"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

الحوار القرآني…دراسة أدبية

alawg50.wordpress.com :

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ,خالق الكون,وهادي البشر ,ومصرف البشر,الحليم الجبار ,خالق الجنة, وخالق النار,وهو علينا حق ,ونبيه حق,والساعة حق ,والنبيون حق,والجنة حق والنار حق,وأصلي وأسلم على من تنزلت عليه ايات الحكيم,وعلى آله وصحبه أجمعين .

بعد فضل من الله ومنه ,أُجري هذا البحث الذي كمتطلب تكميلي لمادة قضايا أدبية ,عنوانه (الحوار القرآني) حوار أهل الجنة وأهل النار كنموذج تطبيقي.
وتدور فكرة الدراسة حول حوار أهل النار وحوار أهل الجنة كنموذج على الحوار القرآني والهدف منه هو دراسة الأساليب الحوارية وكيفية توظيف الأساليب المستخدمة من حيث دراسة مستوياتها الأربعة

ولعل الأهمية في البحث والتقصي في هذا الجانب هو كيفية التطبيق على نموذج قرآني في إبراز الجوانب الحوارية فيه,كأركانه ,وآدابه ,وأساليبه .وجماليات التعبير في الأسلوب القرآني

والمنهج المتبع في هذه الدراسة هو المنهج الوصفي التحليلي وأُجري تقسيم البحث كالتالي .

المبحث الأول .(الحوارالقرآني)
المطلب الأول.حوار أهل النار
المطلب الثاني.حوار أهل الجنة

ولقد تم التمهيد بتعريف الحوار لغة واصطلاحا,وذكر بعض من مصطلحاته وآدابه وأهميته,وغيرها من المحاور.

لجأت بعد الله إلى بعض الشروح والتفسيرات الدينية , والكتب الأدبية والبلاغية…..سائلة المولى ألا يضيع مجهودي العلمي هباء دون فائدة مرجوه …..

والله من وراء القصد

تمهيد
تعريف الحوار
الحوار هو نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب، ومثال ذلك ما يكون بين صديقين في دراسة أو زميلين في عمل، أو مجموعة في نادٍ أو مجلس.

مرادفات الحوار
الجدل: هو ((شدة الخصومة. وفي الحديث: ما أوتي الجدل قوم إلا ضلُّوا، والجدل: مقابلة الحجة بالحجة))، والمجادلة هي (المناظرة والمخاصمة(
المناظرة: هي ((المباحثة والمباراة في النظر واستحضار كل ما يراه ببصيرته((

المحاجة: وقد جاء في القرآن لفظ الحجة أو التحاج عشرين مرة، أطلق بمعنى التخاصم والجدال في بعضها كما في قوله تعالى: {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون

المُناقَشةُ: وتأتي بمعنى ((الاستقصاء في الحساب حتى لا يترك منه شيء((
والمناقشة هي: (( نوع من التحاور بين شخصين أو طرفين، ولكنها تقوم على أساس استقصاء الحساب، وتعرية الأخطاء، وإحصائها((

والمناقشة: أيضاً هي (( قيام مجموعة متعاونة فيما بينها على اختيار مشكلة معينة، وتحديد أبعادها، وتحليل جوانبها، واقتراح الحلول لها، واختيار الحل المناسب بعد ذلك عن طريق الإجماع أوغيره

مفهوم الحوار في اللغة .
أصل كلمة ( الحوار ) هو : ( الحاء ـ الواو ـ الراء ) …
( الحاء والواو والراء ) ثلاثة أصول : أحدها لون ، والآخر الرجوع ، والثالث أن يدور الشيء دوراً (1 )
وتعود أصل كلمة الحوار إلى ( الحَوْر ) وهو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء ، يقال : ( حار بعدما كار ) ، والحوْر النقصان بعد الزيادة لأنه رجوع من حال إلى حال ، وفي الحديث الشريف : ( نعوذ بالله من الحور بعد الكور ) (2)
والتحاورهو, التجاوب ، تقول : كلمته فما حار إلي جواباً ، أي : ما رد جواباً (3)

* ـ الحواراصطلاحا هو :
حديث بين طرفين أو أكثر حول قضية معينة ، الهدف منها الوصول إلى الحقيقة ، بعيداً عن الخصومة والتعصب بل بطريقة علمية إقناعية ، ولا يُشترط فيها الحصول على نتائج فورية )4)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع
(1): ابن فارس, أبو الحسين أحمد ، معجم المقاييس في اللغة ، ( بيروت : دار الفكر ،1418هـ) صـ 287
(2)صحيح الإمام مسلم ، الحج ، باب 75، الحديث 3340
)3) الأنصاري ,ابن منظور جمال الدين محمد بن مكرم ، لسان العرب ( بيروت : دار صادر ،1412هـ) ، الجزء الخامس ، ص 297
(4) المغامسي ,خالد بن محمد ، الحوار آدابه وتطبيقاته في التربية الإسلامية ، ط 1( الرياض : مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ،1425) ، صـ
أسلوب الحوار في القرآن الكريم:

أسلوب الحوار والجدال وعرض الآراء والمناقشة في القرآن الكريم يتسم باتساع دائرته وتعدد قضاياه، وشموله لما لا يحصى من الموضوعات. فهناك محاورات بين الخالق عظمت قدرته وبين مخلوقاته من الرسل الكرام ومن الملائكة المقربين، بل ومن الشيطان الرجيم. وهناك حوار بين الرسل وأقوامهم، أو بين المؤمن والكافر،أو بين أهل الجنة وأهل النار, أو الحوار بين الأخيار فيما بينهم، أو بين الأشرار فيما بينهم. وهناك حوار مع أهل الكتاب، أو مع المنافقين، أو مع المقلدين لسابقيهم في الباطل والضلال، أو مع السائلين للرسول عليه الصلاة والسلام.
وللحوار القرآني مقاصد منها , تصحيح مفهوم وتصورات ومعتقدات خاطئة منشؤها إنكار البعث، والإيمانُ ببقاء القيم المادية وثباتها.
ومنها مرتبط بالتشريعات والأحكام، وهذا يعني أن كل الموضوعات العقدية والتشريعية خاضعة للحوار.
ونحن بحاجة إلى الحوار؛ ليفهم بعضنا بعضاً، نحاور بعضنا بعضاً، ونتحاور مع الآخرين، فنتحاور مع أبنائنا: وذكر الله سبحانه وتعالى عن لسان لقمان عليه السلام، ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِالله إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾(1)

ومن أساليب الحوار في القرآن الكريم الأسلوب.

1- الوصفي التصويري، يعرض قصصا ومشاهد حوارية واقعية. بقصد تبسيط فكرة وتقريبها للمستمع من خلال الحوار الجاري، وحمله على تبني موقف صحيح. ومثال ذلك حوار موسى عليه السلام مع فرعون: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قــَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾.(2)

2-الأسلوب الحجاجي البرهاني: يعتمد الحجة والبرهان لدحض ادعاءات المنكرين للتوحيد والبعث بأسئلة تتوخى زعزعة تقاليدهم ومعتقداتهم الباطلة. وتهدف إلى توجيههم للنظر والتفكير في آيات الله من أجل بناء قناعات ومواقف صحيحة. ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ أُفّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.(3)

مميزات الحوار في القرآن الكريم

1-أن اهداف الحوار في القران وغاياته متعددة وكثيرة , وبه تتحقق مصالح الفرد والجماعة فهو يستهدف الحقائق في ذاتها , ويقيم عليها البراهين والحجج الدالة على ذلك.
2-أن القران قد شمل أقوم الطرق وأفضل المناهج في الحوار ,من حيث الأسلوب و الفكرة والغرض
3-أن حوار القران قادر على أقناع الناس جميعا أذا هم أحتكمو إليه على الرغم من الفروق الفردية
4- إن حوار القرآن فيه إثارة للعقل والوجدان, فقد جمع بين الفائدة العقلية والمتعة الجمالية معا.
5- أن حوار القرآن يربى العقل على سعة الأفق وحب الأطلاع والتفكر والتأمل , وحسن المحاكمة والاستدلال لمعرفة الحق .
6- أن في الحوار القرآن إبراز حقيقة , ومعرفة مجهول,وكشف مضمون, ودقة تصوير, وبراعة الفكرة

آركان الحوار.

1- طرفا الحوار
2- القضية أو المحور الذي تدور حوله المحاورة
3- الهدف والغرض من الحوار

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
1-سورة لقمان: رقم الآية 13
2-سورة الشعراء:رقم الآية 28-23
3- الأنبياء:67 -66
4-الفتياني .تيسير محجوب ,الحوار القرآني في قصة موسى عليه السلام,مركز الكتاب الأكاديمي,الطبعة الأولى,2004م,1424هـ عمان,
5-مقبل,هالا سعيد بحث ,بحث متقدم لنيل درجة الماجستير,تخصص اللغة العربية ,الحوار في مشاهد القرآن الكريم,دراسة دلالية بيانية,كلية الآداب والعلوم الأنسانية , بجامعة الشرق الأوسط 2010,2
أهميته البالغة في الفكر الإسلامي يمكن تجليتها في النقاط التالية:

1-الحوار هو السبيل الأسمى لضبط الاختلاف المذموم (اختلاف التضاد) وتفعيل قيم التعاون والتألف والتكاتف

  1. الحوار ركيزة أساسية في الدعوة إلى الله تعالى: “فالدعوة في الأساس حوار، والقرآن الكريم كما يقول الكثير من أهل العلم: كتاب حوار بين الحق والباطل، بين أهل الإيمان وأهل الضلال، بين الكلمة الصادقة النافعة والكلمة الخبيثة المنحرفة. وقد سرد لنا الكتاب الكريم في العديد من آياته كيف تم الحوار بين الأنبياء وأقوامهم، وهي في الأساس دعوة إلى الحق وإلى الطريق القويم”

3- . الحوار ضروري لاكتساب العلم وتلقي المعرفة: وهو السبيل الوحيد لذلك في رحلة عمر الإنسان، إذ بدونه لا يمكن أن تنتقل الخبرات من جيل إلى جيل ومن أمة إلى أمة. كما أن الحوار كفيل بأن يجعل الفكر ينبض بالحياة والحركة والتجدد من خلال تواصل عقلين أو مجموعة عقول لإدراك المعلومة أو تمحيصها أو تفهم معانيها

4- الحوار أداة للتفاهم مع الآخرين: ذلك أن الحوار يهدف إلى شرح وجهة نظر وتبيان المعطيات التي تقوم عليها، وفي الوقت نفسه الانفتاح على الآخر، لفهم وجهة نظره ثم للتفاهم معه، ذلك أن التفاهم لا يكون من دون فهم متبادل. والحوار هو الطريق إلى استيعاب المعطيات والوقائع المكونة لمواقف الطرفين المتحاورين ثم إلى تفاهمها
5-يعمل الحوار على إبراز الجوامع المشتركة بين المتحاورين في العقيدة والأخلاق والثقافة(1)

الحوار في التربية الإسلامية التربية
1 – إثارة دافعية المتعلم وتشويقه للعملية التربوية و التعليمية ,ودعم إيجابية المتعلم وتفاعله حتى لا يكون سلبيا ينحصر دوره في السماع و الإنصات فقط (2)
2 – تعويد المتعلم على التعبير عن رأيه في جرأة وشجاعة .
3 – تنمية مهارة الاستمتاع للآخر والقدرة على تحليل أرائه و الموضوعية في قبولها أو رفضها.

4 – تنمية القدرات العقلية على تحصيل الوعي والمعرفة من خلال تنشيط أدوات النظر والتدبر , والتعقل والبينة والبرهان والجدل .
5 – أبراز قيمة حرية التعبير والسماح للآخر بطرح رأيه المخالف إذ من القيم المعرفية في فقهنا الحضاري إنصاف الرأي المخالف ,للتعبير عن نفسه والدفاع عن ذاته مادام صادرا عن تفكير واجتهاد , ويمثل وجهة نظر معتبرة ,قريبة كانت أم بعيدة

6– وتشير الأصول الإسلامية إلى أهمية الحوار,في عملية الاتصال بين الأفراد و الجماعات لبشرية ويبدو ذلك في العديد من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية ,ومن ذلك حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة عند خلق آدم عليه السلام (3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع
1- حسن الأستاذ الدكتور محمد أحمد ,مفهوم الحوار وأهميته وأسسه المنهجية وضوابطه كوسيلة فعالة للاتصال بين الأفراد والجماعات” القضاة كلية الشريعة /الجامعة الأردنية
2 – عبدالله محمد,أصول التربية الإسلامية,ط 4, 1429هـ_2008م
3 – القرضاوي يوسف ,السنة مصدرا للمعرفة ,القاهرة ,دار الشروق,ط 2, 1418هـ\1998م,صـ218.
آداب الحوار

1 – التزام القول الحسن ، وتجنب منهج التحدي والإفحام :
إن من أهم ما يتوجه إليه المُحاور في حوار ، التزام الحُسنى في القول والمجادلة ، ففي محكم التنزيل : { وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن })1)
2 – الالتزام بوقت محدد في الكلام :
ينبغي أن يستقر في ذهن المُحاور ألا يستأثر بالكلام ، ويستطيل في الحديث ، ويسترسل بما يخرج به عن حدود اللباقة والأدب والذوق الرفيع .

3- حسن الاستماع وأدب الإنصات وتجنب المقاطعة :
كما يطلب الالتزام بوقت محدد في الكلام ، وتجنب الاطالة قدر الإمكان ، فيطلب حُسن الاستماع ، واللباقة في الإصغاء ، وعدم قطع حديث المُحاور . وإنّ من الخطأ أن تحصر همَّك في التفكير فيما ستقوله ، ولا تُلقي بالاً لمُحدثك ومُحاورك ، وقد قال الحسن بن علي لابنه ، رضي الله عنهم أجمعين :
( يا بنيّ إذا جالست العلماء ؛ فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول ، وتعلًم حُسْنَ الاستماع كما تتعلم حسن الكلام ، ولا تقطع على أحد حديثاً – وإن طال – حتى يُمسك ) .
4-تقدير الخصم واحترامه :
ينبغي في مجلس الحوار التأكد على الاحترام المتبادل من الأطراف ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، والاعتراف بمنزلته ومقامه ، فيخاطب بالعبارات اللائقة ، والألقاب المستحقة ، والأساليب المهذبة .
إن تبادل الاحترام يقود إلى قبول الحق ، والبعد عن الهوى ، والانتصار للنفس . أما انتقاص الرجال وتجهيلها فأمر مَعيب مُحرّم(2)

5- حصر المناظرات في مكان محدود :
يذكر أهل العلم أن المُحاورات والجدل ينبغي أن يكون في خلوات محدودة الحضور ؛ قالوا : وذلك أجمع للفكر والفهم ، وأقرب لصفاء الذهن ، وأسلم لحسن القصد ، وإن في حضور الجمع الغفير ما يحرك دواعي الرياء ، والحرص على الغلبة بالحق أو بالباطل .
ومما استدل به على ذلك قوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا }(3)
قالوا : لأن الأجواء الجماهيرية والمجتمعات المتكاثرة تُغطي الحق ، وتُشوِّش الفكر ، والجماهير في الغالب فئات غير مختصة ؛ فهي أقرب إلى الغوغائية والتقليد الأعمى ، فَيَلْتَبسُ الحق .
6– الإخلاص :
هذه الخصلة من الأدب متمِّمة لما ذكر من أصل التجرد في طلب الحق ، فعلى المُحاور ان يوطِّن نفسه ، ويُروِّضها على الإخلاص لله في كل ما يأتي وما يذر في ميدان الحوار وحلبته .

ومن أجلى المظاهر في ذلك : أن يدفع عن نفسه حب الظهور والتميُّز على الأقران ، وإظهار البراعة وعمق الثقافة ، والتعالي على النظراء والأنداد . إن قَصْدَ انتزاع الإعجاب والثناء واستجلاب المديح ، مُفسد للأمر صارف عن الغاية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-سورة النحل:آية 125..
2 – عبدالله , . فضيلة الشيخ صالح بن بن حميد , بحث مكة المكرمة أصول الحوار وآدابه في الإسلام .

3-سورة سبأ:رقم الاية 46
تم اختيار آيات السور المتتالية (سورة الأنعام ثم الأعراف))و ((سورة الزمر ثم غافر))

المبحث الأول :آيات الحوار(أهل النار)

1-الأية الأولى سورة الأنعام: رقم الأية27

((وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ))

2-الأية الثانية سورة غافر رقم الأية 50

((وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ ((

1-سورة الزمر رقم الآية 71

(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ))

المبحث الثاني :آيات أهل الجنة(المتمثلة في سورة الأعراف)

1-الأية الأولى سورة الأعراف رقم الآية (44)

(وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ(

2-الأية الثانية سورة الأعراف رقم الآية (50)

(وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ )

-سورة الزمر رقم الآية 73

((وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ))

((وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(( (1)

يصور الله تعالى حال الكفار إذا وقفوا يوم القيامة على النار ، وشاهدوا ما فيها من السلاسل والأغلال ، ورأوا بأعينهم تلك الأمور العظام والأهوال ، فعند ذلك يتمنون أن يردوا إلى الدار الدنيا . فهذا المشهد له مؤثرات تلمس الوجدان الإنساني و توقظة
فعند النظر إلى قول الحق : {وَلَوْ ترى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النار}، هنا لا نجد جواباً ، وهذا من عظمة الأداء القرآني ، فهناك أحداث لا تقوى العبارات على أدائها ، ولذلك يحذفها الحق سبحانه وتعالى ليذهب كل سامع في المعنى مذاهبه التي يراها. (2)
فحذف الجواب دائماً ترتيب لفائدة الجواب، ليذهب كل سامع في تصور الذلة إلى ما يذهب.
فهنا أراد القرآن أن يصور هول الوقوف على النار فأطلق الحق (لو) بلا جواب .لتذهب النفس في تصوره كل مذهب ، وذلك أبلغ من ذكره

ثم جاءت ” وقفوا ” بالبناء للمفعول أي وقفهم غيرهم والملاحظ في هذه الآية كثرة استخدام الافعال المبنية المجهول ,ربما دلالة على استحقار الفاعل لذلك حذف الفاعل في أكثر من موضع في الآية الكريمة

فذكر هنا ما يكون من وقفهم على النار وما يترتب عليه من قولهم بصيغة الماضي الواقع في حيز الشرط المستقبل وذلك للإعلام بتحقق وقوعه .
إن كلمة ” إذ ” تقام مقام ” إذا ” إذا أراد المتكلم المبالغة في التكرير والتوكيد وإزالة الشبهة لأن الماضي قد وقع واستقر ، فالتعبير عن المستقبل باللفظ الموضوع للماضي يفيد المبالغة من هذا الاعتبار
.
ثم يذكر الله إنهم يتمنون العودة إلى الدنيا ليستأنفوا الإيمان. والتمني في بعض صوره هو طلب المستحيل غير الممكن للإشعار بأن طالبه يحب أن يكون.
وهم قالوا: {ياليتنا نُرَدُّ} فإن كانوا قالوا هذا تمنياً فهو طلب مستحيل ويتضمن أيضاً وعداً بعد التكذيب بآيات الله، فهل هم قادرون على ذلك؟
لا؛ لأن القرآن الكريم قد قال في الآية التالية: {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ}

لقد عُطف بالفاء للدلالة على أن أول شيء يقع حينئذ في قلوبهم ، ويسبق التعبير عنه إلى ألسنتهم هو الندم على ما سلف منهم ، وتمني الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا بالله(3)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرجع.
1 –القرآن الكريم سورة الأنعام رقم الآية (27)
2 – الدمشقي, ابن كثيرإسماعيل بن عمر بن كثير القرشي .التفسير,المسألة الخامسة دار طيبة سنة النشر: 1422هـ / 2002م رقم عدد الأجزاء: ثمانية أجزاء. ,تفسير سورة الأنعام رقم الآية (27)
3- الشعراوي,محمد متولي,تفسير نداء الايمان,تفسير سورة الأنعام رقم الآية (27)

((وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ))كأنه واقع لما تقرأ القرآن كأنك أمام هذا المشهد فأتي بالفعل المضارع على أنه ماض قد وقع لأن وقوع هذا الشيء الذي تقرأ عنه متحقق كأنه يقول انتبه كأنك الآن في ذلك المشهد(1)

وقد استعار القرآن الكريم لفظ التعبير عن المستقبل بصيغة الماضي إشعارا بتحقق وقوع الحدث حتما ؛ وتصويره للذهن بصورته الواقعية وظروفها المادية والمعنوية . وأورد البيان الرباني ” لو ” شرطية وأغفل ذكر جوابها لتذهب نفسك عن قراءتها كل مذهب في ارتقاب أمر الأهوال ، فصار حذف جوابها أبلغ في إدخال الهول على النفس البشرية ، وتقديره : ( ولو ترى إذْ وقفوا على النار …) ” لرأيت هولا رعيبا لا يحيط به نطاق التعبير “)2)

وهو على وجه المبالغة وهي الدلالة على كبر المعنى على جهة التغيير عن أصل اللغة لتلك الإبانةومنه حذف الأجوبة،
نحو حذف جواب لو في قوله تعالى: { وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }(5) وجواب لو: رأيت أمراً عظيماً
وجاء الحذف لغاية بلاغية تتمثل في تهويل ما سيرى الكافرون واستعظامه. وللغاية البلاغية ذاتها حُذِف جواب ”

ثم استخدم أداة التوكيد في ((إنهم ))الدالة على توكيد الكذب ونسبه لأهل النيران وعدم تصديق بآيات الله وتكذيبها
تكرر حرف النون في الآية أكثر من خمسة عشر مرة في الآية الكريمة .مصحوبة بمؤثرات تناسب جوها، وتتناسق مع إيقاعها وصورها وظلالها
لاشك في تأكيد معنى استخدام (ليت )الدالة على التمني والرجوع إلى حياة الدنيا ورد الله عليهم لو ردوا لهذه الحياة لعادوا لم كانوا عليه من قبل ,دلالة على عدم توبتهم واستمرارهم على الكفر والجحود بنعمة الله

لا تخلو الآية من السجع إذ تقوم الاية على الفواصل المسجوعة التى لها تأثيرها في أبراز المعنى بوضوح (من المؤمنين ,لكاذبون ).
كذلك الإيجازوهو منتهى البلاغة ، حيث تدل الألفاظ القليلة على المعاني العظيمة والمركزة وذلك للاختصار والإيجاز .,والمتمثلة في )وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَانهوا عنه )

أيضا احتوت الآية على التكرار ويكثر في القرآن عامة لتأكيد المعنى ، ومن الكلمات المتكررة (ولو)
إضافة إلى الالتفات وهو الانتقال من ضمير إلى ضمير ، الانتقال من ضمير المخاطب إلى المتكلم إلى الغائب ، مثل قوله تعالى : { ((وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ))

والملاحظ في الآية التنوع والمراوحة بين الأساليب الخبرية والإنشائية

ومن خلال التحليل الأدبي نصل أن غرض حوار أهل النار في هذه الآية ,هو الندم والتحسر على ما بدر منهم ,رغم أصرارهم على تكذيب الرسل والبينات وذلك كناية عن عنادهم وإصرارهم على موقفهم الأليم.
وطرفا الحوار هما.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
1–مسألة: الجزء السابع تفسير المنار . محمد رشيد رضا الهيئة المصرية للكتاب عدد الأجزاء: اثنا عشر جزءا
2-اليافعي , احمد عمر نماذج التصوير الحسي في القران , بحث جامعة ام القرى ,درجة الماجستير
3–لاشين,د عبد الفتاح ,المعاني في ضوء أساليب في القرآن الكريم,دار الفكر العربي,كلية الدراسات الأسلامية 1424هـ2003م
4- سورة [الأنعام: رقم الأية{27]

قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ [(1)

تصور لنا الآية حال تمني أهل النار المفر والخروج والتخفيف من لهيب النار,حيث يطلبون من خزنة النار أن يدعوا الله أن يخفف ما حل بهم من عذاب وجحيم ,فهذا تصويرا مرعبا بحال اهل النار المخيف , وكيفية لجوؤهم لخزنة جهنم وذلك للاستغاثة بهم .

بعد ذلك يدور الحوار الصريح فيما بينهم, بعد طلب أهل جهنم لخزنتها وقوامها ،و استغاثتهم بهم من عظيم ما هم فيه من البلاء ،كناية عن حاجتهم واضطرابهم رجاء أن يجدوا من عندهم فرجاً , حيث يتساءل الخزنة معهم بأسلوب استفهام تعجبي (أو لم تأتيكم رسلكم بالبينات ) والمعنى هوعلى أن فعل الإتيان كان في الزمن الماضي فهو مستفاد من لم النافية في الماضي (

من العرب من يقول اللذون على أنه جميع مسلم معرب ، ومن قال : ( الذين ) في الرفع بناه كما كان في الواحد مبنياً . وقال الأخفش : ضمت النون إلى الذي فأشبه خمسة عشر فبني على الفتح .(2)

الأمر في قوله فادعوا مستعمل في الإباحة أو في التسوية ، وفيه تنبيه على خطأ السائلين في سؤالهم .
وزيادة فعل الكون في أولم تك تأتيكم للدلالة على أن مجيء الرسل إلى الأمم أمر متقرر محقق ، لما يدل عليه فعل الكون من الوجود بمعنى التحقق
والضلال : الضلال على وزن صيغة المبالغة (فعال) هو الضياع ، وأصله : خطأ الطريق
والبينات : هي الحجج الواضحة والدعوات الصريحة إلى اتباع الهدى . فلم يسعهم إلا الاعتراف بمجيء الرسل إليهم بالبينات فقالوا : بلى ، فرد عليهم خزنة جهنم بالتنصل من أن يدعوا الله بذلك ، إلى إيكال أمرهم إلى أنفسهم بقولهم فادعوا تفريعا على اعترافهم بمجيء الرسل إليهم بالبينات

خزنة : جمع خازن ، وهو الحافظ لما في المكان من مال أو عروض . و خزنة جهنم هم الملائكة الموكلون بما تحويه من النار
فهنا جهنم إظهارا في مقام الإضمار إذ لا يحسن إضافة خزنة إلى النار,فلما ظنو أن الخزنة أرجى للاستجابة سألوا التخفيف يوما من أزمنة العذاب وهو أنفع لهم
والسبب في جزم يخفف بعد الأمر بالدعاء ، ولعله بتقدير لام الأمر وذلك لكثرة الاستعمال .

ومن أهل العربية من يجعله جزما في جواب الطلب وذلك لتحقيق التسبب . فيكون المعنى فيه إيذان بأن الذين في النار واثقون بأن خزنة جهنم إذا دعوا الله استجاب لهم .وحقق مطلبهم(3)

يخفف معنى ينقص فنصب يوما ،أو هو على تقدير مضاف ، أي عذاب يوم ، أي مقدار يوم ، وانتصب يوما على المفعول به ليخفف ,وذلك اليوم كناية عن القلة ، أي يخفف عنا ولو زمنا قليلا .

كثرة الاستفهام الانكاري ,الدال على تعجب الخزنة لحال اهل النار ,رغم وجود الرسل والبينات لهم .
فجواب خزنة جهنم لآهل النار سؤال خرج عن معناه إلى طريق الاستفهام التقريري والمعنى والمقصد منه: إظهار سوء صنيعهم بأنفسهم إذ لم يتبعوا الرسل حتى وقعوا في هذا العذاب ، وتنديمهم على ما أضاعوه في حياتهم الدنيا من وسائل النجاة من العقاب .
وهو كلام جامع يتضمن التوبيخ ، والتنديم ، والتحسير ، وبيان سبب تجنب الدعاء لهم ، وتذكيرهم بأن الرسل كانت تحذرهم من الخلود في العذاب .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
(1) القرآن الكريم (سورة غافر) رقم الآية (50)
(2) القرطبي ., محمد عبدالرحمن محمد ملخص عن كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان سورة» غافر رقم الأية 49
(3)-ابن عاشور ,محمد الطاهر,كتاب التحرير والتنوير المسألة الخامسة سورة غافر رقم الجزء25 عدد الأجزاء15صـ224

والواو في قوله أولم تك تأتيكم رسلكم .هي واو العطف عطف بها حوار خزنة جهنم على حوار الذين في النار من قبيل طريقة عطف المتكلم كلاما على كلام صدر من المخاطب
وذلك ليفيد معنى الإيماء إلى أن حقه أن يكون من بقية كلامه وأن لا يغفله ، وهو ما يلقب بعطف التلقين
فادعوا على ذلك ظاهر على كلا التقديرين
.
وهمزة الاستفهام مقدمة من التأخير على التقديرين ، وذلك لوجوب صدارتها, ثم خصص و حصر دعاء الكافرين أنه في ظلال مهما بلغ وكثر

وهنا جملة (قالوا بلى ))استئنافية لا محل لها من الاعراب وهو التعريض كما يسميه البلاغيون فهو أن يؤتي في أثنا الكلام أو بين كلامين متصلين في المعنى ,بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لفائدة معينة وهنا اثبات مجيء الرسل والبينات (1)

وجملة وما دعاء الكافرين إلا في ضلال يجوز أن تكون من كلام خزنة جهنم تذييلا لكلامهم يبين أن قولهم فادعوا مستعمل في التنبيه على الخطأ ، أي دعاؤكم لم ينفعكم لأن دعاء الكافرين في ضلال والواو اعتراضية ، ويجوز أن تكون من كلام الله تعالى تذييلا واعتراضا . (2)
.
وفي الآية وضع الظاهر موضع المضمر: في قوله تعالى «لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ» .(3)
حيث وضع جهنم موضع الضمير،وذلك للتهويل والتفظيع، أو لبيان محلهم فيها، بأن تكون جهنم أبعد دركات النار، وفيها الكفرة
كان السؤال بمعني الرجاء في حصول الشيء فيأتي دائماً متعلقاً بطلب ظاهر في سياق الآية

اشتملت الآية على الإيغال وهو ختم الكلام بما يفيد فائدة يتم المعنى ,وهنا الفائدة هي الترهيب والتوكيد (وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (
أيضا التكرار وتكثر في الآية (قالوا) تكررت أربع مرات للتعجب بين الطرفين وذلك لاستمرارية الحوار ومحاولة الوصول إلى نتيجة مرضية

تم التذييل في نهاية الآية.وهو تعقيب الجملة بجملة أخرى مستقلة في مكوناتها تشتمل على معناها التاكيد والتقوية للمعنى المراد به وهنا جاري مجرى الأمثال في فشو الاستعمال (وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (
والملاحظ هنا الاكثار من الأساليب الإنشائية.وذلك لآن المقام مقام طلب ومساعدة ونجاة حيث تتنوع ,بين أسلوب أمر تارة , وأسلوب استفهام تارة آخرى ,أيضا تكثر الأفعال المضارعة في الآية وهي الدالة على الاستمرار

ومن خلال التحليل الأدبي لهذه الآية ,تبين أن غرض الحوار هو طلب المساعدة والنجاة,ثم سرعان ما يستجيب المحاور الآخر بالسؤال يحمل في طياته معاني التعجب و الانكار ,غرضه التحقير ,والنتيجة هو الظلال والفشل في حصول ما تمنوا وما طلبوا من نجاة
وطرفا الحوار هما .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
1–لاشين,د عبد الفتاح ,المعاني في ضوء أساليب في القرآن الكريم,دار الفكر العربي,كلية الدراسات الأسلامية 1424هـ2003م
2-زورين,محمد محمود عبود,,, عن الدعاء والمعاني والصيغ والانواع ,دراسة قرآنية سلسلة المعارف الاسلامية ,اصدارات المركز بالمتابعة والتقويم والاشراف العلمي .
3–كحلي د,احمد,موسوعة أعراب القرآن الكريم,اللغة العربية,وفهم القرآن الكريم (سورة غافر)

(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) (1)

الصورة هنا تصف حال الأشقياء الكفار، كيف يساقون إلى النار سوقاً عنيفاً، بزجر وتهديد ووعيد قوله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها‏}‏ أي بمجرد وصولهم إليها فتحت لهم أبوابها سريعاً لتعجل لهم العقوبة، ثم يقول لهم خزنتها من الزبانية، الذين هم غلاظ الأخلاق شداد القوى، على وجه التقريع والتوبيخ والتنكيل‏:‏
‏{‏ألم يأتكم رسل منكم‏}‏‏؟‏ أي من جنسكم تتمكنون من مخاطبتهم والأخذ عنهم، ‏{‏يتلون عليكم آيات ربكم‏}‏ أي يقيمون عليكم الحجج والبراهين على صحة ما دعوكم إليه، ‏{‏وينذرونكم لقاء يومكم هذا‏}‏ أي ويحذرونكم من شر هذا اليوم، فيقول الكفار لهم‏:‏ ‏{‏بلى‏}‏ أي قد جاءونا وأنذرونا وأقاموا علينا الحجج والبراهين، ‏{‏ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين‏}‏ ولكن كذبناهم وخالفناهم لما سبق لنا من الشقوة.

‏{‏قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها‏}‏ لم يسند هذا القول إلى قائل معين بل أطلقه ليدل على أن الكون شاهد عليهم بأنهم يستحقون ما هم فيه، بما حكم العدل الخبير عليهم به، ولهذا قال جلَّ وعلا‏:‏ ‏{‏قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها‏}‏ أي ماكثين فيها لا خروج لكم منها ولا زوال لكم عنها، ‏{‏فبئس مثوى المتكبرين‏}‏ أي فبئس المصير أداة ذم , وبئس المقيل لكم بسبب تكبركم في الدنيا وإبائكم عن اتباع الحق، فبئس الحال وبئس المآل‏.‏ (2)

وصفتهم في الدخول زمرا اي أفواجا متفرقة بعضها في أثر بعض على تفاوت أقدامهم في الضلالة والشرارة.
زمرة,اسم جمع اشتقاقه من الزمر وزنه فعلة بضمّ فسكون، ووزن زمر فعل بضمّ ففتح., وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه، أو من قولهم: شاة زمرة قليلة الشعر ورجل زمر قليل المروءة وهي الجمع القليل
حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها ليدخلوها وحتى وهي التي تحكي بعدها الجملة.
(خزنتها) ، جمع خازن، اسم فاعل من الثلاثيّ خزن، وزنه فاعل، ووزن خزنة فعلة بثلاث فتحات

يقال ادخلوا أبواب جهنم ولا يقال ادخلوا جهنم؟
لأن العذاب يصل إليهم من الباب ، فالباب من حين ما يفتح يفجرهم بعذاب مهيب وصوت مفزع فيُقال ادخلوا الأبواب فما ينتظركم في النار أعظم مما يأتيكم في الباب. أما المتقين ما قال ادخلوا أبوابها لأن المؤمنين لا يجدون النعيم عند الباب ، النعيم في الداخل ، الغرف والدور والقصور ، أما الكفار (ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ ) لأنه عند الباب يبدأ العذاب ، عذاب لا يطاق.(3)

قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها أبهم القائل لتهويل ما يقال لهم. فبئس مثوى مكان المتكبرين اللام فيه للجنس والمخصوص بالذم سبق ذكره، ولا ينافي إشعاره بأن مثواهم في النار لتكبرهم عن الحق أن يكون دخولهم فيها لأن كلمة العذاب حقت عليهم، فإن تكبرهم وسائر مقابحهم مسببة عنه كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله تعالى إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل [ ص: 50 ] من أعمال أهل الجنة فيدخل الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخل به النار
الآية وضحت إعجاز بلاغي وبيان علمي وتحليل نفسي دقيق ومبهر ,وهذه واحدة من تلك المشاهد من مشاهد يوم القيامة و كيفية نيل الجزاء الاخروي
أن الجملة الرابطة بين وصول أصحاب جهنم إلى أبواب جهنم (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا ) وفتح الأبواب ( فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) جاء دون ذكر حرف ( الواو) ، ولعدم ذكر (الواو) هنا إعجاز بياني وعلمي عظيم يصف لنا بدقة متناهية إعجاز هذا المشهد ، بحيث من الطبيعي جدا أن لا يحضر حرف ( الواو ) هنا .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1–سورة الزمر رقم الآية 71

2- البيضاوي, ناصر الدين أبي الخيرعبد الله بن عمر بن علي تفسير البيضاوي , سورة الزمر,مسألة الجزء الخامس دار إحياء التراث العربي عدد الأجزاء: خمسة أجزاء
3- الخضيري, د.محمد بن عبد العزيز. درة الأترجة . تفسير سورة الزمر / /

فجهنم لكونها تمثل كارثة من الكوارث العظمى وفزع عظيم وصاعقة ستنزل على أهل الكفر والشرك جزاء كفرهم واستكبارهم على الحق ، لا تحتاج أن تُمهِل الكافر!! بل دوماً تأخذ الكوارث والصواعق الإنسان على حين غرة .

ومن أجل ذلك وُصِفت الكارثة ( بالفاجعة) ، فهي تفجع أهلها على غير موعد ولا انتظار, ( بجهنم) ونار جهنم ، فهي الصاعقة العظمى والفزع الأكبر لأصحاب الكفر الذين سيخلدون فيها أبد الآبدين ، لذلك فجهنم لم تُمهِلهم وقوفاً عند أبوابها ،فما كاد يصل الكافر إلى مشارف جهنم حتى فَتحَت تلك الأخيرة أبوابها في تعطش لإحلال العقاب بأهل الكفر والعصيان ، وفي ذلك قال أهل التفسير : (وقوله تبارك وتعالى ” حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ” أي بمجرد وصولهم إليها فتحت لهم أبوابها سريعاً لتعجل لهم العقوبة.

فعدم ذكر حرف ( الواو ) يهدف إلى خلق مشهد فظيع مفاجئ لأهل الكفر والعصيان في تصوير ذلك المشهد .
فأصحاب جهنم مكبلون بالسلاسل يساقون إلى أبواب جهنم سوقا عنيفا بزجر وتهديد ووعيد ،حالتهم النفسية في رعب عظيم وفزع أعظم ، وهم يحاولون الرجوع والفكاك ، ولكن هيهات أين المفر!! ..

وفجأة دون مقدمات تُفتَح أبواب جهنم ، فتحل الصاعقة و الصدمة المفاجأة بهم ، كلها حالات توافق وفاقاً تاماً نوع الجزاء ونوع العقوبة المستحقة للمشركين .تتجلى في حضور الحالات التالية :

الفزع الرعب ثم ــــــــــ حضور عنصر المباغتة والمفاجأة .ثم ـــــــــــــ الكارثة . ثم ـــــــــــــالصدمة

والملاحظ في هذا المشهد أن الخطاب جاء لأهل الكفر بالدخول أولا إلى (أبواب جهنم) في قوله تعالى
(ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ)، ولم تأتي الآية مثلا بصيغة ( ادخلوا جهنم خالدين فيها )

فلماذا ذكرت هنا ( أبواب جهنم) ولم تذكر( جهنم ) مباشرة
إن الإجابة يحمل معه إعجازاً عظيماً ومبهراً يوافق حالة تصعيد الهلع والفزع الأعظم المرتقب من عذاب جهنم ، حيث نلاحظ أن حالة تصعيد الفزع تلك ابتدأت بحضور (عنصر المباغتة والمفاجأة ) بفتح أبواب جهنم مباشرة

و بدخول أهل الكفر من ( أبواب جهنم ) أولاً قبل وصولهم إلى مقاعدهم من النار، فذلك الوقت وتلك المسافات التي يقطعها كل كافر داخل تلك الأبواب ( باب جهنم جزء من عذاب جهنم وكل قد عرف بابه ) حتى يصل إلى موقعه القار داخل قاع جهنم ، يحمل الكثير والكثير من عناصر تصعيد وثيرة الفزع والهلع من العذاب الخالد المقترب .

ولتقريب الصورة نلاحظ هذا المشهد وهو تشبيهاً لا تطابقاً يلقي الضوء على عنصر تصعيد الفزع
بالنسبة لذكر وحذف الواو في كلمة (فتحت) و (وفتحت) حذف الواو مع النار وهذا نوع من اذلال الكافرين والمضي في عقابهم لأن الذين كفروا عندما يساقون الى جهنم كأنهم ينتظرون ثم تفتح لهم الأبواب عندما يصلون اليها وهم في خوف ولكن تفتح الأبواب عند وصولهم وتفاجئهم النار بينما المؤمنون يرون أبواب الجنة مفتحة لهم من بعيد ويشمون رائحتها من بعد وائحتها تشم من مسافة 500 عام وهذا نوع من الاكرام لهم لأن الأبواب مفتحة لهم قبل وصولهم اليها فيكونون في حالة اطمئنان في مسيرهم الى الجنة.

طرفا الحوار هما أهل النار,مع خزنة جهنم
ومن هنا نلخص الفكرة ,وهي التي تدور حول الحوار الذي يدور حول أهل الجنة و خزنتها, ثم تساؤل الخزنة وتعجبهم من حال أهل النار , رغم وجود الرسل والبينات ,لكنهم استكبروا واختاروا النار و بئس المصير (1)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
1- النعيمي, للدكتور حسام سعيد,بحث علمي عن لمسات بيانية في سورة الزمر

((وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ))(1)

هنا تصوير الجنة و أبوابها بأنها مفتوحة، ما هي مغلّقة، لأن من عادة الكريم أن يفتح بابه لمن يريد أن يكرمهم قبل أن يصلوا إلى بيته ليروا غاية الإكرام ، لكن إذا أغلقوا الباب دل ذلك على الإهانة.

فإن قلت قال في الآية السابقة (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) قلنا نعم جاؤوها عند المجيء تفتح فصار فُتِحت جواب (إذا) وهنا لم يأتِ بالجواب بل جعله مقدراً (حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) حصل لهم من السعادة والسرور والطيب واللذة والحبور والنعمة والفضل والمنزلة والدرجة شيء لا يوصف ولا يقادر.
فالجملة الرابطة بين وصول أصحاب الجنة إلى الجنة (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا) وفتح الأبواب (وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) جاء مع ذكر حرف (الواو) ، فما المعنى وما المقصود من هذا الفرق بحضور حرف ( الواو ) هنا ؟!
فهذا مشهد من مشاهد الفوز العظيم ، حيث يصف صورة استعداد أهل الجنة دخولهم إلى نعيمها الخالد ، فهل رأيتم مرة عرسا دون استعدادات !! فما بالك بعرس الجنة ، القائم عليه ملائكة الرحمن ، برعاية من الحنان المنان الله مالك الملك رب السموات والأرض ونعيم الجنان .

والمعلوم أن لكل أداة في اللغة وظيفة تشغلها في التركيب اللغوي، ومعنى تؤديه في السياق0 ووظيفة الأدوات جميعًا هي الربط؛ فكما تكون الفاء في جواب( إذا ) رابطة له يشرطها، كذلك تكون( الواو ) رابطة لجواب( حتى إذا )0 والشواهد اللغوية هي التي تحكم بصحة ذلك، لا القواعد النحوية0.(2)
فوظيفة( الواو ) – كوظيفة أي أداة- هي الربط0 أما معناها الذي تؤديه في التركيب فلا يمكن معرفته إلا من السياق0 ومعنى( الواو ) في الآية هو معنى الجمع بين الشرط والجواب في الحدوث0 فمجيء أهل الجنة إلى الجنة، وفتح أبوابها لهم تمَّ حدوثهما في وقت واحد0

ومن هنا ندرك أن حضور أو غياب حرف من حروف القرآن الكريم صنع إعجازا عظيما في الآية الكريمة
أن حرف ( الواو ) يمثل فاعلية ربط بين معاني ودلالات الجمل والعبارات المستهدفة في الحديث أو في (الجملة- حيث ظهر حرف ( الواو) في مشهد أصحاب الجنة وكانت كلمة ( وفتحت )، أي هناك رابط تبادلي بين أصحاب النعيم وذلك النعيم ، فالجنة احتوت ( فُتِحَت ) للمؤمنين برابط تبادلي ( راضية مرضية ) ادخلوها بسلام آمنين .
أما في حالة أصحاب النار(السابقة ) فلا يوجد رابط تبادلي مثل أهل الجنة بل (فائقية تبادلية) أي رغما على أنوفهم يدخلون جهنم والتبادلية هي مع أفعالهم التي فعلوها ، فاختف بذلك القصد باختفاء حرف الواو.

والسر في حذف الجواب في آية أهل الجنة وذكره في آية أهل النار يقال هذا أبلغ في الموضعين فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم فيفجأهم العذاب بغتة فحين انتهوا إليها فتحت أبوابها بلا مهلة فإن هذا شأن الجزاء المرتب على الشرط أن يكون عقيبه فإنها دار الإهانة والخزى فلم يستأذن لهم في دخولها ويطلب إلى خزنتها أن يمكنوهم من الدخول

أما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول أنا لها فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجدا لربه فيدعوه ما شاء الله أن يدعوه ثم يأذن له في رفع رأسه وان يسأله حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح ابوابها فيشفعه ويفتحها تعظيما لخطرها وإظهارا لمنزلة رسوله وكرامته عليه
وإن مثل هذه الدار هي دار ملك الملوك ورب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها وما ركبه من الأطباق طبقا بعد طبق وقاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبيائه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور مما يقدر بخلاف ذلك لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء فجنة الله غالية بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار مالا تنال إلا به فما لمن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار فليعد العدة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1–سورة الزمر رقم الآية 73
2–كحلي د,احمد,موسوعة أعراب القرآن الكريم,اللغة العربية,وفهم القرآن الكريم (سورة الزمر ) رقم الآية 73
فالغرض في حذف الجواب ، إذ كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهى ، فجعل الحذف دليلا على ضيق الكلام عن وصف ما يشاهدونه ، وتركت النفوس تقدر ما شأنه ، ولا يبلغ مع ذلك كله ما هنالك ، لقوله (عليه الصلاة والسلام) : فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر”.\

ومن الناحية البيانية أن جواب الشرط في حال جهنم (إذا جاؤوها) مذكور وهو: (فتحت أبوابها)، أما في حال الجنة فلا يوجد جواب للشرط لأنه يضيق ذكر النعمة التي سيجدها المؤمنون في الجنة فكل ما يقال في اللغة يضيق بما في الجنة
وهي الواو الحالية أي وقد فتحت أبوابها أي وهي في حالة انفتاح أي سيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمراً حتى اذا جاؤها حال كونها مفتّحة ابوابها. فالنار اذن ابوابها موصدة حتى يساق اليها الكافرون فتفتح فيتفاجؤن بها وهذا نوع من الاذلال لهم واخافتهم وارعابهم بما سيجدون وراء الأبواب أما الجنة فأبوابها مفتوحة وهذا نوع من التكريم للمؤمنين.

الظاهر أن قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا) … عطف على (فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) وجواب (إذا) محذوف مقدر بعد (خالدين) للإيذان بأن لهم حينئذ من فنون الكرامات ما لا يحيط به نطاق العبارات كأنه قيل: إذا جاؤها مفتحة لهم أبوابها وقال لهم خزنتها (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) أي من جميع المكاره والآلام وهو يحتمل الإخبار والإنشاء. (1)

والفرق الدقيق .قال في النار { فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } وفي الجنة { وَفُتِحَتْ } بالواو، إشارة إلى أن أهل النار، بمجرد وصولهم إليها، فتحت لهم أبوابها من غير انتظار ولا إمهال ، وليكون فتحها في وجوههم، وعلى وصولهم، أعظم لحرها، وأشد لعذابها. وأما الجنة، فإنها الدار العالية الغالية، التي لا يوصل إليها ولا ينالها كل أحد، إلا من أتى بالوسائل الموصلة إليها، ومع ذلك، فيحتاجون لدخولها لشفاعة أكرم الشفعاء عليه، فلم تفتح لهم بمجرد ما وصلوا إليها، بل يستشفعون إلى اللّه بمحمد صلى اللّه عليه وسلم، حتى يشفع، فيشفعه اللّه تعالى.

والخطاب هنا جاء لأهل التقوى والإيمان بالدخول مباشرة إلى جنات النعيم في قوله (فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) أي ادخلوا نعيم الجنة خالدين فيها ، على العكس المشهد الخاص بأهل الجحيم بالدخول أولا إلى أبواب جهنم ( ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ)

فلِمَ لم تذكر هنا لفظ (الأبواب) وجاء المعنى بالدخول مباشرة إلى ( جنات النعيم ) ؟
أن الجواب واضح وميسر لحمله دلالات اعجازية عظيمة ومبهرة ، فمن سمة النعيم وصفاته أن يكون شاسعاً مفتوحاً للعيان لا تعكره حواجز أو موانع أو أبواب توصد ، ولكي نفهم هذا المعنى فنرى مثلا كيف يقيم أي شخص على إقامة بستانه الخاص في حديقة منزله أو قصره ، فهو يحرص أن تكون مساحة بستانه ذا أفق واسع لا يعكر صفو جمالها ولا سعة افقها أي أبواب توصد ، أو حواجز تَمنع الاستمتاع بكل مساحة البستان وجماله وخضرته ، حتى إذا فتح صاحب الدار باب بيته أو قصره ففورا سيرى أمامه منظر ذلك البستان بأبعاده المتنامية وأفقه الجميل ، فيسرح ببصره مغتبطاً برؤية تلك الخضرة وذلك الجمال دون حواجز أو أبواب تعوق رؤية ذلك الجمال
صورت هذه الآيات الكريمات, حالتين متقابلتين الحالة الأولى تتمثل في تصوير حالة أهل الجنة وما ينعمون به من نعيم مقيم، والحالة الثانية تتمثل في تصوير حالة أهل النار وما يعانون فيها من عذاب أليم في النيران..

وفيه من تصوير الحالتين بجمال المقابلة البديعة بين الحالتين التي تبرز المعنى وتوضحه ويبرز بجمال هذا التصوير لما فيه من حيوية وحركة كما يبرز بجمال الأسلوب القرآني وبلاغته في جذب الانتباه وتحريك الوجدان، وفي قوله نادى أصحاب الجنة أصحاب النار نجد بلاغة القرآن في لفظ نادى فهو فعل ماض جاء في زمن المستقبل ليفيد التحقق والتثبت، فالتعبير عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيه على تحقق وقوعه•
أما الإعجاز يكمل في الدقة في وصف حالة أصحاب الجنة وأصحاب النار واستعدادهم للدخول إلى جنات النعيم أو عذاب الجحيم ، وكما ورد في المشهد الأول أهل النار) فان هذا المشهد الثاني( أهل الجنة )جاء ليوافق توافقاً مبهراً

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
1- الشعراوي,محمد متولي,تفسير نداء الايمان,تفسير سورة الزمر رقم الآية (73)

الفرق بين الرد على الحوارين :
)- أصحاب جهنم) : (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ))
(أصحاب الجنة ): وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ))

والفرق بين مشهد أهل النار واهل الجنة تَمثّل في حضور أو غياب حرف (الواو ) عند الآية الكريمة التي تصف مشهد أصحاب جهنم (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) و الأخرى التي تصف مشهد أصحاب الجنة ( حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا) ، حيث صنع تواجد حرف الواو مع لفظ (فُتِحَتْ) من عدمه في كلا المشهدين إعجازا عظيماً مبهراً ، يصف لنا في دقة متناهية الفرق بين المشهدين بما يوافق حال أصحاب الجنة مقارنة مع حال أصحاب جهنم ،:

أن التصوير البلاغي للمعذبين جاء مملوءا بالفنون البلاغية، كما اتسم بجمال الأسلوب وبراعة التعبير
كذلك التفخيم والإعظام :ويؤثر ذلك في المواضع التي يراد بها التعجب والتهويل فترك النفس تحول في الأشياء المكتفية بالحال عن ذكرها .
إنما يحسن الحذف لقوة الدلالة عليه ، أو يقصد به تعديد الأشياء فيكون في تعدادها طول وسآمة كما في قوله تعالى
{ حتى إذ جاؤوها وفتحت أبوابها} ( الزمر : 71 ) ، فحذف الجواب ، إذ كان وصف ما يجدونه ويلقونه عند ذلك لا يتناهى ، وتركت النفوس تقدر ما شاءته ولا تبلغ مع ذلك كله ما هناك ،

ذكر ربهم مع الذين اتقوا ولم يذكرها مع الذين كفروا
فالذين كفروا عندما يساقون الى النار فهؤلاء لا يستحقون أن يرد معهم اسم الله سبحانه وتعالى فضلاً عن أن يذكر اسم الرب (ربهم) الذي يعني المربي والرحيم العطوف الذي يرعى عباده فلا تنسجم كلمة ربهم هنا مع سوق الكافرين الى جهنم وعدم ذكر كلمة ربهم مع الذين كفروا هو لسببين

الأول أنهم يساقون الى النار وثانياً أنهم لا يستحقون ان تذكر كلمة ربهم معهم فلا نقول وسيق الذين كفروا ربهم الى جهنم لأن كلمة الرب هنا :ان فيها نوع من التكريم والواقع أنه كما قال تعالى (فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا)
لكن مع المؤمنين نقول (وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة) ذكر كلمة ربهم هنا تنسجم مع الذين اتقوا. وفعل كفر يتعدّى بنفسه أو بحرف الجر وهنا لم يتعدى الفعل وهذا يدل على اطلاق الذين كفروا بدون تحديد ما الذي كفروا به لتدل على أن الكفر مطلق فهم كفروا بالله وبالايمان وبالرسل وبكل ما يستتبع الايمان.. (وسيق الذين كفروا الى جهنم زمراً) لم تذكر كلمة (ربهم) لأن الربوبية رعاية ورحمة ولا تنسجم مع السوق للعذاب ولا يراد لهم أن يكونا قريبين من ربهم لكنها منسجمة مع سوق الذين اتقوا ربهم الى الجنة فهي في هذه الحالة مطلوبة ومنسجمة. كلمة الرب فيها نوع من التكريم فلا تذكر مع الكافرين لكن مع المؤمنين تكون مطمئنة ومحببة اليهم (وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا

ملاحظة السجع في الآيتين ، إذ تقوم كثير من آيات القرآن على الفواصل المسجوعة .ثم لم تخلوا من المقابلة الخفيفة اللطيفة التي أبرزت المعنى ووضعته أمامنا موضع المقارنة والموازية

)- أصحاب جهنم) : (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ))
-(أصحاب الجنة ): وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ))
التكرار ، ويكثر في القرآن لتأكيد المعنى ، (وسيق)
استخدام الالتفات ، وهو الانتقال من ضمير إلى ضمير للفت الانتباه وشد الذهن لما سيقال

التنوع و المراوحة بين الأساليب الخبرية والإنشائية ,ثم التذييل في نهاية الآية.وهو تعقيب الجملة بجملة أخرى مستقلة في مكوناتها تشتمل على معناها التاكيد والتقوية للمعنى المراد به وهنا جاري مجرى الأمثال في فشو الاستعمال
(فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)(1)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
1–لاشين,د عبد الفتاح ,المعاني في ضوء أساليب في القرآن الكريم,دار الفكر العربي,كلية الدراسات الأسلامية 1424هـ2003م

وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)1)

تصور الآية مشهدا وهو ,عندما يستقر أهل الجنّة في مساكنهم وقصورهم وينظرون إلى ما حولهم بحثاً عن أصدقائهم ومعارفهم لا يجدون أفراداً منهم ويدركون أنهم صاروا من أهل النار وحرموا الورود إلى الجنّة وبذلك يتحاورون مع أهل النار.
فتبين لنا الآية كيف يرى أهل الجنة أهل النار، وهذا الترائي من ضمن النعيم ومن ضمن العذاب الأليم ، فحين يرى المؤمن بمنهج الله من عاداه وقهره وآذاه وهو في النار فهذا من تمام اللذة. والآخر حين يرى مخالفه في الجنة فهذا أيضاً من تمام العذاب. إذن لابد أن يتراءوا ، ولذلك يحدث الحوار، وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار(2)
(ينادي)، فيه إعلال بالقلب، أصله نادي- بالياء في آخره- جاءت الياء متحرّكة بعد فتح قلبت ألفا.
فيبدأ الحوار بأنهم معترفين بأنهم وجدوا ما وعدهم به الله حقاً وصدقاً، وأن الحق قد وهبهم هذه الجنة. فهل – يا أهل النار – وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟
هنا خلافاً بين الحوارين والأسلوبين مع أن السياق المنطقي واحد؛ فأهل الجنة يقولون: ” قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ” ، ولم يأت بالكاف في كلمة ما وعد (الثانية) بل قال: ” فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً ”

إنه قال سبحانه: ” ما وعد ” فقط، ولم يقل ما وعدكم كما قال: (ما وعدنا) لأن المراد أن يلفتهم إلى مطلق الوعد، وليس الخاص بهم فقط، بل وأيضاً الخاص بالمقابل، وهكذا يتحقق الوعد المطلق لله. فأهل الجنة بإيمانهم وأعمالهم في الجنة فضلاً من الله، وأهل النار بكفرهم وعصيانهم عقاباً من الله.
فيستمر الحوار فيجيب أهل النار على هذا السؤال بالإيجاب وأن الله قد أنجز ما وعدهم من العذاب والعقاب الاُخروي
وهذا إقرار منهم بالواقع الذي عاشوه واقعاً بعد أن، كان وعيداً، وهم لم يكابروا لأن المكابرة إنما تحدث بين الخصمين في غير مشهد، وهم في الدنيا قبل أن يوجد المشهد كانوا يكذبون البلاغ عن الله، وصارت الدار الآخرة واقعاً، وتحقق وجودهم في النار

(فأذن مؤذن) (مؤذّن)، اسم فاعل من أذّن الرباعيّ، وزنه مفعّل بضمّ الميم وكسر العين المشدّدة والمعنى أي فينادي مناد من الملائكة يُسمع أهلَ الجنَّة وأهل النار بأن الطرد من رحمة الله على الظالمين الذين ظلموا أنفسهم؛ بعدم الإِيمان وبالتكذيب باليوم الآخر.

والسؤال هنا لماذا بدر الحوار من أهل الجنّة بطرح الأسئلة لأهل النار دون العكس ؟
1-يحتمل أن سؤالهم كان لغرض تحصيل إطمئنان أكثر وإيمان أعلى بما وعد الله رغم أن أهل الجنّة يؤمنون بجميع ما وعدهم الأنبياء من اُمور الغيب ويعتقدون به ولكنهم عندما يرون ذلك باُمّ أعينهم أو يسمعون من أهل النار تحقّق الوعيد الإلهي بحقّهم فإنّ إيمانهم سيزداد ويتعمق أكثر.
2-الاحتمال الآخر هو أنهم يسألون أهل النار من أجل التهكم والذم والتقريع لهم كما كان أهل النار يلومون المؤمنين في الدنيا ويذّمونهم ويسخرون منهم على اعتقاداتهم وإيمانهم بالغيب فهذه المساءلة نوع من المقابلة بالمثل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-سورة الأعراف ,رقم الآية (44)
2-الشعراوي ,محمد المتولى كتاب تفسير نداء الايمان من كتاب اهوال يوم القيام

التذييل ظهر جليا واضحا ومخيفا (فأذن مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ اَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمينَ)( كختام للمحاورة المذكورة بين أهل الجنّة وأهل النار لابدّ وأن يكون هناك من يختم هذا الحوار ولذلك ورد النداء الإلهي «أن لعنة الله على الظالمين» وتنتهي بذلك المساءلة ويسدل الستار على هذه المحاورة.
فمن هو هذا الشخص (المؤذن( الذي يختم الحوار المذكور بالنداء الإلهي والذي توحي الآية أن له سلطة على الجنّة والنار والقيامة ؟
ومن هو هذا الشخص الذي يسمعه جميع الناس في ذلك اليوم ويختم بكلامه عملية المحاورة بين أهل الجنّة وأهل النار : اَلْمُؤَذِّنُ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه

أن الحكمة في الاختلاف بين التعبيرين (وعدنا ربنا بنون العظمة لأصحاب الجنة) – (وعد ربكم) بالغائب لأصحاب النار تتجلى فيما يلي.
1) لتكريم أهل الجنة واحتقار أهل النار.
2) يؤكد التحقير الذي ذكرناه في النقطة الأولى أن الرب عز وجل ذكر خطابه لأهل النار بلفظ (الوعد) وهو في الحقيقة (وعيد)، فكأن لسان حال أهل النار أنهم يقولون (أهذا وعد ونحن نعذب والوعد لا يكون إلا بالخير) ؟

3) لبيان أن المؤمنين على يقين من وعد الله لهم وأما الكفار فهم على تكذيب وعيد الله لهم، فأصاب كل واحد منهم ما ناسب حالهم من اليقين والتكذيب، فلفظ (وعدنا) الذي خص به أهل الجنة يدل على أن هناك ارتباطا واتصالا برباط الإيمان والتصديق بين الواعد والموعود، وأما ما خص به الكفار (وعد) فدل على أن هناك عدم ارتباط بين الواعد والموعود بل هم كذبوا بوعد الله وسخروا منه ولم يصدقوا به.

توضح الآية الخطاب في الآخرة بين أصحاب النار وأصحاب الجنة وعبَّر عنه بالنداء فلِمَ اختير النداء دون القول أي عندما قال تعالى
وذلك إن في خطاب أصحاب الجنة لأصحاب النار بالنداء دون القول كناية عن بلوغه أسماع أصحاب النار من مسافة سحيقة البعد فإن سعة الجنة وسعة النار تقتضيان ذلك

ولقد جاء التصوير القصصي للمعذبين مملوءا بالإثارة لما فيه من تسلسل الأحداث وتناسق المشاهد وتدرج الحوارات بينهم وكأنها شاخصة أمامنا مناظرهم

تكرر حرف النون في الآية أكثر من أربعة عشر مرة في الآية الكريمة .مصحوبة بمؤثرات تناسب جوها، وتتناسق مع إيقاعها وصورها وظلالها
لا تخلو الآية من السجع إذ تقوم الاية على الفواصل المسجوعة التى لها تأثيرها في أبراز المعنى بوضوح
أيضا احتوت الآية على التكرار في الالفاظ ويكثر في القرآن عامة لتأكيد المعنى ، ومن الكلمات المتكررة (حقا)
إضافة إلى الالتفات وهو الانتقال من ضمير إلى ضمير ، الانتقال من ضمير المتكلم إلى المخاطب ، مثل قوله تعالى : { ((ربنا,ربكم ))

والملاحظ في الآية التنوع والمراوحة بين الأساليب الخبرية)أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا) والإنشائية )فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟))

ومن خلال التحليل الأدبي نصل أن أن الحوار في القران الكريم لم يكن قاصرا على المشركين بل هناك حوارات مع أهل الجنان.(1)
فهنا الحوار دار بين أهل الجنة والنار ,وبدأ من سؤال أهل الجنة لطرف الأخر وهو أهل النار ,وذلك بعد استقرارهم في مكانهم وهو (الجنات) وفي الآية توضيح لقمة التوازن والعدل بين جزاء الفريقين من جنس عملها في الدنيا .
وطرفا الحوار هما. أهل الجنة والنار, ومكان كل طرف في المكان المناسب الذي أعده الله له
فالقرآن لا يجيز الحوار إلا لبيان الحق, والعدل واقناع الآخرين به، واتمام الحجة عليهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
1-عبد الرحمن د⁄إسماعيل محمد علي بحث مقدم إلى مؤتمر الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي 28-30ربيع الأول 1428هـ 6 -8⁄4 ⁄2007م كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الشارقة

وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ‏أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ(1)

صورت هذه الآيات الكريمات حالتين متقابلتين الحالة الأولى تتمثل في تصوير حالة أهل الجنة وما ينعمون به من نعيم ورزق مقيم من ماء وغيره ، والحالة الثانية تتمثل في تصوير حالة أهل النار وما يعانون فيها من عذاب أليم وحرمان في النيران ,
وفيه من تصويردقائق الآحوال التي تبرز المعنى وتوضحه ويبرز بجمال هذا الفكرة لما فيه من حيوية وحركة كما يبرز بجمال الأسلوب القرآني وبلاغته في جذب الانتباه وتحريك الوجدان.

أن التصوير البلاغي للمعذبين جاء مملوءا بالفنون البلاغية، كما اتسم بجمال الأسلوب وبراعة التعبير,ودقة التصوير

حيث يعرض لنا المولى عز وجل في هذه الآية مشهدا من مشاهد الآخرة، فحينما يصير أهل الأعراف إلى الجنة يطمع أهل النار فينادون أهل الجنة بأعلى الأصوات: ‏{‏أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ } ولكن هيهات:ثم سرعان ما يرد الطرف الآخر {قالوا إن الله حرمهما على الكافرين} اي طعام الجنة وشرابها. إنه موقف عصيب رهيب
فالندم هنا والحسرة جزاء تكذيبهم ولكنه ندم لا ينفع، وتحسر لا يفيد؛ فالآخرة دار حساب وجزاء لا دار عمل. إنهم من هول ما يرونه وفظاعته يستنجدون بأي أحد ويستغيثون بأي شيء، رغم أنهم ربما يعلمون أنه لا فائدة من اسلوب الاستغاثة!!
جاء فعل الفيض : ويفيض الماء حقيقته هي سيلان الماء وانصبابه بقوة ويستعمل مجازا في الكثرة ،
ويجوز أن يحمل الفيض على المعنى المجازي ، وهو سعة العطاء والسخاء ، من الماء والرزق ، إذ ليس معنى الصب بمناسب بل المقصود الإرسال والتفضل ز

ويكون العطف عطف مفرد على مفرد وهو أصل العطف ، ويكون سؤالهم من الطعام مماثلا لسؤالهم من الماء في الكثرة ، فيكون في هذا المحمل
هنا تعريض بأن أصحاب الجنة أهل سخاء ، وتكون من على هذا الوجه بيانية لمعنى الإفاضة ، ويكون فعل ( أفيضوا ) منزلا منزلة اللازم ، فتتعلق من
والرزق مراد به الطعام فالإفاضة:يحمل معنى التوسعة، أي صبوا علينا

وضمير قالوا لأصحاب الجنة ، وهو جوابهم عن سؤال أصحاب النار ، ولذلك فصل على طريقة المحاورة . والتحريم في قوله حرمهما على الكافرين مستعمل في معناه اللغوي وهو المنع

والمراد بالكافرين المشركون ، لأنهم قد عرفوا في القرآن بأنهم اتخذوا دينهم لهوا ولعبا ، وعرفوا بإنكار لقاء يوم الحشر . و ” الهاء والميم ” في قوله : ” إن الله حرمهما ” ، عائدتان على ” الماء ” وعلى ” ما ” التي في قوله : ” أو مما رزقكم الله ” .

اشتملت الآية على الإيغال وهو ختم الكلام بما يفيد فائدة يتم المعنى ,وهنا الفائدة هي الترهيب والتوكيد (إن الله حرمهما على الكافرين )أضافة إلى أداة التوكيد أن وتأثيرها في المعنى واضح

تم التذييل في نهاية الآية.وهو تعقيب الجملة بجملة أخرى مستقلة في مكوناتها تشتمل على معناها التاكيد والتقوية للمعنى ((إن الله حرمهما على الكافرين )(2)
والملاحظ هنا الاكثار من الأساليب الإنشائية.وذلك لآن المقام مقام طلب ومساعدة ونجاة حيث خير اصحاب النيران أصحاب الجنة بالافاضة أم بالماء أو بالرزق,كناية عن حاجتهم الملحة ,وذلهم وحسرتهم على صنيعهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
1- سورة الأعراف ,رقم الآية (50)
2لاشين,د عبد الفتاح ,المعاني في ضوء أساليب في القرآن الكريم,دار الفكر العربي,كلية الدراسات الأسلامية 1424هـ2003م

ومن خلال التحليل الأدبي لهذه الآية ,تبين أن غرض الحوار هو طلب أصحاب النار أصحاب الجنة أن يفيضوا عليهم من الماء ” أي صبوه ،وهو دليل على أن الجنة فوق النار . ” أو مما رزقكم الله ” من سائر الأشربة وتم اختيار هنا الماء وتحديده ليلائم الإفاضة(1)

وطرفا الحوار هما . أصحاب النار و أصحاب الجنة , ومن خلال الحوار التالي تبين المكان فالجنة فوق النار , والنار تحت الجنة , وذلك لآن الإفاضة عادة تأتي من الأعلى إلى الأسفل
ومكان هذا الحوار والنداء من أهل النار كان بعد دخول أهل الأعراف الجنة.

إن حوارات القرآن الكريم كلها دروس وعبر ومنها أنها تناشد المخالفين لبيان سر مخالفتهم حتى توضح لهم الطريق الذي حادوا عنه علهم يرجعون إليه,حيث تبين مصيرهم ,وتصف حالتهم الذليلة وافتقارهم (2)
والملاحظ إن جدل القرآن لا يتجه إلى مجرد الإفهام والإلزام ،بل يتجه في الكثير الغالب إلى إرشاد القارئين والمدركين والأخذ بأيديهم من خلال الترهيب والتخويف وتوجيه النظر إلى الحقائق المصيرية ,فالحوار بين أهل الجنة والنار جاء واضح الدلالة , دقيق التصوير, جلي الفكرة,وذلك لمعرفة كل شخص ماله وماعليه,لكي يحد مصيره الخالص .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع
1-ابن عاشور ,محمد الطاهر,كتاب التحرير والتنوير المسألة الخامسة سورة غافر رقم الجزء25 عدد الأجزاء15صـ224
2-عبد الرحمن د⁄إسماعيل محمد علي بحث مقدم إلى مؤتمر الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي 28-30ربيع الأول 1428هـ 6 -8⁄4 ⁄2007م كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الشارقة

النتائج

1-إن العقلية الإسلامية حينما تنادي اليوم للحوار مع الأخر فإنما تحاول أن تتواصل مع أصولها وجذورها الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة وسيرة سلفنا الصالح
2-أن ورود الحوار مع الآخر بهذه الكثرة في القرآن الكريم لاسيما الحوار بين أهل الجنة والنار يؤكد حقيقة البعث والحساب والجزاء من جنس العمل
3-في أيات أهل النار وجد أن الأفعال كثير ماتميل إلى المبني للمجهول ربما لآحتقار الفاعل
4- كثرة الحذف في أيات أهل النارمثل (ولو) المحذوفة جوابها في أكثر من موضع وكثرة الاضمار بعكس آيات الجنة التي ذكر فيها حرف الواو عند دخولهم ,وإسناد الرب إليهم تحببا منهم واحتراما.
5-كثرة الإنشاء استخدام أساليب التمني,والطلب , 4- الدقة في وضع الظروف المكانية ,الدالة على دقة التصوير في المكان (فأذن مؤذن بينهم )(ماكانوا يخفون من قبل )(يخفف عنا يوما )((أفيضوا)(لقاء يومكم هذا)
6- كثرة استخدام الجمل الخبرية في آيات أهل الجنة مقارنة بأهل النار التي تملؤها أساليب الإنشاء ولعل أبرزها الطلب ,ثم الدعاء,والتمني ,
7- تنوعت أغراض الحوار بين أهل النار وأهل الجنة ,فكل آية احتوت على غرض معين يفهم من السياق والتركيب والنظم التي وضع فيها .
8- تساوت معنى الآيات في المفهوم العام , والمقصد الشرعي,تمثلت في العدل في الدخول (زمرا)أي واحد لا أحد معه ,كناية عن العدل والتساوى في هيئة الدخول , والاختلاف سيكون في مكان الدخول والمصير الخالد لكلا الطرفين.
9- تصوير الآيات جاء على عدة طرق ,في وصف هيئة حالة أهل النار ,فتارة مظطربين,وتارة محتاجين,وتارة متساءلين.
10- يعتمد الحوار القرآني على الوصف التصويري,يعرض فيها قصصا واقعية ومشاهد مثيرة وذلك بقصد تبسيط الفكرة وتقريبها ,من خلال الحوار والوصف وتحديد المكان والزمان
11- تميز الحوار في القرآن في إبراز المعنى,ومعرفة المجهول,وكشف المضمون,وبراعة الفكرة, ودقة التصوير .وجودة الألفاظ, والتنوع في الأساليب والبلاغة من سجع وجناس ومقابلة
12-التكرار في الكلمات , والحروف, والمعنى, له قيمة في الآيات ,الذي ينسجم مع ايقاعها وتوازنها
13- معرفة الحالة النفسية للطرفين ,تظهر واضحة في أساليبهم ,ولاشك دلالة الألفاظ له آثرها الايحائي في النفوس مثل (طبتم,لعنة,خالدين,بئس,افيضوا,سيق,الكافرين,سلام,أبوابها

المراجع والمصادر

1- القرآن الكريم
1-أبو الحسين أحمد ابن فارس, ، معجم المقاييس في اللغة ، ( بيروت : دار الفكر ،1418هـ)

-احمد عمر اليافعي نماذج التصوير الحسي في القران , بحث جامعة ام القرى ,درجة الماجستير

3-احمد محمد ,-كحلي موسوعة أعراب القرآن الكريم,اللغة العربية,وفهم القرآن الكريم (سورة الزمر )

4-إسماعيل محمد علي عبد الرحمن بحث مقدم إلى مؤتمر الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي 28-30ربيع الأول 1428هـ 6 -8⁄4 ⁄2007م كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الشارقة

5- إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي .التفسير,المسألة الخامسة دار طيبة سنة النشر: 1422هـ / 2002م رقم عدد الأجزاء: ثمانية أجزاء. ,تفسير سورة الأنعام رقم الآية (27)

6-.تيسير محجوب الفتياني ,الحوار القرآني في قصة موسى عليه السلام,مركز الكتاب الأكاديمي,الطبعة الأولى,2004م,1424هـ عمان,

7-جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري ,ابن منظور ، لسان العرب ( بيروت : دار صادر ،1412هـ) ، الجزء الخامس ،

8-خالد بن محمد المغامسي ، الحوار آدابه وتطبيقاته في التربية الإسلامية ، ط 1( الرياض : مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ،1425) ،
9- صالح بن بن حميد عبدالله . بحث في مكة المكرمة أصول الحوار وآدابه في الإسلام .

10- عبد الفتاح -لاشين, ,المعاني في ضوء أساليب في القرآن الكريم,دار الفكر العربي,كلية الدراسات الأسلامية 1424هـ2003م

11- محمد أحمد حسن,مفهوم الحوار وأهميته وأسسه المنهجية وضوابطه كوسيلة فعالة للاتصال بين الأفراد والجماعات” القضاة كلية الشريعة /الجامعة الأردنية
12 – محمد عبدالله,أصول التربية الإسلامية,ط 4, 1429هـ_2008م
13محمد رشيد رضا مسألة: الجزء السابع تفسير المنار . الهيئة المصرية للكتاب عدد الأجزاء: اثنا عشر جزءا

14محمد عبدالرحمن محمد القرطبي ملخص عن كتاب: تفسير القرطبي المسمى بـ «الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان سورة» غافر رقم الأية 49
15 محمد الطاهر,ابن عاشور , كتاب التحرير والتنوير المسألة الخامسة سورة غافر رقم الجزء25 عدد الأجزاء15صـ224

16محمد محمود عبود زورين بحث علمي عن الدعاء والمعاني والصيغ والانواع ,دراسة قرآنية سلسلة المعارف الاسلامية ,اصدارات المركز بالمتابعة والتقويم والاشراف العلمي .

17-.محمد بن عبد العزيز الخضيري,. درة الأترجة . تفسير سورة الزمر / /
18محمد متولي الشعراوي, ,تفسير نداء الايمان,تفسير سورة الزمر رقم الآية (73)
19- ناصر الدين أبي الخيرعبد الله بن عمر بن علي البيضاوي تفسير البيضاوي , سورة الزمر,مسألة الجزء الخامس دار إحياء التراث العربي عدد الأجزاء: خمسة أجزاء

20-,هالا سعيد مقبل بحث ,بحث متقدم لنيل درجة الماجستير,تخصص اللغة العربية ,الحوار في مشاهد القرآن الكريم,دراسة دلالية بيانية,كلية الآداب والعلوم الأنسانية , بجامعة الشرق الأوسط 2010,2
21 – يوسف القرضاوي,السنة مصدرا للمعرفة ,القاهرة ,دار الشروق,ط 2, 1418هـ\1998م,صـ218.

رابط البحث :

https://alawg50.wordpress.com/2016/01/07ر