القدس العربي :
سيغير الجهد الروسي في البادية من أولويات عملها في سوريا وأجندتها، ويفرض أولوية الحرب ضد التنظيم على البدء بعمل عسكري في شمال غرب سوريا.
توسعت مناطق عمليات تنظيم “الدولة الإسلامية” في شرق سوريا، سواء في مناطق سيطرة النظام السوري غربي نهر الفرات أو في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في ريف دير الزور شرقي نهر الفرات. وتحول التنظيم من العمل بتكتيك الخلايا الأمنية إلى السيطرة الفعلية على عدة جيوب في شرق أثريا وريف سلمية في الغرب وصولا إلى الحدود العراقية جنوبي مدينة البوكمال.
وفي أكبر مقتلة بصفوف قوات النظام السوري في البادية السورية، منذ سيطرة الأخير وحلفائه على البادية السورية عام 2018 قتل تنظيم “الدولة” 40 عنصراً من الفرقة الرابعة التي يقودها اللواء ماهر الأسد، عَصر الأربعاء، ونصب مقاتلو التنظيم كمينا لرتل عسكري يضم عددا من حافلات المبيت الخاصة بالفرقة، حيث استهدفوا الرتل بقذائف “ار بي جي” والرشاشات الثقيلة غربي تقاطع الشولا على طريق تدمر-دير الزور. وتمكنت باصات المبيت من الفرار والوصول إلى دير الزور، فيما اشتبك مقاتلو حماية الرتل مع مقاتلي التنظيم لنحو ثلاث ساعات لتصل مؤازرات الفرقة الرابعة المنتشرة على الطريق وتتمكن من انتشال الجثث وإسعاف الجرحى بالسيارات القتالية رباعية الدفع، حسب ما تناقلت صفحات مقربة من الفرقة الرابعة في جيش النظام. وهو ما كذب إعلام النظام السوري الذي صرح بمقتل 29 مدنيا في هجوم إرهابي على باص نقل مدني.
وتركزت هجمات مقاتلي التنظيم في شهر كانون الأول (ديسمبر) في ريف الرقة الشرقي على مشارف بلدة معدان وصولا إلى جبل بشري، حيث خطفوا عددا من عناصر الفرقة الرابعة والفيلق الخامس. وأصبح طريق الشولا-الرقة المحاذي لجبل البشري غاية في الخطورة أمام الميليشيات المتحركة عليه، وباتت السيطرة عليه شبه مفقودة من قبل النظام وحلفائه. حيث تعرضت قوات النظام لعشرات الكمائن عليه بين الشولا ورجم أبو جبر، قبل أن يتفرع عندها إلى طريقين شمالي باتجاه معدان وغربي يصل إلى الرصافة ومنها إلى المنصورة.
وانسحبت الميليشيات الإيرانية من جبل البشري، قبل عشرة أيام، بعد فشلها في القضاء على جيب التنظيم في قسم الجبل داخل حدود المنطقة الإدارية في دير الزور، وهو أحد المحاور الأساسية لميليشيا “زينبيون” الشيعية الباكستانية، و”فاطميون” الشيعية الأفغانية، وتمركزت في التلال المرتفعة في المنطقة الواقعة إلى الغرب من اللواء 137 غرب مدينة دير الزور، في قصيبة وتل الطريفاوي والمزرعة وصولا إلى الفصيات ووادي العين.
ورصدت “القدس العربي” مقتل عناصر يعتقد انهم يتبعون للحرس الجمهوري في جيش النظام السوري، قبل أسبوع من الهجوم على الفرقة الرابعة المذكور أعلاه، خلال استهداف حافلة عسكرية تقلهم بقذائف “ار بي جي” بالقرب من عقدة طرق الشولا، الواقعة في جنوب دير الزور على الطريق الواصل إلى تدمر.
وفي دير الزور، فقدت عمليات الفيلق الخامس التابع لروسيا، عددا من عناصرها في بادية التبني ولم تتمكن من العثور عليهم رغم عمليات البحث الطويلة.
في السياق، صعد الطيران الحربي الروسي من وتيرة قصفه في مناطق البادية وخصوصا في القسم الشرقي من جبل البشري، وتحول الجبل إلى مرمى أهداف الطيران بشكل كامل، حيث تستهدف القاذفات الروسية كل ما يتحرك في المنطقة شديدة الوعورة، والتي تعتبر منطقة تمركز ينطلق منها التنظيم لعمليات غرب دير الزور.
ويتخذ التنظيم من بادية الميادين نقطة تجمع أساسية، بدأت تتوسع باتجاه حقل التيم النفطي، وحقل الشولا. فأصبح التنظيم يهدد سيطرة النظام على الحقل بشكل كبير، فيقوم بعمليات يومية شرقه باتجاه الميادين. وفرض مقاتلوه (تنظيم الدولة) سيطرتهم على الجيب مؤخرا بعد أن كانوا مجرد خلايا أمنية تتحرك بحذر شديد.
ويعتبر جيب بادية الميادين الجنوبي أكبر المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة” فيمتد من فيضة الجب شرقا إلى فيضة ابن موينع غربا، ويحده من الجنوب محطة الضخ النفطية الثانية (T2). فيما تعتبر منطقة جنوب السخنة هي ثالث مناطق سيطرة التنظيم الفعلية في البادية، ويتحرك التنظيم في مناطق البادية بحرية كبيرة وصولا إلى منطقة الـ 55 (معبر التنف ومخيم الركبان) التي يسيطر عليها التحالف الدولي ويتواجد فيها جيش “مغاوير الثورة” المدعوم من البنتاغون والذي يقوده المقدم مهند الطلاع. ويسيطر التحالف الدولي على معبر التنف الحدودي مع العراق، قاطعا طريق دمشق-بغداد، وهي المنطقة التي زارها قبل أيام قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط فرانك ماكينزي.
عمليا، تتحرك خلايا تنظيم “الدولة” ومقاتلوه بأريحية كبيرة دون تهديد مباشر من بادية الميادين إلى منطقة العليانية في بادية حمص والتي هاجم منها حقل فوسفات الصوانة، حتى بادية السويداء الشرقية، وتقدر مساحة نشاط التنظيم وحركته في مناطق سيطرة النظام بنحو 50 كم2، عدا نشاطه في مناطق سيطرة قسد، وعمل خلاياه الأمنية في مناطق إدلب وعفرين ودرع الفرات.
وبسبب ارتفاع عدد عمليات التنظيم وتوسع منطقة سيطرته في البادية السورية، تخشى روسيا أن تفقد سيطرتها على الحقول النفطية وحقول الغاز والفوسفات التي حصلت على عقودها من النظام السوري. فدفعت بتعزيزات عسكرية جديدة إلى مدينة تدمر، تمركزت في مضمار الخيول جنوب غرب المدينة، ومن المرجح نشرها في حقل التيم والشولا. وتشمل التعزيزات عربات مدرعة وناقلات جند BMB. وتزيد روسيا من تواجدها في بادية الميادين بهدف حفظ المناطق النفطية، ومحاولة ملء الفراغ الأمني والعسكري الذي تخشاه بسبب إخفاق الميليشيات الإيرانية في ضبط الوضع.
ولم تقتصر خسائر محور النظام على جنوده ومقاتلي الميليشيات الإيرانية، بل طالت حزب الله اللبناني أيضا، حيث سقط عدد من عناصره بين قتيل وجريح في كمين لعناصر تنظيم “الدولة” في بادية البوكمال، فيما نعى الحزب علي الهادي يوسف بلوط، وقالت مواقع مقربة منه أن بلوط قتل في البادية السورية “أثناء أداء واجبه الجهادي” في سوريا، وجرى تشييعه في حومين التحتا في جنوب لبنان، من دون التصريح بتفاصيل إضافية حول مصير زملاء بلوط.
وفي مناطق سيطرة قسد، تستمر عمليات الاغتيالات بحق العناصر المنتسبين إلى قسد أو مجالسها المدنية، ويسجل ان رئيس المجلس المدني في قرية الكبر، حمد خلف النجم، كان آخر قتلى التنظيم. حيث فجر التنظيم سيارته بعبوة ناسفة وطال عدد كبيرا من الذين يقيمون علاقات مع قسد أو الأسايش (قوات الأمن الداخلي) أو يشتبه بتعاونهم أمنيا معها. كما تستهدف الاغتيالات العناصر السابقين في التنظيم والذين تخلوا عنه رغم بيعتهم. مؤخراً، يركز التنظيم عمليات الاغتيالات ضد التجار والمزارعين الذين فرضت عليهم مبالغ “الزكاة” وحذرتهم سابقاً من عواقب تخاذلهم عن دفع الزكاة لبيت مال المسلمين لـ “دولة الخلافة”.
في سياق آخر، تسعى قوى الأمن الداخلي في قسد “الأسايش” إلى مطاردة خلايا التنظيم والمتعاونين معه في مناطق سيطرتها وتقوم بعمليات اعتقال مستمرة، كما حصل، صباح الجمعة، إذ اعتقلت ما يزيد عن 30 مدنيا بتهمة الاشتباه بتعاونهم مع تنظيم “الدولة الإسلامية”. وجرت الاعتقالات في قرى أبو النيتل، والحريجة، والعلية شمالي دير الزور، واقتادهم إلى سجن الصور الواقع بالقرب من قرية الصور على طريق دير الزور-الحسكة.
الورطة الروسية
ستنعكس قوة تنظيم “الدولة” في البادية على الحاق خسائر كبيرة في صفوف القوات الروسية ومرتزقة فاغنر الذين يقومون بحماية حقول النفط والغاز والفوسفات. فنجاح فاغنر في حماية حقول خنيفيس والصوانة جنوبي تدمر، لا يمكن قياسه على باقي المناطق وخصوصا حقول النفط في دير الزور، فأغلبها بعيد عن الطرق الرئيسية وتقع في قلب البادية، مكان تمركز مقاتلي التنظيم، بخلاف منطقة خنيفيس المؤمنة بسبب قربها من طريق تدمر-دمشق القديم.
إضافة إلى أن عدد المرتزقة والقوات الروسية غير كاف على الأرض لحماية كل المنشآت بما فيها الشركات الأمنية السورية التي أسستها فاغنر، مثل “صائدو داعش” و”سند الأمن العسكري”. فحماية المنشآت يحتاج إلى منطقة آمنة واسعة حولها، تحميها من قذائف الهاون والمدفعية، إضافة إلى شبكة طرق تسهل الحركة اليومية من وإلى الحقول، وهذا يعني ان على روسيا الاعتماد أكثر على المليشيات الإيرانية، وهذا يتطلب إرضاء إيران من خلال تقديم حصة من العائدات أو منحها جزءا من العقود. وفي حال عدم اعتمادها على الميليشيات الإيرانية فعليها تسخير قوة إضافية من فصائل الفيلق الخامس أو الفرقة 25 مهام خاصة التي يقودها العميد سهيل الحسن. وهذا يتطلب سحب آلاف المقاتلين من محيط إدلب إلى البادية السورية بهدف ملاحقة خلايا التنظيم ومطاردته في البادية السورية.
نهاية، سيغير الجهد الروسي في البادية من أولويات عملها في سوريا وأجندتها، ويفرض أولوية الحرب ضد التنظيم على البدء بعمل عسكري في شمال غرب سوريا. خصوصا وأن فصائل الجيش الوطني غير قادرة على تغيير موازين القوى بشكل نهائي أو المبادرة بهجوم، فهي في موقع دفاعي حسب التفاهمات السياسية الروسية التركية، ولا تتجرأ على نقض الاتفاق بأي شكل من الأشكال، وهذا يتيح الفرصة لموسكو تركيز ثقلها في البادية بهدف تطهيرها من خلايا التنظيم والعودة لعقدة إدلب.