في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلن المدعي العام لولاية نيوجيرسي، كريج كاربينيتو، أنه تم القبض على ماريا سو بيل (53 عاماً)، مواطنة أمريكية، من منزلها، مبرزاً أن التهمة الوحيدة التي وجهت إليها حتى الآن هي “إخفاء إرسال الأموال والموارد الأخرى إلى منظمة إرهابية أجنبية محددة”، وهي جبهة النصرة النشطة في سوريا، والمعروفة أيضاً بـ”جبهة تحرير الشام”.
بناءً على مستندات الدعوى المقامة من عملاء خاصين في مكتب التحقيقات الفدرالي وضباط بفرقة العمل المشتركة لمكافحة الإرهاب، يُزعم أن بيل -التي خدمت في الجيش الأمريكي والحرس الوطني للجيش 14 شهراً بين عامي 1984 و1986- استخدمت تطبيقات مشفرة للتواصل وتقديم المشورة وإخفاء التمويل المرسل إلى المقاتلين المتمركزين في سوريا والذين يقاتلون نظام الرئيس بشار الأسد، وذلك منذ شباط/ فبراير عام 2017 حتى تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2018 على الأقل.
فلوس ومشورة وأشياء أخرى
تُفصّل عريضة الدعوى طريقة تواصل بيل مع التنظيم عبر عنصر من التنظيم بدا أنهما على معرفة شخصية، وتستشهد العريضة بثماني محادثات نصية من بين “آلاف المحادثات المشفرة” التي أجرتها ماريا سو مع هذا العنصر حول التخطيط التشغيلي وقدمت له تفاصيل خاصة بإخفاء المدفوعات المرسلة. رُصد أيضاً تواصلها مع العديد من الأشخاص الآخرين الداعمين لأنشطة الجماعة المسلحة.
العلاقة بين بيل وعضو الجماعة، الذي يشار إليه في الشكوى على أنه “المستخدم 1″، لم تقتصر على تقديم المشورة في ما خص السلاح والذخيرة وإرسال المال فقط بل سعت بيل كذلك إلى دعمه ليصبح “رجلاً موثوقاً به” في دوائر القيادة العليا بالجماعة الجهادية عبر اتصالات قالت في المحادثات إنها أجرتها في أمريكا.
لم تحدد العريضة طبيعة العلاقة بين بيل و”المستخدم 1″. لكنها بدت قلقة جداً بشأن مصيره إذ تمنت ذات مرة أن يموت ولا يقع في شرك الاعتقال لدى قوات النظام السوري، وطلبت منه أن يبلغها قبل يوم من انضمامه للقتال حتى يتأهب قلبها.
كما كشفت الرسائل بينهما عن تخطيطها مراراً للسفر إلى سوريا لأجل البقاء مع “المستخدم 1”. أوضحت في إحداها مللها “الوحدة” في أمريكا رغم إقرارها صعوبة ظروف الحياة في سوريا.
وخلال حديثهما عقب سقوط مدينة الباب (شمال سوريا) في أيدي داعش، مطلع عام 2017، أعربت عن تخوفها من أن تستهدف القوات الأمريكية المدينة وأن يصيبه مكروه.
كانت تحرض صديقها على الانخراط في العمليات القتالية للجماعة و”الكفاح من أجل إيماننا”… قصة مجندة سابقة في الجيش الأمريكي دانت بالولاء إلى “هيئة تحرير الشام” الجهادية السورية وقدمت لها المال والمشورة
في اتصالاتها مع مقاتل “تحرير الشام” التي تصنفها واشنطن جماعةً إرهابية، استغلت بيل خبرتها المهنية لا سيما تدريبها المتخصص على الأسلحة والذي كانت قد تلقته أثناء فترة خدمتها في الجيش الأمريكي في إطار توجيه النُصح في ما يتعلق بقضايا أمن العمليات ومشتريات الأسلحة وغيرها من أوجه المعرفة العسكرية.
شددت عريضة الدعوى على أن “النصرة” كانت مصنفة منظمة إرهابية في الولايات المتحدة طوال فترة تواصل المتهمة معها، وأن بيل كانت تعلم جيداً أن “المستخدم 1” كان مقاتلاً نشطاً في سوريا.
ولاء شديد للجماعة
علاوةً على ما سبق، حرضت بيل “المستخدم 1” على القتال في العديد من المرات. سألت بيل “المستخدم 1” في إحدى المرات عما إذا كان لا يزال مستعداً للقتال. وقالت له: “هل أنت مستعد للقتال في خط المواجهة مع مقاتلين آخرين؟ لم تعد طفلاً صغيراً كما اعتدت أن تكون. سيكون الأمر مخيفاً. لكني معك”.
وفي محادثة جرت في آب/ أغسطس عام 2018، عبّرت بيل عن أمنيتها بأن ينشط “المستخدم 1″ مجدداً ضمن مقاتلي الجماعة الجهادية و”الكفاح من أجل إيماننا”.
كان واضحاً من المحادثات أن بيل تدعم “تحرير الشام” التي وصفت مقاتليها بأنهم “رجال طيبون” و”شجعان ومهرة”. كما ذكرت أن القائد الأعلى لهيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، بحاجة إلى “التعاون والسلام حتى يتمكن من حماية الناس في المخيمات”. يبدو أنها كانت تعتقد أن ما تفعله قد يساعد السوريين في التخلص من النظام.
قبل أيام، أعلنت الولايات المتحدة عن مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يرشد أو يقدم معلومات تساعد في الوصول إلى مكان الجولاني، مبرزةً: “الجولاني يتظاهر بالاهتمام بسوريا. لكن الناس لم ينسوا جرائم تنظيمه، جبهة النصرة، بحقهم”.
كذلك يتضح ذلك في قولها في إحدى المحادثات: “إذا انتصر الأسد، فسيتم اضطهاد ‘المجاهدين‘ مرة أخرى” و”إذا انتصر الأسد، فلا يمكنني الحصول على تأشيرة دخول إلى سوريا. لا أستطيع أن آتي إليك”.
قلق من افتضاح دورها
في عدة مناسبات، أظهرت بيل تخوفاً من افتضاح دعمها للتنظيم الجهادي. عقب مناقشة الدعم الأمريكي للنظام السوري الذي تقاتله الجماعة، قال “المستخدم 1”: “إذا كنت (أي أمريكا) تريد ضرب المطارات السورية، فسوف نعود للانتقام داخل نيويورك”. لاحقاً في الاتصال المشفّر نفسه، أوضحت بيل: “إذا وقع هجوم في نيويورك، فسيتم القبض على جميع المسلمين والمساعدين مثلي …”.
لم يظهر اعتراضها على مبدأ مهاجمة أهداف أمريكية بشكل أساسي وإنما القبض على المسلمين وداعمي الفكر الجهادي بمن فيهم هي.
أرسلت بيل الأموال إلى “المستخدم 1” عبر نظام تحويل الأموال ويسترن يونيون، مستخدمةً وسيطاً لإخفاء مصدر الأموال. كما أرسلت الأموال، غالباً بتوجيه من “المستخدم 1″، إلى أشخاص في تركيا وسوريا مؤيدين للمنظمة المسلحة، بغرض دعم “الأعمال الإرهابية” لهيئة تحرير الشام.
ورغم أنها أخفت طبيعة وموقع ومصدر الأموال التي أرسلتها على 18 دفعة على الأقل، ومجموعها 3.150 دولار أمريكي عبر عدة حسابات يستخدمها شركاء لـ”المستخدم 1″، أعربت المجندة السابقة في الجيش الأمريكي عن قلقها من أن عمليات إرسال الأموال التي تجريها يمكن تتبعها بواسطة سلطات إنفاذ القانون الأمريكية.
وصفت الخمسينية الأمريكية مقاتلي “النُصرة” بأنهم: مجاهدون، ورجال طيبون، وشجعان ومهرة، بل اعتبرت أن زعيم الجماعة، الجولاني، بحاجة إلى “التعاون والسلام حتى يتمكن من حماية الناس في المخيمات”… طريق الجحيم معبّد بالنيات الحسنة؟
كتبت في محادثة: “لكنني لن أجعل حسابي مراقباً عن كثب أكثر مما هو عليه بالفعل. في كل مرة أسحب فيها الأموال، يُلاحظ ذلك لأن ويسترن يونيون يحاول تتبع الاحتيال والإرهابيين لصالح الحكومة”.
يعاقب على تهمة إخفاء تمويل الإرهاب لصالح منظمة إرهابية أجنبية في الولايات المتحدة بالسجن مدة أقصاها 10 سنوات وغرامة قدرها 250 ألف دولار.
شخصية مثيرة
بشكل عام، تكشف المعلومات والملابسات المتوفرة عن بيل عن شخصية مثيرة. لدى اعتقالها، كشف تفتيش منزلها عن مخبأ كبير للأسلحة. وتبين أنها كانت بصدد السفر في اليوم التالي إلى مصر ومنها إلى إسطنبول في تركيا. يرجح بشدة أنها كانت تنوي العبور من تركيا إلى سوريا. وسبق أن منع مكتب التحقيقات الفيدرالي بيل من السفر إلى تركيا.
ملف بيل الشخصي على لينكد إن يكشف المزيد من الإثارة: تطوعت السيدة من قبل في الجمعية الطبية السورية الأمريكية (منظمة مهنية غير ربحية تضم آلاف الأطباء السوريين الأمريكيين في الولايات المتحدة وهي معنية بتقديم المساعدات الإنسانية للسوريين المحتاجين)، وهيئة الإغاثة الإسلامية بالولايات المتحدة الأمريكية (وكالة إغاثية غير ربحية أيضاً).
أما المنصب الحالي المشار إليه في الحساب فهو “الرئيسة الإقليمية للمنطقة الشمالية لحزب نيوجيرسي الليبرتاري”، و”محللة لدى شركة أتلانتيك هيلث سيستم”. عقب القبض عليها، قالت الشركة إن بيل أوقفت عن العمل، فيما صرح الحزب بأن مجلس إدارته عزلها من منصبها وألغى عضويتها.
في أول جلسة محاكمة، أجريت عبر الفيديو كونفرانس، في محكمة اتحادية في مدينة نيوآرك، في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر، صدر أمر باحتجاز بيل بدون كفالة. ولم يتم تحديد موعد لجلسة استماع مستقبلية.