MCD :
مونت كالرلو :
في اجتماع عاصف جرى داخل جهاز “الموساد” الإسرائيلي في مقره بتل أبيب، مؤخراً، بحضور مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى، تم البحث في استراتيجية رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لتعطيل برنامج إيران النووي. وأوصى المجتمعون بعدم الاكتفاء بضرب المصالح الإيرانية في الأراضي السورية والعراقية بل التوسع بتوجيه ضربات إلى مواقع داخل إيران نفسها.
على الرغم من أن إسرائيل تلتزم الصمت، عادة، عند تنفيذ عملياتها ضد المواقع الإيرانية داخل الأراضي السورية، فإن التفجير الذي حدث في منشأة “نطنز” النووية الإيرانية، بالإضافة إلى الحرائق في أماكن عدة داخل الأراضي الإيرانية، دفع المسؤولين الإسرائيليين إلى التفاخر بالضربات الموجهة إلى طهران في الفترة الأخيرة، دون الاعتراف رسمياً بذلك.
إنها بوادر تغييرات استراتيجية في محاولات إسرائيل المستمرة والدؤوبة لوقف تطوير برنامج إيران النووي. وهو دور يعتمد عليه بنيامين نتنياهو لكسب شعبيته داخل البلاد وخارجها.
تحمل هذه الاستراتيجية الجديدة اسم “سياسة الأذرع الخمس”. وهي تقوم على تنشيط الأسلوب السياسي بشكل أساسي، وليس العسكري فحسب. أي أن تمارس إسرائيل شتى الضغوط الدولية على إيران لوقف برنامجها النووي. هذا مع الإيمان بأن نظام العقوبات الاقتصادية الصارم عليها سيؤدي في النهاية إلى انهيار اقتصادها. وهو أمر من شأنه أن يشجع المعارضة الإيرانية على مزيد من التحرك والقيام بعمليات تهزّ استقرار البلاد، مثل إشعال الحرائق وتنفيذ تفجيرات في المرافق المدنية والعسكرية. ولا تخفي تل أبيب سعيها لتجنيد عملاء لـ “الموساد” ينتمون إلى عناصر من المعارضة الإيرانية، وليس شرطاً أن يكونوا يهودا، للقيام بعمليات اغتيال في الداخل.
يجري تحديث شعبة “تسوميت”، وهي إحدى الوحدات المهمة في “الموساد”، ومهمتها تفعيل العملاء وتدريبهم لاغتيال قادة الخصوم بشكل آلي، بغض النظر عن أهميتهم. وكذلك الاعتماد على سياسة الإنهاك التي تعني نقل الحرب من جبهة إلى أخرى، ومن أرض الى أخرى، واستنزاف كل قدرات الخصم على مراحل متدرجة. وبهذا تجد “الدولة العدوة” نفسها تقاتل على جبهات متعددة وهي محاصرة بـ “ضباع” محليين من كل الجهات. كما تقوم هذه السياسة على التخطيط لتسخين جبهة وتهدئة جبهة أخرى، اي استمرار إدارة الأزمة وليس حلها، على غرار ما يحدث في سوريا والعراق وليبيا وتونس ومصر واليمن وحتى حركة “حماس”.
لتحقيق جزء من هذه الاستراتيجية، تعتمد إسرائيل على الولايات المتحدة الأميركية. وعلى بعض الدول الخليجية، هذا مع العلم بأن الإسرائيليين لا يعولون بالكامل على الرئيس الحالي دونالد ترامب. فترامب قادر على توقيع اتفاق مع إيران في أي لحظة. إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يعتقد أنه بالإمكان إضافة ذراع سادسة وهي إرسال طائرات حربية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، على غرار ما فعلته مع العراق بعملية مفاجئة في 1981، أسفرت عن تدمير المفاعل النووي العراقي “تموز”. يومها، أعلن مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، صراحة، أن الهجمة على المفاعل العراقي ليست حالة شاذة، وأن إسرائيل يمكنها تكرار ذلك.
إن أكبر تخوف لدى المسؤولين الأمنيين هو نجاح إيران في تطويق إسرائيل عبر سوريا ولبنان، بمساعدة حزب الله، معتمدة أيضاً على حلفائها في العراق، و”حماس” في غزة.
فقد يمكن لطهران أن تعطي الأوامر لهؤلاء الحلفاء بإطلاق صواريخ حديثة نحو إسرائيل مثلما حدث في حرب تموز/ يوليو من عام 2007. ففي تلك الحرب أطلق حزب الله مئات الصواريخ على شمال إسرائيل، مما اضطر نصف السكان إلى مغادرة المنطقة والهروب إلى مركز البلاد وجنوبها.
لكن الهدف النهائي لاستراتيجية “الأذرع الخمس” هو إنهاك إيران وتآكلها ببطء على المدى الطويل، وليس تدميرها بالكامل لأن أسلوب الحروب التقليدية صار قديماً، والجديد هو الجيل الرابع من الحرب.
وهذا ينطبق على دول جبهة المقاومة لإسرائيل، أو الدول العربية بشكل عام، ذلك أن تل أبيب تعتمد سياسة تقوم بمجملها على افتعال مشاكل اقتصادية ونقص في حاجات الناس اليومية وتخريب المدن الرئيسية بشكل تدريجي، وصولاً إلى تحويل المواطنين إلى “قطعان هائمة”، حسبما وصفته الصحف الإسرائيلية.