الخليج الجديد :
شرع وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” في 9 سبتمبر/أيلول، في رحلة تستغرق 3 أيام إلى غرب أفريقيا، تضمنت مالي والسنغال وغينيا بيساو. وخلال رحلته، شدد الوزير على دعم تركيا لعملية الانتقال التي أعقبت الانقلاب في مالي، وأبرم صفقات تجارية متعلقة بالبنية التحتية مع غينيا بيساو، وأكد التزام تركيا بالمشاركة مع المؤسسات المتعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بشأن معالجة التحديات الأمنية في منطقة الساحل.
وبالرغم أن مشاركة تركيا في غرب أفريقيا أقل أهمية من تدخلها العسكري في ليبيا والاستثمارات واسعة النطاق في الصومال، فقد أولت أنقرة اهتمامًا كبيرًا للمنطقة منذ أن زار الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” موريتانيا ومالي والسنغال في مارس/آذار 2018.
تستفيد تركيا من المشاركة الحذرة عبر إمدادات المساعدات الإنسانية ومبادرات مكافحة الإرهاب، من أجل كسب تعاون دول غرب أفريقيا في حملة “أردوغان” العالمية ضد تنظيم “جولن” الذي تتهمه تركيا بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، وأيضا لإضعاف خصوم أنقرة الجيواستراتيجيين، فرنسا والإمارات.
ومنذ الانقلاب في مالي عام 2012، والذي أدى إلى تفاقم عدم الاستقرار في منطقة الساحل،انتقدت أنقرة تدخلات فرنسا فيما دعمت مبادرات تعزيز الاستقرار التي تقودها أفريقيا، مثل تلك التي تقودها مجموعة دول الساحل الخمس (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتشاد).
في يناير/كانون الثاني 2013، أدانت وزارة الخارجية التركية تدخل فرنسا في عملية “سيرفال” لمكافحة الإرهاب على أساس أن مجلس الأمن الدولي لم يقر سوى التدخل بقيادة أفريقية وأن “الإجراء الأحادي الجانب” الفرنسي سيحرم الماليين من السيطرة على مستقبلهم السياسي. كما أعربت وسائل الإعلام التركية عن مخاوفها بشأن استخدام فرنسا لعمليات مكافحة الإرهاب كوسيلة لتوسيع نفوذها على مستعمراتها السابقة، مثل مالي والنيجر.
وبالرغم أن التوترات بين فرنسا وتركيا تؤثر بلا شك على موقف أنقرة بشأن أمن الساحل، فقد اتخذت تركيا أيضًا خطوات لتعزيز الحلول التي تقودها أفريقيا. في سبتمبر/أيلول 2017، انخرطت تركيا في اتفاقيات مع نيجيريا للحد من تدفق الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية.
وخلال زيارته إلى موريتانيا في مارس/آذار 2018، تعهد “أردوغان” بتقديم 5 ملايين دولار كمساعدة مالية لجهود مكافحة الإرهاب في كتلة مجموعة الدول الخمس. وقد أدت هذه المبادرات إلى توثيق التعاون الأمني الثنائي بين تركيا ودول الساحل. وفي 26 يوليو/تموز، وقعت تركيا اتفاقية تعاون عسكري مع النيجر، من شأنها أن تسمح بالتعاون الثنائي ضد الانتشار المحتمل لعدم الاستقرار من ليبيا إلى غرب أفريقيا.
واستكملت تركيا توسعها الأمني في بلدان الساحل بإمدادات مساعدات إنسانية معلنة. وكثّفت أنقرة حملة القوة الناعمة هذه في الأشهر الأخيرة، حيث أدى التأثير المشترك للحرمان الاجتماعي والاقتصادي والعنف السياسي ووباء “كورونا” إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة.
وفي مايو/أيار، قدمت وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” مساعدات إلى غامبيا للتخفيف من نقص الغذاء في البلاد. وفي 17 يونيو/حزيران أعلنت تركيا أنها ستشحن مجموعة واسعة من المعدات الطبية، بما في ذلك 50 ألف قناع جراحي و 30 ألف قناع من نوع “إن 95” و 2000 نظارة واقية، إلى النيجر وتشاد.
وتماشياً مع الجهود العالمية التي تبذلها تركيا لكبح نفوذ أتباع “جولن”، استفادت أنقرة من علاقاتها المتينة مع دول الساحل لتقويض المؤسسات التعليمية التابعة “لجولن”. وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، أعلنت تركيا أن السنغال ستغلق 12 مدرسة تابعة “لجولن”، حيث تحسنت العلاقات الثنائية بين البلدين، وشدد “أردوغان” على تعاون السنغال في النضال ضد أتباع “جولن” خلال زيارته عام 2018.
وكانت تشاد أيضًا شريكًا متجاوبًا مع جهود تركيا المناهضة لـ”جولن”، وقد طالب السفير التركي في نيجيريا “مليح أولو أرين” أبوجا بإغلاق مدارس “جولن”، كجزء من حملة ثنائية أوسع ضد الإرهاب. وعرضت تركيا التعاون التعليمي كحافز لإغلاق مدارس “جولن”. ولمكافأة غينيا بيساو على امتثالها لهذه القضية، وقعت تركيا اتفاقية تعاون تعليمي مع البلاد خلال زيارة “جاويش أوغلو” في 10 سبتمبر/أيلول.
بالإضافة إلى مساعدة حملة “أردوغان” ضد تنظيم “جولن”، فإن تواصل أنقرة مع دول الساحل له أهداف جيواستراتيجية، حيث تسعى تركيا إلى الالتفاف حول فرنسا ومواجهة الإمارات في غرب أفريقيا.
وتجلت رغبة تركيا في تحدي مصالح فرنسا، من خلال رد فعلها على انقلاب مالي. ففي تناقض صارخ مع إدانات فرنسا لانقلاب مالي ومعارضة أنقرة للإطاحة بالرئيس “محمد مرسي” في مصر عام 2013، أكدت تركيا على الحاجة إلى استعادة الديمقراطية ودخلت في حوار مع السلطات الانتقالية في مالي.
ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لفرنسا في مالي بعد الانقلاب، بسبب تحالف فرنسا القوي مع الرئيس المخلوع مؤخرًا “إبراهيم بوبكر كيتا”، التقى “جاويش أوغلو” بأعضاء اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب، التي دبرت انقلاب مالي. بالإضافة إلى الاستفادة من تراجع النفوذ السياسي الفرنسي في مالي، تسعى مبادرات تركيا في قطاع التعدين في النيجر إلى تقويض الهيمنة التجارية لشركة الطاقة النووية الفرنسية “أريفا”.
وتنظر الإمارات أيضًا إلى نفوذ تركيا المتزايد في منطقة الساحل بخوف. وقد حذر تقرير صدر في 24 أغسطس/آب عن مركز الإمارات للسياسات، وهو مركز أبحاث مقره أبوظبي، من أن الوجود التركي الموسع في غرب أفريقيا “قد يؤدي إلى تفاقم التوترات في المنطقة” وأعرب عن قلقه بشأن رعاية تركيا المزعومة للإرهاب في منطقة الساحل.
وتهدف المساعدة الإنسانية التركية أيضًا إلى مواجهة المساعدات المماثلة من الإمارات، والتي تضمنت شحنة 6 أطنان من المساعدات المتعلقة بالوباء إلى النيجر ومنحة مساعدة تنموية بقيمة 2 مليار دولار لموريتانيا تمت الموافقة عليها في فبراير/شباط.
ونظرًا لأن وسائل الإعلام المتحالفة مع الإمارات قد أعربت عن قلقها من أن تركيا يمكن أن تؤسس موطئ قدم عسكري في النيجر لمساعدة حكومة الوفاق الوطني الليبية، فمن المتوقع أن تكون منطقة الساحل مسرحًا ناشئًا للتنافس التركي الإماراتي في الأشهر المقبلة.
وبالرغم أن قدرة تركيا على ممارسة نفوذها الجيوسياسي في منطقة الساحل تتضاءل مقارنة بالقوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، فمن المرجح أن تركز أنقرة بشكل أكبر على غرب أفريقيا باعتبارها جزء من استراتيجيتها الحالية.
ومع تفاقم التوترات بين تركيا وفرنسا والإمارات في شرق البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا، يجب أن نراقب عن كثب امتداد هذه المنافسة إلى غرب أفريقيا في الأشهر المقبلة.