد النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة، فتفرقت بنو عبد المطلب يطلبونه ويلتمسونه، وخرج العباس حتى إذا بلغ ذا طوى، فجعل يصرخ : يا محمد، يا محمد . فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لبيك” . فقال : يا ابن أخي، عنيت قومك منذ الليلة، فأين كنت؟ قال : “أتيت من بيت المقدس” . قال : في ليلتك؟! قال : “نعم” . قال : هل أصابك إلا خير؟ قال : “ما أصابني إلا خير” . وقالت أم هانئ : ما أسري به إلا من بيتنا، نام عندنا تلك الليلة صلى العشاء ثم نام، فلما كان قبل الفجر أنبهناه للصبح فقام، فلما صلى الصبح . قال : “يا أم هانئ، لقد صليت معكم العشاء كما رأيت بهذا الوادي، ثم قد جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم صليت الغداة معكم” . ثم قام ليخرج، فقلت : لا تحدث هذا الناس فيكذبوك ويؤذوك . فقال : “والله لأحدثنهم” . فأخبرهم، فتعجبوا وقالوا : لم نسمع بمثل هذا قط . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : “يا جبريل ، إن قومي لا يصدقوني” . قال : يصدقك أبو بكر وهو الصديق . وافتتن ناس كثير كانوا قد صلوا وأسلموا، وقمت في [ ص: 195 ] الحجر، فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه، فقال بعضهم : كم للمسجد من باب؟ ولم أكن عددت أبوابه، فجعلت أنظر إليها وأعدها بابا بابا وأعلمهم، وأخبرتهم عن عيرات لهم في الطريق وعلامات فيها، فوجدوا ذلك كما أخبرتهم . وأنزل الله وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس . قال : كانت رؤيا عين رآها بعينه .

وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، كلاهما في “الدلائل”، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما ليركبه، فاستصعب عليه، فقال له جبريل : أبمحمد تفعل هذا؟! فوالله ما ركبك خلق أكرم على الله منه . قال : فارفض عرقا .

وأخرج ابن مردويه ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال : أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول، قبل الهجرة بسنة .

وأخرج البيهقي في “الدلائل” عن ابن شهاب قال : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة .

[ ص: 196 ] وأخرج البيهقي عن عروة، مثله .

وأخرج البيهقي عن السدي قال : أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل مهاجره بستة عشر شهرا .

وأخرج ابن أبي شيبة ، ومسلم ، والنسائي ، وابن مردويه ، والبيهقي في كتاب “حياة الأنبياء”، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مررت ليلة أسري بي على موسى عليه السلام قائما يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر” .

وأخرج أبو يعلى ، وابن مردويه ، والبيهقي ، عن أنس قال : حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على موسى وهو يصلي في قبره . قال : وذكر لي أنه حمل على البراق . قال : “فأوثقت الفرس” . أو قال : “الدابة بالحلقة” . فقال أبو بكر صفها لي يا رسول الله . فقال : “هي كذه وذه” . وكان أبو بكر قد رآها .

وأخرج ابن مردويه عن أنس، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما أسري بي إلى السماء رأيت موسى يصلي في قبره” .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على موسى وهو قائم [ ص: 197 ] يصلي في قبره .

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما أسري بي مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره” .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : لما أسري بالنبي جعل يمر بالنبي والنبيين معهم الرهط، والنبيين معهم القوم، والنبي والنبيين ليس معهم أحد، حتى مر بسواد عظيم، “فقلت : من هؤلاء؟ فقيل : موسى وقومه، ولكن ارفع رأسك وانظر . فإذا سواد عظيم قد سد الأفق من ذا الجانب وذا الجانب، فقيل لي : هؤلاء أمتك، وسوى هؤلاء من أمتك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب” . قال : فدخل ولم يسألوه ولم يفسر لهم . فقال قائلون : نحن هم . وقال قائلون : هم أبناؤنا الذين ولدوا في الإسلام . فخرج فقال : “هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون” . فقام عكاشة بن محصن فقال : أنا منهم يا رسول الله؟ قال : “نعم” . ثم قام رجل آخر فقال : أنا منهم يا رسول الله؟ قال : “سبقك بها عكاشة” .

[ ص: 198 ] وأخرج أحمد ، والنسائي ، والبزار ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبيهقي في “الدلائل”، بسند صحيح عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة، فقلت : يا جبريل ، ما هذه الرائحة الطيبة؟ قال : ماشطة بنت فرعون وأولادها، كانت تمشطها فسقط المشط من يدها، فقالت : باسم الله . فقالت ابنة فرعون : أبي؟ قالت : بل ربي وربك ورب أبيك . قالت : أولك رب غير أبي؟ قالت : نعم، ربي وربك الله الذي في السماء . فأمر ببقرة من نحاس فأحميت، ثم أمر بها لتلقى فيها وأولادها، قالت : إن لي إليك حاجة . قال : وما هي؟ قالت : تجمع عظامي وعظام ولدي فتدفنه جميعا . قال : ذلك لك لما لك علينا من الحق . فألقوا واحدا واحدا حتى بلغ رضيعا فيهم قال : قعي يا أمه ولا تقاعسي، فإنك على الحق . فألقيت هي وولدها” . قال ابن عباس : وتكلم أربعة وهم صغار؛ هذا، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم .

وأخرج ابن ماجه ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب، عن [ ص: 199 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال : “ليلة أسري بي وجدت ريحا طيبة، فقلت : يا جبريل ، ما هذه؟ قال : هذه ريح قبر الماشطة وزوجها وابنيها، بينا هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المشط من يدها، فقالت : تعس فرعون . فأخبرت أباها، وكان للمرأة ابنان وزوج، فأرسل إليهم، فراود المرأة وزوجها أن يرجعا عن دينهما فأبيا، فقال : إني قاتلكما : فقالا : إحسان منك إلينا إن قتلتنا أن تجعلنا في بيت . ففعل” . فلما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وجد ريحا طيبة، فسأل جبريل فأخبره .

 

وأخرج أحمد ، وأبو داود، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون في وجوههم وصدورهم، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم” .

وأخرج ابن مردويه عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “ليلة أسري بي مررت بناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار، كلما قرضت عادت فقلت : من [ ص: 200 ] هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون” .

وأخرج ابن مردويه عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت ليلة أسري بي رجلا يسبح في نهر يلقم الحجارة، فقلت : من هذا؟ فقيل لي : هذا آكل الربا” .

وأخرج الترمذي ، والبزار ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، وأبو نعيم في “الدلائل”، عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما كان ليلة أسري بي، أتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس، فوضع إصبعه فيها فخرقها، فشد بها البراق” .

وأخرج الطبراني ، وابن مردويه ، عن صهيب بن سنان قال : لما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به الماء، ثم الخمر، ثم اللبن، أخذ اللبن، فقال له جبريل : أصبت، أخذت الفطرة، وبه غذيت كل دابة، ولو أخذت الخمر غويت وغوت أمتك وكنت من أهل هذه، وأشار إلى الوادي الذي يقال له : [ ص: 201 ] وادي جهنم . فنظر إليه فإذا هو نار تلتهب .

وأخرج أحمد ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إني ليلة أسري بي وضعت قدمي حيث توضع أقدام الأنبياء من بيت المقدس، وعرض علي عيسى، فإذا أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود، وعرض علي موسى، فإذا رجل جعد ضرب من الرجال، وعرض علي إبراهيم، فإذا أقرب الناس به شبها صاحبكم” .

وأخرج البخاري ، ومسلم ، وابن جرير ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “حين أسري بي لقيت موسى – فنعته – فإذا هو رجل مضطرب، رجل الرأس، كأنه من رجال شنوءة، ولقيت عيسى – فنعته – ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس، ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به، وأتيت بإناءين؛ في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، قيل لي : خذ أيهما شئت . فأخذت اللبن فشربته، [ ص: 202 ] فقيل لي : هديت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك” .

وأخرج مسلم، والنسائي ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألوني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربا ما كربت مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه، ما سألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، وإذا موسى قائم، وإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى قائم يصلي، أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلي، أشبه الناس به صاحبكم – يعني نفسه – فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت قال قائل : يا محمد، هذا مالك صاحب النار، فالتفت إليه فبدأني بالسلام” .

وأخرج ابن مردويه عن عمر قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم رأى مالكا خازن النار، فإذا رجل عابس يعرف الغضب في وجهه .

وأخرج أحمد عن عبيد بن آدم، أن عمر بن الخطاب كان بالجابية، فذكر فتح بيت المقدس، فقال لكعب : أين ترى أن أصلي؟ قال : خلف الصخرة . قال : لا . ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فتقدم إلى القبلة فصلى .

[ ص: 203 ] وأخرج أحمد ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في “الدلائل”، والضياء في “المختارة”، بسند صحيح، عن ابن عباس قال : ليلة أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم دخل الجنة، فسمع في جانبها وجسا، فقال : “يا جبريل ما هذا؟” . فقال : هذا بلال المؤذن . فقال النبي حين جاء إلى الناس : “قد أفلح بلال، رأيت له كذا وكذا” . فلقيه موسى فرحب به وقال : مرحبا بالنبي الأمي . قال : “وهو رجل آدم طويل سبط شعره، مع أذنيه أو فوقهما” . فقال : من هذا يا جبريل ؟” . قال : هذا موسى عليه السلام . فمضى، فلقيه رجل فرحب به، قال : “من هذا؟” . قال : هذا عيسى . فمضى، فلقيه شيخ جليل مهيب، فرحب به وسلم عليه، وكلهم يسلم عليه، قال : “من هذا يا جبريل ؟” قال : هذا أبوك إبراهيم . قال : ونظر في النار، فإذا قوم يأكلون الجيف، قال : “من هؤلاء يا جبريل ؟” . قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس . ورأى رجلا أحمر أزرق جدا، قال : من هذا يا جبريل ؟” . قال : هذا عاقر الناقة . فلما أتى النبي صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى، قام يصلي، ثم التفت فإذا النبيون أجمعون يصلون معه، فلما انصرف جيء بقدحين؛ أحدهما عن اليمين، والآخر عن الشمال، في أحدهما لبن، وفي الآخر عسل، فأخذ اللبن فشرب منه، فقال الذي كان معه القدح : أصبت الفطرة .

[ ص: 204 ] وأخرج أحمد ، وأبو يعلى ، وابن مردويه ، وأبو نعيم ، عن ابن عباس قال : أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره، وبعلامة بيت المقدس، وبعيرهم، فقال ناس : نحن لا نصدق محمدا بما يقول . فارتدوا كفارا، فضرب الله رقابهم مع أبي جهل، وقال أبو جهل : يخوفنا محمد بشجرة الزقوم، هاتوا تمرا وزبدا فتزقموا . ورأى الدجال في صورته، رؤيا عين ليس رؤيا منام، وعيسى وموسى وإبراهيم، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال؟ فقال : “رأيته فيلمانيا أقمر هجانا، إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب دري، كأن شعره أغصان شجرة، ورأيت عيسى شابا أبيض، جعد الرأس، حديد البصر، مبطن الخلق، ورأيت موسى أسحم آدم، كثير الشعر، شديد الخلق، ونظرت إلى إبراهيم فلا أنظر إلى إرب منه إلا نظرت إليه مني حتى كأنه صاحبكم، قال جبريل : سلم على أبيك . فسلمت عليه” .

[ ص: 205 ] وأخرج البخاري ، ومسلم ، والطبراني ، وابن مردويه ، من طريق قتادة ، عن أبي العالية، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران، رجلا طوالا جعدا، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكا خازن جهنم، والدجال” . في آيات أراهن الله . قال : فلا تكن في مرية من لقائه [السجدة : 23] . فكان قتادة يفسرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لقي موسى .

وأخرج سعيد بن منصور ، وأحمد ، وابن أبي شيبة ، وابن ماجه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في “البعث والنشور”، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر الساعة، فردوا أمرهم إلى إبراهيم، فقال : لا علم لي بها . فردوا أمرهم إلى موسى، فقال : لا علم لي بها . فردوا أمرهم إلى عيسى، فقال : أما وجبتها، فلا يعلم بها أحد إلا الله، وفيما عهد إلي ربي أن الدجال خارج، ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص، فيهلكه الله إذا رآني، حتى إن الحجر والشجر يقول : يا مسلم، إن تحتي كافرا، فتعال فاقتله . فيهلكهم الله، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، فيطئون بلادهم، لا يأتون على شيء إلا أهلكوه، لا يمرون على ماء إلا شربوه، ثم يرجع الناس إلي، فيشكونهم، [ ص: 206 ] فأدعو الله تعالى عليهم، فيهلكهم ويميتهم، حتى تجيف الأرض من نتن ريحهم، فينزل الله المطر، فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر، ففيما عهد إلي ربي أن ذلك إن كان كذلك، أن الساعة كالحامل المتم، لا يدري أهلها متى تفجؤهم بولادها، ليلا أو نهارا .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي وصححه، والنسائي ، وابن جرير ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في “الدلائل”، عن حذيفة، أنه حدث عن ليلة أسري بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال : ما زايل البراق حتى فتحت له أبواب السماوات، فرأى الجنة والنار، ووعد الآخرة أجمع، ثم عاد . ولفظ ابن مردويه : فأري ما في السماوات، وأري ما في الأرض . قيل له : أي دابة البراق؟ قال : دابة طويل أبيض، خطوه مد البصر .

[ ص: 207 ] وأخرج أبو يعلى ، والطبراني في “الأوسط”، وابن عساكر ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ليلة عرج بي إلى السماء، ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوبا : محمد رسول الله . وأبو بكر الصديق خلفي” .

وأخرج البزار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما عرج إلى السماء، ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوبا : محمد رسول الله” .

وأخرج الطبراني في “الأوسط”، وابن مردويه ، بسند صحيح، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مررت ليلة أسري بي على الملأ الأعلى، فإذا جبريل كالحلس البالي من خشية الله” . وفي لفظ لابن مردويه : “مررت على جبريل في السماء الرابعة، فإذا هو كأنه حلس بال من خشية الله” .

[ ص: 208 ] وأخرج سعيد بن منصور ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في “المعرفة”، عن عبد الرحمن بن قرط، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى، كان بين المقام وزمزم، جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السماوات العلا، فلما رجع قال : “سمعت تسبيحا في السماوات العلا مع تسبيح كثير، سبحت السماوات العلى من ذي المهابة مشفقات من ذي العلو بما علا، سبحان العلي الأعلى، سبحانه وتعالى” .

وأخرج ابن عساكر عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما أسرى بي جبريل ، سمعت تسبيحا في السماوات العلا، فرجف فؤادي، فقال لي جبريل : تقدم يا محمد ولا تخف، فإن اسمك مكتوب على العرش : لا إله إلا الله محمد رسول الله” .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وابن ماجه ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ليلة أسري بي لما انتهينا إلى السماء السابعة، نظرت فوق، فإذا رعد وبرق وصواعق، وأتيت على قوم بطونهم [ ص: 209 ] كالبيوت فيها الحيات، ترى من خارج بطونهم، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء أكلة الربا . فلما نزلت إلى السماء الدنيا نظرت أسفل مني، فإذا أنا برهج ودخان وأصوات، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذه الشياطين يحومون على أعين بني آدم، لا يتفكروا في ملكوت السماوات والأرض، ولولا ذلك لرأوا العجائب” .

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما أسري بي، مررت بالكوثر، فقال جبريل : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك . فضربت بيدي إلى تربته، فإذا مسك أذفر” .

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “لما عرج بي إلى السماء، رأيت نهرا يطرد عجاجا مثل السهم، أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، حافتاه قباب من در مجوف، فضربت بيدي إلى جانبه، فإذا مسكة ذفراء، فضربت بيدي إلى رضراضها، فإذا در، قلت : يا جبريل ، [ ص: 210 ] ما هذا النهر؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك” .

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “رأيت إبراهيم ليلة أسري بي وهو أشبه من رأيت بصاحبكم” .

وأخرج أحمد ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان، وابن مردويه ، عن أبي أيوب الأنصاري، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : “عرج بي إلى السماء، فرأيت إبراهيم خليل الرحمن، فقال إبراهيم : يا جبريل ، من هذا الذي معك؟ فقال جبريل : هذا محمد . فرحب بي وقال : مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة، فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة” . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : “وما غراس الجنة؟ قال : لا حول ولا قوة إلا بالله” .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أتيت ليلة أسري بي على إبراهيم عليه السلام، فقال : يا محمد، أخبر أمتك أن الجنة قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر” .

وأخرج الترمذي وحسنه، والطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال : يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن [ ص: 211 ] غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله” .

وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما أسري بي رأيت الجنة من درة بيضاء، قلت : يا جبريل ، إنهم يسألوني عن الجنة . قال : أخبرهم أن أرضها قيعان وترابها المسك” .

وأخرج ابن ماجه ، والحكيم الترمذي في “نوادر الأصول”، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في “البعث والنشور”، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “رأيت ليلة أسري بي مكتوبا على باب الجنة : الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر . فقلت : يا جبريل ، ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال : لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة” .

وأخرج الطبراني عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة، فوقفت على شجرة من أشجار الجنة، لم أر في الجنة أحسن منها، ولا أبيض ورقا، ولا أطيب ثمرة، فتناولت ثمرة من ثمرتها [ ص: 212 ] فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة، فحملت بفاطمة، فإذا أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة” .

وأخرج الحاكم وضعفه عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم : “أتاني جبريل بسفرجلة من الجنة، فأكلتها ليلة أسري بي، فعلقت خديجة بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة” .

وأخرج البزار ، وأبو قاسم البغوي، وابن قانع، كلاهما في “معجم الصحابة”، وابن عدي، وابن عساكر ، عن عبد الله بن أسعد بن زرارة [253و] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ليلة أسري بي انتهيت إلى قصر من لؤلؤة – ولفظ البغوي : أسري بي في قفص من لؤلؤ – فراشه ذهب، يتلألأ نورا، وأعطيت ثلاثا؛ إنك سيد المرسلين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين” .

وأخرج ابن قانع، والطبراني ، وابن مردويه ، عن أبي الحمراء قال : قال [ ص: 213 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما أسري بي إلى السماء السابعة، فإذا على ساق العرش الأيمن : لا إله إلا الله، محمد رسول الله” .

وأخرج ابن عدي، وابن عساكر ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما عرج بي رأيت على ساق العرش مكتوبا : لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيدته بعلي” .

وأخرج ابن عساكر عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ليلة أسري بي رأيت على العرش مكتوبا : لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين” .

وأخرج الدارقطني في “الأفراد”، والخطيب ، وابن عساكر ، عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “رأيت ليلة أسري بي في العرش فريدة خضراء، فيها مكتوب بنور أبيض : لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق” .

وأخرج البزار عن علي قال : لما أراد الله تعالى أن يعلم رسوله الأذان، أتاه جبريل [ ص: 214 ] بدابة يقال لها : البراق . فذهب يركبها فاستصعبت، فقال لها جبريل : اسكني، فوالله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد . فركبها حتى انتهى إلى الحجاب، الذي يلي الرحمن، فبينما هو كذلك، إذ خرج ملك من الحجاب فقال الملك : الله أكبر، الله أكبر . فقيل له من وراء الحجاب : صدق عبدي، أنا أكبر، أنا أكبر . ثم قال الملك : أشهد أن لا إله إلا الله . فقيل له من وراء الحجاب : صدق عبدي، أنا لا إله إلا أنا . فقال الملك : أشهد أن محمدا رسول الله . فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي، أنا أرسلت محمدا . فقال الملك : حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة . ثم قال : الله أكبر الله أكبر . فقيل من وراء الحجاب : صدق عبدي، أنا أكبر، أنا أكبر . ثم قال : لا إله إلا الله . فقيل : من وراء الحجاب : صدق عبدي، لا إله إلا أنا . ثم أخذ الملك بيد محمد فقدمه فأم أهل السماوات، فيهم آدم ونوح، فيومئذ أكمل الله لمحمد الشرف على أهل السماوات والأرض .

وأخرج أبو نعيم في “الدلائل” عن محمد ابن الحنفية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء، فانتهى إلى مكان من السماء، وقف فيه، وبعث الله ملكا فقام من السماء مقاما ما قامه قبل ذلك، فقيل له : علمه الأذان . فقال [ ص: 215 ] الملك : الله أكبر الله أكبر . فقال الله : صدق عبدي، أنا الله الأكبر . فقال الملك : أشهد أن لا إله إلا الله . فقال الله : صدق عبدي، أنا الله لا إله إلا أنا . فقال الملك : أشهد أن محمدا رسول الله . فقال الله : صدق عبدي، أنا أرسلته، وأنا اخترته، وأنا ائتمنته . فقال : حي على الصلاة . فقال الله : صدق عبدي، ودعا إلى فريضتي وحقي، فمن أتاها محتسبا كانت كفارة لكل ذنب . فقال الملك : حي على الفلاح . فقال الله : صدق عبدي، أنا أقمت فريضتها وعدتها ومواقيتها . ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : تقدم . فتقدم، فأم أهل السماء، فتم له شرفه على سائر الخلق .

وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما أسري بي إلى السماء أذن جبريل ، فظنت الملائكة أنه يصلي بهم، فقدمني فصليت بالملائكة” .

 

وأخرج الطبراني في “الأوسط” عن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسري به إلى السماء أوحي إليه بالأذان، فنزل به فعلمه جبريل .

وأخرج ابن مردويه عن علي ، أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأذان ليلة أسري به، وفرضت عليه الصلاة .

وأخرج ابن مردويه عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضت عليه الصلاة ليلة [ ص: 216 ] أسري به .

وأخرج أحمد عن ابن عباس قال : فرض الله على نبيه صلى الله عليه وسلم الصلاة خمسين صلاة، فسأل ربه فجعلها خمس صلوات .

وأخرج أبو داود، والبيهقي ، عن ابن عمر قال : كانت الصلاة خمسين، والغسل من الجنابة سبع مرات، وغسل البول من الثوب سبع مرات، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل حتى جعلت الصلاة خمسا، وغسل الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة .

وأخرج مسلم، والترمذي ، والنسائي ، وابن مردويه ، عن ابن مسعود قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سدرة المنتهى، وإليها ينتهي ما يصعد به – وفي لفظ : يعرج به من الأرواح حتى يقبض منها – وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها حتى يقبض، إذ يغشى السدرة ما يغشى [النجم : 16] . قال : غشيها فراش من ذهب، وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس، وخواتيم سورة “البقرة”، وغفر لمن لا يشرك بالله شيئا من أمته المقحمات .

وأخرج الطبراني عن ابن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “لما أسري بي، انتهيت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها أمثال القلال” .

[ ص: 217 ] وأخرج ابن مردويه عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى سدرة المنتهى رأى فراشا من ذهب يلوذ بها .

وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت أبي بكر قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول يصف سدرة المنتهى، فقال : “فيها فراش من ذهب، وثمرها كالقلال، وورقها كآذان الفيلة” . فقلت : يا رسول الله، ما رأيت عندها؟ قال : “رأيته عندها” . يعني ربه عز وجل .

وأخرج ابن ماجه ، وابن مردويه ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ما مررت ليلة أسري بي بملأ من الملائكة إلا قالوا : يا محمد، مر أمتك بالحجامة” .

وأخرج أحمد ، وابن ماجه ، والحاكم وصححه، وابن مردويه ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا : عليك بالحجامة” . وفي لفظ : “مر أمتك بالحجامة” .

وأخرج ابن مردويه عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ما مررت على ملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا أمروني بالحجامة” .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “بعثني الله [ ص: 218 ] ليلة أسري بي إلى يأجوج ومأجوج، فدعوتهم إلى دين الله وعبادته، فأبوا أن يجيبوني، فهم في النار مع من عصى من ولد آدم وولد إبليس” .

وأخرج سعيد بن منصور ، وابن سعد، والطبراني في “الأوسط”، وابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، فكان بذي طوى قال : “يا جبريل ، إن قومي لا يصدقوني” . قال : “يصدقك أبو بكر، وهو الصديق” .

وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه ، والبيهقي في “الدلائل”، عن عائشة قالت : لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، أصبح يحدث الناس بذلك، فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه، وسعوا بذلك إلى أبي بكر، فقالوا : هل لك في صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال : أو قال ذلك؟ قالوا : نعم . قال : لئن قال ذلك لقد صدق . قالوا : فتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟ قال : نعم، إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك؛ أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة . فلذلك سمي أبو بكر الصديق . [ ص: 219 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والنسائي ، والبزار ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في “الدلائل”، والضياء في “المختارة”، وابن عساكر ، بسند صحيح، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما كان ليلة أسري بي، فأصبحت بمكة قطعت وعرفت أن الناس مكذبي، فقعدت معتزلا حزينا” . فمر به عدو الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه، فقال له كالمستهزئ : هل كان من شيء؟ قال : “نعم” . قال : وما هو؟ قال : “قال أني أسري بي الليلة” . قال : إلى أين؟ قال : “إلى بيت المقدس” . قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال : “نعم” . قال : فلم يره أنه يكذبه؛ مخافة أن يجحده الحديث إن دعا قومه إليه . قال : أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم ما حدثتني؟ قال : “نعم” . قال : هيا يا معشر بني كعب بن لؤي . فانقضت إليه المجالس، وجاءوا حتى جلسوا إليهما . قال : حدث قومك بما حدثتني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أني أسري بي الليلة” . قالوا : إلى أين؟ قال : “إلى بيت المقدس” . قالوا : ثم [ ص: 220 ] أصبحت بين ظهرانينا! قال : “نعم” . قال : فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا . قالوا : وتستطيع أن تنعت لنا المسجد؟ وفي القوم من قد سافر إليه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “فذهبت أنعت، فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت، فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه، حتى وضع دون دار عقيل، أو عقال، فنعته وأنا أنظر إليه” . فقال القوم أما النعت فوالله لقد أصاب .

وأخرج البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما كذبتني قريش حين أسري بي إلى بيت المقدس قمت في الحجر، فجلى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه” .

وأخرج أبو نعيم في “الدلائل” عن عروة قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبرهم بمسراه إلى بيت المقدس : أخبرنا ماذا ضل عنا وائتنا بآية ما تقول . فقال [ ص: 221 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ضلت منكم ناقة ورقاء، عليها بز لكم” . فلما قدمت عليهم قالوا : انعت لنا ما كان عليها . ونشر له جبريل ما كان عليها كله ينظر إليه، فأخبرهم بما كان عليها، وهم قيام ينظرون، فزادهم ذلك شكا وتكذيبا .

وأخرج البيهقي في “الدلائل” عن السدي قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر قومه بالرفقة والعلامة في العير قالوا : فمتى تجيء؟ قال : “يوم الأربعاء” . فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينظرون، وقد ولى النهار ولم تجئ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، فزيد له في النهار ساعة، وحبست عليه الشمس، فلم ترد الشمس على أحد إلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، وعلى يوشع بن نون حين قاتل الجبارين .

وأخرج ابن أبي شيبة في “المصنف”، وابن جرير ، عن عبد الله بن شداد قال : لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أتي بدابة دون البغل وفوق الحمار، يضع حافره عند منتهى طرفه، يقال له : البراق . ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعير للمشركين، فنفرت فقالوا : يا هؤلاء، ما هذا؟ فقالوا : ما نرى شيئا، ما هذه إلا ريح . حتى أتى بيت المقدس، فأتي بإناءين؛ في أحدهما خمر، وفي الآخر لبن، فأخذ اللبن، [ ص: 222 ] فقال له جبريل : هديت وهديت أمتك .

وأخرج ابن سعد ، وابن عساكر ، عن الواقدي، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة وغيره من رجاله قالوا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يريه الجنة والنار، فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم [253ظ] نائم في بيته ظهرا، أتاه جبريل وميكائيل، فقالا : انطلق إلى ما سألت الله . فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتي بالمعراج، فإذا هو أحسن شيء منظرا، فعرجا به إلى السماوات سماء، سماء فلقي فيها الأنبياء، وانتهى إلى سدرة المنتهى، ورأى الجنة والنار . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “ولما انتهيت إلى السماء السابعة لم أسمع إلا صريف الأقلام” . وفرضت عليه الصلوات الخمس، ونزل جبريل فصلى برسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات في مواقيتها .

وأخرج ابن مردويه عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسري به، ريحه ريح عروس، وأطيب من ريح عروس .

وأخرج ابن مردويه عن جبر قال : سمعت سفيان الثوري وسئل عن ليلة [ ص: 223 ] أسري به فقال : أسري ببدنه .

وأخرج أبو نعيم في “الدلائل” عن محمد بن كعب القرظي قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي إلى قيصر وكتب إليه معه، فلقيه بحمص فدعا الترجمان، فإذا في الكتاب : “من محمد رسول الله، إلى قيصر صاحب الروم” . فغضب أخ له وقال : تنظر في كتاب رجل بدأ بنفسه قبلك، وسماك قيصر صاحب الروم ولم يذكر لك ملكا؟ قال له قيصر : إنك والله ما علمت، أحمق صغيرا، مجنون كبيرا؛ أتريد أن تحرق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه؟ فلعمري لئن كان رسول الله كما يقول، فنفسه أحق أن يبدأ بها مني، وإن كان سماني صاحب الروم فقد صدق، ما أنا إلا صاحبهم وما أملكهم، ولكن الله سخرهم لي، ولو شاء لسلطهم علي .

ثم قرأ قيصر الكتاب، فقال : يا معشر الروم، إني لأظن هذا الذي بشر به عيسى ابن مريم، ولو أعلم أنه هو مشيت إليه حتى أخدمه بنفسي، لا يسقط وضوءه إلا على يدي . قالوا : ما كان الله ليجعل ذلك في الأعراب الأميين ويدعنا ونحن أهل الكتاب . قال : فأصل الهدى عندي بيني وبينكم الإنجيل، ندعو به فنفتحه، فإن كان هو إياه اتبعناه، وإلا أعدنا عليه خواتمه كما كانت، إنما هي خواتم مكان خواتم .

[ ص: 224 ] قال : وعلى الأنجيل يومئذ اثنا عشر خاتما من ذهب، ختم عليه هرقل، فكان كل ملك يليه بعده ظاهر عليه بخاتم آخر، حتى ألقي ملك قيصر وعليه اثنا عشر خاتما، يخبر أولهم لآخرهم أنه لا يحل لهم أن يفتحوا الإنجيل في دينهم، وأنه يوم يفتحونه يغير دينهم ويهلك ملكهم .

فدعا بالإنجيل ففض عنه أحد عشر خاتما حتى بقي عليه خاتم واحد، فقامت الشمامسة والأساقفة والبطارقة، فشقوا ثيابهم، وصكوا وجوههم، ونتفوا رءوسهم . قال : ما لكم؟ قالوا : اليوم يهلك ملك بيتك، ويتغير دين قومك . قال : فأصل الهدى عندي . قالوا : لا تعجل حتى نسأل عن هذا ونكاتبه وننظر في أمره . قال : فمن نسأل عنه؟ قالوا : قوما كثيرا بالشام .

فأرسل يبتغي قوما ليسألهم، فجمع له أبو سفيان وأصحابه، فقال : أخبرني يا أبا سفيان عن هذا الرجل الذي بعث فيكم . فلم يأل أن يصغر أمره ما استطاع، قال : أيها الملك، لا يكبر عليك شأنه، إنا لنقول : هو ساحر . ونقول : هو شاعر . ونقول : هو كاهن . قال قيصر : كذلك والذي نفسي بيده كان يقال [ ص: 225 ] للأنبياء قبله، قال : أخبرني موضعه فيكم .

قال : هو أوسطنا سطة . قال : كذلك يبعث الله كل نبي من أوسط قومه، أخبرني عن أصحابه . قال : غلماننا وأحداث أسنانهم والسفهاء، أما رءساؤنا فلم يتبعه منهم أحد . قال : أولئك والله أتباع الرسل، أما الملأ والرءوس فتأخذهم الحمية، قال : أخبرني عن أصحابه، هل يفارقونه بعدما يدخلون في دينه؟ قال : ما يفارقه منهم أحد . قال : فلا يزال داخل منكم في دينه؟ قال : نعم .

قال : ما تزيدونني عليه إلا بصيرة، والذي نفسي بيده، ليوشكن أن يغلب على ما تحت قدمي، يا معشر الروم، هلموا إلى أن نجيب هذا الرجل إلى ما دعا إليه، ونسأله الشام أن لا يوطأ علينا أبدا، فإنه لم يكتب قط نبي من الأنبياء إلى ملك من الملوك يدعوه إلى الله فيجيبه إلى ما دعاه، ثم يسأله مسألة إلا أعطاه مسألته ما كانت، فأطيعوني . قالوا : لا نطاوعك في هذا أبدا .

[ ص: 226 ] قال أبو سفيان : والله ما يمنعني من أن أقول عليه قولا أسقطه من عينه، إلا أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها علي ولا يصدقني، حتى ذكرت قوله ليلة أسري به . قلت : أيها الملك، أنا أخبرك عنه خبرا تعرف أنه قد كذب . قال : وما هو؟ قلت : إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا؛ أرض الحرم، في ليلة، فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء، ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح .

قال : وبطريق إيلياء عند رأس قيصر . قال البطريق : قد علمت تلك الليلة . فنظر قيصر وقال ما علمك بهذا؟

قال : إني كنت لا أبيت ليلة حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني، فاستعنت عليه عمالي ومن يحضرني كلهم، فعالجته فلم نستطع أن نحركه، كأنما نزاول به جبلا، فدعوت النجاجرة، فنظروا إليه، فقالوا : هذا باب سقط عليه النجاف والبنيان، فلا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتي . فرجعت وتركته مفتوحا، فلما أصبحت غدوت، فإذا الحجر الذي من زاوية الباب مثقوب . وإذا فيه أثر مربط الدابة، فقلت لأصحابي : ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي، وقد صلى الليلة في مسجدنا .

[ ص: 227 ] فقال قيصر : يا معشر الروم، أليس تعلمون أن بين عيسى وبين الساعة نبيا بشركم به عيسى؟ وهذا هو النبي الذي بشر به عيسى، فأجيبوه إلى ما دعا إليه .

فلما رأى نفورهم قال : يا معشر الروم، دعاكم ملككم يختبركم كيف صلابتكم في دينكم، فشتمتموه وسببتموه وهو بين أظهركم! فخروا له سجدا .

وأخرج الواسطي في “فضائل بيت المقدس” عن كعب : أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وقف البراق في الموقف الذي كان يقف فيه الأنبياء قبل، ثم دخل من باب النبي، و جبريل أمامه، فأضاء له ضوء كما تضيء الشمس، ثم تقدم جبريل أمامه، حتى كان من شامي الصخرة، فأذن جبريل ونزلت الملائكة من السماء، وحشر الله له المرسلين، فأقام الصلاة، ثم تقدم جبريل ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالملائكة والمرسلين، ثم تقدم قدام ذلك إلى الموضع، فوضع له مرقاة من ذهب ومرقاة من فضة، وهو المعراج، حتى عرج جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء .

وأخرج الواسطي ، من طريق أبي حذيفة مؤذن بيت المقدس، عن جدته، أنها رأت صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم وكعب يقول لها : يا أم المؤمنين، صلي ههنا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالنبيين حين أسري به ههنا ونشروا . وأومأ أبو حذيفة [ ص: 228 ] بيده على القبة القصوى في دبر الصخرة .

وأخرج الواسطي عن الوليد بن مسلم قال : حدثني بعض أشياخنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على بيت المقدس ليلة أسري به، فإذا عن يمين المسجد وعن يساره نوران ساطعان، “فقلت : يا جبريل ، ما هذان النوران؟ فقال : أما هذا الذي عن يمينك فإنه محراب أخيك داود، وأما هذا الذي عن يسارك فعلى قبر أختك مريم” .

وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن الحسن بن أبي الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “بينا أنا نائم في الحجر جاءني جبريل فهمزني برجله، فجلست فلم أر شيئا، فعدت لمضجعي، فجاءني الثانية فهمزني بقدمه، فجلست فلم أر شيئا، فعدت لمضجعي، فجاءني فهمزني بقدمه، فجلست فأخذ بعضدي، فقمت معه، فخرج إلى باب المسجد، فإذا دابة أبيض بين الحمار والبغل، له في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه، يضع يده في منتهى طرفه، فحملني عليه، ثم خرج لا يفوتني ولا أفوته” .

وأخرج ابن أبي حاتم ، من طريق السدي ، عن أبي مالك، وأبي صالح، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود في قوله : سبحان الذي أسرى [ ص: 229 ] بعبده الآية . قال : أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فحمله على البراق، فسار به إلى بيت المقدس، فمر بأبي سفيان في بعض الطريق وهو يحتلب ناقة، فنفرت من حس البراق فأهراقت اللبن، فسب أبو سفيان من أنفرها، وند جمل لهم أورق، فذهب إلى بعض المياه فطلبوه فأخذوه، ومر بواد فنفخ عليه من ريح المسك، فسأل جبريل : “ما هذا الريح؟” . فقال : هؤلاء أهل بيت من المسلمين، حرقوا بالنار في الله عز وجل .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن حوالة الأزدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “رأيت ليلة أسري بي عمودا أبيض، كأنه لؤلؤة، تحمله الملائكة، قلت : ما تحملون؟ قالوا : عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام” .

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا . قال : أسري به من شعب أبي طالب .

وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، عن عائشة قالت : ما فقدت جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله أسرى بروحه .

وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، عن معاوية بن أبي سفيان : أنه كان إذا [ ص: 230 ] سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كانت رؤيا من الله صادقة .

وأخرج ابن النجار في “تاريخه” عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أتاني جبريل بالبراق” فقال له أبو بكر : قد رأيتها يا رسول الله . قال : “صفها لي” . قال : بدنة . قال : “صدقت، قد رأيتها يا أبا بكر” .

وأخرج الخطيب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لما أسري بي إلى السماء قربني ربي تعالى، حتى كان بيني وبينه كقاب قوسين أو أدنى، لا بل أدنى، وعلمني السمات، قال : يا محمد . قلت : لبيك يا رب . قال : هل غمك [254و] أن جعلتك آخر النبيين؟ قلت : يا رب، لا . قال : فهل غم أمتك أن جعلتهم آخر الأمم؟ قلت : يا رب، لا . قال : أبلغ أمتك عني السلام وأخبرهم أني جعلتهم آخر الأمم، لأفضح الأمم عندهم، ولا أفضحهم عند الأمم” .

وأخرج الطبراني عن أم هانئ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به : “إني أريد أن أخرج إلى قريش فأخبرهم” . فأخبرهم . فكذبوه، وصدقه أبو بكر، فسمي يومئذ الصديق .

[ ص: 231 ] وأخرج ابن جرير من طريق ابن شهاب قال : أخبرني ابن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به على البراق، وهي دابة إبراهيم التي كان يزور عليها البيت الحرام، يقع حافرها موضع طرفها . قال : فمرت بعير من عيرات قريش بواد من تلك الأودية فنفرت، فإذا بعير عليه غرارتان؛ سوداء وزرقاء، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيلياء، فأتي بقدحين؛ قدح خمر وقدح لبن، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن، قال له جبريل : هديت إلى الفطرة، لو أخذت قدح الخمر غوت أمتك .

قال ابن شهاب : فأخبرني ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقي هناك إبراهيم وموسى وعيسى، فنعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : “أما موسى فضرب رجل الرأس، كأنه من رجال شنوءة، وأما عيسى فرجل أحمر، كأنما خرج من ديماس، فأشبه من رأيت به عروة بن مسعود الثقفي، وأما إبراهيم فأنا أشبه ولده به” .

فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث قريشا أنه أسري به، فارتد ناس كثير بعدما أسلموا . قال أبو سلمة : فأتى أبو بكر الصديق فقيل له : هل لك في صاحبك، يزعم أنه أسري به إلى بيت المقدس، ثم رجع في ليلة واحدة؟ قال أبو بكر : أوقال ذلك؟ قالوا : نعم . قال : فأشهد إن كان قال ذلك لقد صدق . قالوا : أفتشهد أنه جاء الشام في ليلة واحدة؟ قال : إني أصدقه بأبعد من ذلك؛ أصدقه بخبر السماء .

[ ص: 232 ] وأخرج عبد الرزاق في “المصنف” عن ابن جريج قال : قال نافع بن جبير وغيره : لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسري به فيها، لم يرعه إلا جبريل يتدلى حين زاغت الشمس، ولذلك سميت الأولى، فأمر فصيح في الناس : الصلاة جامعة . فاجتمعوا، فصلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ طول للناس الركعتين، يعني الأوليين، ثم قصر الباقيتين، ثم سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس، ثم في العصر عمل مثل ذلك، ففعلوا كما فعلوا في الظهر، ثم نزل في أول الليل، فصيح : الصلاة جامعة . فصلى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم للناس؛ طول في الأوليين وقصر في الثالثة، ثم سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس، ثم لما ذهب ثلث الليل نزل، فصيح : الصلاة جامعة . فاجتمعوا فصلى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم للناس، فقرأ في الأوليين فطول وجهر، وقصر في الباقيتين، ثم سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس، ثم لما طلع الفجر صيح : الصلاة جامعة . فصلى جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم للناس، فقرأ فيهما وجهر وطول ورفع صوته، ثم سلم جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم النبي صلى الله عليه وسلم على الناس .

[ ص: 233 ] قوله تعالى : إلى المسجد الأقصى

أخرج أبو بكر الواسطي في كتاب “فضائل بيت المقدس” عن علي بن أبي طالب قال : كانت الأرض ماء، فبعث الله ريحا فمسحت الماء مسحا، فظهرت على الأرض زبدة، فقسمها أربع قطع؛ خلق من قطعة مكة، والثانية المدينة، والثالثة بيت المقدس، والرابعة الكوفة .

وأخرج الواسطي عن وهب بن منبه قال : إن داود عليه السلام أراد أن يعلم عدد بني إسرائيل كم هم، فبعث نقباء وعرفاء، وأمرهم أن يرفعوا إليه ما بلغ عددهم، فعتب الله عليه لذلك، وقال : قد علمت أني وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفي ذريته حتى أجعلهم كعدد الذر، وأجعلهم لا يحصى عددهم، فأردت أن تعلم عددهم؟ إنهم لا يحصى عددهم، فاختاروا بين أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين، أو أسلط عليكم العدو ثلاثة أشهر، أو الموت ثلاثة أيام . فأشار داود بذلك على بني إسرائيل، فقالوا : ما لنا بالجوع ثلاث سنين صبر، ولا بالعدو ثلاثة أشهر، فليس لهم بقية، فإن كان لا بد، فالموت بيده لا بيد غيره .

فمات منهم في ساعة ألوف كثيرة ما يدرى عددهم، فلما رأى ذلك داود شق عليه ما بلغه من كثرة الموت، فسأل الله ودعاه فقال : يا رب، أنا آكل [ ص: 234 ] الحامض وبنو إسرائيل تضرس؟ أنا طلبت ذلك، وأمرت به بني إسرائيل، فما كان من شيء فبي، واعف عن بني إسرائيل .

فاستجاب الله له، ورفع عنهم الموت، فرأى داود عليه السلام الملائكة سالين سيوفهم يغمدونها، يرفعون في سلم من ذهب من الصخرة إلى السماء، فقال داود : هذا مكان ينبغي أن يبنى فيه لله مسجد أو تكرمة . وأراد أن يأخذ في بناءه، فأوحى الله إليه : هذا بيت مقدس، وإنك صبغت يدك في الدماء، فلست ببانيه، ولكن ابن لك بعدك اسمه سليمان، أسلمه من الدماء .

فلما ملك سليمان عليه السلام بناه وشرفه، فلما أراد سليمان أن يبنيه قال للشياطين : إن الله عز وجل أمرني أن أبني بيتا لا يقطع فيه حجر بحديدة . فقالت الشياطين : لا يقدر على هذا إلا شيطان في البحر له مشربة يردها . فانطلقوا إلى مشربته فأخرجوا ماءها، وجعلوا مكانه خمرا، فجاء يشرب فوجد ريحا، فقال شيئا ولم يشرب، فلما اشتد ظماؤه جاء فشرب [ ص: 235 ] فأخذ، فبينما هم في الطريق إذا هم برجل يبيع الثوم بالبصل فضحك، ثم مر بامرأة تكهن لقوم فضحك، فلما انتهى إلى سليمان أخبر بضحكه، فسأله، فقال : مررت برجل يبيع الدواء بالداء، ومررت بامرأة تكهن وتحتها كنز لا تعلم به . فذكر له شأن البناء، فأمر أن يؤتى بقدر من نحاس لا تقلها البقر، فجعلوها على فروخ النسر، ففعلوا ذلك، فأقبل إليه، فلم يصل إلى فروخه، فعلا في جو السماء ثم تدلى فأقبل بعود في منقاره، فوضعه على القدر فانفلقت، فعمدوا إلى ذلك العود فأخذوه فعملوا به الحجارة .

وأخرج ابن سعد عن سالم أبي النضر قال : لما كثر المسلمون في عهد عمر ضاق بهم المسجد، فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور، إلا دار العباس بن عبد المطلب وحجر أمهات المؤمنين، فقال عمر للعباس : يا أبا الفضل، إن مسجد المسلمين قد ضاق بهم، وقد ابتعت ما حوله من المنازل نوسع به على المسلمين في مسجدهم، إلا دارك وحجر أمهات المؤمنين؛ فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها، وأما دارك فبعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين أوسع بها في مسجدهم . فقال العباس : ما كنت لأفعل . فقال عمر : اختر مني إحدى ثلاث؛ إما أن تبيعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين، وإما أن أخطك حيث [ ص: 236 ] شئت من المدينة وأبنيها لك من بيت مال المسلمين، وإما أن تصدق بها على المسلمين فنوسع بها في مسجدهم . فقال : لا، ولا واحدة منها . فقال عمر : اجعل بيني وبينك من شئت . فقال : أبي بن كعب . فانطلقا إلى أبي فقصا عليه القصة، فقال أبي : إن شئتما حدثتكما بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالا : حدثنا . فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “إن الله أوحى إلى داود : أن ابن لي بيتا أذكر فيه . فخط له هذه الخطة؛ خطة بيت المقدس، فإذا تربيعها بزاوية بيت رجل من بني إسرائيل، فسأله داود أن يبيعه إياه فأبى، فحدث داود نفسه أن يأخذه منه، فأوحى الله إليه : أن يا داود، أمرتك أن تبني لي بيتا أذكر فيه، فأردت أن تدخل في بيتي الغصب، وليس من شأني الغصب، وإن عقوبتك ألا تبنيه . قال : يا رب، فمن ولدي؟ قال : من ولدك” . ، قال : فأخذ عمر بمجامع ثياب أبي بن كعب وقال : جئتك بشيء، فجئت بما هو أشد منه، لتخرجن مما قلت . فجاء يقوده حتى أدخله المسجد، فأوقفه على حلقة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم أبو ذر . فقال : إني نشدت الله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر حديث بيت المقدس، حيث أمر الله داود أن يبنيه، إلا ذكره . فقال أبو ذر : أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال آخر : أنا سمعته . وقال آخر : أنا سمعته . يعني : من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأرسل أبيا . فأقبل أبي على [ ص: 237 ] عمر فقال : يا عمر، أتتهمني على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر : يا أبا المنذر، لا والله ما اتهمتك عليه، ولكني كرهت أن يكون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا . قال : وقال عمر للعباس : اذهب فلا أعرض لك في ذلك . فقال العباس : أما إذ فعلت هذا، فإني تصدقت بها على المسلمين أوسع بها عليهم في مسجدهم، فأما وأنت تخاصمني فلا، فخط له عمر داره التي هي له اليوم، وبناها من بيت مال المسلمين .

وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال : كانت للعباس دار بالمدينة، فقال عمر : هبها لي أو بعنيها حتى أدخلها في المسجد . فأبى . قال : فاجعل بيني وبينك رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجعلا أبي بن كعب بينهما، فقضى أبي على عمر، فقال عمر : ما من أصحاب رسول الله أحد أجرأ علي من أبي . قال : إذ أنصح لك يا أمير المؤمنين، أما علمت قصة المرأة؟ أن داود لما بنى بيت المقدس أدخل فيه بيت امرأة بغير إذنها، فلما بلغ حجر الرجال منع بناءه، فقال : أي رب، إذ منعتني ففي عقبي من بعدي . فلما كان بعد قال له العباس : أليس قد قضيت لي؟ قال : بلى . قال : فهي لك قد جعلتها لله .

[ ص: 238 ] وأخرج عبد الرزاق في “المصنف” عن سعيد بن المسيب قال : أراد عمر بن الخطاب أن يأخذ دار العباس بن عبد المطلب فيزيدها في المسجد، فأبى العباس أن يعطيها إياه، فقال عمر : لآخذنها . قال : فاجعل بيني وبينك أبي بن كعب . قال : نعم . فأتيا أبيا فذكرا له، فقال أبي : أوحي إلى سليمان بن داود أن يبني بيت المقدس، وكانت أرض لرجل، فاشترى منه الأرض، فلما أعطاه الثمن، قال : الذي أعطيتني خير أم الذي أخذت مني؟ قال : بل الذي أخذت منك . قال : فإني لا أجيز . ثم اشتراها منه بشيء أكثر من ذلك، فصنع الرجل مثل ذلك مرتين أو ثلاثا، فاشترط عليه سليمان أني أبتاعها منك على حكمك، ولا تسألني أيهما خير . قال : نعم . فاشتراها منه بحكمه، فاحتكم اثنى عشر ألف قنطار ذهبا، فتعاظم ذلك سليمان أن يعطيه، فأوحى الله إليه : إن كنت [245ظ] تعطيه من شيء هو لك فأنت أعلم، وإن كنت تعطيه من رزقنا فأعطه حتى يرضى . قال : ففعل . قال : وإني أرى أن عباسا أحق بداره حتى يرضى . قال العباس : فإذا قضيت لي، فإني أجعلها صدقة على المسلمين .

وأخرج عبد الرزاق عن زيد بن أسلم قال : كان للعباس بن عبد المطلب دار إلى جنب مسجد المدينة، فقال له عمر : بعنيها . وأراد عمر أن يزيدها في [ ص: 239 ] المسجد، فأبى العباس أن يبيعها إياه، فقال عمر : فهبها لي . فأبى، فقال عمر : فوسعها أنت في المسجد . فأبى، فقال عمر : لا بد لك من إحداهن . فأبى عليه، فقال : فخذ بيني وبينك رجلا . فأخذ أبي بن كعب، فاختصما إليه، فقال أبي لعمر : ما أرى أن تخرجه من داره حتى ترضيه . فقال له عمر : أرأيت قضاءك هذا، في كتاب الله وجدته، أم سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أبي : بل سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال عمر : وما ذاك؟ فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس، جعل كلما بنى حائطا أصبح منهدما، فأوحى الله إليه ألا تبني في حق رجل حتى ترضيه” . فتركه عمر، فوسعها العباس بعد ذلك في المسجد .

وأخرج الواسطي عن سعيد بن المسيب قال : لما أمر الله داود أن يبني بيت المقدس، قال : يا رب، وأين أبنيه؟ قال : حيث ترى الملك شاهرا سيفه . قال : فرآه في ذلك المكان، فأخذ داود فأسس قواعده، ورفع حائطه، فلما ارتفع انهدم، فقال داود : يا رب، أمرتني أن أبني لك بيتا، فلما ارتفع هدمته . فقال : يا داود، إنما جعلتك خليفتي في خلقي، لم أخذته من صاحبه بغير ثمن؟ إنه يبنيه رجل من ولدك . فلما كان سليمان ساوم صاحب الأرض بها، فقال له : هي بقنطار . فقال سليمان : قد استوجبتها . فقال له صاحب الأرض : هي خير أو ذاك؟ قال : لا، بل هي خير . قال : فإنه قد بدا لي . قال : أوليس قد أوجبتها، قال : بلى [ ص: 240 ] ولكن البائعين بالخيار ما لم يتفرقا – قال ابن المبارك : هذا أصل الخيار – قال : فلم يزل يزايده ويقول له مثل قوله الأول، حتى استوجبها منه بتسعة قناطير، فبناه سليمان حتى فرغ منه، وتغلقت أبوابه، فعالجها سليمان أن يفتحها، فلم تنفتح حتى قال في دعائه : بصلوات أبي داود إلا تفتحت الأبواب . فتفتحت الأبواب . قال : ففرغ له سليمان عشرة آلاف من قراء بني إسرائيل؛ خمسة آلاف بالليل، وخمسة آلاف بالنهار، ولا تأتي ساعة من ليل ولا نهار إلا والله عز وجل يعبد فيه .

وأخرج الواسطي عن السيباني قال : أوحى الله إلى داود : إنك لم تتم بناء بيت المقدس . قال : أي رب، ولم؟ قال : لأنك غمرت يدك في الدم . قال : أي رب، أولم يكن ذلك في طاعتك؟ قال : بلى وإن كان .

وأخرج ابن حبان في “الضعفاء”، والطبراني ، وابن مردويه ، والواسطي، عن رافع بن عمير : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “قال الله لداود : ابن لي بيتا في الأرض . فبنى داود بيتا لنفسه قبل البيت الذي أمر به، فأوحى الله إليه : يا داود، نصبت بيتك قبل بيتي . قال : يا رب، هكذا قلت : من ملك استأثر . ثم [ ص: 241 ] أخذ في بناء المسجد، فلما تم السور سقط ثلاثا، فشكا ذلك إلى الله، فأوحى الله إليه : إنك لا تصلح أن تبني لي بيتا . قال : ولم يا رب؟ قال : لما جرى على يديك من الدماء . قال : يا رب، أولم يكن ذلك في هواك ومحبتك؟ قال : بلى، ولكنهم عبادي وأنا أرحمهم . فشق ذلك عليه، فأوحى الله إليه : لا تحزن؛ فإني سأقضي بناءه على يدي ابنك سليمان . فلما مات داود، أخذ سليمان في بنائه، فلما تم قرب القرابين، وذبح الذبائح، وجمع بني إسرائيل، فأوحى الله إليه : قد أرى سرورك ببنيان بيتي، فسلني أعطك . قال : أسألك ثلاث خصال؛ حكما يصادف حكمك، وملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، ومن أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه” . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أما اثنتين فقد أعطيهما، وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة” .

وأخرج الواسطي عن كعب قال : أوحى الله إلى داود : أن ابن لي بيت [ ص: 242 ] المقدس : فعارضه ببناء له، فأوحى الله إليه : يا داود أمرتك أن تبني بيتا لي فعارضته ببناء لك! ليس لك أن تبنيه . قال : يا رب، ففي عقبي . قال : في عقبك . فلما ولي سليمان أوحى الله إليه : أن ابن بيت المقدس . فبناه، فلما دخله خر ساجدا شكرا لله . قال : يا رب، من دخله من خائف فأمنه، أو من داع فاستجب له، أو مستغفر فاغفر له . فأوحى الله إليه : أني قد خصصت لآل داود الدعاء . قال : فذبح أربعة آلاف بقرة، وسبعة آلاف شاة، وصنع طعاما ودعا بني إسرائيل إليه .

وأخرج أحمد ، والحكيم الترمذي في “نوادر الأصول”، والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم وصححه، والبيهقي في “شعب الإيمان”، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه خلالا ثلاثا، فأعطاه اثنتين، وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة؛ سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد – يعني بيت المقدس – خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه” . قال النبي صلى الله عليه وسلم : “ونحن نرجو أن [ ص: 243 ] يكون الله قد أعطاه ذلك” .

وأخرج ابن أبي شيبة ، والواسطي، عن عبد الله بن عمر قال : إن الحرم لحرم في السماوات السبع بمقداره في الأرض، وإن بيت المقدس لمقدس في السماوات السبع بمقداره في الأرض .

وأخرج ابن أبي شيبة ، ومسلم ، وابن ماجه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ مسجد الحرام، ومسجدي هذا، ومسجد الأقصى” .

وأخرج ابن أبي شيبة ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وابن ماجه ، عن أبي سعيد الخدري : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى” .

وأخرج الواسطي عن عطاء الخراساني قال : لما فرغ سليمان بن داود عليهما السلام من بناء بيت المقدس، أنبت الله له شجرتين عند باب الرحمة؛ [ ص: 244 ] إحداهما تنبت الذهب، والأخرى تنبت الفضة، فكان في كل يوم ينتزع من كل واحدة مائتي رطل ذهب وفضة، ففرش المسجد بلاطة ذهبا وبلاطة فضة، فلما جاء بختنصر خربه واحتمل منه ثمانين عجلة ذهبا وفضة، فطرحه برومية .

وأخرج ابن عساكر عن يحيى بن عمرو السيباني قال : لما بنى داود مسجد بيت المقدس نهي أن يدخل الرخام بيت المقدس؛ لأنه الحجر الملعون، فخر على الحجارة فلعن .

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي ذر قال : تذاكرنا ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل؛ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، وليوشكن أن يكون للرجل مثل بسط فرشه من الأرض، حيث يرى منه بيت المقدس، خير له من الدنيا جميعا” . أو قال : “خير من الدنيا وما فيها” .

وأخرج الواسطي عن كعب قال : إن الله عز وجل ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين .

[ ص: 245 ] وأخرج الواسطي عن ابن عمر ، أنه قال وهو ببيت المقدس : يا نافع، اخرج بنا من هذا البيت، فإن السيئات تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات .

وأخرج الواسطي عن مكحول، أن ميمونة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيت المقدس، قال : “نعم المسكن بيت المقدس، ومن صلى فيه صلاة بألف صلاة فيما سواه” . قالت : فمن لم يطق ذلك؟ قال : “فليهد إليه زيتا” .

وأخرج الواسطي عن مكحول قال : من صلى في بيت المقدس ظهرا وعصرا ومغربا وعشاء، ثم صلى الغداة، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه .

وأخرج الواسطي عن كعب قال : شكا بيت المقدس إلى الله عز وجل الخراب، فقيل : هل يتكلم المسجد؟ فقال : إنه ما من مسجد إلا وله عينان يبصر بهما، ولسان يتكلم به، وإنه ليلتوي من البزاق والنخامة كما تلتوي الدابة من ضربة السوط .

وأخرج الواسطي عن كعب في بيت المقدس : اليوم فيه كألف يوم، والشهر [ ص: 246 ] فيه كألف شهر، والسنة فيه كألف سنة، ومن مات فيه فكأنما مات في السماء الدنيا .

وأخرج الواسطي عن السيباني قال : ليس يعد من الخلفاء إلا من ملك المسجدين؛ مسجد الحرام ومسجد بيت المقدس .

قوله تعالى : الذي باركنا حوله

أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : الذي باركنا حوله . قال : أنبتنا حوله الشجر –ل [ لسيوطي الدر المنثور تفسير

 

وورد في تفسير القمي لعلي بن إبراهيم :

 

[ عن ابي عبدالله عليه السلام قال جاء جبرئيل وميكائيل واسرافيل بالبراق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخذ واحد باللجام وواحد بالركاب وسوى الآخر عليه ثيابه فتضعضعت البراق فلطمها جبرئيل ثم قال لها اسكني يا براق فما ركبك نبي قبله ولا يركبك بعده مثله قال فرقت به ورفعته ارتفاعا ليس بالكثير ومعه جبرئيل يريه الآيات من السماء والارض قال فبينا انا في مسيري إذ نادى مناد عن يميني يا محمد فلم اجبه ولم ألتفت اليه ثم نادانى مناد عن يساري يا محمد فلم اجبه ولم التفت اليه ثم استقبلتني امرأة كاشفة عن ذراعيها وعليها من كل زينة الدنيا فقالت يا محمد انظرني حتى اكلمك فلم ألتفت اليها ثم سرت فسمعت صوتا أفزعني فجاوزت به فنزل بى جبرئيل، فقال صل فصليت فقال اتدري اين صليت؟ فقلت لا، فقال صليت بطيبة واليها مهاجرتك، ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي انزل وصل فنزلت وصليت، فقال لي أتدري اين صليت؟

فقلت لا، فقال صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى تكليما ثم ركبت فمضينا ما شاء الله ثم قال لي انزل فصل فنزلت وصليت فقال لي اتدري اين صليت؟ فقلت لا، قال صليت في بيت لحم بناحية بيت المقدس، حيث ولد عيسى بن مريم عليه السلام ثم ركبت فمضينا حتى انتهينا إلى بيت المقدس فربطت البراق بالحلقة التي كانت الانبياء تربط بها فدخلت المسجد ومعي جبرئيل إلى جنبي فوجدنا ابراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من انبياء الله قد جمعوا الي واقمت الصلاة ولا اشك إلا وجبرئيل استقدمنا، فلما استووا اخذ جبرئيل عليه السلام بعضدي فقدمني فاممتهم ولا فخر، ثم اتانى الخازن بثلاث اواني، اناء فيه لبن واناء فيه ماء واناء فيه خمر، فسمعت قائلا يقول ان اخذ الماء غرق وغرقت امته، وان اخذ الخمر غوى وغوت امته وان اخذ اللبن هدي وهديت امته، فاخذت اللبن فشربت منه فقال جبرئيل هديت وهديت امتك ثم قال لي ماذا رأيت في مسيرك؟ فقلت ناداني مناد عن يميني فقال لي أو أجبته؟ فقلت لا ولم التفت اليه، فقال ذاك داعي اليهود لو اجبته لتهودت امتك من بعدك ثم قال ماذا رأيت؟ فقلت نادانى مناد عن يساري فقال أو أجبته؟ فقلت لا ولم التفت اليه، فقال ذاك داعي النصاري لو اجبته لتنصرت امتك من بعدك ثم ثم قال ماذا استقبلك؟ فقلت لقيت امرأة كاشفة عن ذراعيها عليها من كل زينة فقالت يا محمد انظرني حتى اكلمك، فقال لي أفكلمتها؟ فقلت لم اكلمها ولم التفت اليها، فقال تلك الدنيا ولم كلمتها لاختارت امتك الدنيا على الآخرة، ثم سمعت صوتا افزعني فقال جبرئيل أتسمع يا محمد قلت نعم قال هذه صخرة قذفتها عن شفير جهنم منذ سبعين عاما فهذا حين استقرت، قالوا فما ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قبض.

 

قال فصعد جبرئيل وصعدت معه إلى سماء الدنيا وعليها ملك يقال له اسماعيل
 و هو صاحب الخطفة التي قال الله عزوجل: ” ألا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب ” وتحته سبعون الف ملك تحت كل ملك سبعون الف ملك، فقال يا جبرئيل من هذا معك؟ فقال: محمد صلى الله عليه وآله قال أوقد بعث؟ قال نعم ففتح الباب فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي وقال مرحبا بالاخ الناصح والنبي الصالح وتلقتني الملائكة حتى دخلت سماء الدنيا فما لقيني ملك إلا كان ضاحكا مستبشرا حتى لقيني ملك من الملائكة لم أر أعظم خلقا منه كريه المنظر ظاهر الغضب، فقال لي مثل ما قالوا من الدعاء إلا انه لم يضحك ولم ار فيه من الاستبشار وما رأيت ممن ضحك من الملائكة، فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فاني قد فزعت فقال يجوز ان تفزع منه، وكلنا نفزع منه هذا مالك خازن النار لم يضحك قط ولم يزل منذ ولاه الله جهنم يزداد كل يوم غضبا وغيظا على اعداء الله واهل معصيته فينتقم الله به منهم ولو ضحك إلى احد قبلك او كان ضاحكا لاحد بعدك لضحك اليك ولكنه لا يضحك، فسلمت عليه فرد علي السلام وبشرني بالجنة، فقلت لجبرئيل وجبرئيل بالمكان الذي وصفه الله مطاع ثم امين، ألا تأمره ان يريني النار؟ فقال له جبرئيل يا مالك ار محمدا النار، فكشف عنها غطاء‌ها وفتح بابا منها، فخرج منها لهب ساطع في السماء وفارت فارتعدت حتى ظننت ليتنا ولني مما رأيت، فقلت له يا جبرئيل قل له فليرد عليها غطاء‌ها فامرها، فقال لها ارجعي فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه.

 

ثم مضيت فرأيت رجلا ادما جسيما فقلت من هذا يا جبرئيل، فقال هذا ابوك آدم فاذا هو يعرض عليه ذريته فيقول روح طيب وريح طيبة من جسد طيب ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله سورة المطففين على رأس سبعة عشر آية ” كلا ان كتاب الابرار لفي عليين وما ادراك ما عليون كتاب مرقوم ” إلى آخرها، قال فسلمت على ابي آدم وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي، وقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح والمبعوث في الزمن الصالح.

 

ثم مررت بملك من الملائكة وهو جالس وإذا جميع الدنيا بين ركبتيه واذا بيده لوح من نور فيه كتاب ينظر فيه ولا يلتفت يمينا ولا شمالا مقبلا عليه كهيئة الحزين فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا ملك الموت دائب في قبض الارواح فقلت يا جبرئيل ادنني منه حتى اكلمه، فادناني منه فسلمت عليه، وقال له جبرئيل هذا محمد نبي الرحمة الذي ارسله الله إلى العباد فرحب بى وحياني بالسلام وقال ابشر يا محمد فاني ارى الخير كله في امتك فقلت الحمد لله المنان ذي النعم على عباده ذلك من فضل ربي ورحمته علي، فقال جبرئيل هو اشد الملائكة عملا فقلت أكل من مات او هو ميت فيما بعد هذا تقبض روحه؟ قال نعم قلت تراهم حيث كانوا وتشهدهم بنفسك؟ فقال نعم، فقال ملك الموت ما الدنيا كلها عندي فيما سخرها الله لي ومكنني منها إلا كالدرهم في كف الرجل يقلبه كيف يشاء وما من دار إلا وأنا اتصفحها كل يوم خمس مرات واقول إذا بكى أهل الميت على ميتهم لا تبكوا عليه فان لي فيكم عودة وعودة حتى لا يبقى منكم احد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله كفى بالموت طامة يا جبرئيل فقال جبرئيل ان ما بعد الموت اطم واطم من الموت.

قال ثم مضيت فاذا انا بقوم بين ايديهم موائد من لحم طيب ولحم خبيث يأكلون الخبيث ويدعون الطيب، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل فقال هؤلاء الذين يأكلون الحرام ويدعون الحلال وهم من امتك يا محمد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ثم رأيت ملكا من الملائكة جعل الله امره عجبا نصف جسده نار والنصف الآخر ثلج فلا النار تذيب الثلج ولا الثلج يطفي النار وهو ينادي بصوت رفيع يقول سبحان الذي كف حر هذه النار فلا تذيب الثلج وكف برد هذا الثلج فلا يطفي حر هذه النار اللهم يا مؤلف بين الثلج والنار الف بين قلوب عبادك المؤمنين، فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا ملك وكله الله يا كناف السماوات واطراف الارضين وهو انصح ملائكة الله تعالى لاهل الارض من عباده المؤمنين يدعو لهم بما تسمع منذ خلق، وملكان يناديان في السماء احدهما يقول اللهم اعط كل منفق خلفا والآخر يقول اللهم اعط كل ممسك تلفا.

 

ثم مضيت فاذا أنا باقوام لهم مشافر كمشافر الابل يقرض اللحم من جنوبهم ويلقى في افواههم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الهمازون اللمازون ثم مضيت فاذا انا باقوام ترضخ رؤوسهم بالصخر، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الذين ينامون عن صلاة العشاء ثم مضيت فاذا انا باقوام تقذف النار في افواههم وتخرج من ادبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا، ثم مضيت فاذا انا باقوام يريد أحدهم ان يقوم فلا يقدر من عظم بطنه فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس فاذا هم مثل آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا يقولون ربنا متى تقوم الساعة قال ثم مضيت فاذا انا بنسوان معلقات بثديهن فقلت من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال هؤلاء اللواتي يورثن اموال ازواجهن اولاد غيرهم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله اشتد غضب الله على امرأة ادخلت على قوم في نسبهم من ليس منهم فاطلع على عوراتهم واكل خزائنهم.

 

قال ثم مررنا بملائكة من ملائكة الله عزوجل خلقهم الله كيف شاء ووضع وجوهم كيف شاء ليس شئ من اطباق اجسادهم إلا وهو يسبح الله ويحمده من كل ناحية باصوات مختلفة اصواتهم مرتفعة بالتحميد والبكاء من خشية الله فسألت جبرئيل عنهم، فقال كما ترى خلقوا ان الملك منهم إلى جنب صاحبه ما كلمه قط ولا رفعوا رؤسهم إلى ما فوقها ولا خفضوها إلى ما تحتهم خوفا من
الله خشوعا فسلمت عليهم فردوا علي إيماء‌ا برؤسهم لا ينظرون الي من الخشوع فقال لهم جبرئيل هذا محمد نبي الرحمة ارسله الله إلى العباد رسولا ونبيا وهو خاتم النبيين وسيدهم أفلا تكلمونه؟ قال فلما سمعوا ذلك من جبرئيل اقبلوا علي بالسلام واكرمونى وبشروني بالخير لي ولامتي.

 

قال ثم صعد بي إلى السماء الثانية فاذا فيها رجلان متشابهان فقلت من هذان يا جبرئيل؟ فقال لي ابناء الخالة يحيى وعيسى بن مريم فسلمت عليهما وسلما علي واستغفرت لهما واستغفرا لي وقالا مرحبا بالاخ الصالح والنبي الصالح وإذا فيها من الملائكة مثل ما في السماء الاولى وعليهم الخشوع قد وضع الله وجوههم كيف شاء ليس منهم ملك إلا يسبح لله ويحمده باصوات مختلفة.

ثم صعدنا إلى السماء الثالثة فاذا فيها رجل فضل حسنه على سائر الخلق كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم فقلت من هذا يا جبرئيل؟ فقال هذا اخوك يوسف فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لى وقال مرحبا بالنبي الصالح والاخ الصالح والمبعوث في الزمن الصالح، وإذا فيها ملائكة عليهم من الخشوع مثل ما وصفت في السماء الاولى والثانية، وقال لهم جبرائيل في امري ما قال للآخرين وصنعوا بي مثل ما صنع الآخرون.

 

ثم صعدنا إلى السماء الرابعة واذا فيها رجل، قلت من هذا يا جبرئيل؟ قال هذا ادريس رفعه الله مكانا عليا فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي واذا فيها من الملائكة عليهم من الخشوع مثل ما في السماوات، فبشروني بالخير لي ولامتي، ثم رأيت ملكا جالسا علي سرير تحت يديه سبعون الف ملك تحت كل ملك سبعون الف ملك فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وآله انه هو، فصاح به جبرئيل فقال قم فهو قائم إلى يوم القيامة، ثم صعدنا إلى السماء الخامسة فاذا فيها رجل كهل عظيم العين لم أر كهلا اعظم منه حوله ثلة من امته

 

فاعجبتني كثرتهم فقلت من هذا يا جبرئيل؟ قال هذا المحبب في قومه هارون ابن عمران فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي واذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.

ثم صعدنا إلى السماء السادسة واذا فيها رجل ادم طويل عليه سمرة ولولا ان عليه قميصين لنفذ شعره منهما فسمعته يقول تزعم بنو اسرائيل انى اكرم ولد آدم على الله وهذا رجل اكرم على الله مني فقلت من هذا يا جبرائيل؟ قال هذا اخوك موسى بن عمران، فسلمت عليه وسلم علي واستغفرت له واستغفر لي واذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات.

ثم صعدنا إلى السماء السابعة فما مررت بملك من الملائكة إلا قالوا يا محمد احتجم وأمر امتك بالحجامة، واذا فيها رجل اشمط الرأس وهو الذي (خالط بياض رأسه سواد فهو اشمط) واللحية، جالس على كرسي فقلت يا جبرئيل من هذا الذي في السماء السابعة على باب البيت المعمور في جوار الله؟ فقال هذا ابوك ابراهيم وهذا محلك ومحل من اتقى من امتك، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله ” ان اولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ” قال صلى الله عليه وآله: فسلمت عليه وسلم علي وقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح والمبعوث في الزمن الصالح واذا فيها من الملائكة الخشوع مثل ما في السماوات، فبشرونى بالخير لي ولامتي.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله ورأيت في السماء السابعة بحارا من نور يتلالا يكاد تلالؤها يخطف بالابصار وفيها بحار مظلمة وبحار ثلج ورعد فلما فزعت ورأيت هولا سألت جبرئيل فقال ابشر يا محمد واشكر كرامة ربك واشكر الله بما صنع اليك قال فثبتني الله بقوته وعونه حتى كثر قولي لجبرئيل
وتعجبي، فقال جبرئيل يا محمد أتعظم ما ترى؟ إنما هذا خلق من ربك فكيف بالخالق الذي خلق ما ترى، وما لا ترى اعظم من هذا من خلق ربك، ان بين الله وبين خلقه سبعون (تسعون خ ل) الف حجاب واقرب الخلق إلى الله انا واسرافيل وبيننا وبينه اربعة حجب.

حجاب من نور وحجاب من ظلمة وحجاب من الغمام وحجاب من الماء، قال ورأيت من العجائب التي خلق الله سبحانه وسخر به على ما اراده ديكا رجلاه في تخوم الارضين السابعة ورأسه عند العرش وملكا من ملائكة الله خلقه كما اراد رجلاه في تخوم الارضين السابعة ثم اقبل مصعدا حتى خرج في الهواء إلى السماء السابعة وانتهى فيها مصعدا حتى استقر قرنه إلى قرب العرش وهو يقول: سبحان ربى حيث ما كنت لا تدري اين ربك من عظم شأنه وله جناحان في منكبيه اذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب فاذا كان في السحر ذلك الديك نشر جناحيه وخفق بهما وصرخ بالتسبيح يقول: سبحان الله الملك القدوس، سبحان الله الكبير المتعال، لا إله إلا الله الحي القيوم، واذا قال ذلك سبحت ديوك الارض كلها وخفقت باجنحتها واخذت في الصراخ فاذا سكت ذلك الديك في السماء سكتت ديوك الارض كلها ولذلك الديك زغب اخضر وريش ابيض كاشد بياض ما رأيته قط وله زغب اخضر ايضا تحت ريشه الابيض كاشد خضرة ما رأيتها.

ثم قال مضيت مع جبرئيل فدخلت البيت المعمور فصليت فيه ركعتين ومعي اناس من اصحابي عليهم ثياب جدد وآخرون عليهم ثياب خلقان فدخل اصحاب الجدد وحبس اصحاب الخلقان ثم خرجت فانقاد لي نهران نهر يسمى الكوثر، ونهر يسمى الرحمة فشربت من الكوثر واغتسلت من الرحمة ثم انقادا لي جميعا حتى دخلت الجنة فاذا على حافتيها بيوتى وبيوت ازواجي واذا ترابها كالمسك فاذا جارية تنغمس في انهار الجنة فقلت لمن انت يا جارية؟ فقالت لزيد ابن حارثة فبشرته بها حين اصبحت، واذا بطيرها كالبخت(و البخت بالضم الابل الخراسانية والجمع بخاتى)

واذا رمانها مثل الدلاء العظام، واذا شجرة لو ارسل طائر في اصلها ما دارها تسعمائة سنة، وليس في الجنة منزل إلا وفيها فرع منها فقلت ما هذه يا جبرئيل؟ فقال هذه شجرة طوبى، قال الله طوبى لهم وحسن مآب، قال رسول الله صلى الله عليه وآله فلما دخلت الجنة رجعت إلى نفسي فسألت جبرئيل عن تلك البحار وهو لها واعاجيبها قال هي سرادقات الحجب التي احتجب الله بها ولولا تلك الحجب لهتك نور العرش كل شئ فيه، وانتهيت إلى سدرة المنتهى فاذا الورقة منها تظل به امة من الامم فكنت منها كما قال الله تبارك وتعالى: ” كقاب قوسين او ادنى ” فناداني ” آمن الرسول بما انزل اليه من ربه ” وقد كتبنا ذلك في سورة البقرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا رب اعطيت انبيائك فضائل فاعطني، فقال الله قد اعطيتك فيما اعطيتك كلمتين من تحت عرشي: ” لا حول ولا قوة إلا بالله ولا منجا منك إلا اليك ” قال وعلمتني الملائكة قولا اقوله إذا اصبحت وامسيت: (اللهم ان ظلمي اصبح مستجيرا بعفوك وذنبي اصبح مستجيرا بمغفرتك وذلي اصبح مستجيرا بعزك وفقري اصبح مستجيرا بغناك ووجهي الفاني البالي اصبح مستجيرا بوجهك الدائم الباقى الذي لا يفنى) ثم سمعت الاذان فاذا ملك يؤذن لم ير في السماء قبل تلك الليلة فقال: الله اكبر الله اكبر فقال الله صدق عبدي انا اكبر فقال: اشهد ان لا إله إلا الله اشهد ان لا إله إلا الله فقال الله صدق عبدي انا الله لا إله غيري، فقال: اشهد ان محمدا رسول الله اشهد ان محمدا رسول الله فقال الله صدق عبدي ان محمدا عبدي ورسولي انا بعثته وانتجبته، فقال: حيى على الصلاة حيى على الصلاة فقال صدق عبدي ودعا إلى فريضتي فمن مشى اليها راغبا فيها محتسبا كانت له كفارة لما مضى من ذنوبه، فقال: حي على الفلاح حي على الفلاح فقال الله هي الصلاح والنجاح والفلاح، ثم اممت الملائكة في السماء كما اممت الانبياء في بيت المقدس، قال ثم غشيتني صبابة فخررت ساجدا فناداني ربي اني قد فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى امتك فقم بها انت في امتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله فانحدرت حتى مررت على ابراهيم فلم يسألني عن شئ حتى انتهيت إلى موسى فقال ما صنعت يا محمد؟ فقلت قال ربي فرضت على كل نبي كان قبلك خمسين صلاة وفرضتها عليك وعلى امتك فقال موسى يا محمد ان امتك آخر الامم واضعفها وان ربك لا يرد عليك شيئا وان امتك لا تستطيع ان تقوم بها فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لامتك، فرجعت إلى ربي حتى انتهيت إلى سدرة المنتهى فخررت ساجدا ثم قلت فرضت علي وعلى امتى خمسين صلاة ولا اطيق ذلك ولا امتي فخفف عني فوضع عني عشرة فرجعت إلى موسى فاخبرته فقال ارجع لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فاخبرته فقال ارجع وفى كل رجعة ارجع اليه اخر ساجدا حتى رجع إلى عشر صلوات فرجعت إلى موسى فاخبرته فقال لا تطيق فرجعت إلى ربي فوضع عني خمسا فرجعت إلى موسى فاخبرته فقال لا تطيق فقلت قد استحييت من ربى ولكن اصبر عليها فناداني مناد كما صبرت عليها فهذه الخمس بخمسين كل صلاة بعشر، من هم من امتك بحسنة يعملها كتبت له عشرة وان لم يعمل كتبت واحدة(اي لم يقدر على فعلها وهذا كما قال صلى الله عليه وآله نية المؤمن خير من عمله) ومن هم من امتك بسيئة فعملها كتبت عليه واحدة وان لم يعملها لم اكتب عليه شيئا فقال الصادق عليه السلام جزى الله موسى عن هذه الامة خيرا وهذا تفسير قول الله: ” سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ” الآية.

وروى الصادق عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله انه قال بينا انا راقد بالابطح وعلي (ع) عن يميني وجعفر عن يساري وحمزة بين يدي واذا انا بخفق اجنحة الملائكة وقائل منهم يقول إلى ايهم بعثت يا جبرئيل؟ فقال إلى هذا واشار الي ثم قال هو سيد ولد آدم وحواء وهذا وصيه ووزيره وختنه وخليفته في امته وهذا عمه سيد الشهداء حمزة وهذا ابن عمه جعفر له جناحان خصيبان يطير بهما في الجنة مع الملائكة دعه فلتنم عيناه ولتسمع اذناه وليعي قلبه واضربوا له مثلا ملك بنى دارا واتخذ مأدبة وبعث داعيا، فقال النبي صلى الله عليه وآله فالملك الله والدار الدنيا والمأدبة الجنة والداعي انا، قال ثم ادركه جبرائيل بالبراق واسرى به إلى بيت المقدس وعرض عليه محاريب الانبياء وآيات الانبياء فصلى فيها ورده من ليلته إلى مكة فمر في رجوعه بعير لقريش واذا لهم ماء في آنيه فشرب منه واهرق باقى ذلك وقد كانوا اضلو بعيرا لهم وكانوا يطلبونه فلما اصبح قال لقريش ان الله قد اسرى بي في هذه الليلة إلى بيت المقدس فعرض علي محاريب الانبياء وآيات الانبياء وانى مررت بعير لكم في موضع كذا وكذا وإذا لهم ماء في آنية فشربت منه واهرقت باقى ذلك وقد كانوا اضلوا بعيرا لهم، فقال ابوجهل لعنه الله قد امكنكم الفرصة من محمد سلوه كم الاساطين فيها والقناديل ، فقالوا يا محمد ان ههنا من قد دخل بيت المقدس فصف لنا كم اساطينه وقناديله ومحاريبه؟ فجاء جبرئيل فعلق صورة البيت المقدس تجاه وجهه فجعل يخبرهم بما سألوه فلما اخبرهم قالوا حتى تجيئ العير ونسألهم عما قلت، فقال لهم وتصديق ذلك ان العير تطلع عليكم مع طلوع الشمس يقدمها جمل احمر، فلما اصبحوا واقبل ينظرون إلى العقبة ويقولون هذه الشمس تطلع الساعة فبيناهم كذلك إذ طلعت العير مع طلوع الشمس يقدمها جمل احمر فسألوهم عما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا لقد كان هذا، ضل جمل لنا في موضع كذا وكذا ووضعنا ماء‌ا واصبحنا وقد اهريق الماء فلم يزدهم ذلك إلا عتوا. –  تفسير القمي لعلي بن إبراهيم ج2 ] .

( سبحان ) :

 

سبحان لفظ تنزيه لله عز وجل من كل عيب أو نقيصة لقوله تعالي (فسبحان الله رب العرش عما يصفون – الأنبياء 22) و هو منزه عن الشريك في الملك سبحانه وتعالى كما في قوله عز وجل )هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ – الحشر23)

وهو منزه عن كل متقول عليه تبارك وتعالى بغير حق منزهاً عن العيب والنقائص

قال تعالي أيضًا (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً-الإسراء43) وهو منزه سبحانه وتعالى عن الزوجة والولد  قال تعالى تعالى (مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ – مريم35) .

 

و سبحانه تنزيهًا له تبارك و تعالى من الشرك والولد وكل نقيصة و السماوات و الأرض جميعًا يسبحن بحمده كما في قوله تعالى : {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ- الحشر24}

وقال تعالى أيضاً : { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنّ-الإسراء 44} ويقول تعالى :

 

ولا يوجد شيئ نعلمه أم لم نعلمه إلا ويسبح بحمده تعالى تعظيماً وإجلالً له عز وجل ولكن لا نفقه تسبيحهم قال تعالى : { وَإِن مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم-الإسراء 44} وقال تعالى أيضاً { وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ-الزمر75 } ولذلك الله تبارك وتعالى منزه من كل عيب ونقيصه أو  شبيه وهو المُسَبحُ بحمده سبحانه وتعالى من كل مخلوق نراه أم لم نراه نعلمهأم لم نعلمه وذلكلأنه تعالى قال { ويخلق مالا تعلمون – النحل } .

وأما قوله تعالى :

(الَّذِي )

و هنا ورود هذا اللفظ في قوله تعالى { الله الذي رفع السماوات والأرض بغير عمد ترونها } وقال تعالى { الذي خلق سبع سماوات طباقا} يبين أن الخالق سبحانه وتعالى المنزه عن كل عيب ونقيصة أو شبيه هو الذي رفع السماوات والأرض بغير عمد ترونها في سبع طباقاً وهنا في الآية يبين لنا عز وجل أنه هو الذي أسرى بعبده ليلاً  كما قال تعالى { سبحان الذي أسرى بعيده ليلاً من المسجد لحرام إلأىة المسد الأقصى} . وأما :

( أَسْرَى )

سرى بفلان وصاحبه ليلاً في وقت اشتداد الظلمة يقول تعالى (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ-الدخان23) وقال تعالى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ-الشعراء52) وهذا الإسراء كان لمنطقة سيناء مما يدل على أن الإسراء كان بين المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مروراً بطور سيناء كما أخبرت السنة أنه صلى الله عليه وآله  صلى بطور سيناء ركعتين وقال له جبرائيل عليه السلام ” أتدرى أين صليت يا محمد فقال له صليت بطور سيناء حيث تجلى ربك إلى موسى (عليه السلام) ”

[ روى البراز والطبراني والبيهقي وصححه في كتابة “دلائل النبوة” من حديث شداد بن أوس أن النبي صلي الله عليه وسلم لما أسري به مر بأرض ذات نخل . فأمره جبريل عليه السلام أن ينزل من فوق البراق ليصلي . فصلي ثم أخبره أن المكان الذي فيه هو يثرب أو طيبة . وإليها المهاجرة . ثم أمره أن يصلي عندما مر بمدين عند شجرة موسي . وهي التي استظل بها بعد أن سقي الغنم للمرأتين قبل أن يلتقي بأبيهما- كما قال بعض الشراح . ولما مر الركب بطور سيناء أمره أن يصلي أيضا . وذلك حيث كلم الله موسي. وعند المرور ببيت لحم صلي أيضا. وذلك حيث ولد عيسي بن مريم. البيهقي في دلائل النبوة ] .

والآية هنا تبين أن هذا الإسراء كان بقطع من الليل كما قال تعالى (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ- هود81) أي في وقت اشتداد الظلمة .

وأما :

( بعبده )

أي عبد الله وهو سيدنا محمد كما في قوله تعالى { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا – الجن } أي كادوا يهجمون عليه فتكاً كالأسد اللابد تكذيباً له كما قالوا له يختبروه ” إذا صف لنا المسجد الأقصى ” فوصفه لهم والحادثة بطولها في السيرة النبوية المطهرة .

وأما :

( ليلاً )

كقوله تعالى { فأسر بعبادي بقطع من الليل – هود 81  }ولورود هذا اللفظ في قوله تعالى عن قيام الليل وقت السحر عند اشتداد الظلمة  في قوله تعالى { إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ  وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ – المزمل } . وهنا الآية تبين أن هذا الوقت كان وقت إسراء رسول الله صلى الله عليه وآله  .

وأما :

( من المسجد الحرام )

والمسجد الحرام وردت هذه الآيات في قوله تعالى { لتدخلن المسجد الحرام آمنين – الفتح 27} .

أي أنه دخل المسجد الحرام صلى الله عليه وآله آمناً وكان في هذه الرحلة أول تحويل للقبلة لورود “المسجد الحرام”  في قوله تعالى { فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره- البقرة 144 } .

وبالفعل السيرة النبوية تؤكد أن فرض الصلاة للقبلة الحالية وهى  المسجد الحرام كان في حادث الإسراء والمعراج  كما أن ورود الآية في قوله تعالى { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام – البقرة 149} تشيرإلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى ركعتين في المسجد الحرام في أثناء رحلته النورانية إلى المسجد الأقصى ثم العروج به صلى الله عليه وآله إلى سدرة المنتهى .

وورود الأيات في قوله تعالى { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين- الفتح 27} والآيات هنا تشير هنا إلى ان رسول الله كان آمناً في هذه الرحلة منشرح الصدر فرحاً كما فرح بفتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجاً وهنا كان فرحه بلقاء أنبياء الله والإطلاع على الجنة والنار ووصوله صلى الله عليه وآله إلى سدرة المنتهى .

وأما :

(إلى المسجد الأقصى)

الأقصى أي البعيد وقد وصف المسجد بأنه أقصى ووصفت العدوة بأنها قصوى (إذ أنتم بالعدوة القصوى) اي البعيدة لمكان المخاطبين – معجم الفاظ القرآن باب القاف فصل الصاد والواو ] .

ومصدر اللفظ قصو وقصيا ورد في قوله تعالى عن سيدتنا مريم عليها السلام { فحملته  فانتبذت به مكاناً قصيا –  مريم 22} أي أن الله تعالى اسرى برسول الله صلى الله عليه وآله إلى المسجد والمكان الذي ولد به عيسى عليه السلام وعاش ودفن فيه آل إبراهيم والأنبياء من ذريته وهو المسجد الأقصى .

وكانت هذه هى رحلة الإسراء من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بفلسطين مروراً بطور سيناء في مصر كما في أحد روايات كتاب قصص الأنبياء للثعلبي أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى ركعتين في طور سيناء .

وهذه هى الأماكن المباركة التي نزلت بها الكتب السماوية  لقوله تعالى :

(الذي باركنا حوله)

[  والبركة : الخير والنماء وبارك الله في الشيئ وعليه وحوله : جعل فيه الخير والنماء وتبارك الله تقدس الله تعالى – معجم الفاط القرآن الكريم – ج1 – باب الباء فصل الراء والكاف ] .

قال تعالى { ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض – الاعراف 96} .

وهذه البركة بسبب الإيمان بكتب الله المنزلة وآخرها القآن الكريم المهيمن على ماقبله من كتب قال تعالى فيه { وهذا كتاب أنزلناه مبارك –الأنعام92} فالتوراة و لألواح بسيناء بمصر والإنجيل ببيت المقدس والقرآن الكريم في جزيرة العرب .

ولذلك قال تعالى هنا { الذي باركنا حوله } وهذه البركة لن تأتي حصراً إلا من خلال أهل بيت النبي عليهم السلام لورود لفظ البركة في قوله تعالى عنهم { رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد – هود 73} .

وكل من عمل بكتاب الله تعالى وولاية أهل البيت عليهم السلام فقد وعده الله تعالى  النصر والتمكين وميراث الأرض كما مكن بني إسرائيل من قبل في  قوله تعالى { وأورثنا الأرض الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى علي بني إسرائيل ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون-  الأعراف 137} .

فلما كفر بني إسرائيل ووكل الله تعالى بها أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله خاتم النبيين إذاً فهم الموعودون بالنصر بعد أن كفر بها بنو إسرائيل وقتلوا أنبيائهم كذلك يتكرر المشهدبأن يقتل هؤلاءأهل بيت النبي الخاتم سيدنا محمد في إفساد كبير لهم مرتين بعد أن علموا بأن النبوة خرجت منهم لأولاد إسماعيل عليه السلام وأن الله تعالى وكل الرسالة لخاتم الانبياء والأئمة من ذريته كما في قوله تعالى { فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكطلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين- الأنعام} .

 (حوله)

وحوله اي حول المسجد الاقصى من كل الاتجاهات قال تعالى { وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم – الزمر 75} .

وهذا التسبيح وهذه البركة هنا فيما حول بيت المقدس هنا لقوله تعالى { الذي باركنا حوله – الإسراء1} وهذه الاماكن المباركة التي عاش فيها الأنبياء وسكنوها وعمروها وتنقلوا فيما بينها وهى الحجاز والذي استأثر بالقرآن الكريم والشام والذي نزل فيه الإنجيل وسيناء التي تلقى فيها موسى عليه السلام الألواح والعراق الذي عاش فيه بعض أنبياء الله ومنهم إدريس وإبراهيم ويونس (عليهم السلام)  .

(لِنُرِيَهُ منْ آيَاتِنَا)

وهنا (لنريه من آياتنا) أي كما قال تعالى . { لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى- طـه23}  أي ان تلك الآيات المعجزات ستكون بهذه البقاع المباركة وسيريه الله تعالى أحداثاً يمر بها العالم في الدنيا ومكانة كل فريق من أولاد قابيل وأولاد المظلوم هابيل في الدنيا والآخرة ومن هذه الأمور يريه الله تعالى مواضع وأماكن سنزل بها عذاب على أفراد محددين من قريش و  أمم ظالمة لأمته وأهل بيته عليهم السلام من بعده وهذا بعض ما وعد الله تعالى هؤلاء في الدنيا وقال تعالى فيه :  { فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُون َ- غافر 77}

وبعض الذي نعدهم ما سيقع بهم من عذاب في الحياة الدنيا  إلي قيام الساعة

والله تعالى قادر على أن يريه صلى الله عليه وآله  كل ما هو كائن إلى يةوم القيامة    لقوله تعالى : { وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ- المؤمنون95}.

وهنا قدرة الله لا تحد فيمكن أن يريه كما في حادث الإسراء والمعراج أو بالرؤيا أو بالوحي يمكن أن يريه الله تعالى آياته وما توعد به الكافرين والمنافقين وما سيفعلونه بأمته وما سيفعله الله تعالى بهم  ,  والرؤيا إما مناميه لقوله تعالى هنا : { إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ-الأنفال43}

ويمكن أن يرى بالوحى كما رفع جبرائيل المسجد الأقصى له يراه فيعدد أبوابه ونوافذه وهذا الوحى مثلاً يقول تعالى فيه { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ- الفيل1} .

والصحيح أنه أسرى به بالجسد الطيني العلوي الذي كان يعيش به بني آدم في جنة عدن في قوله تعالى عن كل بني آدم  { ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا فسجدوغ إلا إبليس- الأعراف} .

وهذه المرحلة كانت بالجسد الطيني العلوي الذي قال فيه تعالى لسيدناآدم { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ولا تظمأ فيها ولا تضحى- طه} .

فإذا برزت السوءة فهى الجسد الطيني السفلي وهو جسد لا يصلح لمرحلة الصعود إلى جنات عدن والفردوس الأعلى وهذه السوءة قال تعالىفيها بعدما أكل سيدنا آدم {فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما-} وهذه السوءة لا تصلح لمهمة الصعود إلى جنة عدن وهنا نحذر القتلة المجرمين من الصهاينة والماسون والوهابية أنكم لا تقتلون المسلمين فالقتل يخفي الجسد ويظل باقياً متحولاً لقوة أكبر ومن هنا دائماً بعد قتل المؤمنين يحدث ابتلاءات وهلاك عام ريح زلازل براكين غرق فيضانات تفرق بين القوى المتآلفة وتناحرها يكون بسنن إلهية من جراء القتل للمسلمين بغير حق .

أى أنه رأى بعينه وبصيرته وجسده الطيني العلوي ومصير أعداء الله في النار ورؤية أنبياء الله تعالى في الجنة كما في قوله  { وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ-المؤمنون95}  وهل يدخل رسول الله الجنة للإطلاع على من فيها والتخاطب مع الأنبياء والمرسلين ورؤية مكانتهم  بهذا الجسد المليئ بالعذرة والبول والدماء ؟ّ  .

قطعا هو جسد طيني ولكن أطلق الله تعالى عليه سوءة وهى لا تصلح لدخول الجنة كألأن النفس في حلة دنيوية يطلق عليها سوءة فإذا خلها الإنسان أصبح جسده مهيئ لدخول الجنة .

كما أن قوله تعالى (وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ-المؤمنون95)

فهو بالقطع صلى الله عليه وآله رأى ما سيحدث لمنافقى أمته والكفار منهم  وكان هذا في حادثة المعراج  عل الأرجح هنا في الآية  أن الله تعالى قد بين لرسول الله صلى الله عليه وآله أناساً بأعيانهم حادوا الله ورسوله وليسوا بمجهولين و بين له تعالى أحداثاً  تقع إلى يوم القيامة بأشخاصها وأعيانها ووقائعها وما ستفعله الأمة بأهل بيته وبدين الإسلام من بعدة  .

( آياتنا )

أي تأتيهم بعض آيات ربك وهى من علامات الساعة كإشارة على أن أحداثاً ستقع بهذه البقاع هى من علامات الساعة ومنها الحروب العربية الإسرائيلية كما ستبين الآيات فيما بعد بوعد أولاهما بجزيرة العرب ثم وعد الآخرة بالشام مع الفلسطينيين الآن وحزب الله ومنظور ظهور قوة إسلامية عاتية بسيناء في المستقبل القريب  قال تعالى (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُون َ- الأنعام 158) والآيات كلها خاصة المستقبلية التي تخص علامات الساعة والتي سنعرفها في آخر الزمان كما في قوله تعالى (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا – النمل 93) .

فنحن سنعرفها في آخر الزمان ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله عرفها وبينها وبين علامة كل دوله منذ وفاته إلى قيام الساعة حيث جلس معهم في الحديث المشهور يحدثهم بما هو كائن إلى يوم القيامة من بعد صلاة الفجر وحتى صلاة العشاء وكان هذا بعد حادث الإسراء والمعراج حيث عرج به إلى السماء  وهذه حادثة   من الآيات التي جعل الله تعالى الأمة تراها ولا يبنكرها إلا جاحد فقد شرح لهم صلى الله عليه وآله صفات المسجد الأقصى بعد أن كذبوه صلى الله عليه وىله فأراه الله تعالى المسجد الأقصى وآيات الله تعالى  سيظهرها تعالىآخر الزمان ولن ينكرها إلا جاحد  قال تعالى (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُون َ- غافر81) .

أي أن كثير اًمن الناس أنكرت هذه المعجزة الإلهية خاصة في زمان البعثة النبوية الشريفة وكذبوه فبين لهم ما رآه من قوافل  بين مكة والشام في الطريق ورفع له جبريل الأمين المسجد فشرح لهم وصفه وعدد نوافذه وأبوابه ثم بين مكانة أناس فيهم فى النار وفى الجنة  ووصف المسجد الأقصى لهم . ولبيان كلمة

ثم يقول تعالى :

( إِنَّهُ هُوَ (السَّمِيعُ )

( وسميع) أى أنه تعالى يسمع كل شئ لقوله (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ –  الزخرف80) .

ولبيان أنه تعالى يسمع الناس  يقول تعز وجل (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى الله-المجادلة1) .

وهو سبحانه وتعالى كان سميعاً بصيرأ لكل شيء قبل خلقه .قال تعالى ( وكان الله سميعاً بصيرا – النساء 134 ) وأما :

( بصير )

أى بأعمالهم قبل خلقهم كما في قوله تعالى (وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً-الفتح24) ويقول تعالى (وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً-الفرقان20)  ويقول تعالى أيضاً (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً– فاطر45)

وهنا بصيراً  يرى كل أعمالهم سبحانه وتعالى وقد أحاط بها علماً قبل خلقهم ولذلك يقول تعالى (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً-الطلاق12) ويقول تعالى (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى- العلق14).

ويقول (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى- النجم40) ومن هنا يتبين لنا أن الله تعالى (سميع بصير) على أعمال بنى آدم وعلى ما سيفعلونه فهو رقيب عليهم وهو كان بعملهم عليم قبل خلقهم فكأن الله تعالى يقول (لنريه من آياتنا) بما أريناه وسمعناه جعلناه يسمع ويبصر صلى الله عليه وآله ماسيفعله بنوا إسرائيل في المسلمين  في وعد الأولى على زمانه صلى الله عليه وآله ثم وعد الآخرة كما ستبين الآيات فيما بعد  و الكلام عنهم ..

(وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً- الإسراء2)

 

وهنا يبدأ الله تعالى بسرد الأحداث وبدايتها أنه  عز وجل انزل التوراة على سيدا موسى في قوله تعالى :

( وآتينا موسى الكتاب)

أى أن الله تعالى أنزل آتي موسى الكتاب تماماً وتفصيلاً لكل شيئ وفيه هدى ورحمة كما في قوله تعالى { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ-الأنعام154}  أى أن الله تعالى أنزل التوراة فيها هدى ونور ويحكم بها الربانيون المستسلمون بالإسلام الله تعالى بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء  .

( وجعلناه هدى )

أي أنه تعالى انزل التوراة في ها هدى ونور كما في قوله تعالى : ( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ-المائدة44) وهذا تمام معنى قوله تعالى هنا {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً- الإسراء2} فإن توكلوا على أهوائهم وأرائهم ونبذوا كتاب ربهم وراء ظهورهم فقد كفروا بالله تعالى كما في قوله تعالى  :{ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ-المائدة44}  .  ولذلك حذرهم الله تعالى هنا قائلا : { ألا تتخذوا من دوني وكيلاَ }

ثم يقول تعالى :

( أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي)

وردت هذه الآيات في تحذير الله تعالى من ترك كتاب الله تعالى و العمل بالهوى وهو إله ثاني مع الله تعالى قال فيه محذراً  : { وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد – النحل } والإله الثاني هو الهوي كما في قوله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ – الجاثية 23 } وهذا من عمل الشيطان الذي  يدفع العبد بالهوى لترك كتاب ربه والتوكل على غير الله تعالى فيتولى بذلك شياطين  الجن  والإنس  كما في قوله تعالى{ فريقاً هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ  – الأعراف 50 } وهنا يحسبون أنهم مهتدون لأن الله تعالى حذر من ذلك في قوله تعالى : { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا – فاطر 6 } وهذا الشيطان له ذرية كل من توكل على غير الله تعالى فقد وقع في ولاية هؤلاء ولذلك يقول تعالى لهؤلاء يوم القيامة : { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا- الكهف 50 } ومن يفعل ذلك فقد خسر خسراناً مبيناً  كما في قوله تعالى  :

 

{ ومن يتخذ الشيطان ولياً من دون الله فقد خسر خسراناً مبينا- النساء 119}  وخسارتهم الدنيا والآخرة هنا لأنهم توكلوا على غير الله تعالى وتولوا شياطين الإنس والجن ولوكانوا مؤمنين بالله لاتخذوه وكيلا عملاً بقوله تعالى هنا { ألا تتخذوا من دوني وكيلا} ولو توكلوا على الله تعالى لتولوه عز وجل ورسله والذين آمنوا قال تعالى مبيناً  ذلك : { لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً  وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ – آل عمران 28 }

وأما :

( وكِيلاً) الإسراء 2)

التوكل على الله شرطاً من شروط الإيمان ورد في قوله تعالى على لسان سيدنا موسى  عليه السلام في قوله تعالى : { فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ  وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ – يونس 83-86} .

ويبين تعالي ان من قوم موسى عصوه ايضا فبين رجلان مؤمنان لهم ان التوكل علي الله شرطا من شروط الايمان فكفر الكثير منهم كما في قول تعالى { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ  يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ  وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ – المائدة 20-23 } .

وواضح هنا أن هؤلاء الذين عصوا موسى كانوا ذرية بعض الذين ركبوا السفينة مع سيدنا نوح كما في الآيات هنا  وقال فيهم { وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا  ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا – الإسراء 2-3 } .

والتوكل على الله الاستسلام وتفويض الأمر إليه  عز وجل فلما كفر بهذه الرسالة بني إسرائيل بين عز وجل أنه وكل بها سيدنا محمد وآل بيته (عليهم السلام) كما في قوله تعالى عن آل إبراهيم المحسودون  عليهم السلام :

{ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ  فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ  قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا  إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ -الأنعام89-90} وهؤلاء هم المحسودون من بني إسرائيل إلى ان يفصل الله تعالى بين الحزبين في آخر الزمان في وعد الآخرة قال تعالى {أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْآتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا – النساء 54-55} وهذه الرسالة بإمامة أهل البيت عليهم السلام رفضتها قريش وكذبت بها كما في قوله تعالى إنما الوكيل على الناس هو خالقهم ولقوله تعالى (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بوكيل-الأنعام66)

وقال تعالى ايضاً لرسوله صلى الله عليه وآله { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ-الزمر41}

وما دامت قريش كفرت بها وهم قوم رسول الله صلى الله عليه وآله وبني إسرائيل يبين تعالى أنه وكل بها آل بيت البنوة عليهم السلام ولن يكونوا بها كافرين كما في قوله تعالى : { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ  فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ  قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا  إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ -الأنعام89-90}

ثم يقول تعالى مبيناً أن هؤلاء ليسو ذرية نوح بل من حملنا مع نوح منزهاَ إياه  عن الكفر والإفساد في الأرض الذي سيفعله هؤلاء آخر الزمان مؤكداً أن سيدنا نوح عليه السلام كان عبداً شكورا . قال تعالى

(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً-الإسراء3)

وهنا :

(ذرية من حملنا مع نوح)

(ذرية)

الذرية دائما إما مؤمنة مسلمة أو ظالمة كما قال تعالى في ذرية نوح  إبراهيم عليهما السلام وجعل النبوة إرثاً في تلك الذرية التي اصطفاها الله عز وجل { ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون – الحديد 26 } ويقول تعالى أيضاً مبيناً أن هذه الأكثرية منها المحسن ومنها الظالم   في قوله تعالى { وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين – الصافات 113} .

وهذه الأكثرية الظالمة هنا ستظل موجودة حتى لقاء الله تعالى وقولهم عند الحساب  {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ  قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون – الأعراف 172-173}  وهذه الذرية التي ظلمت نفسها بعد الطوفان  كانوا في سفينة سيدنا نوح عليه السلام من ذرية قابيل أول ظالم قتل أخاه على الأرض أو ابناء نساء من ذريته نزعهم عرق من أبيهم فيما بعد فأفسدوا في الأرض كما افسد أبوهم من قبل

وذلك لأنه تعالى ربط بين  بني إسرائيل آخر الزمان وقضية أول قاتل على الأرض بما يؤكد أنهم من ذرية هذا القاتل في قوله تعالى  { فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ  مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ – المائدة 31-32} . وهنا { من أجل ذلك }  لأنهم ذرية قابيل أول قاتل على الأرض

وأما :

( من حملنا)

ومن حملنا هنا في السفينة سيدنا نوح وذريته وكذلك أناس سيخرج من خلفهم خلوف يتبعون الشهوات وهم قتلة الأنبياء الوارد ذكرهم في قوله تعالى { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا  فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا – مريم 58-59 } وهؤلاء هنا الذين اتبعوا الشهوات ذرية من حملنا مع نوح كما في الآية هنا { ذرية من حملنا مع نوح} .

وأما (ذرية من حملنا مع (نوح)

وهنا ورد اسم سيدنا نوح في قوله تعالى :  (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ-هود48) .

وهنا أمم ممن معك وهم ذرية نوح الصالحة المؤمنة وذلك لأن أمماً ورد فى قوله تعالى فى الأسباط (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً –  الأعراف 160) وهم ذرية يعقوب النبي عليه السلام  ولذلك فى سورة هود (وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَك – هود 48) وأمم ممن معك ليس جميعهم فمنهم الطيور والحيوانات قال تعالى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ- الأنعام 38)

ولكن البركات خاصة بأمة نوح وأولاده وهم الذين اصطفاهم الله عز وجل فى آية الاصطفاء {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران علي العلمين ذرية بعضها من بعض- آل عمران}

والبركات تأتى ومعها الرزق كما بينا في قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض-الأعراف 96)  وبينا أن البركة تنزل بسبب الإيمان بالله تعالى لقوله تعالى  (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْه – الأنعام 92) وهذه البركات لا تنزل إلا على أولاد بنى آدم الذين اصطفاهم الله عز وجل لأنه أوكل بها هؤلاء كما فى قوله تعالى ( وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ- الصافات113 ) .

وقد قطعهم الله تعالى أثنا عشرا سبطاً نقباء من أولاد إبراهيم كما فى قوله تعالى (اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبا- المائدة 12) .

ومن هنا يكون قوله تعالى (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَك-هود 48) .

وهم أهل البركات المنزلة عليه وهى الرسالة على نوح وأمم ممن معه أثنى عشر سبطا له أنزل الله تعالى عليهم البركة من نوح ( عليه السلام ) وأورثها إياهم من دون الأمم والطيور والحيوانات التي معهم ثم تكلم القرآن على أمةً أخرى معهم قال تعالى فيها (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ – هود 48) .

والمتاع في الدنيا قال تعالى فيه { فما أوتيتم من شيئ فمتاع الحياة الدنيا – الشوري 36} وكل اقتصاد العالم الآن ومنذ القرن الخامس عشر الميلادي بعد سقوط الأندلس في يد الصليبيين وبداية إعادة إحياء الفكر الصهيوني لبني إسرائيل قتلة الأنبياء فهؤلاء وكل من تولاهم غارقون في متاع الحياة الدنيا كالبهائم ثم مأواهم جهنم وبئس المصير قال تعالي { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم – محمد 12} .

وهذا المتاع نالوه بالبغي والقتل على كل دول العالم خاصة المسلمين فبدأوه بالهنود الحمر وانتهوا بالعرب السمر وما بينهما من قتل بني الأصفي في أسيا والسود في أفريقيا  قال تعالى مبيناً أن المتاع  الزائد عن الحد الشرعي من البيت والدابة والزوجة الصالحة لا يناله الناس إلا بالغي  على أنفسهم قال تعالى : { يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا – يونس 23 } .

والغريب أن القرآن يكشف علاقة وطيدة بين الجن والإنس آخر الزمان في الإستمتاع في قوله تعالى { ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا – الأنعام 128}  .

وهذه العلاقة حقيقية نشأت بعد خروج كل أثار الفراعنة الذين كانوا يستخدمون فيها السحر والتحنيط وفك شفرة اللغة الفرعونية المسماه بالهيروغليفية وهذه تسمى بعدة الكاهن حصلت عليها تقريباً  كل أجهزة المخابرات العالمية وعلى رأسها الكيان الصهيوني والسعودي والأمريكي ولكن الإيمان بالله تعالى ورسوله وأهل بيته و الصلاة على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد يبطل هذا السحر وهذا سر هزيمتهم أمام شيعة أهل البيت (عليهم السلام) منذ مطلع القرن الماضي وانهيار المذهب السني الذي اندمج بالوهابية والسلفية التي أخرجته عن سنيته وأصبحوا يعتقدون عقائد الخوارج {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}  بمعني لو تفحصت عقائد أهل السنة في القرون الخمسة الأولى لن تجدها إلا التزام بالقرآن والحديث والأمة الواحدة وشيعي يتتلمذ على يد عالم سني وعالم سني يتتلمذ على يد عالم شيعي من أهل البيت (عليهم السلام)  حتى وضع اليهود الدسيسة بين المسلمين وحرفوا دينهم الذي أصبح عاموده ابن تيمية وابن عبد الوهاب الذين يعتقدون عقائد الخوارج ومع قلة علم العلماء وقلة جهدهم في البحث سلموا بالفكرة أن ابن تيمية اعظم عالم فضلوا وأضلوا جبلاً كثيراً بعدما بعدوا عن كتابالله تعالى وسنة نبيه وعلم السلف الصالح الحقيقي والذي استبدله الإستعمار البريطاني لهم بكتب ابن تيمية وابن عبد الوهاب .

والأجل نهاية هذه الأمة يكون ببعثة الإمام آخر الزمان من ذرية الرسل والأنبياء وآخرهم سيدنا محمد لورود لفظ المتاع واقترانها بقدوم الحق ورسول مبين في قوله تعالى  :

{ بل متعت هؤلاء وآبائهم حتى جائهم الحق ورسول مبين- الزخرف 29} وهذه الآية وردت بعد ذكرقوم رسول الله صلىالله عليه وآله وقولهم الملائكة اناثاً ثم ذكر قوم ابراهيم وكفرهم بالله تعالى  بين تعالى انه نزل بهم العذاب بعد ما جائهم الحق ورسول مبين وهكذا سيتكرر هذا الالمر آخر الزمان بدليل أيات سورة الزخرف بعد ذلك في الآية 33 تقول : { وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ  وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ – الزخرف 33-35 } .

والآية تتحدث عن صعود الإنسان لطبقة السماء الأولى وذلكلأن معاج جمع مفردها معراج قال تعالى فيه { تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} أي في عصر المعار سيكون متاع أولاد قابيل بالبغي على العالم وهلاكهم سيكون ببعثةإمام قد أظلنا زمانه إن شاء الله تعالى

وهو نفس معنى قوله تعالى أيضاً بصيغة الجمع:(وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ-هود 48) .

وهنا متعهم الله تعالى باستحبابهم الحياة الدنيا والعمل لها لقوله تعالى (ِقَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّار-البقرة126) وحيث أن نوح ( عليه السلام ) كان قريب عهد من شيث عليه السلام وإدريس ثم آدم عليه السلام فهؤلاء المؤمنون معه كان بينهم منافقون من ذرية قابيل قاتل أخيه والذين تشعبت بهم الأنساب ومع نزولهم من الفلك و بعد نجاتهم انقلب أكثرهم على عقبيه وعملوا للحياة الدنيا بعد ما اطمئنوا لها وعبدو ا ودا وسواعاً ويغوث ويعوق ونسرا كما قال تعالى : { وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسرا- نوح }  فنبذوا كتاب الله ووصايا نوح والأنبياء عليهم السلام وراء ظهورهم  بعدما رأوا بأعينهم آيات الله المتلوه المنزلة على نوح عليه السلام و الآيات التي شاهدوها وعاينوها من إنقاذ الله لهم بإيمانهم بعد هلاك العالم    .

وبعد النجاة كان يطلق عليهم من المؤكد أبناء عمومة معه أو خؤولة أو دخل فيهم بنات قابيل ما تلوثت به أنسابهم  وذلك معلوم من قول رسول الله صلى الله عليه وآله : (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس – الحديث ) فاندست الأعراق الفاسدة وأطلق عليهم القرآن الكريم هنا تنزيهاً لنوح والأنبياء والأئمة من ذريته عليهم السلام أن هؤلاء ليسوا ذرية نوح بل { ذرية من حملنا مع نوح  إنه كان عبداً شكورا }  وهنا يببين تعالى أن العالم انقسم لقسمان أو  :

لأمتان من بنى آدم :

  • أولاد نوح المؤمنون وهم مؤمنون كل زمان حتى محمد رسول الله وآل بيته جميعاً إلى أخر الزمان .
  • أولاد قابيل الذين آمنوا معه ثم انقلبوا على أعقابهم ومنهم بنو إسرائيل الآن ولذلك عندما قال تعالى قصة قتل أبني آدم فى قوله تعالى (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ -المائدة 31) ثم أعقبها بقوله (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً- المائدة 32) وتحملهم لأوزار قتل الأولين والآخرين لأنهم أبناء قابيل قاتل هابيل الأول وهم أيضاً قتلة المؤمنين آخر الزمان

وهؤلاء هم الذين قال تعالى فيهم ( ذرية من حملنا مع نوح ) وليس ذرية نوح وأمته المؤمنه التي عملت بالوصية في ذريته الذين اصطفاهم الله عز وجل في قوله تعالى : { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ  أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ  كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ  وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ  وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ  فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ  وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ  وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ  اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ  اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا  وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ – الشورى 13-15 }

وهذه الوصية التي وصى بها نوحاً عليه السلام وواضح أنمها كانت بمن يخلفه من الأنبياء والوصية بنبي آخر الزمان كما هو معروف أن الأنبياء جميعاً وصوا برسول الله صلى الله عليه وآله ثم الأئمة من بعد ختم النبوة  به صلى الله عليه وآله وهذه العقائد كلها فصلها لهم سيدنا نوح عليه السلام ولذلك برأه الله تعالى من الكفر به تعالى وبسيدنا محمد صلى الله عليه والأئمة من بعده عليهم السلام في قوله تعالى هنا :

وأما ( عبداً )

ورود هذا اللفظ  كصفة لعبودية الله تعالى التي أمر بها في قوله تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } وكل معبود مطاع دون الله تعالى لم ينزل بذلك سلطاناً في قوله تعالى { ويعبدون من دون الله مالم ينزل به سلطانا- الحج71}  ورسول الله صلى الله عليه وآله كان عابداً لله تعالى ولذلك قال تعالى فيه  { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا- الجن} ومعنى ذلك أن سيدنا نوحاً كان عابدا لله تعالى مطيعاً له متخذاً لرسول الله إماماً وداعياً نبوته وإلى كلمة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) عملاً  بالميثاق الذي أخذخ الله تعالى على كل الأنبياء والمرسلين في قوله تعالى {  وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ  قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي  قَالُوا أَقْرَرْنَا  قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ – آل عمران81}

ولذلك قال تعالى في هنا { إنه كان عبداً شكورا} أي لم ينقلب على سيدنا محمد والتبشير به وبآل سيدنا محمد الأئمة من ذريته وذلك لختام النبوة به صلى الله عليه وآله . ثم الأئمة من بعده صلى الله عليه وآله والوهم أميرالمؤمنين صاحب العلم اللدني لورود لفظ عبد في قوله تعالى

( فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً- الكهف65) .

وأصحاب العلم اللدني ثلاثة الخضر وقاصف بن برخيا وأخرهم سيدنا علي صاحب علم الكتاب الذي نزل فيه قوله تعالى { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب }

وهنا [ عن زيد بن علي وعن محمد بن الحنفية وعن سلمان الفارسي وعن أبي سعيد الخدري وإسماعيل السدي أنهم قالوا: في قوله تعالى: ﴿قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب﴾ هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) ] .

 

وروى المنافقون أنه عبد الله ابن سلام اليهودي  فقال سعيد بن جبير في ذلك [ ﴿ومن عنده علم الكتاب﴾ عبد الله بن سلام ؟  قال: لا وكيف ؟ وهذه السورة مكية:. أقول: ورواه في الدر المنثور، عن سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن جبير.- الدر المنثور للسيوطي ] .

 

وفي تفسير البرهان ، عن الثعلبي في تفسيره بإسناده عن معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عباس وروي عن عبد الله بن عطاء عن أبي جعفر: أنه قيل له: زعموا أن الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام قال: لا ذلك علي بن أبي طالب.

 

وبالتالي عبداَ شكوراً أي مؤمناً بالله داعياً لرسول الله صلى الله عيه وآله ومبشراً بالأئمة من بعده وأولهم صاحب علم الكتاب أو العلم اللدني علي ابن ابي طالب (عليه السلا)

(إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) -الإسراء 3)

وطالما سمعنا شكوراً أي ليس كافراً لان الله تعالى خلق الناس اما شكرا وإما كفورا قال تعالى { إنا هديناه السبيل إما شاكراُ وإما كفورا- الإنسان 3 }

و الشاكر لله تعالى على نعمائه و لم ينقلب على أعقابه هو ولا ذريته من بعده عليه السلام  لقوله تعالى { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ– آل عمران144} .

و الشاكرين دائماً  قله لقوله تعالى (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور– سـبأ 13) وهذه القلة قال تعالى فيهم {اعملوا آل داود شكرا  وقليل من عبادي الشكور – سبأ 13 }  وهم الذين قال تعالى فيهم أيضاً { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين- الواقعة 14 } وهؤلا الشاكرين كان منهم رسول الله صلى الله عليه وآله عملاً بأمر الله تعالى له الذي قال فيه  : { بل الله فاعبد وكن من الشاكرين – الزمر 66} .

وهذه القلة منصورة وظاهرة على حزب الشيطان أولاد قابيل القتلة الكفار الغير شاكرين الذين قال فيهم إبليس لرب العزة { ولا تجد أكثرهم شاكرين – الأعراف 17 } أي أكثرهم لن يكون مسلماً ولن يكون تابعاً لأئمة أهل البيت عليهم السلام قال تعالى في أكثر الناس { ولكن أكثر الناس لا يشكرون– يوسف 38} وهنا السورة ستحكي قصة الكافرين من أولاد قابيل والمؤمنين الشاكرين وقيادتهم من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله .  الذين اتبعوا كتابا لله المصدق مابين يديه من كتب الله تعالى وأولهم نوح هنا الذي كان من الشاكرين

في قوله تعالى ( إنه كان عبداً شكوراً ) .

(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ   عُلُوّاً كَبِيراً-الإسراء4)

وهنا :

(وقضينا)  إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ)

وقضى أي حكم كما في قوله تعالى : { قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ – يوسف 41} .

وقضاء الله تعالى هنا بحكمه قال تعالي { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ-النمل78} وقضاؤه تعالى أمراً مفعولا لقوله تعالى { وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً  -الأنفال 42}

وفيه يقول  تعالى  {فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ- غافر 78} وهذا القضاء بداية الكن وهو حكم الله تعالى وقضى فيه بخسران أهل الباطل كما في قوله تعالى

والحكم هنا تسيير الأمور وفقاً لأمر الله وقدره الذي قدره فيه قال تعالى { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ- الأنفال42}  .

وقال تعالي في بيان أن القضاء تسيير الأمور وفقاً لما يريده الله تعالي وما كتبه في الأزل وحكم به لقوله تعالى { إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العيم- النمل 78} وقضاء الله تعالى بين الكاف والنون بمعنى يقول له كن فيكون ذلك لأن الله تعالى ليس عنده زمن ثم تسير الأمور وفقاً لما قضاه تعالى وكتبه في اللوح المحفوظ

قال تعالى : {  وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ-البقرة 117 } .

ولذلك في قصة يوسف عليه السلام بيان أن القضاء تسيير الأمور بعلم الله وأمره ووفقاً لسننه تعالى كما ولذلك قال تعالى في يعقوب وبنيه عليهم السلام { وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ-يوسف68} . أي حكم فيها وقدر لها  وهذه المعاني كن يفهمها السحرة الذين آمنوا بنبي الله موسى ولذلك قالوا لفرعون :{ فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا – طه 72}

وهذا القضاء الذي قضاه اله تعالى في ( الكن) وهو بداية نزول سنن الله تعالى وقتل قابيل لأخيه هابيل ثم ذريتة من بعده القتلة وإفسادهم آخر الزمان مرتين وهنا    ينزول قضاء الله تعالى (فيكون) أولاً : نزول عذاب على المسلمين بمعاصيهم  فيسلط عليهم بنى إسرائيل وعندما يتوب الله تعالى على المسلمين ثانياً : تكون نهايتهم  بعد الفساد الثاني وهنا قضاء الله تعالى فيكون  نهاية قضاء الله تعالى بالتوبة على المسلمين ونهاية بنى إسرائيل وهذا القضاء  له توقيته الذي قضاه تعالى واستعجلته قريش واليهود  فقال تعالى لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وآله :  { قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضى الأمر بيني وبينكم- الانعام 58} فإذا أراد الله ذلك  بعث فيهم إمامً قال تعالى فيه : { ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون – يونس 47} .

وهنا هذا القضاء له أجل مسمى  وإمام أوصى به الأنبياء وآخرهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله بوصية في أهل بيته عليهم السلام وهذه الوصية من شرع الله تعالى قال فيها عز وجل :

{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ  أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ  اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ  وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ  وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ – الشورى 13-14 }

وهنا هذا القضاء في الذين خرجوا على وصية الله تعالى ورسوله بإمامة أهل بيت النبي والذين سيتحالفون مع اليهود في آخر الزمان وأكدته الأحاديث النبوية التي بينت أن هلاك الخوارج سيكون مع دجال آخر الزمان [ قال صلى الله عليه وآله يخرج فيكم قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من وقل خير البرية كلما هلك قرن قطع خرج قرن آخر وإنما هلكتهم مع الدجال –  ]  وهؤلاء لهم أجل مسمى في نزول العذاب وهو مرتين  قال تعالى فيهما عن الخوارج المنافقين : { سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم – التوبة }  ويكون هلاكهم مع بني إسرائيل أيضاً في الوعدين الأول والآخر لقوله تعالى أيضا عن عذاب بني إسرائيل مرتين  كما في الآية هنا { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين – الإسراء } .

وهنا :   (بني إسرائيل )  

الآية بينت أولاً  : شاع بين الناس على الظاهر أن بني إسرائيل اليوم  هم أولاد إسرائيل وهو نبي الله تعالى  يعقوب عليه السلام و ما كان يعقوب إلا مؤمناً مسلماً لله تعالى وهؤلاء  ليسوا ذريته وبنيه عليه السلام بل هم أبناء قاتل أخيه الملعون واشتهروا بالعبرانيين لعبورهم البحر مع موسى عليه السلام ثم بني إسرائيل مجازاً واشتهروا ببني إسرائيل وماهم ببنيه بل هم قتلة أبناءه النبيين  عليهم السلام كما   قال تعالى فيهم { ويقتلون النبيين بغير حق} .

وهؤلاء هم الذين كفروا بما أنزل على يعقوب وإن شاء الله سينصر الله تعالى المؤمنين منمهم على الذين كفروا لقوله تعالى :  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ-الصف14} .

و هنا رجعت كل طائفة لأصلها من بني إسرائيل لأصولها وفطرتها الت فطرت عليها ونسبها الذي اندس في البشر عبر أجيال   بين هنا الله تعالى قصتهم أن هذه قصة المفسدين منهم في الأرض الذين قضى الله فيهم أنهم سيفسدون في الأرض مرتين في قوله تعالى :  { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً-الإسراء4}

ويبدأ القرآن الكريم يفصل قصة فسادهم من خلال قوله تعالى هنا (بني إسرائيل ) فيبين تعالى انه أنزل فيهم الكتاب { وأتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل} هذا الكتاب اخذ الله تعالى عليهم الميثاق بأن لا يعبدوا إلا الله تعالى  كما في قله تعالى{ وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا لزكاة ثم توليتم إلا قليلاً منكم وانتم معرضون- البقرة 83} .

وهذا الميثاق نزل في توراتهم فلماآمنوا بها آتاهم الله تعالى الحكم والنبوة كما في قوله تعالى { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ  وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ  ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ  إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا  وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ  وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ  – الجاثية 16-19 }

وكي لا يضلوا بعث منهم اثني عشرا نقيباً لهذه المهمة قال تعالى فيهم  : {  وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ  فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ  فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً  يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ  وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِوَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ  فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ – المائدة 12- 13 } .

وهنا يبيبن القرآن الكريم أن الذين كفروا من بني إسرائيل وقعوا في عدة جرائم في حق الله تعالى ورسله وأنبيائه من قبل وكرروها مع أهل بيت النبي محمد خاتم النبيين  صلى الله عليه وآله وهى :

  • نقض الميثاق بطعة الله تعالى ورسله سيدنا محمد خاتم النبيين .
  • حرفوا كتب الله تعالى وعبثوا بشريعة المسلمين التي برز منها فكر الخوارج القائم على تجسيم الخالق عز وجل و الحط من شأن رسول الله صلى الله عليه وآله و بغض أهل البيت وقتلهم كما قتلوا أنبياء الله ولكن هذه الكرة باسم دين الإسلام بعدما تظاهروا بأنهم قد اسلموا قال تعالى في هذه الجريمة { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ – فصلت 26} .
  • ولايتهم للذين كفروا من الوثنيين وكل قاتل لأهل بيت النبي محمد (صلى الله عليه وآله) أحبوه وقربوه وعظموا شأنه قال تعالى في هذا المعتقد لديهم : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا – النساء 51 } .

فلما فعلوا هذه الأفاعيل لعنهم نبي الله داوود وعيسى ابن مريم عليهما السلام كمافي قوله تعالى  { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا  وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون – ترى كثيرا منه يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليه م وفي العذاب هم خالدون – المائدة 78-80} .

ثم ورث بنو إسرائيل مصر و الكتاب بعد هلاك فرعون في قوله تعالى الكتاب :

{ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ  إِنَّ هَٰؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ  وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ  فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ  وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ  كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ – الشعراء52 – 59 } .

وهنا بعد أن سكنوا بعد هلاك فرعون ونجاهم الله تعالى منه في قوله تعالى { يابني إسرائيل قد قدأنجيناكم من عدوكم وواعدناكم جانب الطور الأيمن ونزلنا عليكم المن والسلوى – طه 80} .

ثم يبين تعالى بعضاً من إفسادهم في الأرض وهو عبادتهم للعجل بعد غياب سيدنا موسى وفي وجود نبي الله تعالى بينهم هارون عليهما السلام  قال تعالى :

{ وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَىٰ  قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ  قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا  قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا  أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَٰكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَٰلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ  وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا –  طه 83- 98} .

وبعدما قتلوا النبيين بغير حق و قتلوا النفس المحترمة التي حرم الله تعالى بين أنهم منأجلأول جريمة وقعت على الأرض كما بينا من ابيهم قابيل أنه من قتل نفس بغير نفس أوفساد في الأرض فكأنما قتل كل بني آددم قال تعالى حملهم الله تعالى :

{ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ  قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا  وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ – المائدة 30-32} .

من أجل ذلك لما كفروا بالله تعالى وقتلوا النبيين ونقضوا عهدهم وميثاقهم مع الله تعالى وكل الله تعالى بها سيدنا محمد خاتم النبيين ثم الأئمة من بعدة على عدة نقباء بني إسرائيل تماماً بتمام قال تعالى : { وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ  قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ – الانعام 87- 90 } .

وهنا تحول بني إسرائيل لقسمين قسم انطبق عليهم كل وعد الله من النصر والتمكين حقيقة وهم آل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله ومزيفين أولوا النصوص أنها تخصهم وسعوا بالفككر الصهيوني والمكر والفكر القيامي لديهم إثبات أنهم المقصودون من آيات التمكين المذكورة في التوراة والإنجيل والقرآن وهذا خطأفاحش لأن القرآمن الكريم وعدهم بأنهم لما أفسدوا في الأرض وكفروا بالله سيعاقبون بأن الله تعالى سيجمعهم من قبائل شتى في فلسطين لإهلاكهم وإباتهم كافة قال تعالى هنا : { وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا – الإسراء 104} .

وذلك بعد إفسادهم الثاني والذي سينبينه فيما بعد كما في الأية هنا { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرا – الإسراء 4} .

(الْكِتَابِ) 

وهنا يبين تعالي انه جعل في ذريةسيدناإبراهيم عليه السلام النبوة والكتاب كما ف قوله تعالى { وهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ – العنكبوت 27}  ويقول  تعالى أيضاً في بني إسرائيل { وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ  فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ  ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ  – الجاثية 16-18 } وفي هذا الكتاب كانت صفات نبي آخر الزمان سيدنا محمد صلى الله عيه وآله كما في قوله تعالى عن معرفتهم هذا النبي بصفاته : { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم – البقرة 146 } .

فلما تأكدوا من نبوة سيدنا محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وآله نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كما في قوله تعالى { ولما جائهم كتاب من عند الله مصدقاً لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون – البقرة 89 } ثم يبين تعالى أنهم لجئوا إلى التحريف  والوضع في دين الله تعالى كما في قوله تعالى { وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  – آل عمران 78} . وهذا من افسادهم في الأرض وكذلك قتلهم للنبين والصالحين كما في قوله تعالى  :

{ ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ  فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ  وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ – البقرة 85 } .

ولما فعلوا ذلك القتل في النبيين والصديقين وحرفوا دين الله تعالى وخربوا دينهم أوكل بها قوماً آخرين وهم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله والأئمة من أهل بيته عليهم السلام لقوله تعالى : { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ  قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ – الانعام 90 } .

وهؤلاء هم سيندنا محمد النور الذي أرسله الله تعالى بالكتاب وهو القرآن الكريم في قوله تعالى { قد جائكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضواه سبل السلام ويهديهم إلى صراط مستقيم – المائدة 15} .

ثم يبين الله تعالى أن الخليفة من بعده أمير المؤمنين الشاهد على الأمة بعد رسول الله صلى الله عليهو ىهل لما نززل فيه من قوله تعالى { قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب – الرعد 43} . ومن عنده علم الكتاب هو علي ابن أبي طالب وليس عبد اله بن سلام اليهودي لقول سعيد بن جبير كيف يكون ذلك والآية مكية  وما كان إسلام ابن سلام إلا بعد ذلك  [عن أبي بشر قال : قلت لسعيد بن جبير : “ومن عنده علم الكتاب” أهو عبد الله بن سلام؟  قال : هذه السورة مكية ، فكيف يكون عبد الله بن سلام ! قال : وكان يقرؤها : “ومن عنده علم الكتاب” يقول : من عند الله . – تفسير الطبري ] .

وهنا بين تعالى أن كل أهل الكتاب بغير ولاية الله تعالى ورسوله سيدنا محمد خاتم النبيين والأئمة من بعده وأولهم علي ابن ابي طالب فهم ليسوا على شيئ وإن صاموا وصلوا وزعموا أنهم مسلمون  قال تعالى { قل يا أهل الكتاب لستم على شيئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم – المائدة68 } . ولذلك يقول تعالى في الحديث [  عن جابر مرفوعاً :  من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهوديًا وإن شهد أن لا إله إلا الله  ” ] .

{وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين } .

وهنا سيدمر الله تعالى العالم قرية بعد أخرى كما ترى الآن كعلامة من علامات هلاك بني إسرائيل وهم لا يشعرون أن الكرة ستدور عليهم بعد أن يسلطهم الله تعالى على المسلمين بعصيانهم وهم خير أمة أخرجت للنا س فإذا تاب الله تعالى عليهم أهلكوهم وظهرت أمة محمد على سائر الأمم بكتاب الله وسنة رسوله وإمامة أهل بيت النبي قال تعالى  { وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً-الإسراء58} .

وهذا أيضاً  مما قضاه الله تعالي في الكتاب أن تهلك القري بظلمها في حق كتاب ربم ونبذهم إياه وراء ظهورعهم كما فعل اليهود وتركهم سنة نبيهم و قتلهم آل بيت نبيهم عليهم السلام واستبعادهم من الإمامة واستباحة دماء ودماء المسلمين فيهلك الله تعالى القرى قرية قرية وبلداً بلداً  قبل القيامة حتى يتوبوا .

( (لَتُفْسِدُنَّ) فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْن-الإسراء4)

والفساد يأتي بمعنى نقيض الصلاح و يأتى الفساد على فعل كل الكبائر التي سيقترفها أولاد قابيل من كفر وقتل  وربا وسرقة  وبخس ميزان وقطع ارحام  قالت فيه الملائكة للخالق عز وجل عندما وجدت ما سيفعله هؤلاء  في اللوح المحفوظ   : { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَك َ- البقرة 30} .

ولذك الفساد يأتي في موضع بكتاب الله تبين أنه :

أولاً :

الكفر بالله وعدم الإيمان به تعالى :

قال تعالى { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون – النحل 88 } . وقال  عز وجل : { وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِين – يونس40} .

 ثانياً :

يأتي الفساد علي العصيان لله تعالي  :

لقوله تعالي : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ – ص ّ28}

ويقول تعالي أيضاً فيما فعله فرعون : { آلأنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ-يونس91} .

ثالثاً :

 القتل فساد في الأرض  :

لقوله تعالي فما فعله فرعون لعنه الله : { يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ– القصص 4} .

ويقول تعالى { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعا ً- المائدة 32}

ويقول تعالى فيمن قتلوا المؤمنين أنهم مفسدون في الأرض ومحاربون لله تعالي كما في قوله تعالي {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا – المائدة33}

رابعاً :

السرقة :

لورود هذا للفظ في قوله تعالى عن إخوة يوسف عليه السلام { تالله ما جئنا لنفسد في الأرض وماكنا سارقين – يوسف 73 }

خامساً :

قطع الارحام إفساد في الأرض

لقوله تعالى : { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم – محمد 22}

سادساً :

الربا و  بخس الميزان و بخس الناس أشياءهم فساد في الأرض  :

وهى جريمة مالية قال تعالى فيها { وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ-الشعراء183} وفى جرائم بني إسرائيل المالية هنا وبخسهم الناس أموالهم وأكلهم الربا قال تعالى فيه : { فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً-النساء160 –161} .

سابعاً :

السحر

لقوله تعالى { ماجئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين – يونس 81 } .

ثامناً :

التقول على الله غير الحق فساد يسبب الإنتقام الألهي :

قال تعالى هنا في جريمة يهودية وهة التقول على الله غير الحق والحرب معه تعالى بالقول والأسماء والصفات ونسبة النقائص إليه تعالى الله عما يشركون : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ – المائدة 64} .

تاسعاً :

محاولتهم قتل رسول الله صلى الله عليه و قتل أهل البيت بعد ذلك وإلى الآن وحتى يقضى الله تعالى في ذلك الأمر :

من الفساد قتل الأنبياء ثم في أمة الإسلام قتل أهل بيت النبي عليهم السلام  وشيعتهم وأمة المسلمين لقوله تعالى : { أم نجعل الذين آمنوا الذين أمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار – ص 28 } .

وبالتالي الإفساد أهمه هنا قتل رسول اله صلى الله عليه وآل بيته  أهل بيت عليهم   السلام فكما قتلوا الأنبياء من قبل وقال تعالى في ذلك : { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ-آل عمران112} . وبعد بعثة رسول الله صلى الله عليه وآله حاولت قريشاً واليهود قتله صلى الله عليه وآله عدة مرات وقال تعالى في ذلك : {  وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين – الأنفال } . و معلوم بأن قريشاً لم تكن تصرف إلا بمشورة اليهود حتى المنافقون ممن تظاهروا بالإسلام حاولوا اغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وأيضا بتدبير خفي بني إسرائيل الله تعالى افشله وقال في ذلك : { يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا  وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ  وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ  وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)}

وهنا نورد بعضاً من محالاتهم قتل رسول الله صلى الله عليه وآله :

[فقد أراد اليهود قتل الرسول صلى الله عليه وسلم مرات عدة ، منها

1- ما كان في صغره ، فقد روى ابن سعد في الطبقات بالسند إلى إسحاق بن عبد الله أن أم النبي صلى الله عليه وسلم لما دفعته إلى السعدية التي أرضعته ، قالت لها : احفظي ابني وأخبرتها بما رأت . فمرت باليهود فقالت : ألا تحدثوني عن ابني هذا ، فإني حملته كذا ووضعته كذا ورأيت كذا ، كما وصفت أمه . قال : فقال بعضهم لبعض اقتلوه . فقالوا : أيتيم هو ؟ فقالت : لا ، هذا أبوه وأنا أمه . فقالوا : لو كان يتيما لقتلناه . قال : فذهبت به حليمة وقالت : كدت أخرب أمانتي .

وهذا مرسل ، ورجاله ثقات .

2-وحاولوا قتله صلى الله عليه وسلم بعد بدر ، فأرسل بنو النضير إليه أن اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك ، ولنخرج في ثلاثين حبرا حتى نلتقي في مكان كذا وكذا ، نِصْف بيننا وبينك ، فيسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا. ثم قالوا : كيف تفهم ونفهم ونحن ستون رجلا ؟ اخرج في ثلاثة من أصحابك ويخرج إليك ثلاثة من علمائنا فليسمعوا منك ، فاشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى ابن أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فرجع ، فلما كان الغد غدا عليهم بالكتائب فحاصرهم. وتم إجلاء يهود بني النضير. وهذه القصة رواها عبد الرزاق في مصنفه ، ورواها أبو داود في سننه (3004 ) من طريق عبد الرزاق ، غير أنه لم يذكر تفاصيل القصة ، بل جاء فيه ” … يسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك فقص خبرهم فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب فحصرهم “. والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .

3- وذكر ابن إسحاق سببا آخر لإجلاء بني النضير ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى بني النضير ليستعين بهم على دفع دية رجلين معاهدين قتلهما خطأ عمرو بن أمية الضمري ، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جدار لبني النضير فهموا بإلقاء حجر عليه وقتله ، فأخبره الوحي بذلك فانصرف عنهم مسرعا إلى المدينة ثم أمر بحصارهم.

4- ثم كانت حادثة السم ، بعد فتح خيبر ، فقد روى البخاري (2617) ومسلم (2190) عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت لأقتلك قال ما كان الله ليسلطك على . قالوا : ألا نقتلها ؟ قال: لا . قال فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم “.

واللهوات : جمع لهاة ، وهي اللحمة الحمراء المعلقة في أقصى الحنك .

قال النووي : كأنه بقي للسم علامة وأثر من سواد أو غيره .

واسم هذه المرأة : زينب بنت الحارث ، امرأة سلام ابن مشكم أحد زعماء اليهود .

وقد اختلفت الروايات في قتلها ، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتلها أولا ، فلما مات بشر بن البراء بن معرور متأثرا بهذا الطعام ، قتلها قصاصاً .

وروى البخاري (5777) عن أبي هريرة أنه قال لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجمعوا لي من كان ها هنا من اليهود فجمعوا له فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه ؟ قالوا نعم فقال هل جعلتم في هذه الشاة سما ؟ فقالوا نعم فقال ما حملكم على ذلك ؟ فقالوا أردنا إن كنت كذابا نستريح منك وإن كنت نبيا لم يضرك”.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاوده المرض من هذه الأكلة ، وكان يحتجم لذلك .

روى أحمد (2784) عن ابن عباس أن امرأة من اليهود أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأرسل إليها فقال ما حملك على ما صنعت قالت أحببت أو أردت إن كنت نبيا فإن الله سيطلعك عليه وان لم تكن نبيا أريح الناس منك قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد من ذلك شيئا احتجم قال فسافر مرة فلما أحرم وجد من ذلك شيئا فاحتجم”. وصححه محققو المسند .

وأثر ذلك عليه في وفاته ، فمات شهيدا صلى الله عليه وسلم كما قال ابن مسعود رضي الله عنه :

لأَنْ أَحْلِفَ بِاللَّهِ تِسْعًا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ قَتْلا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً ، وَذَلِك بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَهُ نَبِيًّا ، وَجَعَلَهُ شَهِيدًا . رواه أحمد (3617) . وقال المحقون : إسناده صحيح على شرط مسلم اهـ

قال السندي : قوله : ( قتل قتلا ) بسُمِّ ما تناول من الذراع بأن ظهرت آثاره عند الوفاة اهـ . نقلا من حاشية المسند 6/116.

روى البخاري في صحيحه معلقا والحاكم في مستدركه موصولا عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان وجدت انقطاع أَبهري من ذلك السم”.

والأبهر عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب ، إذا انقطع مات صاحبه.

وفتح خيبر كان في المحرم أو ربيع الأول من السنة السابعة من الهجرة ، فيكون هذا الحادث قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنوات .

وهذا يضاف إلى سجل جرائم اليهود التي لا حصر لها في القديم والحديث ، وستبقى العدواة بيننا وبينهم حتى نقاتلهم ونقتلهم في آخر الزمان كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .

ينظر : اليهود في السنة المطهرة ، د. عبد الله بن ناصر الشقاري ، وزاد المعاد 3/279 ] .

وامتد هذا الإفساد لما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بواسطة كعب الأحبار وما وضعه من إسرائيليات يفرد لها بحثاً بذاته كبير ثم إحاطتهم بالملك الأول من ملوك بني أمية وهو معاوية بواسطة  أربعة أطباء ومستشارون له صهاينة بما تعنية الكلمة من بني إسرائيل وهم :

  • ثياذوق .
  • وابن آثال
  • أبو الحكم .
  • سرجون الرومي وهو الذي أشار على يزيد وأخرج له وصية له من أبيه معاوية بأن يقتل الإمام الحسين (عليه السلام)

وهذا الإفساد بداية لعلوهم العلوا الكبير الذي قال تعالى فيه هنا  { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيرا} وهذا العلو بأنهم سيحكمون كل الأرض وسيكونون عليها ملوكا وسيقلبون الحق باطل والباطل حق  فيضعوا كل شريف ويشرفون كل فاجر منافق لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { إن الملوك إذا دخلو اقرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون – النمل 34 } وهذه إشارة لتحولهم حكاماً لكل الأرض أو ملوك المنطقة العربية سيكونون داعمين لسلطان بني إسرائيل ومعهم حكام مصر الذين سينتهجون النهج الفرعوني لورود لفظ فساد على فرعون في قوله تعالى { يذبح أبنائهم ويستحيي نسائهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا نجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين  – االقصص 4  }  .

وكذلك قوله تعالى فيما ستفعله مصر من إفساد على النهج الفرعوني القديم وأيضاً بمكائد ومؤامرات صهيونية { وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك ل بالمرصاد – الفجر } وعلي أي حال الآيات تحذير لحكومة مصر بأن لا تندرج ولا تندمج مع النهج الصهيوني وإلا سيكون دمار فرعون وجيشه نفس مصر الفراعين الأولين وسيكون ميراث مصر و المنطقة للصالحين الذين تولوا كتاب ربهم وسنة نبيهم وإمامة أهل بيته  (عليهم السلام )إن لم تنتبه مصر لذلك ومعروف عن قيادتها الحكمة الكبيرة ووحسن التصرف في الأزمات  و الملمات الكبيرة .

والغريب أن يأتي الفساد على المنافقين أصحاب مدرسة الرأي الذين قال تعالى فيهم { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألاإنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون – البقرة 11-12 } كدلاة على ولايتهم بني إسرائيل في قتل أهل بيت النبي (عليهم السلام) وشيعتهم  والمسلمين جميعاً  كما ترى الدعم اليهودي لجماعات تدعي أنها مسلمة ونسوا أن الله تعالى قال فيهم : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو بأمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في انفسهم نادمين – المائدة } وهؤلاء أيضاً داخلون في حلقات الهلاك والدمار مع بني إسرائيل وحكام وملوك المنطقة آخر الزمان والبداية هلاك هؤلاء المنافقون لشدة غضب الله تعالى عليهم ثم حرباً كبرى مع القوى الصهيونية العالمية تتسع دائرتها داخل الوطن العربي ثم   حتى يقضى الله أمراً  كان مفعولاً لقوله تعالى : {  ولوا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض – البقرة 251}  أي أن الصدام الحتمي بين حزب الله وهم : ( المسلمين المخلصين لدينهم وكتاب ربهم المحبين الموالين لأهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله  الذين قال تعالى فيهم( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون – المائدة  )

وحزب الشيطان :

( وهم الصهاينة ومن تولاهم من حكام العرب والمنافقون من جماعات الخوارج التي تعمل بمدرسة الرأي وتقدم راي السلف الصالح على نصوص القرآن الكريم مدعية الإسلام فيتسلحون من الصهاينة و يضربون أمة محمد بهذا السلاح  وهؤلاء قال تعالى فيهم جميعاً خاصية واحدة وهى الخروج على القرآن الكريم وترك العمل به ونسيانه قال تعالى ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولائك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) و الصدام  قادم بين الحزبين لا محالة و ستتسع دائرته حتى وإن فر كلا منهما منه فالواقع سيفرض نفسه وشر أولاد قابيل سيكون الدافع الأكبر للتصادم الحتمي بين الحزبين وهو قضاءألهي حتى لا يندثر دين الإسلام ويهلك الله تعالى الظالمين وينجي المؤمنين  قال  تعالى :  { فلولا كان من القرون أولوا بقية ينهون عن الفساد إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أتـرفوا فيه وكانوا مجرمين – هود 116 } .وقال تعالى أيضاً : { تلك الدار الآخرة نكتبها للذين لا يريدون علوا في الأرض لا فسادا والعاقبة للمتقين – القصص 83 } .

وهذا الميراث يكون بعد هلاك بني إسرائيل في أفسادهم الثاني الذي سيعم  ويطبق كل العالم  لورود هذا اللفظ في قوله تعالى : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي يكسبون – الروم 41}  .

وهنا الواقع يؤكد سيطرة بني إسرائيل على كل :

  • إقتصاد العالم وبنوكه .
  • كل مصانع السلاح والطائرات والصواريخ والسلاح النووي وأكبرها في الغرب مملوكة لهم .
  • كل إعلام العالم يملكونة في أيديهم فجوره وكذبه ونفاقه وقلبه للأحداث وجرائمه المعروفة .
  • كل جيوش العالم بمخابراتهم بما فيهم العالم العربي عبارة عن كتائب تابعة للجيش الأمريكي وتحت سيطرته التامة تأتمر بأمره وتنتهي بنهييه . { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} .

وبالتالي هنا الآيات تتكلم عن علوهم الكبير والذي أعقبوه فتكاً بالمسلمين والآن يطاردون أهل بيت النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في كل مكان بحثا عن الإمام وعلمهم بقرب بعثة إمام من أهل بيت النبي (عليهم السلام) وهنا يكونوا قد وقعوا في الفساد والعلوا  الكبير في الأرض الذي أخبر عنه ربنا تبارك وتعالى  .

ومن هنا يتبين لنا أن قوله تعالى في بنى إسرائيل { لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا} . أي سيفعلوا كل الجرائم والكبائر التي نهى الله عنها والتي فعلها فرعون من قبل حتى السحر وسيتحولون إلى أكبر مفسد في الأرض في فترة يمكن أن نسميها فترة حكم أولاد قابيل لعنهم الله . وأما :

( لتفسدن في ( الأرض ) مرتين)

هذا اللفظ يؤكد

أولاً : عموم فساد بني إسرائيل في الأرض وهذا

والأرض أي كل الأرض لقوله تعالي { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها – الاعراف 56} أي أن فساد هؤلاء الصهاينة سيعم كل الأرض .

ثانياً :

سيتركز فسادهم على الأراضي المقدسة :

وذلك لورود لفظ أرض في قوله تعالى : { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ – المائدة21} . والأرض المقدسة القدس هنا وعلى عموم الأراضي المقدسة سيفسدون بالحجاز و ما فعلوه من هدم مقدسات وبنايات ماسونية عليها شعارات عبدة الشيطان وتغيير المناسك وقتل الحجاج كل عام بحوادث مفتعلة وهذا باختصار كبير والتفاصيل تحتاج أبحاثاً كبيرة لسنا بصددها لنبين إفسادهم بالأماكن المقدسة وحتى منطقة طور سيناء المقدسة جنوب سيناء تم الإفساد فيها فساداً  كبيراً .

ثالثاً :

يأتي لفظ الأرض محدداً أنها مصر كما في قوله تعالى  عن سيدنا يوسف عليه السلام { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ – يوسف55}

وهذا الإفساد هنا انتبه فإن إفسادهم سيعم النصف الشمالي لأفريقيا كلها لأن خريطة مصر زمن سيدنا يوسف قال تعالى فيها على لسان فرعون { أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي } أي أنهم مسؤولون عن خطة قطع المياه عن مصر ونشر الفجور بها وتيارات الخوارج فيها فإما أن تكون  في مصر كافراً  بالشرع أو مكفراً . و لا وسطية في المنتصف سوى عوام المسلمين ومن عصمهم الله تعالى وإن شاء الله على أيديهم يكون فتح الله الأكبر وعن إفسادهم في مصر وردت نصوص توراتية مهمة هنا في سفر أشعيا إصحاح 19 :

[ هو ذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم الى مصر فترتجف اوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها.

2  و اهيج مصريين على مصريين فيحاربون كل واحد اخاه وكل واحد صاحبه مدينة مدينة ومملكة مملكة.

3 و تهراق روح مصر داخلها وافني مشورتها فيسالون الاوثان والعازفين واصحاب التوابع والعرافين.

4 و اغلق على المصريين في يد مولى قاس فيتسلط عليهم ملك عزيز يقول السيد رب الجنود

5 وتنشف المياه من البحر ويجف النهر وييبس.

6 وتنتن الانهار وتضعف وتجف سواقي مصر ويتلف القصب والاسل.

7 والرياض على النيل على حافة النيل وكل مزرعة على النيل تيبس وتتبدد ولا تكون.

8 والصيادون يئنون وكل الذين يلقون شصا في النيل ينوحون.والذين يبسطون شبكة على وجه المياه يحزنون

9ويخزى الذين يعملون الكتان الممشط والذين يحيكون الانسجة البيضاء.

10 وتكون عمدها مسحوقة وكل العاملين بالاجرة مكتئبي النفس

11 ان رؤساء صوعن  اغبياء.حكماء مشيري فرعون مشورتهم بهيمية.كيف تقولون لفرعون انا ابن حكماء ابن ملوك قدماء.

12 فاين هم حكماؤك فليخبروك ليعرفوا ماذا قضى به رب الجنود على مصر.

13 رؤساء صوعن صاروا اغبياء.رؤساء نوف انخدعوا.واضل مصر وجوه اسباطها.

14 مزج الرب في وسطها روح غي فاضلوا مصر في كل عملها كترنح السكران في قيئه.

15 فلا يكون لمصر عمل يعمله راس او ذنب نخلة او اسلة.

16 في ذلك اليوم تكون مصر كالنساء فترتعد وترجف من هزة يد رب الجنود التي يهزها عليها

17 وتكون ارض يهوذا رعبا لمصر.كل من تذكرها يرتعب من امام قضاء رب الجنود الذي يقضي به عليها

18 في ذلك اليوم يكون في ارض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان وتحلف لرب الجنود يقال لاحداها مدينة الشمس.

19 في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط ارض مصر وعمود للرب عند تخمها.

20 فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في ارض مصر.لانهم يصرخون الى الرب بسبب المضايقين فيرسل لهم مخلصا ومحاميا وينقذهم.

21 فيعرف الرب في مصر ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذرا ويوفون به.

22ويضرب الرب مصر ضاربا فشافيا فيرجعون الى الرب فيستجيب لهم ويشفيهم

23 في  ذلك اليوم تكون سكة من مصر الى اشور فيجيء الاشوريون الى مصر والمصريون الى اشور ويعبد المصريون مع الاشوريين.

24 في ذلك اليوم يكون اسرائيل ثلثا لمصر ولاشور بركة في الارض

25 بها يبارك رب الجنود قائلا مبارك شعبي مصر وعمل  يدي اشور وميراثي اسرائيل ] .

وفي ذلك الزمان تنبت في مصر بمكيدة بني إسرائي شجرة الحنضل :

يقول بن عربي  في الشجرة النعمانية [ “وإذا نبتت شجرة الحنظل بالكنانة تثمر النفاق, وتورث الشقاق, وتفرق بين الرفاق, ويسري شوكها إلى الآفاق ] .

(مرتين)

هو قتلهم للنبيين ومحاولتهم قتل رسول الله أكثر من مرة بل مرات عديدة وتورطهم في التحريض على قتل آل البيت (عليهم السلام) وكفرهم بآيات الله تعالى وتزعمهم لعملية تزييف شرع الله ووضع المكذوبات بمساعدة المنافقين من قريش وأطلق عليها علمماء الحديث بالإسرائيليات وهذا هو سبب الفساد الثاني في آخر الزمان وبدايته أحداث معروفة فقد حاولوا إلقاء حجر عليه صلي الله وآله في حصن بنى قينقاع ثم الشاه المسمومة في حصن خيبر ومعلوم خبرها كما بينا من قبل وتأليبهم للقبائل في غزوة الأحزاب. وتأليب الفتن بعد موت رسول الله صلى الله وآله بواسطة كعب الأحبار ثم دور سرجون الرومي في قتل الأمام الحسين عليه السلام معروف.

وهنا عاقبهم الله تعالى عن فسادهم الأول بحشرهم الأول كما في قوله تعالى { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ-الحشر 2} . ومعلوم أن الأول عكسها آخر قال تعالى { هو  الأول والآخر _ الحشر} أوقوله تعالى{ وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون – القصص} أي أن الحشر الأول له حشر آخر وهو وعد الآخرة الثاني الذي قال تعالى فيه { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرا ً- الاسراء7} .

وهنا يبين تعالى أنهم وعدوا بعذابين مقرونين بفسادين قال تعالى فيهما { لتفسدن في الأرض مرتين – الإسراء } .

و هنا يبين الله تعالى لنا أن الفسادين بلام الجزم تفيد وقوع الأحداث لا محالة والغريب في كتاب الله أنه يؤكد بأن هذا الإفساد مرتين سيكون أعراب الجزيرة الخوارج داعمين لليهود فيهما ولذلك وعدهم الله تعالى أيضاً مثل بني غسرائيل بعذابين قال تعالى فيهما : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ-التوبة101} .

وهنا (مرتين) ترد في قوله تعالى عن أمة الخوارج الذين وصفهم الله تعالى أنهم فتنون كل عام يعلنون فيهما الحرب على الله تعالى ورسروله ’وأهل بيته قال تعالى { أولا يرون أنهم يفتون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون – التوبة 126} .

والفتنة التغيير والتبديل يقول تعالى مبيناً أن ترك بعض ما أنزل الله تعالى فتنة أي تغيير وتبديل في الدين قال تعالى  : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله – الأنفال } والفتنة هنا تبديل الدين والخرج بهذه الموضوعات والإسرائيليات عن ولاية أهل بيت النبي أي أنهم كل سنة يعلنون الخروج عن منهدج القرآن الكريم مرة ثابتة كل عام وأخرى قد لا يجمعون عليها وكلاهما في المحرم من كل عام حيث يجمعون في العاشر من محرم على الإحتفال بمقتل سيدنا الحسين واهل بيت النبي على أنه يوم نجي الله فيه نوحاً وكل ما روى في هذا الموضوع كذباً محضاً لان الهجرة كانت في رببيع أول وليس محرم وهو يوافق شهر تشري عند اليهود ولا يوجد احتفالات لبني إسرائيل فيه وهذا خلاصة بحث كبير منشور في كتاب يوم عاشوراء . وأما الثاني فهو رأس السنة على اساس انه يوم هجرة بعض الأمة تترك رسول الله النبي المهاجر وأمير المؤمنين الذي نام مكانه ليقتل ويفتديه بنفسه ثم يصرون على الإحتفال بالآية { إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا – التوبة } وليس في الآية أي منقبة إلا حزن أبي بكر فطمئنة نبي الله صلى الله عليه وىله قائلا له لا تحزب وهنا يؤكد الله تعالى أن بعض هذه الأمة ينتبه لذلك فيظهر نبي الله وعظمته ومكانته وجهاده في سبيل الله أو موقف أمير المؤمنين علي عليه السلام ينجو من هذه الفتنة ولذلك قال تعالى هنا  { أفلا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون } أي أنهم في كل عام يعلنون الحرب على أهل بيت النبي (عليهم السلام) و يتبنون معتقد بني إسرائيل في حربهم مع أنبياءالله بالتقول على الله تعالى بغير علم والقول في الدين بالهوى وقتلهم أنبياء الله تعالى.

(وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً-الإسراء4)

والعلو هو الكفر بالله تعالى ورفض كتابه تعالى ولذلك قال موسى عليه السلام لهم (وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ-الدخان19) و قال تعالى في علو فرعون { إن فرعون علا في  الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبحابنائهم ويستحيي نسائهم إنه كان عالياً من المفسدين – القصص} وقال تعالى أيضاً :{ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ-يونس 83 }   وهذا عن علو فرعون قاتل الأطفال وهاتك حياء النساء وهذا قليل من كثير مما فعله رعون مع بني إسرائيل وسيتكرر آخر الزمان في زمن علوا بني إسرائيل وحدة لفظ العلو بينهما تؤكد بأن مصر ستظل في الجانب الإسرائيلي بتعديل بسيط بعدإسلام مصر وستكرر النهج  الفرعوني ولذلك علمنا كتاب الله تعالى دعاءاً عليهم علم الله تعالى انه  نظام حكم سيتكرر  وستكون المااسونية أكبر قيادة في العالم تتأسى بالنهج الفرعوني قال عز وجل للتحصين من مكر وكيد الصهاينة الذين سينتهجون النهج الفرعوني آخر الزمان وفيمن تقلد بفرعون للتحصن منه : { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ – يونس 88}  وقال تعالى ايضا على لسان آسية زوجته رحمها الله  { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ – التحريم 11 }

والعلو هنا آخر الزمان لبني إسرائيل بأن إعطاهم الله تعالى الإمكانات  و القدرة الأسباب بتخلي المسلمين عن كتاب ربهم أهل بيت نبيهم عليهم السلام فأعطوا من الله بمعاصينا القوة على تفريق الناس بالدسائس  و الدهاء  واعتمادهم على قاعدة سياسية تقول [ فرق تسَدُ ] وذلك سيراً على النهج الفرعوني الذي قال تعالى فيه وفيما فعله فرعون لعنه الله  :  { إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يستضعف طائفة منهم يذبح ابنائهم ويستحيي نسائهم إنه كان من المفسدين – القصص 4} .

(وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً-الإسراء4) بالمفعول المطلق  وبإضافة لفظ . كبيرا مما يدل على سطوتهم وسيطرتهم على كل مؤسسات القرار في كثير من أرجاء المعمورة .

و أما لفظ :

  (كَبِيراً) -الإسراء 6)

وهنا لفظ كبير وكبائر هذا اللفظ يبين أيضاً ما سيفعله بني إسرائيل من كبائر من قتل وشرب خمر وسرقة وربا وزنا وشذوذ لأن لفظ لفظ كبائر قال تعالى فيه { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريما – النساء 31} .

ومن هذه الكبائر التي علوا بها :

أولاً :

أكلهم أموال اليتامى و الناس عموماً بالباطل لقوله عالى { ولا تأكلوا اموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيرا– النساء } .

ثانياً القتل والطغيان :

وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيرا – الإسراء 60} وقوله تعالى في قتل الأطفال { نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيرا – الإسراء 31} .

ثالثاً :

المكر ببلاد العالم ليتمكنوا من العباد وإسقاط البلاد :

قال تعالى { وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون – الأنعام 123}  وبهذا المكر سيكونون سادة العالم و يتسببون في دخول أمم كثيرة للنار فيقولون يوم القيامة { وقالوا ربنا إننا أطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلاَ ربنا وآتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعهناً  كبيرا – الأحزاب 67} .

رابعاً :

الخمر والميسر :

{ ويسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما – البقرة 219 } .

ومن الكبائر التي سيفعلونها بعد تمكنهم من بلاد النفط في جزيرة العرب إخراج أهل مكة والمدينة :

وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى  { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ  قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ  وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا  وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – البقرة 217} .  وهنا من يقرأ تاريخ نجد وما فعلته الوهابية في أهل الحجاز سيعلم صدق ما ذكره القرآن الكيم بفهم القرآن الكيم الذي نذكره أنه لن يفعل تلك الأفعال المجرمة إلا بني إسرائيل .

خامساً :

سيمتلكون ناصية العلوم والتكنولوجيا الحديثة التي سيستخدمونها في الفتك بالمسلمين :

وذلك لورود هذا اللفظ في قوله تعالى : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس- غافر 57}  وهنا يقول البغوي في تفسيره : [لخلق السماوات والأرض ( مع عظمهما ،  ( أكبر ) أعظم في الصدور ، من خلق الناس (أي : من إعادتهم بعد الموت  ( ولكن أكثر الناس ) يعني الكفار  ( لا يعلمون ) حيث لا يستدلون بذلك على توحيد خالقها . وقال قوم : ” أكبر ” أي : أعظم من خلق الدجال) ولكن أكثر الناس لا يعلمون )يعني اليهود الذين يخاصمون في أمر الدجالوروي عن هشام بن عامر قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ” ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من خلق الدجال ” . – تفسير البغوي ] .

وبالتالي علوهم في الأرض العلوا الكبير جعلهم يفعلون نفس فعل فرعون الذي حارب أنبياء الله تعالى حتى يكون هو الإله وله الكبرياء وحده قال تعالى { قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجنا عليه آبائنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين – يونس 78 }

بالتالي لمما قلدوا وساروا على نهج فرعون وتركوا توراة ربهم التي انزلها الله تعالى وفيها هدى ونور قتلوا المسلمين في كل العالم فما من مذبحة إلا وتجد قائدها قد تم تدريبه على يد صهاينة من بني إسرائيل

والمنافقون ممن قال تعالى فيهم { وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً- الأحزاب67-68}  وهؤلاء هم الذين عاونوهم في هذا العلوا الكبير بحربهم آل بيت النبي صلى الله عليه وآله

ثم يبشر الله تعالى المسلمين أنهم بولايتهم الله تعالى والعمل بكتابه سينصرهم الله عزوجل في الدنيا ويدخلهم الجنة إن شاء الله تعالى وذلك لقوله عالى { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً– الإسراء9}  ثم يقول تعالى في وعد أولاهما :

 

(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً-الإسراء5)

وهنا :

أولي البأس الشديد ورد فيهم أحاديث :

في تفسير العياشي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال بعد أن قرأ قوله تعالى : (( بَعَثنَا عَلَيكُم عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأسٍ شَدِيدٍ )) : هو القائم وأصحابه، أولو بأس شديد )

وفي تفسير نور الثقلين عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال في تفسيرها : ( قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم، فلا يدعون وتراً لآل محمد صلى الله عليه وآله إلا قتلوه )

وفي بحار الأنوار : 60 / 216 عن الإمام الصادق عليه السلام ( أنه قرأ هذه الآية.. فقلنا : جعلنا فداك من هؤلاء ؟ فقال ثلاث مرات : هم والله أهل قم، هم والله أهل قم، هم والله أهل قم (

والروايات الثلاث متفقة في المقصود ولا تعارض بينها، لأن أهل قم بمعنى شيعة أنصار المهدي عليه السلام من إيران الذين ورد أنهم ينهضون معه وينصرونه.

(فَإِذَا جَاءَ)

وردت لفظ فإذا جاء في قوله تعالى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ – النحل 61}  أي أن الله تعالى يقول للمؤمنين { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ – آل عمران 196-197} أي أن لكل أمة أجل كما قال تعالى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ  فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ – الأعراف 34} وهذا الأجل مرهون ببعثة إمام قال تعالى فيه { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ – يونس 47} .

فإذا بعث الله تعالى رسول هذه الأمة قضى بينهم بعد أن يبين لهم  بينات الله تعالى والموعظة التي نزلت عليه في القرآن الكريم قال تعالى { يا أيها الناس قد ائتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور – يونس 57} وهنا كذبوا وفرحوا بما عندهم من العلم كما في قلوه تعالى { فلما جائتهم رسلهم فرحوا بما عندهم من العلم – غافر 83} .

وبالتالي تفرقوا من بعد ما جائتهم البينات كما في قوله تعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ– البينة} .

وهنا في اٍساب النزول خير البرية هو أمير المؤمنين وحزبه ورد في تفسير الطبري الآية (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [عن أبي الجارود, عن محمد بن عليّ( أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” أنْتَ يا عَلي وَشِيعَتُكَ”. – تفسير الطبري ] والآيات هنا تشير إلى دور شيعة أهل البيت عليهم السلام في وعد الآخرة في آخر الزمان و إهلاك بني إسرائيل والمنافقين أعوانهم . ولكن وعد الأولى هنا سيظهر الله تعالى الحق ويبطل الباطل كما في قوله تعالى { قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا- الإسراء 81}  وهذا هو وعد أولاهما الذي قال تعالى فيه { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولي باس شديد } ثم يتوالى بعث الله تعالى الأئمة لهداية الأمة فيكذبونهم كما هي السنن  وقال تعالى هنا { ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ  ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ – المؤمنون 42-44}  وهذا هو عد الآخرة الذي يتواكب مع علامات الساعة وسنتكلم عنه يما بعد في وعد الآخرة وهو من علامات الساعة لولود هذا اللفظ ي قوله تعالى { فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء اشراطها – محمد 18} وبعثة رسول الله من علامات الساعة لأنه أخر الأنبياء وليس بعد ذلك إلا نهاية العالم وأحداث النهاية بدليل قوله تعالى عن انشقاق القمر في زمان سيدنا محمد صلى الله عليه وآله { اقتربت الساعة وانشق القمر – القمر } .

وهنا يأتي الوعد الأول لبني إسرائيل .

ثم يقول تعالى في بيان

(وعد)

الوعد هنا هو الوعد الأول والذي يكون فيه هزيمتهم وقتلهم وكان وعداً مفعولا قال تعالى فيه { فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا } وهذا الوعد عذاب يقع عليهم بكفرهم بآيات الله تعالى وكذبوا بهذا الوعد  قائلين لرسول الله صلى الله عليه وآله ما ذكره الله تعالى في قوله { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (  – النمل 71-72}

وهنا ردف لكم أي قريب منهم  معجل لهم  وهو وعد أولاهما الذي قال تعالى فيه هنا {فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لبنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا} وفي هذا الوعد هزم الله تعالى

أولاً : اليهود

لما ذكرته الآية هنا أنه سيأتيهم وعدهم الأول في قوله تعالى { فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لبنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا}

ثانياً : قريش :

لورود لفظ يعدكم ومصدره وعد على غزوة بدر في قوله تعالى { وإذ يعدكم الله إحدي الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم- الأنفال }

ثالثاً الأحزاب وفيهم قريشو اليهود :

{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ – هود 17 } وهنا الأحزاب قال سعيد بن جبير : الأحزاب أهل الأديان كلها ; لأنهم يتحازبون . وقيل : قريش وحلفاؤهم – تفسير القرطبي ]

 

و الشاهد منه أمير المؤمنين علي عليه السلام : [ روي عن ابن عباس أنه قال : ( هو علي بن أبي طالب ) ; وروي عن علي أنه قال : ( ما من رجل من قريش إلا وقد أنزلت فيه الآية والآيتان ; فقال له رجل : أي شيء نزل فيك ؟ فقال علي : ويتلوه شاهد منه ) – تفسير القرطبي و منتخب كنز العمال هامش مسند احمد ط الحلبي باب التفسير ] .

ثالثاً  : الروم

لورود هذا اللفظ على هزيمة الروم بالتصريح في الكتاب الله وتنكير فارس لأانها ستسلم في وعد الآخرة بعد أن ورد هلاكهم في زمن رسول الله مرة بإضعافهم على يد فارس في قوله { الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ  بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ  – الروم 1-7 }

وهذه الأحداث حدثت في وعدأولاهما من هزيمة قريش في بدر وكل كفار قريش واليهود في الأحزاب والروم في مؤته وتبوك وكذلك فارس وكان البطل هناأمير المؤمنين عليه السلام حامل لواء رسول الله صلى الله عليه وآله  وسيتكرر هذا الوعد آخر الزمان في وعد الآخرة وسيكون البطل ايضاً إمامآخر الزمان ولد أيضاً من أولاد أمير المؤمنين في زمن إسلام قوم فارس كما في قوله صلى الله عليه وىله لا أخشى عليكم فارس فإن فارس نطحة او نطحتين فيتفتحها الله ولكن أخاف عليكم من الروم ذات القرون كلمما هلك قرن خرج قرن آخر … ] وقد وصفهم أمير المؤمنين في حديث وصفاً دقيقاً قال فيه : [ تراهم بيض الوجوه سود القلوب نائرة الحروب قاسية قلوبهم سود ضمايرهم ، الويل ثم الويل لبلد يدخلونها و أرض يسكنونها خيرهم طامس و شرهم لامس  –  جفرأمير المؤمنين (عليه السلام) ] .

(أولاهما)

وأولاهما يبدأ هذا الوعد ببعثة رسول الله صلى الله عليه وآله كما في قوله عالى { قل وأمرت لأكون أول المسلمين – الزمر 12 } فآمن معه صلى الله عليه وآله ثلة مؤمنه قال تعالى فيها { ثلة من الأولين وقليل من الآخرين –  الواقعة 13}  وهؤلاء هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وأولهم علي ابن ابي طالب كما في قوله تعالى { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه  – التوبة 100} .

[ وهنا عن عبد الرحمن بن عوف (والسابقن الأولون)  قال هم ستة من قريش أولهم إسلاماً علي بن أبي طالب – تفسير الثعلبي ج 1 ص 103 ] , [ وعن ابن عباس قال ( السابقون الأولون) قال : علي بن ابي طالب وحمزة وعمار وأبو ذر وسلمان والقداد- شواهد التنزيل للحاكم لحسكاني ج1 ص 335 ] .

وبالتالي (وعد أولاهما ) كان على يد هؤلاء السابقون الأولون وأولهم علي بنأبي طالب والبدريين الوعقباويون والأنصار النقباء رضى الله عنهم وأرضاهم هؤلاء هم أصحاب البأس الشديد الذين جاسوا خلال الديار هنا وكان هذا أول الحشر لبني غسرائيل وكفار قريش والمنافقين والروم وكفار فارس في زمانهم والذين سيكونون أيضاً مندسي ن داخل الجمهورية الإسلامية آخر الزمان وسيهزمهم الله تعالى أيضاً في وعد الآخرة وقال تعالى هنا عن هذا الوعد { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر الشديد – الحشر} وكانت هزيمة هذا الحزب الشيطاني على يد رجال من أهل بيت النبي عليهم السلام والصحابة الكرام قال تعالى فيهم أ،÷م أ÷م أولي باس شديد في وله تعالى هنا : (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً-الإسراء5)

(بعثنا عليكم)

 يقول تعال في الأمم من بعد نوح حتى رسول الله صلى الله عليه وآله {ثم بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ-يونس74} وفي بني إسرائيل قال تعالى { ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآياتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِه – الأعراف -103  }

وفي أمة محمد قال تعالى  :{ لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين – آل عمران 164} .  وهؤلاء علمهم رسول الله صلى الله عليه وآله الإيمان بالله والكفر بالطاغوت قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ – النحل36} . وهؤلاءهم اولو البأس الشديد الذي قال تعالى فيهم هنا { بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد – الإسراء} .

ثم يبعث الله تعالى في كل زمن إمامً شاهداً عليهم قال تعالى فيهم : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِم ْ- النحل89} .

ولا يهلك الله تعالى الأمم إلا بعد بعثة شهيد عليهم رسول أو إمام من أهل بيت النبوة عليهم السلام  قال تعالى  { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً-القصص59} . ويقول تعالي (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً-الفرقان51).

ونذير كل أمة هو مهديها أو إمام من أهل بيت النبي عليهم السلام لقوله تعالى (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ-الرعد7)  وهؤلاء عددهم على عدة نقباء بني إسرائيل لقوله تعالى : { وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبا-المائدة12} .

ويكون خروجهم الأول في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله هو الذي قال تعالى فيه كما بينا ذي قبل  (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ – الحشر2) وكان ذلك على يد عباد الله أولي البأس الشديد وفي وعد الآخرة ايضاً يكون النصر ببعثةإمام من أهل بيت النبي عليهم السلام  .

وأما :

(وعباداً لنا)

 وهؤلاء بعبادتهم لله تعالى وعدم ادخالهم الشرك وهو العمل بهوى و آراءالرجال دون نص وهؤلاء وعدهم الله  تعالى ميراث السماوات والأرض قال تعالى { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ- النور 55} .

وهؤلا الذين رضى الله تعالى عنهم هم حزب الله تعالى الذي قال تعالى فيهم { رضى الله عنهم ورضوا عنه أولائك حزب الله إلا إن حزب الله هم الغالبون -المائدة} وهؤلاء هم حزب أمير المؤمنين علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى { إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُون –  المائدة55-56} .

[ وهذه الآية نزلت في أمير المؤمنين كما في تفسير بن كثيرج2/ 598والطبري في تفسيره ج6/288)] ,  .

وهؤلاء هم الذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها كما في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ البُشْرَى فَبِشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ -الزمر 17- 18} .

وهؤلاء توعد الله بهم الأمة إن ارتدت آخر الزمان قائلاً عز وجل ارتدت في { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ-المائدة54}  , وهؤلاء هم عباد الله الذين هم أولوا بأس شديد يسلطهم الله تعالى على بني إسرائيل وأعداء أمة محمد عندما ترتد وهم أولي بأس شديد قال تعالى فيهم {بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد } وهؤلاء من أهم مبادئهم وحدة أمة محمد وعدم تفريق كلمتها عملاً بقول الله تعالى { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون– الأنبياء 92} . وأما :

(أولى بأس شديد)

أي أن هؤلاء قوة مؤمنة مسلحة بأسلحة من حديد لها بأس شديد لقوله تعالى { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاس- الحديد25} .

أي أنهم جيشاً قوىاً له بأس شديد كما قالوا لملكة سبأ { قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِين َ- النمل33} .

والآية هنا فيها بشارة لأهل اليمن أنهم من ضمن جيشاً قوياً سيكون له شرف تدمير دولة إسرائيل عندما يفسدون في الأرض و يعلون علواً كبيراً  .

والسؤال هنا هل إسرائيل تعرف ذلك الأمر و لذلك سلطت السعودية الوهابية عليهم لتدمير اليمن ؟

أي أن هذا الجيش يمتلك عناصر القوة الروحية التي أودعها الله تعالى في حزبه أبناء الأنبياء والمرسلين وهم آل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم والمسلمين العابدون لله تعالى وسيملكون القوة العسكرية التي تمكنهم من غلبة حزب الشيطان بقيادة بني إسرائيل إذا فسدو فيي الأرض وعلوا العلو الكبير الذي يعقبه السقوط الأكبر من علوهم .

ثم يقول تعالى :

(فَجَاسُوا) خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً- الإسراء 5)

وهذا اللفظ ضمن مجموعة من الألفاظ ليس لها مرادف يبينها ويكون بيانها طبقاً لا حددته معاجم اللغة العربية التي تقول : [ الجوس هو الدخول بقوة والجوس : طلب الشيئ بأستقصاء والجوس : التردد خلال الدور والبيوت والطواف فيها للغارة والقتل وجاس يجوس جوساً قال تعالى (فجاسوا خلال الديار )] .

و لا يكون ذلك إلا على الخيل وبالسيف دون هدم أو تتبير كما في الوعد الآخر والذي سيكون مختلفاً وفيه تدمير لكل ماعلى الأرض وسنبينه فيما بعد وأما قوله تعالي .

وأما :

(خلال ) الديار

أي مابين الديار لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله – النور 43 } أي أنهم هنا هؤلاء الجنود الأشداء كما قال تعالى هنا { فجاسوا خلال الديار} .

وأما :

( الديار)

والديار البيوت قال تعالى في بني إسرائيل  { وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمائكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم – البقرة 84} . ولما كفروا بآيات ربهم و قتلوا انبيائهم وأخرجوا المؤمنين من ديارهم بغير حق أهلكهم الله تعالى ثم أورث ديارهم المسلمين قال تعالى  { وأروثكم أرضهم وديارهم وأموالهم  وأرضاً لم تطئوها وكان الله على كل شيئ قديرا – الأحزاب 27} وهذا كان وعدهم الأول الذي وعدهم الله تعالى في قوله تعالى هنا { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا }

 (وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً) 

ووعداً مفعولا أي وعد مذكور عندهم في التوراة والزبور قال تعالى فيه { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيل َ- الشعراء193-197}  وهذا الوعد بأن يسلط الله عليهم في كل زمان من يسومهم سوء العذاب لقوله تعالى {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلي يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب- الأعراف167} ولذلك بين تعالى لفظ  مفعولا أنه جاء في حرب بدر { إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ القُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي المِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ – الأنفال42} .

وهذا الوعد يعلمة المؤمنين من الأحبار والرهبان الذين قال تعالى فيهم {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا  إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا  وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا – الإسراء107-108 } .

أي أن الله تعالى لا يخلف وعده ولا يخلفا لميعاد قال تعالى { لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون – الروم }

ويكون هذا الوعد آخر الزمان هلاكهم على كثرتهم وتجمعهم الكبير ولذلك يقول تعالى {سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر- القمر} ومن عوامل مكر الله تعالى بهم بأن يقلل المؤمنين في أعين أعدائهم عند اللقاء ليقضى الله أمراً كان مفعولا قال تعالى  : { وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً– لأنفال44} .

ومن هذا الوعد طمس وجوه  وعذاب شديد لبني إسرائيل قال تعالى فيه  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً-النساء47} .

ومن مكر الله تعالى في الوعد الأول ما كانوا يتخيلوا ولا يتوقعوا ما حدث لهم من هزيمة وقتل وأسر والخروج من الديار قال تعالى { مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْب – الحشر 2}  وهكذا وعد آخر الزمان سيأتي باستدراج إلهي أيضاً وعلى غير انتظار و في فترة يأس  قال تعالى فيه  { حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ – يوسف110} وكان هذا وعداً مفعولا قال تعالى فيه { وكان وعداً مفعولا} .

ثم يقول تعالى :

 (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً-الإسراء 6)

وهنا :

(ثم رردنا )

ورد بمعنى رجع لقوله تعالى { ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم – يوسف 65} . والرد بدأ ا ولا بنصر أمة محمد صلى الله عليه وآله في الوعد الأول ردهم الله تعالى بغيظهم لم ينالوا خيرا كما في قوله تعالى عن الأحزاب  وانتصار المؤمنين عليهم بقيادة رسول الله صلى الله عليه وآل بيته عليهم السلام وصحابته الكرام قال تعالى { وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ  فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا  وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا  – الأحزاب  22-27} .

وهنا كانت الكرة للمسلمين على الكفار والمنافقين ويبين تعالى هنا أن الكرة تحولت على المسلمين بداية من موت رسول الله صلى الله علي وآله واستبعاد كل أهل بيت النبي عن الحكم في فترة الخلفاء الثلاثة الأوول ثم قتل أهل البيت في العصر الأموي ثم العباسي وإلى الآن إلى أن يشاء الله تعالى ويحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون وهنا بداية الكرة ورد في قزوله تعالى { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ  -آل عمران} .

وهنا بدأ  المنحنى في الهبوط بتولي الأمويين والعباسيين تصفية أهل بيت النبي عليهم السلام  والصحابة البدريين والعقباويون في موقعة الجمل وصفين فردت الكرة على المسلمين في حرب مستمرة حتى الآنبدأت بوضع الإسرائيليات وانتهت بقصف المسلمين بالقنابل النووية التكتيكية الآن قال تعالى فيها { ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا- البقرة 217} .

وهذه إرادة اجتمع عليها أهواء الكثير من أصحاب الفكر الصهيوني من اليهود والنصاري  لقوله تعالى { ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم- البقرة 109}  وقد حذر الله تعالى من طاعتهم فيما يهووا  وهو ردة المسلمين وإخراجهم من دين الإسلام قال تعالى { ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم} وهاء الجمع هنا لأنهم على الرغم من  اختلافاتهم وقول كل أصحاب ديانة في أختها : { وقالت اليهود ليست النصارى على شيئ وقالت النصارى ليست اليهود على شيئ وهم يتلون الكتاب –البقرة  } ومع ذلك اتفقت أهوائهم على الفكر الصهيوني وتوحدت أهوائهم في إبادة الجنس العربي خاصة والمسلمين عامة في أرجاء المعمورة , ومع الثورة الصناعية فتك هؤلاء ومازالوا يفتكون بأمة محمد صلى الله عليه وآله شيعة وسنة ولا فرق عندهم في خطط الإبادة التي أ‘دوها وينفذونها على الجميع وهذا حدث مع رد الكرة على المسلمين زمن علوهم العلو الكبير لقوله تعالى هنا : { ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا- الإسراء}

ولذلك قال تعالى حذر الله تعالى من طاعتهم فوفيها خسران الدنيا والآخرة كما في قوله تعالى  : { إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين- أل عمران 149} كما بين تعالى أن من تولى هذا الفريق المحارب للمسلمين من أهل الكتاب الكلمات والدسائس والمؤامرات والمكر والكيد الظاهر والخفي فهو كافراً بالله تعالى لقوله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ – آل عمران -100-101 }   .

وأما :

 

 ( والكرة  )

[ وكر على عدوه يكر كراً : حمل عليه قاصداً التغلب عليه  وكر على الشيئ رجع والكرة المرة – معجم الفاظ القرآن باب الكاف فصل الراء والراء  ] .

والكرة وهى الرجعة لقوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تبرءوا مِنَّا – البقرة 167)  وقال تعالى ( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ – الزمر58) وقال تعالى  (فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ – الشعراء102) وقال تعالى فيما قال الكفار (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ  أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَّخِرَةً  قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ  – النازعـات10-12) أي أن المعنى هنا أنهم ردوا الثأر رجوعاً بالكرةً على المسلمين  كما في قوله تعالى { ثم رددنا لكم الكرة عليهم  – الإسراء}

وأما :

(وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ ) وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً – الإسراء6)

وهنا يبين تعالى أنه عز وجل أمدهم بأسباب القوة التي مد قوم عاد كما في قوله تعالى { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ  وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ  أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ–الشعراء 128-134 } .  وهنا يبين تعالى أنه أمدهم بأسباب القوة من أموال وبنين وأنعام  أقاموا بها مصانع ومباني شاهقة تدل على القوة والمنعة وهذا من استدراج الله تعالى لهم كما في قوله تعالى { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ  نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ  – المؤمنون 55-56}

ثم يبين تعالى أن سيدنا نوح وعظ قومه داعياً إياهم للإستغفار والتوبة ولكنهم كفروا بالله تعالى فدعا عليهم كما في قوله تعالى : { قلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا   وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا  مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا   وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا  وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا  وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا  وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا  وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا  إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا  – نوح 10-28} .

وهنا على ما ذكرناه من قبل أن هؤلاء المجرمين ذرية من حملنا مع نوح توكد الآيات هنا أن سيدنا نوح أخبر بفعلهم ودعا عليهم في هذا الدعاء هنا لأنهم آخر الزمان سيعلون علواً كبيراً هنا في قوله تعالى { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا  وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا   –الإسراء 3-6} .

ثم يقول تعالى :

 ( وَجَعَلْنَاكُمْ ) أَكْثَرَ)

وجعلكم أي جعلكم ملوكا وخلفاء من بعد نوح عليه السلام كما في قوله تعالى عن قوم عاد الذين كفروا برسالة ربهم أيضاً هؤلاء بقايا ذرية الجبارين الأوائل وهنا نقول إذا قالت الماسونية نحن ورثة إبليس و قابيل و الفراعين والبوذية وكل آلهة العالم المعبودة من دون الله تعالى فهم صادقون لم يكذبوا قال تعالى في قوم عاد : { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح – الأعراف 69}

ثم يقول لهم نبي الله موسى عليه السلام  : { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا  فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي  فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ  أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ – المائدة 20-26} .

وهنا رفضوا دخول الأرض المقدسة زمن نبي الله موسى عليه السلام فحرمها عليهم بإذن الله وقضى الله تعالى فيهم بالتيه في الأرض أربعين سنة  فلما مات وعبدوا العجل وعصوا ربهم عز وجل حكم الله تعالى عليهم  بعدم دخول الأرض المقدسة إلا مع نبي الله عيسى عليه السلام ,وهنا جائت المخالفة بأن قرروا يدخلونها بغير نبي الله عيسى يقتلوا ذرية نوح وموسى و أنبياء الله تعالى من ذرية نبي الله إبراهم وأهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وهنا نبأهم الله تعالى أن جريمتهم هذه ستكون سبب نهايتهم والعلامة هو علوهم العلو الكبير

و سيكون ذلك بتعاون وثيق في وعد الأولى والأخرة بتعاون بينهم  وبين الأعراب الذين كفروا بالله تعالى وحاربوا  رسول الله صلى الله عليه وآل بيته عليهم السلام وقال تعالى فيهم هنا مخاطباً إياهم :  { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ –  يونس 13-14 }

وأما :

( أكثر)

وهنا أكثر ورد على أكثر الناس أبو إلا كفورا قال تعالى :

  • { فأبى أكثر الناس إلا كفورا – الإسراء 89 } وهؤلاء سيكونون داعمين لبني إسرائيل آخر الزمان .
  • ومن هؤلاء أهل الكتاب اكثرهم فاسقون كما في قوله تعالى { يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون – المائدة 59 } وهؤلاء هم الصهاينة .
  • قريش والأعراب لقوله تعالى فيهم { لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون الزخرف 78} . ولقوله تعالى فيهم هنا { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون – الحجرات 4 }
  • 4- كل راغب في الدنيا محباً لها وذلك لأنهم سيملكون الدنيا وزينتها كما في قوله تعالى هنا { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ – الحديد 20} . وهؤلاء جميعا سيحاربون المسلمين في آخر الزمان وأهل بيت النبي للإجهاز عليهم وقال تعالى فيهم لكثتهم { سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر – القمر } وهذا الجمع وهذه الكثرة هم النفير الذي قال تعالى فيه هنا { وجعلناكم أكثر نفيرا- الإسراء} .

وأما :

( نفيرا)

والنفير : الأتباع [  رهط الرجل وعشيرته وأسرته والنفير : أنصار الرجل وعشيرته الذين ينفرون لمعاونته ونصرته – معجم الفاظ القرآن باب النون فل الفاء والراء ] .

قال تعالى { قال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفرا – الكهف 34 }

كما أن قوله تعالى  { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن-الأحقاف29 }  تبين أن هناك نفراً من الجن الكافر وقبائل معاونه لهؤلاء اليهود باستخدام السحر . ولذلك فهم عالمون بالسحر والكهانة بل وإن جيشهم الإسرائيلي له منجم خاص به يبين لهم أحوال السياسة العامة لكل دولة وما يدبره خصومهم لهم وهذا نشر في الصحف .. الخ علوم الكهانة. وهؤلاء آخر الزمان سيكون عددهم أكثر من المسلمين كما قال تعالى هنا عن اليهود وأتباعهم وأنصارهم { وجعلناكم أكثر نفيرا– الإسراء }

ثم يقول تعالى :

 { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً -الإسراء7}

وهنا:

 

(إن أحسنتم أحسنتم )  لأنفسكم)

أي أنهم إن أحسنوا  مع الله تعالى ومع العباد فلهم الحسنى في الدنيا  كما قال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ –  الزمر 10 } وقال تعالى أيضاً مبيناً أن هؤلاء لهم حسنة الدنيا و نعم دارالمقين  في الآخرة  كما في قوله تعالى  : { وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ – النحل 30 }

ولهم الحسنى وزيادة كما في قوله تعالى : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ – يونس 26}

وأما :

(لأنفسكم )

أي أنه تعالى يقول لهؤلاء { من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد  – فصلت 46} .

وأما :

( ومن أساء )

أي جزاء سيئة سيئةً مثلها كما قال تعالى { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا – الشورى40}  ويقول تعالى { وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون َ- يونس27} .

وهذا إنذار من الله تعالى لهم قبل أن يحل عليهم وعد الآخرة  وعقابهم بمثل ما فعلوا من قتل وظلم وسلب ونهب وإفساد في الأرض قال تعالى : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاءوعد الآخرة جئنا بكم لفيفا } .

قال تعالى فيه :

 (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ)

وهنا يقول ابو حيان التوحيدي في تفسيره البحر المحيط :

[ ( فإذا جاء وعد الآخرة ) أي المرة الآخرة في إفسادكم وعلوكم، وجواب إذا محذوف يدل عليه جواب إذا الأولى تقديره بعثناهم عليكم وإفسادهم في ذلك بقتل يحيـى بن زكريا عليهما السلام. وسبب قتله فيما روي عن ابن عباس وغيره: أن ملكاً أراد أن يتزوج من لا يجوز له نكاحها، فنهاه يحيـى بن زكريا وكان لتلك المرأة حاجة كل يوم عند الملك تقضيها، فألقت أمها إليها أن تسأله عن ذبح يحيـى بن زكريا بسبب ما كان منعه من تزويج ابنتها فسألته ذلك، فدافعها فألحقت عليه فدعا بطست فذبحه فندرت قطرة على الأرض فلم تزل تغلي حتى بعث الله عليهم بخت نصر وألقى في نفسه أن يقتل على ذلك الدم منهم حتى يسكن، فقتل عليه منهم سبعين ألفاً.

وقال السهيلي: لا يصح أن يكون المبعوث في المرة الآخرة بخت نصر لأن قتل بحيـى بعد رفع عيسى، وبخت نصر كان قبل عيسى بزمن طويل. وقيل: المبعوث عليهم الإسكندر وبين الإسكندر وعيسى نحو ثلاثمائة سنة، ولكنه إن أريد بالمرة الأخرى حين قتلوا شعياء فكان بختنصر إذ ذاك حياً فهو الذي قتلهم وخرب بيت المقدس وأتبعهم إلى مصر وأخرجهم منها. وروي عن عبد الله بن الزبير أن الذي غزاهم آخراً ملك اسمه خردوس وتولى قتلهم على دم يحيـى بن زكرياء قائد له فسكن الدم. وقيل قتله ملك من ملوك بني إسرائيل يقال له لا حب. وقال الربيع بن أنس: كان يحيـى قد أعطي حسناً وجمالاً فراودته امرأة الملك عن نفسه فأبى ، فقالت لابنتها: سلي أباك رأس يحيـى فأعطاها ما سألت –تفسير البحر المحيدلأبو حيان التوحيدي ] .

ووفقاً لبيان القرآن بالقآن وفيه الدلالة القطعية هنا :

يبن تعالى أن وعد الآخرة إذا جاء زمانه له علامة وأمارة لابد وأن يعرفها كل مسلم وهو جمع اليهود من كل الأجناس والقبائل والبلاد ان في مكان واحد وهى الأرض المقدسة التي حرمها عليهم قال تعالى هنا : {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا- الإسراء104} . والأرض هنا الأرض المقدسه التي أفسدوا فيها وعصوا نبي الله موسى وقتلوا  فيها أنبياء الله تعالى

وأما:

(لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُم)

وسوء الوجوه هنا في وعد الآخرة كما بينه الله تعالى في قوله عز وجل : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ- الملك25-27}  وهنا هذا ما كنتم به تدعون كانوا يدعون أنهم سيسومون الأمم سوء العذاب وأن الله سينصرهم ففعل الله بهم هذا الفعل لقلبهم حقائق الأيمان كما في قوله تعالى  { يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون – البقرة} .

وهنا أعماهم الله تعالى وادعوا أنهم منصورون  فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وسلط عليهم عباداً له تعالى بأسلحة نيرانية لها خاصية طمس الوجوه قال تعالى فيها محذراً إياهم :  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْت وكان أمر الله مفعولا – النساء47} .

و هذا الطمس يكون بالنار لورود لفظ الوجوه في قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ – الأنبياء 38-40} .

وهذا هو  وعد الآخر قال تعالى فيه أنه سبحانه وتعالى سيجمع فيه كل قبائل وبطون بنى إسرائيل و معهم كل من كفر الله وكان من ذرية قابيل قاتل أخاه هابيل  كما في قوله تعالى  { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفا ً- الإسراء104} . أي من قبائل شتى .

ثم يقول تعالى في هذا الوعد الآخر

( وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ) كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّة ٍ- الإسراء7)

وهنا المسجد ورد في قوله تعالى { سبحان الذي أسرى بعدبه من المسجد الحرام إلى المسجد لقصى الذي باركنا حوله} وهذا يؤكد أن سقوط هذه المقدسات في حكم بني إسرائيل وهى المسجد الأقصى القبلة الأولى للمسلمين ثم المسجد الحرام والحجاز وطور سيناء و بيت المقدس . وكذلك سقوط الشام والعراق ومصر والحجاز تحت سيطرة بني إسرائيل والآيات هنا تؤكد أن من علامات هلاك بني إسرائيل سقوط هذه البقاع  تحت سيطرة المسلمين بقيادة أهل بيت النبي عليهم السلام وبعدها سيدمر المسلمين كل ما بناه وشيده بني إسرائيل في الملاحم  ثم هزيمة الصهاينة الذين دعموهم بلدة تلو الأخرى .

ثم ورود لفظ المسجد في قوله تعالى { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين – الفتح } يؤكد أن دخول المسجد الحرام في سيطرة أهل بيت النبي وأمة محمد صلى الله عليه وآله وسقوط سيطرة بني إسرائيل على جزيرة العرب سيكون مواكباً لهذه الأحداث .

وذلك جزاء وفاقاً لبني إسرائيل وأعرب الجزيرة الذين أخرجوا المؤمنين المستضعفين من ديارهم بغير حق قال تعالى : { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز ٌ- الحج40} .

وعندما يأتي وعد الآخرة فسيدخلونها بقوة كما أخرجوا منها المؤمنين وهو الدخول الثاني والأخير وسيدخلوه كما دخله آبائهم من آل بيت النبي وذرية الصحابة الذين قاتلوا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وىله وقال في دخولهم الأول    { فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا }  وهذا وعد أولاهما وأما الوعد الآخر لن يجوسوا الديار كما في الوعد الأول بل سيهدمونها بأسلحة لها خاصية الهدم والتتبير قال تعالى فيها هنا :

 (وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً)

وتبر الشيئ أهلكه

والتتبير هو التدمير والإهلاك كما في معجم ألفاظ القرآن قال تعالى فيما فعله بنوإسرائيل لما قالوا { وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ  – ألأعراف 138 -139 }

ومتبر هنا مدمر مهلك  فكما فعلت أمة عاد وثمود وأصحاب الرس وقروناً كثيرة عبدت  الأوثان وشيدوا المعابد أهلكهم الله تعالى في قوله تعالى { وَعَاداً وَثَمُودَا وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً وَكُلّاً ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلّاً تَبَّرْنَا تَتْبِيراً – الفرقان38- 39}

وهنا يكون تدمير إسرائيل في هدمها للمسجد الأقصى وتشييدهم للهيكل الوثني الذي يعدون له الآن والذي سيكون سبباً في تدمير كامل إسرائيل كما قال تعالى هنا { فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا-الإسراء } .

وهنا إذا هدموا المسجد الأقصي يبين الله تعالى لنا أن نبي الله نوحاً قد دعى عليهم لورود لفظ التتبير في قوله تعالى في دعاء سيدنا نوح { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً– نوح 28 }  وهذه ليست مصادفة بل دقة قرآنية تفصل أقوال سيدنا نوحاُ في هؤلاء الذين ركبوا معه في السفينة فتمتعوا بالدنيا وقتلوا انبياء الله تعالى  حتى يأتى وعدد الآخرة  فيدمرهم الله تعالى :

وأما قوله تعالى :

(ماعلوا)

أي أن التدمير كما قلنا لكل ما على وارتفع على الأرض فيجعل الله تعالى عليها سافلها بجرائمهم وأهمها انتشار عمل قوم لوط بينهم قال تعالى في قوم لوط وما فعله الله تعالى بقريتهم :  { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ- الحجر74} وهنا سيكون عاليها سافلها ليس بحجارة من سجيل بل أشياء تدمر كل ما فوق الأرض قال تعالى  فيها { وليتبروا م اعلوا تتبيرا} .

وهى  أسلحة تجعل عاليها سافلها  و تتبيرا هنا مفعول مطلق لشدة الدمار حتى تتحول إلي مدينة من الحجارة يختبئ وراء الأحجار اليهود الفارين من نيران المعركة وقد أخبرت السنة النبوية المطهرة بذلك من أن الحجر والشجر سيقول يا مسلم تعالى ورائي يهودي فاقتله . كما هو معلوم لدى الجميع .

وهذه الأسلحة ليست الخيل والبغال والحمير التي استخدمها المسلمون في الوعد الأول بل هىأسلحة جدية حديدة فيها بأس شديد قال فيها صلى الله عليه وآله   عن علامات خروج الدجال : [ …. ومن علامات خروجه أن يكون الثور بكذا وكذا والخيل بالدريهمات قالوا وما يرخصها يارسول الله؟: قال: لن تركب لحرب أبداً- رواه بن ماجة في الفتن وعلامات الساعة ] .

ثم يقول تعالى :

{عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً-الإسراء8}

وهنا :

 ( عسى ربكم أن يرحمكم

[ عسى ورد هذا اللفظ يدل على الترجي في المحبوب والإشفاق من المكروه وقد جرى في الحديث عن الله كما جرى في الحديث عن البشر فيكون معنى الترجي والإشفاق عن الله وهو أن يكون الإنسان فيه راجياً لا أن يكون الله يرجوا – معجم ألفاظ القرآن ] .

قال تعالى : { قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ – الأعراف 129} وهذا اللفظ يدل على أن استخلفهم في الأرض كان بدعوة دعاها لهم سيدنا موسى و ويرد هذا اللفظ في وله تعالى { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم – محمد 22 } .

والفظ يبين أنهم افسدوا في الأرض وخالفوا نبي الله طالوت و دواود ولعنهم عند ما طلبوا ملكاً منهم يقاتلوان معه عدوهم فقال لهم نبيه إن اله قد بعث لكم طالوت ملكا فقال لهم نبيهم محذراً { قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا- البقرة 246} قالوا بعد ذلك{أنى يكون له الملك علينا ولم يؤت سعة من المال – البقرة } ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وآله كذبوه هم وقريش الأولى قائلين { ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا- الإسراء 51}  و قريباً منهم سيكون الوعد الأول  لورود هذا الفظ في قله تعالى { قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون – النمل 72} وعن وعد الآخرة هنا الآية : { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً-الإسراء8}

وأما :

(أن يرحمكم)

وهنا يرحمكم أي يرحمكم بنبي الله سيدنا محمد صلى الله عليه وأله قال تعالي  : { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون – آل عمران-132}   ولذلك يبين تعالى لهم أن هؤلاء الذين أطاعوا الله ورسوله أولائك هم المفلحون في قوله عز وجل  { قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ – الأعراف157-156) .

وهنا يبين الله تعالى أن رحمته مشروطة بطاعة  الله تعالى ورسوله  وأتباع أوامره عز وجل  .

ثم يقول تعالي :

(وإن عدتم عدنا)

إي أن  الله تعالى يقول لهم  إن  كفرتم  كما فعلتم من قبل وطلبتم عباد ةالأوثان وقلتم { اجعل لنا إلهاً  كما لهك آلهة } في وجود نبي الله موسى وعبدتم العجل وهدمتم المسجد الأقصى في حياته دون حياء  وشيدتم الهيكل ( المعبد) و عدتم إلى قتال نبي اله محمد صلى الله عليه و قتلتم أهل بيته عليهم السلام  فسينتقم الله تعالى منكم لقوله تعالى : { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ – المائدة95} وهذا في الدنيا وفي الآخرة هم خالدون في نار جهنم لقوله تعالى { وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون َ- البقرة275 } أي إن عدتم إلى هذه العاصي عدنا عليكم بشر من العذاب كما في الآية هنا : { وإن عدتم عدنا – الإسراء} .

و في بيان هذه الآية : [….. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن بني إسرائيل لما اعتدوا وقتلوا الأنبياء بعث الله بخت نصر فقتل بها سبعين ألفاً، ثم إن الله تعالى رحمهم، فأوحى الله عز وجل إلى ملك من ملوك فارس، أن سر إلى عبادي بني إسرائيل، فاستنقذهم من بخت نصر، وردهم إلى بيت المقدس، مطيعين له أربعين سنة، ثم يعودون، فذلك قوله عز وجل في القرآن : ” وإن عدتم عدنا ” إن عدتم في المعاصي عدنا عليكم بشر من العذاب، فعادوا، فسلط عليهم طياليس ملك رومية، فسباهم، واستخرج حلي بيت المقدس والتابوت وغيره، فيستخرجونه ويردونه إلى بيت المقدس، ثم يسيرون حتى يأتوا مدينة يقال لها طاجنة، فيفتحونها، ثم يسيرون حتى يأتوا مدينة يقال لها القاطع، وهي على البحر الذي لا يحمل جارية … – عقد الدرر للحافظ السلمي ]

(وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ)

 وجهنم النا التي يعذب بها الله تعالى في الآخرة وهي للخبثاء جميعا كما في قوله تعالى { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ –الأنفال 37 } .

وهؤلاء هم الذين عملوا للحياة الدنيا وتركوا العمل بكتاب الله وكل الكفار بجميع الديانات يلتقون تح لواء واحد وهو حب الدنيا والقتال من اجلها وهؤلاء لهم جهنم كما في قول تعالى : { مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا-الاسراء 18 } .

و الولاية  قال تعالى فيها {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون- المائدة } والذين تولوا غير الله تعالى ورسوله صلى الله عليه  وأهل بيته عليهم السلام قال تعالى فيهم : { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً- الكهف102}.

وأما:

(لِلْكَافِرِينَ)

وهؤلاء هم اليهود الذين تركوا التحاكم لله تعالى كما في قوله تعالى { إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ  يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ – المائدة 44 } .

ويقترن أيضاً كفرهم بقتل الأنبياء في قوله تعالى:{ ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون – البقرة61 }

والكفار أيضاً منهم المنافقون الذين تظاهروا بدين الإسلام وتركوا العمل به وقتلوا أهل بيت النبي عليهم السلام والمسلمين  و قال تعالى فيهم : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا  سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ  يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ  يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا  وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ  وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ – المائدة 44 }

والكافرين أيضاً منهم الذين تمتعوا بالحياة الدنيا ولم يعملوا بأوامر الله تعالى لقوله عز وجل {  وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ  الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ – الأعراف 50 -51}  وهؤلاء عندما تمتعوا فقط وأكلوا وشربوا ولم يؤدوا حق الله تعالى وصفهم الله تعالى بأنهم كالأنعام في قوله عز وجل : { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم – محمد }  وهؤلاء جميعاً الله تعالى جعل لهم جهنم حصيراً كما في الآية هنا { وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}  وأما :

 ( حصيراً )

من حصر يحصره أي ضيق عليه وأحاط به قال تعالي: { وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ– التوبة 5}  أي ضيقوا عليهم واحبسوهم لأن حصيراً محبسًا أو حتى يستسلموا لقوله تعالى { إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيل- النساءاً 90) .

وفي الدنيا هنا يشدد الله تعالى على عدم تركهم بل ولابد من تتبعهم ومراقبتهم لأنهم قتلة وأولاد القاتل الأول وإمامهم ومرجعهم إبليس الذي قال تعالى فيه { أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا- الكهف }  وهؤلاء يأمر الله تعالى بحصارهم وتشديد مراقبتهم لورود هذا اللفظ في قوله تعالى { وَخُذُوَهُمْ وَاحْصُرُوَهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيم ٌ- التوبة 5} و هؤلاء في الآخرة جعل الله تعالى لهم جهنم حصيرا  إن لم يتوبوا كما في قوله تعالى هنا : { وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً– الإسراء 8}

{ إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا-الإسراء9 }

وهنا:

إن هذا القرآن

أيأن الله عالى يقول { إن هذا القرآن  يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه مختلفون- النمل76 }  فكما أنزل الله تعالى التوراة فيها هدى ونور : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور }  كذلك انزل الله تعالى القرآن الكريم يهدي للتي هى أقوم كما في قوله تعالى هنا : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا- الإسراء9 }

 وأما :

( قرآن ) 

و [القرآن : كتاب الله المعجز الذي أنزله الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وآله ] وقد ذكر معرفاً في قوله تعالى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان – البقرة 185} .

وهذا القرآن يبين فيه تعالى أن وعد الله حق كما هو في التوراة والإنجيل والقرآن وقد اشترى منهم أنفسهم كما قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ – التوبة 111} .

وأكثر أمة اختلفت مع كتاب الله ورسول الله صلى الله عليه وآله هم

  • اليهود : لقوله تعالى : {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه مختلفون- النمل76 } .
  • قريش : الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا لن نؤمن بهذا القرآن : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ –سبأ 31} .
  • الأمويون : وهم أعداء أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) و الدين الإسلامي ومن انتهج نهجهم وسلك مسلكهم وامتدحهم وعظم أمرهم فهو مثلهم عدواً لله تعالى ورسوله لما فعلوه بالدين الإسلامي من تحويل نظام الحكم لملكي كسراوي قيصري وقتلهم أهل بيت النبي عليهم السلام و هنا لما نزل فيهم من الشجرة الملعونة في القرآن في قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا – الإسراء 60 }

ورد هنا من طرق أهل السنّة واتّفقت عليه أحاديث أئمّة أهل البيت عليهم السلام هو أنّ المراد بالشجرة الملعونة بنو أميّة الذين نافقوا وأظهروا الإسلام وتجذّروا بين المسلمين وأصبحو كالشجره التي لها أصل ولها فروع وشكّلوا أكبر فتنة للمجتمع الإسلامي .

والرؤيا هي عبارة عن منامٍ للنبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم رأى فيه أنّ بني أميّة ينزون على منبره نزو القردة ، فاغتمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وساءه ذلك ولم يستجع ضاحكاً حتّى مات صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.

فمعنى الآية ـ واللّه العالم ـ هو أنّه أذكر أيّها النبيّ إذ قلنا لك إنّ ربّك أحاط بالناس إحاطة علميّة ، فعلم بالسنن والقوانين الجارية بينهم من الاستمرار في الفساد والفسوق وإقتداء الأخلاف بالأسلاف في الإعراض عن ذكر اللّه وعدم الإعتناء بآياته ، ولم يجعل الشجرة الملعونة في القرآن ـ وهم بنو أميّة الملعونون في القرآن من خلال لعن المنافقين ـ التي أريناك في المنام أمرهم ، وما سيئول إليه وضعهم إلّا فتنةً للناس وإمتحاناً وبلاءاً نمتحنهم ، نبلوهم به ، وقد أحطنا بهم ونخوّف الناس بالموعظة وبالآيات المخوفة ، لكن لا يزيدهم التخويف إلّا طغياناً مفرطاً في العناد مع الحقّ ، فلا تغمّ أيّها النبيّ ، فإنّ ما أريناك وعرفته إنّما هو فتنة وامتحان للأُمّة. هذا معنى الآية ، واللّه العالم . [روى سهل ابن سعيد عن ابيه فقال : ( ان النبي صلى الله عليه وآله رأى ذلك و قال انه (صلى الله عليه وآله) لم يستجمع بعد ذلك ضاحكا حتى مات)

. و روى سعيد ابن يسار و هو المروي عن ابي جعفر و ابي عبد الله ( و قالوا على هذا التأويل ان الشجرة الملعونة في القرآن هي بنو امية اخبره الله سبحانه و تعالى بتغلبهم على مقامه و قتلهم ذريته ) .

و روي عن المنهال ابن عمر قال : دخلـــت على علي بن الحسين عليهما السلام فقلت له : كيف اصبحت يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : ( اصبحنا و الله بمنزلة بني اسرائيل من آل فرعون ، يذبحون ابناءهم و يستحيون نساءهم و اصبح خير البرية بعد رسول الله ، يلعن على المنابر ، و اصبح من يحبنا منقوصا حقه بحبه ايانا) و قيل للحسن البصري : يا ابا سعيد قتل الحسين ابن علي . فبكى حتى اختلج جنباه ( اي تحرك كتفاه ) ثم قال : واذلاه لامة قتل ابن دعيها ابن بنت نبيها . – تفسير من هدى القرآن – السيد محمد تقي  المدرسي ] .

وفي تفسير الدر المنثور للسيوطي  :

[ ….. وأخرج سعيد بن منصور عن أبي مالك في قوله : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك . قال : ما أري في طريقه إلى بيت المقدس. 

وأخرج ابن سعد ، وأبو يعلى ، وابن عساكر ، عن أم هانئ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به أصبح يحدث نفرا من قريش وهم يستهزئون به، فطلبوا منه آية، فوصف لهم بيت المقدس، وذكر لهم قصة العير، فقال الوليد بن المغيرة : هذا ساحر . فأنزل الله تعالى : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس . 

 

وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن الحسن ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به أصبح يحدث بذلك، فكذب به أناس، فأنزل الله فيمن ارتد : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس . 
وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في الآية قال : هو ما رأى في بيت المقدس ليلة أسري به

. 
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس . يقول : أراه الله من الآيات والعبر في مسيره إلى بيت المقدس . ذكر لنا أن ناسا ارتدوا بعد إسلامهم حين حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيره، أنكروا ذلك وكذبوا به وعجبوا منه، وقالوا : تحدثنا أنك سرت مسيرة شهرين في ليلة واحدة! 

وأخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني فلان ينزون على منبره نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكا حتى مات، وأنزل الله : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس . 
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “رأيت ولد الحكم بن أبي العاصي على المنابر كأنهم القردة” . فأنزل الله في ذلك : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة . يعني الحكم وولده . 

وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أريت بني أمية على منابر الأرض، وسيملكونكم، فتجدونهم أرباب سوء” . واهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك؛ فأنزل الله : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس . 

وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح وهو مهموم، فقيل : مالك يا رسول الله؟ فقال : “إني أريت في المنام كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا” . فقيل : يا رسول الله، لا تهتم؛ فإنها دنيا تنالهم . فأنزل الله : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس . 

وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في “الدلائل، وابن عساكر ، عن سعيد بن المسيب قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أمية على المنابر فساءه ذلك، فأوحى الله إليه : إنما هي دنيا أعطوها . فقرت عينه، وهي قوله : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس  . يعني بلاء للناس

وأخرج ابن مردويه عن عائشة ، أنها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبيك وجدك : “إنكم الشجرة الملعونة في القرآن” . .– الدر المنثور للسيوطي ] .

  • الخوارج : التاركين لكتاب الله تعالى عملاً بأهواء وأراء الرجال المختلفة ممن يدعي أنهم سلف صالح وقال تعالى فيهم { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا – النساء  82 } .
  • الجن الكافر وقال تعالى فيهم هم والإنس : { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا الإسراء 88} . وهذه الآية تشير غلى فرضية التقاء الجن والإنس وهذا سيحدث آخر الزمان سيحاولون تأليف قرآنا غير هذا القرآن وقد كان للدجال بوش هذا السبق وألف كتاباً أطلق عليه : [ ” الفرقان الحق”] عكسفيه الآيات التي تذم الشيطان جعلها عل الإله المسلمين الخالق فمثلاً تعالى الله عما يشركون قال في أحد آياته عن القرآن الكريم : [  وما هو إلا قول شيطان رجيم

وهناسورة من سور الدجال الأمريكي في كتابه المسمى الفرقان الحق يطلقون عليها سورة الماكرين :

 

موقع الفرقان الحق – شبكة الإنترنت ]

وهذه ايات على عدد السور 114 سورة شيطانية ألفها جماعة من الإنس والجن قال تعالى فيها أنها بوحي بين شياطين عالم الجن والإنس قال تعالى :  { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ – الأنعام 112} . وبالتالي دخول عالم الجن الكافر هنا سيتبعه دعم من مؤمني الجن لأهل بيت النبي وشيعتهم ولمسلمين أنصارهم .

  • التاركين العمل بكتاب الله تعالى الذين هجروه وهجروا أحكام الدين بالكلية : هؤلاء قال تعالى فيهم منذ بعثة قريش الآولى حتى قريش الآخرة قال تعالى فيهم { وقال الرسول ياربي إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً – الفرقان 30 }

وهؤلاء جميعاً بين الله تعالى لهم أن الموكول بفهم القرآن هم أهل بيت النبي فقط إذا أرادوا أن يكونو من المهتدين قال تعالى { إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون – الواقعة 78-80} .

وهذه الآية تقريباً سقط فيها أكثر المفسرين فبينوها على غير معناها لأن المس غير اللمس .

المس أمر معنوي…واللمس أمر مادي قال تعالى في اللمس { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً – النساء 43}.  

وعليه يكون معنى { لا يمسه إلا المطهرون } لا تعني لمسه المعنوي بالجسد حاسة اللمس .

وأما : المس  قال تعالى فيه :

{قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ – هود48  }

{لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ – الحجر48 }

{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  – الزمر61 }

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ  الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ البقرة275}

{لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  – الأنفال68 }

{وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ – يونس122 } ,

وبالتالي لا يمسه إلا المطهرون أي لا يدرك غور معناه إلا من مسه الطهر وقال تعالى فيهم { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا- الاحزاب} .

وهنا لأو أرادت هذه الأمة الهداية عليهاأن تقدم أهل بيت نبيها ولا تحاربهم وتقتلهم كما فعلت بنو إسرائيل .ومنهج هؤلاء هو جمع آيات الله تعالى وبيانها بكتاب الله تعالى كما في قوله تعالى { إنا علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إنا علينا بيانه – اليامة 16-18} ومن عمل بذلك المنهج كتاب الله تعالى ثم سنة رسوله صلى الله عليه وإمامةأهل بيته فليعلم أنه قد عمل بالقرآن والذي قال تعالى فيه هنا { إن هذا القرآن يهدي للتي هى أقوم ويبشر المؤمنين } .

وأما :

 (يهدي)

أي يبين كثيراً مما اخفاه أهل الكتاب ويهدي إلى صراط مستقيم لقوله تعالى  { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم-المائده15-16ٍ} .

أولاً  : الهداية في القرآن الكريم :

وهذه الهداية بكتاب الله تعالى الذي قال تعالى فيه  :  { هذا هدى – الجاثية11}

ثانياً : الهداية في طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسنته الهدى أيضاً لقوله تعالى     { وإن تطيعوه تهتدوا – النور54}

ثالثاً : الهداية في أمير المؤمنين من بعده وأئمة أهل بيت النبي عليهم السلام  لما نزل فيه من قوله تعالى { إنما  أنت منذر ولكل قوم هاد – الرعد 7 } [ عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: لما نـزلت (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) ، وضع صلى الله عليه وسلم يده على صدره فقال: أنا المنذر(ولكل قوم هاد), وأومأ بيده إلى منكب عليّ, فقال: أنت الهادي يا عليّ, بك يهتدي المهتدون بَعْدي …… – تفسير الطبري وشواهد التنزيل للحاكم ج1 ص 381-382 ] .

رابعاً : إمام آخر الزمان سيهدي المسلمين لأمر لا يعلمونه بعلم إلهي لدني تعالى قال فيه :

{ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُون- يونس 35} .

خامساً : قبائل من الجن ستؤمن بهذا العلم وتتبعه وتنصر الإمام وذلك لاستعانة بني إسرائيل بسحر الفراعين في ذلك الزمان بعد كشف أسرار علوم الفراعنة وسرقتها من مصر ( وهذا ثابت) :

يقول تعالى فيما قالته الجن : { قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ – الأحقاف30 } .

وعالم الجن كعالم الإنس إذ أنه باختفاء العلم الحقيقي المنزل من عند الله انصرفوا زمناً طويلاً  عملاً للدنيا والبعد عن نصرة الدينأمام تلك الإختلافات و اشتراك جن كافر مع الإنس الذين قتلوا الأنبياء والمرسلين في كل زمن  وببعثة الإمام وظهور العلم اللدني الحقيقي كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى منهج أهل البيت عليهم السلام هنا تكون نصرتهم . وبداية تحركهم ضد حزب الشيطان من الإنس والجن  عملاً بالقرآن الكريم الذي  يهدي للتي هى أقوم كما في قوله تعالى هنا  { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم  } .

وأما :

( للتي هى أقوم )

 والقيم الثابت المستقيم الذي لا عوج فيه وأقوم : اسم تفضيل من قام ومعناه أفضل أو أعدل أو أقرب إلى الصواب وأقوم عند الله لورود هذا اللفظ في الشهادة على الدين في قوله تعالى : { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا – البقرة 282} .

والأقوم يكون في طاعة الله تعالى ورسوله خاتم النبيين كما في قوله تعالى {  وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً – النساء46} .

وأقوم أي أكثر استقامة في العمل بكتاب لم يجعل الله تعالى في اختلافاً ولا عوجاً  كما في  قوله تعالي  { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا – الكهف) وقال تعالى  { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا – النساء }  .

وأما :

(وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ)

والمؤمنين هم الذين تولوا الله تعالى ورسوله ثم أمير المؤمنين علي عليه السلام لما نزل فيه من قوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ –المائدة 55} وهؤلاء المؤمنون هنا يبشرهم ربهم  بجنات تجري من تحتها الأنهار  وذلك ل أنهم آمنوا وعملوا بكتابا لله تعالى الخالي من العوج والإختلاف  و قال تعالى فيه :  { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا – الكهف1-2 } ..  وقال تعالى أيضاً : { وبشر الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار – البقرة 25  } .

والبشارة هنا نص يبشر أهل مصر خاصة في قوله تعالى  { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ  رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ – يونس 87-88}  .

. هذه البشارة لأن فرعون في آخر الزمان سيعلوا نفس علوا بني إسرائيل وقال تعالى في ذلك { إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلا شيعا – القصص} .

وفي آخر الزمان يتكرر الحدث ويبشر الله تعالى المؤمنين بالنصر بعد هلاك الكفار والمنافقين ممن حادوا الله ورسوله  قال تعالى في الكافرين   (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ- التوبة3) و قال تعالى في المنافقين الذين تركوا العمل بالقرآن والسنة وعملوا بأراء العلماء وزعموا أنهم كانوا صالحين وهذا إفك مبين فهم سلف ولكن لا يجزم بصلاحهم إلا الله تعالى حيث نهى عن ذلك القول في قوله عز وجل : { ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى – النجم} .

وهؤلاء قال تعالى فيهم بعدما تولوا الدجال الصهيوني الأكبر وتسلحوا بسلاحه وقالوا بقوله في مسئلة الحرب بين السنة والشيعة وإدخالهم ببلاد الحرمين بعد طردهم بأربعة عشرا قرناً قال تعالى هنا فيهم أيضاً  :

{ بشر الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا -النساء 138ـ139}    . وأما :

(الذين آمنوا وعملوا الصالحات)

وهنا لم ترد في القرآن آية الذين آمنوا إلا ومقترنه بأمر إلهي أو كلمة وعملوا الصالحات كدليل على ترابط الإيمان والإسلام أي الإيمان والعمل الصالح كما في قوله تعالى { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات – العصر } وهؤلاء سيدخلهم الله تعالى في رحمته كما في قوله تعالى { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحته – الجاثية 30 } وقال تعالى أيضاً مبياً أن هؤلا هم الذين آمنوا بما نزل على سيدنا محمد كما في قول تعالى { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ  كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ – محمد 2}   وهؤلاء لا يستوون بمن كفر بالله تعالى وتولى أعداءه عزوجل  واجترح السيئآت ومات على ذلك دون توبة قال تعالى { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ – الجاثية 21 } .

وهنا يبين تعالى أن هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات و آمنوا بما نزل على سيدنا محمد لهم الجنة ولهم آجر كبير لإيمانهم برسول الله والقرآن الكريم الذي نزل عليه وهو كتاب المؤمنين للتي هى أقوم  كما قال تعالى هنا : {  إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا – الإسراء 9 }

 (أَنَّ لَهُم ْ أَجْراً )  كَبِيراً – الإسراء9)

أي أنه تعالى كما قال تعالى أيضاً  { وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيما ً- النساء146 }  و هذا الأجر العظيم  لمودتهم أهل بيت نبيهم صلى الله عليه آله وسلم امتثالاً لقوله تعالى : { قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى- الشورى23 } .  وهذه المودة دعا لها كل الأنبياء منذ نوح عليه السلام وقوله لقومه  { وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ – الشعراء 109}  وهذا هو قول نبي الله نوح عليه السلام  وقالها أيضاً نبي الله هود عليه السلام في الآية 127 من نفس السورة

و نبي الله تعالى صالح عليه السلام في الآية 145

و نبي الله  لوط عليه السلام فى الأية  164،

و نبي الله شعيب عليه السلام فى الآية 180.

وهنا قالوا أجرنا على رب العالمين وذلكلأنهم جميعاً دعوا لطاعة رسزول الله صلى الله عليه وآله نبي آخر الزمان وبشروا بالأئمة من بعده منأهل بيته فكأنهم سكتوا الدعوة لمودة أهلبيتهم وذلك لأنها حصراً لأهل بيت النبي من بعدة في زمن انقطاع النبوة عن الأرض وقال تعالى لذلك رسول الله { قل لا أسألكم عليه أجراً إلأا المودة في القربى – الشورى}

ومن دخل في ولايتهم وطاعتهم و مودتهم  فله أجر كبير كما في قوله تعالى هنا  ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصاحات أن لَهُم ْ أَجْراً كَبِيراً – الإسراء9)

وأما:

وأجرهم الكبير لايضيعه الله تعالى  لأنه سبحانه وتعالي قال { إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً – الكهف30} .

وأما :

(كَبِيرا)

وهؤلاء بين تعالى هنا أنهم لهم من الله فضلاً كبيراً لقوله تعالى  :   { وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرا – 47الأحزاب} . وهذا الفضل أجر كبير من الله تعالى قال فيه هنا { ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا –الإسراء 9} وهذا الأجر في الآخرة أكبر من أجر الدنيا لقوله تعالى

{ وَلَأَجْر الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون َ- النحل41}  –

 

هذا وبالله التوفيق

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب  .

خالد محيي الدين الحليبي

 

 

 

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم للأبحاث والدراسات بشؤون المستضعفين في العالم لا سيما المسلمين والتحذير من أعداء البشرية والإنسانية و تثقيف المسلمين وتعريفهم بحقائق دينهم وما خفى عنهم وعن وحضارتهم وماهم مقبلون عليه في ضوء علامات الساعة المقبلون عليها.

شاهد أيضاً

من تفسير البينة : ميلاد نبي الله يحى و الإمام الحسين عليهما السلام في آخر ربيع أول وليس شعبان من القرآن الكريم

البحث بصيغة PDF : ميلاد نبي الله يحى والإمام الحسين عليهما سورة مريم : الآية …

اترك تعليقاً