"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

الإمام الصادق عليه السلام في أحاديث رؤساء المذاهب الأربعة

 مدرسة أهل البيت :

المدخل

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وعلى أصحابه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.

الإمام الصادق عليه السلام شخصيّة قويّة ، ومكانة مرموقة ، ومركز ملحوظ عند سائر الطوائف وجميع الفرق. فهو الصادق في لهجته ، لُقب بالصادق لأنّه عرف بصدق الحديث حتّى أصبح مضرب المثل في عصره وبعد عصره.

يقول أبو حنيفة : « ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد … ـ ثمّ قال أبو حنيفة : ـ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس ».

يقول مالك بن أنس : « ما رأت عين ولا سمعت اُذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق علماً وعبادة وورعاً ».

وكذلك يقول : « إنّه كان من العلماء العبّاد الزهّاد ، ولم يمنعه زهده وتبتله عن الكسب وطلب المعاش من وجوهه المشروعة مع الإجمال في الطلب والإعتدال في الإنفاق وأداء الحقوق ، كما أنّه ينهى عن الكسل والبطالة ».

وأيضاً في هذا الكلام نشير إلى أقوال علماء الاُمّة ورؤساء المذاهب ، وحفّاظ الحديث وكبار المؤرّخين والكتاب من القدماء وبعض المعاصرين في انطباعاتهم عن شخصيّة الإمام الصادق عليه السلام.

التاريخ هو مرآة تأخذ الصور فتحفظها للأجيال ، وهو للجميع لا يختصّ باُمّة دون اُخرى ، ولا يتقيّد برأي دون آخر ، وهو أمين ، والأمين يقبح به أن يخون أمانته. ولئن تحتم عليه أن يحتفظ بالحقائق والأضاليل معاً فليس ذلك إلّا أمد الآماد ثمّ تنكشف الحقائق لتثبت وحدها سليمة من مجاورة الأضاليل.

والتاريخ يسجّل الحوادث على ما هي عليها بصورها وأشكالها ، فلا تغيير ولا تبديل ، ولا نقل صورة وترك اُخرى ; هذه هي وظيفة التاريخ الصحيح في كلّ دور من الأدوار.

ومثل شخصيّة جعفر بن محمّد تلك الشخصيّة الإسلاميّة العظيمة يجب على التاريخ إعطاءها حقّها من البحث. لأنّ الإمام الصادق عليه السلام شخصيّة قويّة ، ومكانة مرموقة ، ومركز ملحوظ عند سائر الطوائف وجميع الفرق. فهو الصادق في لهجته ، لقّب بالصادق لأنّه عرف بصدق الحديث حتّى أصبح مضرب المثل في عصره وبعد عصره. قال ابن الحجّاج وهو الشاعر المشهور :

يا سيّداً أروي أحاديثه رواية المستبصر الحادق كأنّني أروي حديث النبي محمّد عن جعفر الصادق وغرضنا من البحث عن حياة الإمام الصادق عليه السلام بيان منزلته العلميّة ، والاستماع إلى أقوال علماء الاُمّة ورؤساء المذاهب ، وحفّاظ الحديث ، وكبار المؤرّخين والكتاب من القدماء وبعض المعاصرين في إنطباعاتهم عن شخصيّة الصادق عليه السلام.

أبو حنيفة (۱)

وقد كشف لنا أبو حنيفة انطباعاته عن الإمام الصادق عليه السلام ، وأنّه ما رأى أفقه منه بقوله : « ما رأيت أفقه من جعفر بن محمّد ، لما أقدمه المنصور بعث إليَّ فقال : يا أبا حنيفة إنّ الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمّد فهيّئ له من المسائل الشداد. فهيّأت له أربعين مسألة ثمّ بعث إليّ أبو جعفر المنصور وهو بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر بن محمّد جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت به دخلتني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور. فسلّمت وأومأ فجلست ، ثمّ التفت إليه قائلاً : يا أبا عبدالله هذا أبو حنيفة. فقال : نعم أعرفه ، ثمّ التفت المنصور فقال : يا أبا حنيفة الق على أبي عبدالله مسائلك. فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول : أنتم تقولون كذا وهم يقولون كذا ونحن نقول كذا ، فربّما تابعنا وربّما تابعهم وربّما خالفنا حتّى أتيت على الأربعين مسألة ، ما أخلّ منها مسألة واحدة. ثم قال أبو حنيفة : أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس » (۲).

وهذه القضيّة تكشف لنا انطباعات أبي حنيفة عن الإمام الصادق عليه السلام ، وأنّه ما رأى أفقه منه ، وهو أعلم الناس لعلمه باختلاف الناس.

مالك بن أنس (۳)

يقول مالك بن أنس : « اختلفت إلى جعفر بن محمّد زماناً فما كنت أراه إلّا على إحدى ثلاث خصال : إمّا مصلّياً وإمّا صائماً وإمّا يقرأ القرآن ، وما رأيته قطّ يحدث عن رسول الله إلّا على الطهارة ، ولا يتكلّم بما لا يعنيه ، وكان من العلماء العبّاد والزهّاد الذين يخشون الله (٤) وما رأت عين ولا سمعت اُذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق علماً وعبادة وورعاً » (٥).

هذه شهادة مالك وانطباعته عن شخصيّة الإمام ، ومالك هو رئيس مذهب من مذاهب الإسلام ، وكان معاصراً للإمام الصادق عليه السلام. والذي يعنينا من هذه الكلمة قوله : إنّه كان من العلماء العبّاد والزهّاد ، الذين يخشون الله. فالعلم وحده غير نافع بدون عمل ، فالإمام الصادق عليه السلام عالم عامل زاهد في الدنيا يخشى الله ويتبع أوامره ، و ( إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) (٦) ، ولم يمنعه زهده وتبتّله عن الكسب وطلب المعاش من وجوهه المشروعة مع الإجمال في الطلب والإعتدال في الإنفاق وأداء الحقوق ، كما أنّه ينهي عن الكسل والبطالة.

الهوامش

۱. الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت ، ولد سنة ۸۰ هـ في نسا ، وتوفّي سنة ۱٥۰ هـ في بغداد.

۲. مناقب أبي حنيفة للموفق : ۱ / ۱۷۳ ، وجامع أسانيد أبي حنيفة : ۱ / ۲٥۲ ، وتذكرة الحفاظ للذهبي : ۱ / ۱٥۷.

۳. مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبعي ولد سنة ۹۳ بالمدينة وتوفّي سنة ۱۷۹.

٤. مالك بن أنس ، للخولي : ۹٤ ، كتاب مالك لمحمّد أبو زهرة : ۲۸ ، نقلاً عن المدارك للقاضي عياض : ۲۱۲ ، وأيضاً إلى هنا عبارة التهذيب وما بعدها زيادة في كتاب المجالس السنية : ج ٥ وقد ذكر ابن تيميّة في كتاب التوسّل والوسيلة : ٥۲ ط ۲ هذه العبارة في جملة طويلة في ضمنها هذه الجملة.

٥. تهذيب : ۲ / ۱۰٤.

٦. فاطر : ۲۸.