”لا أرغب في طفل“، هكذا تقول سارة، السيدة البالغة من العمر 38 عاما والمتزوجة منذ ثماني سنوات. رغم رضاها عن علاقتها الزوجية، إلا أن المواطنة الإيرانية وفي حوار مع DW، ترفض فكرة الإنجاب بوضوح مشيرة إلى أن السبب ربما يعود “إلى عدم استعادتي لكامل عافيتي من المنافسة المستمرة في حياتي“.
وبالنسبة للمرأة الشابة التي تعيش في العاصمة طهران وتعمل بشركة لتصنيع المواد الغذائية، لا يعد المال المشكلة. بل هي ترى نفسها ضمن الجيل الذي شهد ”طفرة في المواليد“ وهوالجيل الذي أعقب قيام الثورة الإيرانية عام 1979. ففي ثمانينات القرن الماضي، سجلت إيران أعلى معدلات الإنجاب في العالم ما أدى إلى نمو سكاني ضخم..
بلغ تعداد السكان في إيران عند قيام الثورة الإسلامية 37 مليون نسمة، وقبل ذلك كان تنظيم الأسرة هو القاعدة المتبعة. لكن سرعان ما تغيرت الأمور بحكم أن النظام ذي المرجعية الدينيةيرفض قانون تنظيم الأسرة باعتباره مخالفا لتعاليم الدين الإسلامي، كما أن ذلك يخالف أيضا طموحات الملالي في دولة قوية غزيرة بالسكان ومهيمنة في الشرق الأوسط.
وخلال حربها الطويلة ضد العراق بثمانينات القرن الماضي، شجعت السلطات الإيرانية النساء على الإنجاب. ولدت سارة وشقيقاتها الثلاثة في تلك الفترة. وهي تحكي عن طفولتها قائلة: “عشنا بمنزل كبير وجميل له حديقة، ولكن خارج منزلنا كل شئ كان ضيقا، في دور الحضانة والمدارس، لم تكن هناك مساحة كافية تساع أبناء جيلنا، حتى أن المدارس اعتمدت نظام الدوام لاستيعاب جميع الطلاب“.
كانت تلك البداية بالنسبة لسارة التي سرعان ما أدركت هي وجيلها أن المنافسة ستكون محمومة في جميع القطاعات، وتقول: ”مازال لدى شعور بعدم الأمان. أخشى أن يظهر شخص أكثر كفاءة مني ويأخذ وظيفتي“.
بين كر وفر
في الأربعين سنة الماضية، تضاعف عدد سكان إيران إلى 84 مليون نسمة. الملفت أنه ورغم الموقف الرسمي من تدابير تنظيم الأسرة، إلا أنه وفي شهر ديسمبر/ كانون الأول من عام 1988 مهدت المحكمة العليا الطريق لبرنامج حديث يروج لتنظيم الأسرة مع الإعلان عن أن الأمر “متناغم تماما” مع تعاليم الدين الإسلامي. كما تمّ وضع برنامج جديد بمعدل ثلاثة أطفال للأسرة الواحدة. كما شجعت الحكومة توزيع وسائل منع الحمل، وأتاحت الإستشارات بذلك الشأن في جميع أنحاء البلاد. ونجحت الخطة بالفعل، فبحلول عام 2010 انخفض معدل الإنجاب للسيدة الواحدة من 5.1 إلى 1.7، وهو ما استمر حتى يومنا هذا.
تراجع ملحوظ لنسب الولادة في إيران.
ومع ذلك كان القائد الأعلى للثورة الإيرانية أية الله خامنئي دائما ما ينتقد معدلات الإنجاب المنخفضة في بلاده، متحدثا عن 150 مليون نسمة كرقم يرجى الوصول إليه. وفي عام 2012، قطع المرشد الأعلى تمويل برامج التوعية بتنظيم الأسرة وخدمات منع الحمل معلنا بعد عامين، زيادة معدلات الإنجاب في البلاد كـ”هدف استراتيجي“ قومي.
شهدت معدلات الإنجاب السنوية خلال الأعوام الأخيرة إنخفاضا مستمرا، وفقا لصحيفة طهران تايمز الإيرانية. وسجلت الفترة ما بين مارس 2016 ومارس 2017 ولادة 1.48 مليون طفل، بينما شهد العالم التالي إنجاب 1.36 مليون طفل، ليصل الرقم لاحقا إلى 1.2 مليون طفل، الأمر الذي يعني إنخفاضا ثابتا بمعدل مئة ألف طفل سنويا.
تدابير غير كافية
ومنذ ذلك الحين، تم تقديم مجموعة تدابير ”صديقة للأسرة“ تتضمن تمديد فترة إجازة الأمومة لتسعة أشهر. كما للمرأة الحامل الحق في الحصول على إجازة مرضية لدى الحاجة مقابل تقديم شهادة طبية، فضلا عن تقديم تسهيلات للحصول على قروض ووظائف للأسر التي لديها أطفال.
وتصاحب هذه التدابير جهود دعائية ضخمة من قبل وسائل الإعلام الرسمية والمؤسسات التابعة لها، بما في ذلك الجامعات. إلا أن كل هذا ليس كافيا، في بلد يبلغ متوسط عمر غالبية سكانه حوالي 31 عاما. فالكثير من الشباب لا يمكنهم تصور فكرة تكوين أسر وإنجاب العديد من الأطفال.
ومع حركة النزوح الضخمة من الأرياف إلى المدن المزدحمة، ناهيك عن استمرار العقوبات الأمريكية والإنتشار المهول لوباء كورونا، لا يمكن للشباب الإيراني على غرار سارة تخيل فكرة إنجاب طفل في ظل هذه الأوضاع.
شبنام فون هاين/ د.ب