"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

اختراق هائل.. مقتل فخري زادة يفجر موجة انتقادات لأجهزة الأمن الإيرانية

وينظر إلى عملية اغتيال “فخري زادة” في بعض الأوساط على أنها مرتبطة بفوز “جو بايدن” في الانتخابات الرئاسية الأمريكية حيث وعد “بايدن” بإعادة أمريكا إلى الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي أثار قلق إسرائيل والسياسيين المؤيدين لها في الولايات المتحدة.

وقال مسؤول إيراني سابق، شريطة عدم الكشف عن هويته: “من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى لضرب عصفورين بحجر واحد. فمن ناحية يريد أن يخلق ذريعة للهجوم على المواقع النووية الإيرانية، ومن ناحية أخرى يريد وضع عقبة ثابتة في طريق التفاهم الإيراني الأمريكي خلال عهد بايدن.. وستتمثل العقبة في زيادة الضغوط على إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني من قبل المتشددين وتقليص مستوى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدم تبني موقف جديد تجاه الإدارة الأمريكية المستقبلية من أجل الانفراج”.

كيف تمت عملية الاغتيال؟

وبحسب وكالة أنباء “تسنيم” التابعة للحرس الثوري الإيراني، فإن الهجوم وقع الساعة 2:30 ظهرًا، بينما كان “فخري زاده” في منطقة آبسرد، بالقرب من طهران. وبينما كانت سيارته تمر بجوار شاحنة صغيرة انفجرت الشاحنة وأطلق مسلحون النار عليه.

ومع ذلك، نشرت وكالة أنباء “فارس”، وهي وكالة أنباء أخرى تابعة للحرس الثوري الإيراني رواية مختلفة قليلاً وربما أكثر دقة عن الحادث. في البداية، تم إيقاف سيارة “فخري زاده” وسيارتين تابعتين لطاقم حراسته، حيث بدأ مسلحون بإطلاق النار بشكل مستمر، ثم انفجرت شاحنة صغيرة مليئة بالأخشاب أمام السيارة.

وذكرت وكالة “فارس” أنه “بعد الانفجار، بدأ المهاجمون الذين نصبوا كمينهم إطلاق النار على سيارة العالم النووي من نقطة غير واضحة”، مضيفة أن أحد الحراس وضع سيارته أمام المسلحين لحماية “فخري زاده”، مما أدى إلى مقتله.

وسرعان ما نُقل “فخري زاده” إلى المستشفى، لكن جروحه كانت قاتلة. وقال التلفزيون الايراني الرسمي “بناء على تقارير غير مؤكدة” أنه تم القبض على أحد المسلحين.

 

 

“تذكروا هذا الاسم”

بحسب وزير الدفاع الإيراني، الجنرال “أمير حاتمي” كان “فخري زاده” مسؤولاً في مجال الدفاع النووي في وزارة الدفاع ومن بين أعماله استخدام الليزر في الدفاع الجوي أو كشف الطائرات الدخيلة بطرق أخرى غير الرادار، كما نشط “فخري زاده”، الذي كان يُدعى “السيد محسن”، في برامج الصواريخ.

وقال “حاتمي” إن مجموعة أدوات اختبار “كورونا” السريعة تم إنتاجها تحت إشراف “فخري زاده” وادعى أنه نجح أيضًا في تطوير لقاح لفيروس “كورونا”، وهو في المرحلة الأولى من التجارب السريرية.

وبالرغم من قلة معرفته نسبيًا داخل إيران، فقد اكتسب “فخري زاده” شهرة في دوائر الاستخبارات الأجنبية. ففي عام 2018، زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” أن إيران صممت حمولة نووية لصواريخ “شهاب 3” وأنها توسع نطاق الصواريخ ذات القدرة النووية التي يمكن أن تصل إلى الرياض وتل أبيب وموسكو لكنها تخطط لمدى أبعد بكثير. وعرّف “فخري زاده” بأنه رئيس المشروع وقال لجمهوره حينها “تذكروا هذا الاسم”.

في مقابلة مع قناة “كان تي في” عام 2018، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “إيهود أولمرت” أيضًا من أن “فخري زاده” “لن يتمتع بأي حصانة”. وقبل ذلك، في عام 2017، غطت قناة العربية السعودية قمة منظمة “مجاهدي خلق”، وهي جماعة معارضة مثيرة للجدل كانت مدرجة على قائمة الإرهاب الأمريكية، حيث زعمت المنظمة أن “فخري زاده” كان وراء مشروع إيران لإنتاج السلاح النووي.

وقال النائب الإيراني “فريدون عباسي”، إن “فخري زاده” نجا من هجوم مماثل قبل 12 عاما. وفي السنوات الأخيرة، اغتيل 5 علماء نوويين كبار آخرين في إيران. ووقعت عملية الاغتيال الأخيرة قبل أيام قليلة فقط من ذكرى مقتل العالم النووي “ماجد شهرياري” عام 2010.

وبينما يعتقد الكثير في إيران أن إسرائيل كانت وراء اغتيال “فخري زاده”، انتقد العديد من الإيرانيين على وسائل التواصل الاجتماعي الأجهزة الأمنية لفشلها في حماية العلماء النوويين في بلادهم. واشتكى البعض من أن أجهزة المخابرات تضيع وقتها في اعتقال الصحفيين والباحثين الأبرياء بينما يتجول الجواسيس الحقيقيون بحرية في طهران.

وكتب “شاري دهشيري” وهو ناشط إيراني، على تويتر “أنا غاضب أكثر من جهاز الأمن الذي يعتقل أساتذة الجامعات والمحامين والصحفيين بينما يرتكب الذئاب اغتيالات في وضح النهار”. وغرد مستخدم آخر باسم “إلسوليتو”: “يجب أن تجيب أجهزة المخابرات للجمهور عما تفعله بالضبط؟ ما الذي حدث بخصوص ادعاءاتكم بشأن مراقبة أعمال المخابرات؟.. عندما تبحث عن جواسيس بين نشطاء البيئة والصحفيين والمتظاهرين، تكون النتيجة كارثة اليوم، وهي اغتيال كبار الشخصيات في قلب البلاد في وضح النهار”.

في غضون ذلك، دعا الجنرال المتقاعد “حسين علي” الشخصية الإصلاحية والقائد السابق للقوة البحرية للحرس الثوري، إلى إعادة تقييم أداء الجهاز الأمني. وقال “علي”: “يجب أن ندرس ضعف هيكل الجهاز الأمني ​​الإيراني، فبالرغم من احتمال اغتيال أشخاص مثل فخري زاده وتوفير حراسه شخصية لهم، فإن العمليات الإسرائيلية ما زالت تنجح”. وأكد أن “اغتيال فخري زاده من قبل إسرائيل يشير إلى أن دائرة التجسس والعمليات الإسرائيلية ما زالت نشطة في إيران”.

في الوقت نفسه، دعا “حسام عشينة” كبير مستشاري الرئيس الإيراني وهو مسؤول استخباراتي كبير سابق، إلى ضرورة وجود “قيادة استخبارات وأمن متكاملة، وتضافر القدرات بدلاً من المنافسات المتدنية بين وكالات الاستخبارات الإيرانية”.

واتهم المتشددون في إيران الرئيس “حسن روحاني” بالتواطؤ في مقتل “فخري زاده” بعد أن سمحت إدارته لـ”يوكيا أمانو”، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بلقاء العالم المقتول.

وغرد النائب الإيراني “جواد كريمي القدوسي”، قائلا: “السيد روحاني خلال رئاستك للسلطة التنفيذية وتحت ضغط من العدو التقى فخري زاده بأمانو”، إلا أن موقع “رجا نيوز” المقرب من المتشددين، نفى مزاعم “كريمي قدوسي”. وزعم النائب الآخر “حسن شجاعي” أن مسؤولين “موالين للغرب” في إيران طلبوا من “فخري زاده” مقابلة “أمانو” لكن المرشد الأعلى “علي خامنئي” لم يسمح بذلك.

وذكر تقرير نُشر على موقع “مشرق نيوز” المتشدد عام 2014، أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية حثت إيران على عقد اجتماع مع “فخري زاده”.

 

 

إعاقة الدبلوماسية

وقال “مارك فيتزباتريك” وهو دبلوماسي أمريكي كبير سابق، على حسابه على “تويتر”: “لم يكن سبب اغتيال فخري زاده إعاقة إمكانات إيران العسكرية، بل عرقلة إمكاناتها الدبلوماسية”. ويبدو أن ذلك صحيح بدرجة ما، حيث زاد المتشددون بالفعل من الضغط على الحكومة الإيرانية.

وقال “حميد رساي” الناشط المتشدد والنائب السابق، أن إدارة “روحاني” كانت تضغط على التلفزيون الإيراني الحكومي حتى لا يصفوا “فخري زاده” بأنه عالم نووي، لأنهم يرون في هذا الاغتيال “ضربة” لـ”مشروعهم التفاوضي” مع الرئيس الأمريكي المنتخب “جو بايدن”.

علاوة على ذلك، رأى موقع “رجا نيوز” أنه “ليس من الواضح سبب استمرار إدارة روحاني الموالية للغرب في مسار التسوية الفاشلة”. وأضاف الموقع: “من الواضح أن الاستراتيجية الحالية للحكومة صورت إيران على أنها ضعيفة أمام الأعداء وأقنعهم بارتكاب جرائم ضد شعب إيران”.

ومن المقرر أن تجري إيران انتخابات رئاسية في يونيو/حزيران المقبل. في غضون ذلك، دعا الإصلاحيون والصحف المحافظة إلى الانتقام. ومن العناوين الرئيسية التي تستخدمها الصحف الإيرانية: “العين بالعين” و”إذا لم تضربهم نحن سنضرب” و”الفخ” و”الاغتيال الجبان لفخري زاده”.

وكتب الإصلاحي البارز والسجين السياسي السابق “مصطفى تاج زاده” على “تويتر”: “أدين بلا قيد أو شرط اغتيال فخري زاده. ولا شك أن نتنياهو يجب أن يكون أول متهم بهذه الجريمة ويبدو أنه لا هدف له سوى إشعال نار الحرب والصراع والإبقاء على العقوبات. يمكن لإيران ويجب عليها فضح وعزل النظام الإسرائيلي من خلال تعبئة الرأي العام العالمي ضد إرهاب الدولة الذي يمارسه”.

 

 

ماذا ستفعل إيران؟

ورداً على اغتيال “فخري زاده” أصدر المرشد الأعلى “علي خامنئي” بياناً دعا فيه إلى التحقيق في “هذه الجريمة” وملاحقة “مرتكبيها وقادتها” بكل حزم. ولم يتضمن البيان أي تعهد بالانتقام، مما يشير إلى أن “الصبر الاستراتيجي” لا يزال هو الخطة.

وقال “حسين كنعاني مقدم” القائد السابق للحرس الثوري الإيراني الذي قاد القوات الإيرانية في لبنان خلال فترة الثمانينيات: “سيظهر رد فعل إيران على هذا العمل الإرهابي بناءً على الحكمة وفي الوقت والمكان المناسبين”.

وأضاف: “إيران لن تتأثر ولن تقع في فخ الصهاينة الذين يريدون أن تفعل إيران شيئًا من شأنه أن يخلق حربًا”. وأكد “كنعاني مقدم” أن “إيران ستنتقم ممن أمروا بهذا الاغتيال في المخابرات الإسرائيلية والأمريكية”.

في غضون ذلك، يعتقد “فريدون مجلسي” الدبلوماسي الإيراني السابق في الولايات المتحدة قبل الثورة الإسلامية عام 1979، أن الجهود المشتركة لـ”نتنياهو” والرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لمنع التفاهم بين طهران وإدارة “بايدن” القادمة ستستمر.

وأضاف “مجلسي”: “من الواضح تمامًا أن إسرائيل كانت وراء عملية الاغتيال هذه لأنها تسعى إلى استفزاز إيران لمنحها ذريعة لشن هجوم عسكري أو حرب واسعة النطاق قبل نهاية رئاسة “ترامب”.

ومع ذلك، يبدو أن إيران ستواصل سياسة “ضبط النفس”، كما صرح “علي ربيع”، المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، أن إيران ستنتقم من الاغتيال، ولكن “ليس في ميدان اللعبة الذي يحدده العدو”.

 

 

المصدر |  روح الله فقيهي – ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد