DW :
آلاف الشركات الألمانية التي تمتلك فروعاً لها في أمريكا باتت قلقة على مصالحها، لأن الرئيس ترامب علق إصدار تأشيرات عمل جديدة للكفاءات الأجنبية حتى نهاية العام الحالي. هل يساعد الرئيس بذلك الأمريكيين فعليا؟
كل شيء سار بشكل مختلف عما كان يتخيله شتيفان هيفنر. كان الشاب البالغ من العمر 39 عاماً يخطط للعمل على توسيع نطاق بيع الأجهزة الطبية الألمانية ريشارد فولف في الولايات المتحدة الأمريكية. قبل عام ونصف، انتقل هيفنر إلى شيكاغو لهذا الغرض. وهذا العام كان يسعى إلى كسر حاجز المبيعات ليتجاوز 100 مليون دولار. لكن فيروس كورونا أفسد كل أعماله وانخفض حجم مبيعات الشركة إلى 60 في المائة. يرى مدير الشركة المتخصصة في بيع أجهزة التنظير الطبية أن خسارة بهذا الحجم “لا يمكن تعويضها بسهولة”.
فيروس كورونا ليس مشكلة هيفنر الوحيدة، بل تعاني شركته مثل العديد من الشركات الألمانية الأخرى، من القيود الجديدة التي فرضتها الحكومة الأمريكية على تأشيرات/ الفيزا. بعد فقدان ملايين الأمريكيين لوظائفهم خلال الأزمة، قرر الرئيس الأمريكي دوناد ترامب حماية سوق العمل المحلية من المهاجرين والأجانب. لذلك، لن يتم حتى نهاية العام إصدار تأشيرات اتش1-بي الرائجة في قطاع الصناعات التكنولوجية، إضافة إلى تأشيرات “إل” التي تعتمدها الشركات لنقل عمال مقيمين خارج البلاد إلى مقارّها في الولايات المتحدة. بهذه الخطوة يريد ترامب تأمين 500 ألف وظيفة للمواطنين الأمريكيين. تواجه شركات مثل شركة فولف، التي تعتمد على المتخصصين الأجانب، تحديات كبرى بسبب قرار تعليق إصدار التأشيرات.
غياب اليد العاملة المتخصصة
تعاني فروع الشركات الألمانية على وجه الخصوص في الوقت الحالي من اليد العاملة المتخصصة. في الولايات المتحدة يوجد في الوقت الحالي ما مجموعه4.800 شركة ألمانية. تخلق هذه الشركات770 ألف وظيفة، وتشكل بهذا ثالث أكبر المشغلين الأجانب في البلاد. ويتم نقل آلاف المتخصصين الذين يدعمون الإنتاج والعمل إلى مقار هذه الشركات في الولايات المتحدة كل عام. تحتاج شركات تصنيع السيارات مثل فولكسفاغن أو دايملر إلى متخصصين من خارج البلاد بسبب افتقار الولايات المتحدة إلى اليد العاملة في بعض التخصصات المهنية المتطورة مثل هندسة الميكاترونيكس. بالنسبة لشركة كرونينغر/Groninger في شارلوت بولاية نورث كارولينا الأمريكية، يعني تعليق ترامب منح التأشيرات إلى توقف عشرات المشاريع. وقال رئيس الولاية هاينر دورنبرغ في مؤتمر عبر الإنترنت عقده مؤخرا مع وفد الاقتصاد الألماني في واشنطن: “العديد من الأنشطة معقدة للغاية لدرجة أننا لا نستطيع الآن إنجازها من دون المتخصصين الألمان لدينا”. عادةً ما تقوم الشركة التي يعود أصلها إلى مدينة كرايلسهايم الألمانية في بادن-فورتمبيرغ بتركيب أنظمة التصنيع الكبرى في الشركات المصنعة للأدوية ومستحضرات التجميل في الولايات المتحدة وهناك حاجة دائمة إلى متخصصين ألمان لهذا الغرض في مقار الشركات.
“ستكون سنة صعبة“
تعتمد شركة الصلب بيستر/ Bestar في ولاية جورجيا ومجموعة شركات المكانيك الإلكترونية فيتنشتاين/ Wittenstein في ولاية إلينوي على الفنيين من ألمانيا أيضاً. ومنذ أشهر اضطرت هذه الشركات للاستغناء عن الخبرة الألمانية. قصة مماثلة لما حدث مع شتيفان هيفنر، الذي يعاني بشكل متزايد من قرار تعليق إصدار التأشيرات. ضاعفت أزمة كورونا من معاناة رئيس شركة فولف للتكنولوجيا الطبية ، كما يقول هيفنر مضيفا بأن المبيعات انخفضت لأنه الطلب على الأجهزة في حده الأدنى حاليا في الولايات المتحدة. ومن أجل علاج مرضى كورونا، تم تأجيل العمليات الجراحية التي كان مخططاً لها مثل عمليات إزالة حصى المرارة عدة أشهر. من ناحية أخرى، يذكر هيفنر أنه لم يتمكن من نقل إنتاج شركته من ألمانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية كما تم التخطيط له و يقول: “ستكون بالتأكيد سنة صعبة بالنسبة لنا”.
وصلت مهمة توسع هيفنر إلى طريق مسدود في الوقت الحالي. نظراً لأن الولايات المتحدة هي أكبر سوق للأجهزة الطبية في العالم، فقد أرادت شركته نقل معظم تصنيعها من بادن فورتمبيرغ إلى شيكاغو. لهذا الغرض، تم الاستثمار في الموقع والموظفين. غير أن أي من المتخصصين لديها لم يحصل على تصريح عمل أمريكي، يرى المدير أنه عام مظلم كما يقول: “ببساطة لا يمكنني جلب متخصصين يدعموننا ويدربوننا هنا”.
تسمع هيلده هولاند الآن مثل هذه القصص كل يوم. المحامية، التي تشغل أيضاً منصب عضو في مجلس إدارة غرفة التجارة الألمانية الأمريكية، تعيش وتعمل في مدينة نيويورك منذ 25 عاماً، وتقول إن الوضع بالنسبة للمتقدمين للحصول على تأشيرة لم يكن بهذا السوء من قبل “إنها كارثة مطلقة للشركات”.
“دعاية انتخابية واضحة“
في الوقت الحالي يتم رفض جميع طلبات التأشيرات، حتى تلك التأشيرات الطارئة لا يتم الموافقة على جميعها. وتقول الخبيرة المختصة في الشؤون القانونية أن التعليق لم يقتصر على تأشيرات اتش1-بي و تأشيرات “إل”. وأنه نظراً لأن جميع القنصليات الألمانية مغلقة، لم يعد من الممكن حتى التقدم بطلب للحصول على تأشيرة مستثمر أو بطاقة خضراء. وترى هولاند بأن قرار ترامب بشان الفيزا خطوة لها دوافع سياسية: “هذه دعاية انتخابية واضحة”.
ولا تعتقد هولاند أن تستعين الشركات بعدد كبير من الأمريكيين وترى أن المناصب ستظل شاغرة. المناصب الإدارية رفيعة المستوى على وجه الخصوص، والتي تحتاج إلى خبراء ذوي سنوات طويلة من الخبرة في الشركات الأم في ألمانيا، لن يتم شغلها ببساطة من قبل المواطنين الأمريكيين. وبدلا من ذلك تفترض المحامية أن “الشركات ستلجأ إلى التواصل مع المتخصصين لديها عبر مكالمات الفيديو”.
علي النقيض من ذلك، سيوظف هيفنر أمريكيين، لأنه يريد المضي قدما في توسيع موقع الشركة في شيكاغو، كما يقول: “نريد إنتاج وخلق فرص عمل هنا، ليس فقط لنا، ولكن أيضاً للشركات المحيطة بنا”. لا يمكن نقل الإنتاج الآن بسبب تجميد منح التأشيرات، ولا يمكن إنشاء وظائف جديدة. إذ أنه اضطر إلى التخلي عن بعض الموظفين في بداية يوليو/ تموز، لأن الشركة لا تحقق أرباحاً. كما لا يتوقع هيفنر أي تقدم في قرار إصدار التأشيرات حتى العام المقبل. حتى ذلك الحين، عليه أن يأجل أهداف زيادة مبيعاته.
حاليا انخرط الشاب في المعركة ضد وباء كورونا وفي القريب لن يظل استخدام الأجهزة ذات التدخل الجراحي البسيط من شركة ريتشارد فولف مقتصراً على عمليات إزالة حصوات المرارة والزائدة، بل ستسخدم أيضا في العلاج طويل الأمد لمرضى فيروس كورونا الذين يعانون من أضرار وتلف في الرئتين بسبب الفيروس.
زابرينا كيسلر/ إ.م