ليس كل أهل الكتاب كفاراً كما أنه ليس كل المسلمين جميعاً مسلمين

بقلم :

خالد محيي الدين الحليبي 

في الواقع إنه بحث قرأني صغير وليس مقال وهو خلاصة دراسات طويلة ومعمقة في كتاب الله اكتشفنا بعدها أن أهل الكتاب من يهود ومسيحيين ليسوا جميعاً كفاراً كما يظن أكثر المسلمين وكما أن المسلمين الكثير منهم ليس بمسلم وهو يظن أنه مسلم وسنفكك هذه المعضلات الآن :

يقول تعالى : { إن الدين عند الله الإسلام}  ويقول تعالى : { ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }  ولقد ظن أكثر المسلمين أن الآية تعنيهم بالاسم فقط دون غيرهم .

ولكن بالبحث في كتاب الله تعالى وجدنا أن أنبياء الله جميعا كانوا مسلمين وأولهم قبل خلق السماوات والأرض كان سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وآخرهم نزولاً إلى الأرض وخاتمهم هو أيضاً سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ومن أسماء الله تعالى المقدم المؤخر سبحانه وتعالى يقدم من يشاء ويؤخر من يشاء وما يشاء { ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب }

وهنا سنبدأ بحثنا بإثبات ذلك من خلال كل آيات القرآن الكريم الواردة في ذلك الموضوع :

أولاً :

 أنبياء الله تعالى كلهم مسلمون :

قال تعالى في نوح (عليه السلام) :

{ إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين – يونس 72}

وقال تعالى في سيدنا إبراهيم (عليه السلام)  :

{ إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين – البقرة 131}

إبراهيم واسماعيل وإسحاق (عليهم السلام) :

{ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحدا ونحن له مسلمون – البقرة 133 }

لوط (عليه السلام) :

{ فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين – الذاريات 36}

موسى (عليه السلام) :

{ إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين – يونس 84 }

سليمان (عليه السلام) :

{ وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين – النمل 44 }

عيسى والحواريين (عليهم السلام) :

{ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ  قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ – آل عمران 52}

وبعد ذلك إذا كان كل أنبياء الله مسلمين فمن أول الخلق إسلاماً ؟! .

وهنا القرآن يجيب على هذه المسألة

إنه رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وآله بدليل قوله تعالى { وأمرت أن أكون أول المسلمين – الزمر 12 }

وقوله تعالى أيضاً : { قل إنني أمرت أن أكون أول من أسلم – الأنعام 14 }

أول من أسلم رسول الله قبل خلق السماء وذلك لقوله تعالى عن سماواته وأرضه عز وجل { أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ- آل عمران 83 }

أي أن إسلام رسول الله وخلقه كان قبل خلق السماوات والأرض و لذلك كل دعوة الأنبياء من قبل من لدن آدم وحتى بعثة نبي الله عيسى عليه السلام ورفعه تدعوا إلى كلمة ( لا إلأه إلا الله) ثم  تتضمن البشارة بنبي آخر الزمان كما يسمى ذلك لنه خاتم النبيين فمن آمن منهم بنبيه مقراً سواء كانوا يهوداً أو نصارى معترفاً بنبوة سيدنا محمد فهو مسلم ولو كان يعمل بشريعة موسى او عيسى عليهما الصلاة والسلام وذلك تدرجاً كما بين القرآن بين العمل بالحسن والأحسن كما سنبين وقد وردت البشارة به صلى الله عليه وآله في الإنجيل في قوله تعالى  { ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } وعند اليهود معرفة به كاملة قال تعالى فيها { الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم } وهذا هو إيمان المسلمين كما في قوله تعالى عن أهل الكتاب وميزان قبول أعمالهم عند الله تبارك وتعالى { فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم- البقرة} .

وسيدنا إبراهيم قد دعا لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله  من قبل في قوله تعالى { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم } وبالتالي من عمل بشريعة موسى أو عيسى مقراً بنبوة سيدنا محمد فهو مسلم عند الله  ويوم القيامة يدعى إلى كتابه فمن وجد فيه نبوة النبي محمد فهو من الفائزين ومن كفر به وحاربه فهو من الهالكين لذلك يقول تعالى عن محاكمة كل أمة إلى كتابها  يوم القيامة { كل أمة تدعى إلى كتابها} أي أنه لم يبطل الله تعالى العمل بهذه الكتب المنزلة ما بقى الليل والنهار  وذلك لقوله تعالى عن التوراة وما فيها { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور – المائدة } والإنجيل قال تعالى فيه { وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور – المائدة }

والإشكالية عند بعض أهل الكتاب بين القرآن الكريم ككتاب معجز وبين النبي محمد (صلى الله عليه وآله)  فمنهم من يعترف بمعجزة الكتاب مجافياً حق من نزل عليه هذا الكتاب ( صلى الله عليه وآله وسلم)  وهذه إشكالية تحتاج إلى تفسير لأن ذلك مجافيا للحقيقة و العقل معاً في واقع الأمر .

ثانياً :

تدرج العمل بالقرآن والتوراة والإنجيل بين الأحسن و الحسن :

عندما قال تعالى { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابها مثانى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله – الزمر} الآية فيها دليل على أن القرآن الكريم هو الأحسن وقد أمر الله تعالى باتباعه في قوله تعالى { واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } .

و بالتالي كتب الله السماوية الأخرى حسنة بدليل التحاكم إليها يوم القيامة في قوله تعالى { كل أمة تدعى إلى كتابها }. أي أن الله تعالى سيحاكمهم على ماورد فيها من تعليمات .

ويكون على ذلك الدين عند الله الإسلام هو كل مانزل به الأنبياء من قبل من يهودية ونصرانية وإسلام وأحسنهم عند الله وأعلاهم منزلة وأجراً هو القرآن الكريم يتلوها في الترتيب كتب أهل الكتاب الأخرى وهى حسنة وهذا عدل منه تعالى بشرط أن لا يقولوا على الله تعالى أن له ولد لأنه ليس من كتب الله في شيئ .

ثالثاً :

لما حكم الله تعالى بكفر من نسب لله الولد هل ترك المسلمين يعملون بالهوى وهو إله آخر مع الله وهذه جريمة أفظع وأكبر من سابقتها كما يلي :

يتشدق الخوارج بأن الله تعالى قال { لقد كفر الذين قالوا يتشدق الخوارج بأن الله تعالى قد حكم بكفر من نسب لله الولد وذلك لقوله { وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله } وهؤلاء بعضهم نسبوا لله الولد فما حكم القرآن فيمن جعل مع الله إلهاً آخر وهو الهوى فهذا أكبر جرماً من سابقه لقوله تعالى { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا – الفرقان} وبالتالي مدرسة الرأي والقياس والذين قدموا رأي سلفهم وزعموا أنهم صالحون وقدموا أراءهم على كتاب الله جريمتهم أشد ممن زعموا أن  لله الولد بدليل قوله تعالى :

{ وإذا ذكرت ربك وحده في القرآن ولوا على أدبارهم نفورا}

وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ  وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ –الزمر 45 }

{ ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير – غافر} .

وهنا بين تعالى أن تقديم آراء الرجال وزعم أنهم سلف صالح فهذا كفر لجعل رجالهم حكاماً على كتاب الله بعد أن عملوا بالهوى والرأي في مقابل النص وهذا شرك لأنهم شرعوا من الدين مالم يأذن به الله كما في قوله تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله – الشورى} .

ونقول هذا لإثبات أن الخروج على كتاب الله تعالى حتى ولو كان باسم الدين الإسلامي وتحت شعار الإسلام فهو ليس إسلاماً أيضاً وذلك لأنه يدخل في نطاق التحاكم إلى الطاغوت بالهوى و الرأي في مقابل النص الدين قال تعالى { يريديون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به – النساء } .

وهنا الأمر شائك لأننا نتكلم عن حكم طائفة ترفع شعار الدين معلنة أنها أشد تمسكاً بالدين وهم في واقع الأمر يعملون بالرأي في مقابل القرآن الكريم فخرجوا من الدين بعد أن زعموا أنهم على الدين وهذا فعله المنافقون الأوائل حينما قال تعالى فيهم { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم – المائدة} .

وهنا نكون قد أثبتنا بأن البشر عند المحاكمة أمام الله تعالى سواءاً بسواء فمن أطاع نبيه وتولى محمداً (صلى الله عليه وآله) مقرأ بنبوته ولو عمل بالتوراة و الإنجيل فهو عند الله من المسلمين ومن عمل بالرأي والهوىفي مقابل النص القرآني فليس من المسلمين حتى ولو كان منهم بل وهذا زعم باطل قال تعالى فيه  { ألم ترى إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريديون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيد – النساء }

ولإثبات أن الناس أمام الله سواء بسواء قضية الجزية المفروضة على أهل الكتاب فهى ضريبة للدولة نظير حماية وخدمات في مقابلها الزكاه المفروضة على المسلمين لإدارة الدولة وضرائب غير مرهقة ومحسوبة وفق مايحصل عليه الفرد من دخل وليست جزافية أو انتقامية لتحقيق التوازن بين الفقراء و الأغنياء وإدارة الدولة وليس التربح من خلال مناصب حكامها بعد أن يندسوا بين الحكم والجباية زاعمين أنه حق الدولة ثم يسلبوا المواطنين أموالهم من كل الديانات والطوائف  وهذه الجزية أو الضريبة على جميع القاطنين في الدولة يتم بإشراف الحكومة  نفسها لتحقيق العدل بين الناس والصدقات و حتى الكفارات على المسلمين وغيرهم من القتل الخطأ حتى أرش الخدش يدخل في نطاق تحقيق العدل والمساواة بين المواطنين .

و كل ذلك روافد مالية للدولة كي تستطيع حكومتها تحقيق العدالة بين مواطنيها وليس الانتفاع وتحقيق الأرباح والمصالح الشخصية للمسؤلين من جيوب المواطنين كما نرى الآن من ظلم بشع وانتهازية غير معهودة في بلاد العرب والمسلمسن خاصة دوناً عن بقية دول العالم حتى   الديانات الأرضية لم تفعل ما تفعله حكومات المسلمين بشعوبهم إلا مارحم الله {وقليل ماهم} .

وبالتالي الجزية أو الزكاة والضرائب الغير فادحة روافد مالية للدولة نظير تقديم خدمات ملموسة للمواطنين دون تفرقة في ديانة أو لون أو جنس  حتى تستطيع إدارة أمورها باحترام لجميع الطوائف والديانات والمذاهب نظير الحماية  والخدمات التعليمية والصحية وغيرهما كأي نظام في أي دولة فمن كان مبغضا محارباً فتؤخذ منه وهو صاغر وبالمقارنة بشرائع غيرنا فلديهم “الفكر القيامي” الذي يحرم حتى الطعام في أواني المحاربين أو الإبقاء عليهم أحياء أو أزواجهم وذراريهم وما استعملوه من أواني ومتاع ودواب فأيهما أعدل ؟!! .

ستجد حكم القرآن الكريم  كان أكثر عدلاً  مع خصومه من غيره الذين قدموا الرأي على النص الإلهي المنزل وهو أكثر عدلاً و منطقية ورفعا لإصرهم والأغلال التي كانت عليهم من قبل ومن لم يكن محارباً فتؤخذ منه بكل أدب واحترام لأنه في هذه الحالة يخدم قومه وبلاده بالفعل بما سيعود عليهم جميعاً بالمنفعة و هذا حكم الله تعالى و ليس حكمنا أو عملاً بأهوائنا .

قال تعالى أخيراً

{ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ  قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ  وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ  فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ  الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ   فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ  أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ  فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ   – الأعراف 156-157}

هذا وبالله التوفيق وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

خالد محيي الدين الحليبي

 

 

 

About leroydeshotel

Check Also

من تفسير “البينة” : لماذا قال الأنبياء من قبل لقومهم (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) و في أمتنا آخر الأمم (عذاب يوم كبير)  

لماذا قال الأنبياء من قبل لقومهم (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) و في أمتنا …