ساسة بوست :
أهداف طموحة للسيطرة على التجارة الهندية
ذكرت الكاتبة في مستهل تقريرها أنه في عام 1600، تقدَّمت مجموعة من التجار في مدينة لندن بقيادة سير توماس سميث، بطلب للحصول على رخصة من الملكة إليزابيث الأولى لإقامة علاقات تجارية مع دول النصف الشرقي من الكرة الأرضية. ومن ثَم تأسست شركة «تُجار لندن للعمليات التجارية في جزر الهند الشرقية» – التي اشتُهرت لاحقًا باسم شركة الهند الشرقية. والواقع أن قِلة من الناس كان بوسعهم أن يتوقعوا التغيرات النوعية في ديناميكية التجارة العالمية التي ستعقب ذلك، ولا أنه بعد 258 عامًا، ستمنح هذه الشركة السيطرة على أراضي شبه القارة الهندية للتاج البريطاني. وتساءلت الكاتبة: «كيف اكتسبت هذه الشركة أرباحها وكيف استطاعت تعزيز قوتها؟».
وفي الوقت نفسه الذي وقَّعت فيه الملكة إليزابيث الأولى على قرار تأسيس شركة الهند الشرقية عام 1600، كان نظيرها في الهند الإمبراطور المغولي أكبر، يحكم إمبراطورية تبلغ مساحتها 750 ألف ميلًا مربعًا، تمتد من شمال أفغانستان في الشمال الغربي إلى أواسط هضبة ديكان الهندية في الجنوب ومرتفعات أسام في الشمال الشرقي. وبحلول عام 1600، كانت إمبراطورية المغول قد أصبحت في أوج عنفوانها؛ إذ بدأت قوة نفوذها المركزية وهيمنتها العسكرية وإنتاجها الثقافي بالصعود، وهي السمات التي ميَّزت حكم «المغول العِظَّام». وامتلكت الحكومة المغولية ثروة ومجدًا فاق أي شيء كان يمكن أن تنتجه أوروبا في ذلك الوقت، وكانت المنتجات الطبيعية في الهند ومنتجات الحرفيين مرغوبة في جميع أنحاء العالم.
وعندما زارت شركة الهند الشرقية الحكومة المغولية لأول مرة في أوائل القرن السابع عشر، حاولت التفاوض على إقامة علاقات تجارية إيجابية مع خليفة الإمبراطور أكبر، الإمبراطور جهانجير. وكانت الشركة قد خططت في البداية لمحاولة شق طريقها إلى أسواق التوابل المربحة في جنوب شرق آسيا، لكنها وجدت أن هذه التجارة كانت بالفعل تحت سيطرة الهولنديين. وبعد قتل تجار شركة الهند الشرقية في أمبون (إندونيسيا حاليًا) عام 1623، حولت الشركة اهتمامها إلى الهند.
شركة الهند الشرقية من أهم رواد الاقتصاد البريطاني
ذكرت الكاتبة أنه بعد حصول الشركة على إذن من الإمبراطور جهانجير، بدأت في بناء قواعد صغيرة أو مصانع على سواحل الهند الشرقية والغربية. ومن هذه المواقع الساحلية نظمت تجارتها المربحة من التوابل والمنسوجات والسلع الفاخرة التي اعتمد عليها نجاحها التجاري، وتعاملت مع الحرفيين والمنتجين الهنود في المقام الأول من خلال وسطاء هنود. وازداد بعد ذلك حجم الشركة ونفوذها في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي. وعلى الرغم من عدم استقرارها الدائم، أصبحت أسهم شركة الهند الشرقية من أهم رواد الاقتصاد البريطاني وبرزت بوصفها واحدة من أقوى المؤسسات المالية في لندن.
انخراط شركة الهند الشرقية في العمل السياسي
في البداية كانت شركة الهند الشرقية شريكًا صغيرًا في الشبكات التجارية المتطورة للإمبراطورية المغولية، في القرن الثامن عشر، ثم انخرطت الشركة على نحو متزايد في العمل السياسي في شبه القارة الهندية. وناضلت من أجل الحفاظ على امتيازاتها التجارية في مواجهة تدهور سلطة المغول المركزية.
ازداد وجود المنافسين الأوروبيين في شبه القارة الهندية حينما ظهرت فرنسا بوصفها منافسًا وطنيًّا وإمبرياليًّا رئيسًا خلال حرب الخلافة النمساوية وحرب السنوات السبع. أدى ذلك إلى ازدياد الأهمية الاستراتيجية في الحفاظ على موقع الشركة في الهند على وجه الخصوص، وأصبح ساحل البلاد ذا أهمية قصوى لتحقيق مزيد من التوسع الإمبريالي في آسيا وأفريقيا. بالإضافة إلى الحفاظ على جيش نظامي كبير يتكون أساسًا من السيبوي (جنود المرتزقة الهنود المدربين على التقنيات العسكرية الأوروبية)، وكانت شركة الهند الشرقية قادرة على استدعاء القوة البحرية البريطانية وقوات المملكة المتمركزة في الهند.
ونوَّهت الكاتبة إلى أن مثل هذه المزايا العسكرية جعلت من شركة الهند الشرقية لاعبًا قويًّا في الصراعات والنزاعات المحلية. وكذلك فعل الدعم المالي الذي قدمه بعض التجار والمصرفيين الهنود الذين رأوا أن ازدياد نفوذ شركة الهند الشرقية فرصة تجارية لا ينبغي تفويتها. وبعد الانتصارات العسكرية في معركتي بلاسي عام (1757) وبوكسار عام (1764)، مُنحت شركة الهند الشرقية «ديواني» البنغال أي السيطرة على إدارة المنطقة والحق في تحصيل الإيرادات الضريبية.
وفي الوقت نفسه، وسَّعت الشركة نطاق نفوذها على الحكام المحليين في الجنوب، إلى أن تغير ميزان القوى تغيرًا جذريًّا بحلول سبعينيات القرن الثامن عشر. واستمر التوسع وهُزم المنافسون مثل شعب المراثا في غرب الهند وتيبو سلطان ميسور. وبحلول عام 1818، كانت شركة الهند الشرقية هي القوة السياسية العظمى في الهند؛ إذ فرضت سيطرتها المباشرة على ثلثي مساحة شبه القارة الهندية، وفرضت سيطرة غير مباشرة على الباقي.
تاريخ مستعمرة الاستغلال
اتسمت السنوات الأولى لشركة الهند الشرقية بسوء السمعة نظرًا إلى انخراطها في أعمال الفساد والتَّربُح. وجمع «النابوب» (الاسم الذي أُطلق على أرباب العمل في شركة الهند الشرقية تهكمًا) ثروات شخصية هائلة، غالبًا على حساب موظفيهم الهنود. ومع ذلك، شهد أواخر القرن الثامن عشر أيضًا التطور الذي أصبح فيما بعد أساسًا لولاية شركة الهند الشرقية في الهند؛ إذ سعى التجار إلى أن يصبحوا إداريين ويطوروا أنظمة حكم متوافقة مع أفكارهم الجورجية عن الاقتصاد السياسي والظروف الخاصة في الهند.
وأضافت الكاتبة أن تعداد السكان الكبير والمؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتطورة في الهند هو ما جعل الأفكار الإمبريالية حول المساحات الخالية غير قابلة للتطبيق في الهند، ونتيجة لذلك لم تحقق شركة الهند الشرقية السيطرة على موارد الأرض والعمل الذي ميز مجتمعات المستوطنين البريطانيين في كندا وأستراليا ونيوزيلندا والبحر الكاريبي. كانت الهند «مستعمرة استغلال» وليست مستوطنة؛ إذ تكمن قيمتها بالنسبة إلى شركة الهند الشرقية بشكل أساسي في الأرباح التي يمكن تحقيقها من خلال التحكم في أسواقها الداخلية والتجارة الدولية، والاستيلاء على إنتاج الفلاحين، وقبل كل شيء، تحصيل عائدات الضرائب.
المسألة الهندية
بدأت محاولات تنظيم أنشطة شركة الهند الشرقية في سبعينيات القرن الثامن عشر، مع قانون عام 1773 الذي أصدره اللورد نورث، وقانون الهند لعام 1784 الذي أصدره رئيس الوزراء البريطاني وليام بيت، اللذين سعيا إلى وضع الشركة تحت إشراف برلماني أوثق. وفي الوقت نفسه، شوهدت سلسلة من الإصلاحات الداخلية في عهد الحاكم العام تشارلز كورنواليس، في أواخر ثمانينيات القرن الثامن عشر وأوائل سبعينيات القرن الثامن عشر لإعادة هيكلة إدارة الشركة بشكل جذري من أجل القضاء على الفساد في القطاع الخاص. كان الهدف من ذلك هو تحسين صورتها العامة وزيادة كفاءة عملها في جلب العائدات. وبعد تبرئة هاستينجز وتنفيذ إصلاحات كورنواليس، حاولت الشركة إصلاح سمعتها، فسعت إلى استعادة مكانتها بوصفها حاكمًا شرعيًّا وكريمًا وسَّع حدود المجتمع المدني، وجلب الأمن للممتلكات والعدالة النزيهة إلى الهند.
تلفت الكاتبة إلى أن هناك إصلاحات تمَّت مثل: إعادة تشكيل القضاء واتفاقية التسوية الدائمة لعام 1793 (التي حددت معدل ضريبة الأرض) تحت عنوان «تحسين» المجتمع الهندي. وبررت شركة الهند الشرقية وجودها في الهند بشكل متزايد متذرعة بشعار «مهمة التحضير أو نشر الحضارة». وكانت هذه الإصلاحات تهدف في المقام الأول إلى تأمين سيطرة الشركة، وتسهيل سعي بريطانيا طويل الأمد للحصول على الثروات، وضمان ميزتها الاستراتيجية من خلال استبعاد المنافسين الأوروبيين من شبه القارة الهندية.
تميز النصف الأول من القرن التاسع عشر بالكساد الاقتصادي في الهند. وأدت الضرائب المتزايدة على الأراضي ونقص الاستثمار إلى إعاقة التنمية الزراعية. وتفاقمت المجاعات، لا سيما في البنغال (1770) وفي منطقة أغرا (1837-1838) بسبب السياسات الضريبية لشركة الهند الشرقية، وإخفاقات الإغاثة الحكومية.
لم يرضخ السكان الهنود لهيمنة شركة الهند الشرقية. وأرسل الحكام الهنود الذين جُردوا من ممتلكاتهم وفودًا عديدة إلى لندن للاحتجاج على سوء المعاملة وخرق المعاهدات من جانب الشركة، بينما كانت هناك أشكال مختلفة من المقاومة المباشرة وغير المباشرة منتشرة في جميع أنحاء البلاد. وأشار المؤرخ السير كريستوفر بايلي، إلى اندلاع قتال عام 1857 أدى إلى نهاية شركة الهند الشرقية.
واختتمت الكاتبة مقالها بالقول: في أعقاب ثورة عام 1857- التي يشار إليها غالبًا في بريطانيا باسم «التمرد الهندي»، وفي الهند باسم «حرب الاستقلال الأولى» – سارع المراقبون في بريطانيا إلى انتقاد أخطاء شركة الهند الشرقية. ولكن بعد فوات الأوان؛ إذ بمجرد قمع الثورة – بوحشية كبيرة والخسارة في الأرواح على كلا الجانبين – انتقلت سيطرة شركة الهند الشرقية على الهند إلى المملكة البريطانية، إيذانًا ببدء فترة من الإمبريالية الشديدة في الهند التي تجسدها مرحلة الراج البريطاني.
تاريخ