أفاد مساعد لطبيب “الغلابة” في مصر، محمد مشالي، الذي وافاه الأجل صباح اليوم، بأن الراحل حدثه مرارا عن أمنيته أن يلقى ربه واقفا على قدميه وهو يخدم المترددين على عيادته من الغلابة.
ونقلت صحيفة “اليوم السابع” تعليقا لهاشم محمد، مساعد الراحل الدكتور محمد مشالي قال فيه إن “هذه الأمنية كان يطلبها من الله دائما، وحقق الله له أمنيته”.
ولفت مساعد الفقيد أن الراحل محمد مشالي “سخر وقته وعمره لخدمه الفقراء، وكان ينفذ وصية والده الذي أوصاه بأن يكون عونا وسندا للفقراء طوال عمره”.
وقال طبيب “الغلابة” الراحل عن نفسه في مقابلة صحفية أجريت في وقت سابق: “أنا طبيب بشرى نشأت في بيئة متواضعة، وتخرجت من كلية طب القصر العينى في عام 1967”.
وافاد في اللقاء الصحفي بأنه “وهب علمه ليكون طبيب الغلابة، حيث يدفع المريض مبلغا رمزيا لا يتجاوز الجنيهات، ليكون سببا في علاج ملايين المصريين الذين لا يقدرون على مصروفات الكشف والأدوية”.
وكشف محمد مشالي حينها أن والده “وهو على فراش الموت أوصانى خيرا بالفقراء، وبمرضى الفقراء”.
ورُوي أن الفقيد في تلك المقابلة بكى حين تذكر واقعة مؤلمة عاشها، وقصّ وقائعها بقوله: “جاء لى طفل صغير مريض بمرض السكري وهو يبكى من الألم ويقول لوالدته أعطينى حقنة الأنسولين، فردت أم الطفل لو اشتريت حقنة الأنسولين لن نستطيع شراء الطعام لباقى أخواتك، ولا زالت أتذكر هذا الموقف الصعب، الذى جعلنى أهب علمى للكشف على الفقراء”.
قال عنه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، إنه “ضرب المثل في الإنسانية”، ودعا له بأن ينال منزلة النبيين والصديقين والشهداء.
إنه الطبيب المصري الدكتور محمد عبدالغفار مشالي، المعروف بلقب “طبيب الغلابة“، ووافته المنية، الثلاثاء، عن عمر ناهز الـ76 عاما.
منذ تخرجه من كلية الطب بجامعة القاهرة عام ١٩٦٧، تخصص في الأمراض الباطنة وأمراض الأطفال والحميات، وعمل بالوحدات الريفية كي ينفق على أشقائه الخمسة عقب وفاة والده، وبعد 8 سنوات تزوج من طبيبة كيميائية وأنجب 3 أبناء تخرجوا جميعا في كلية الهندسة، وبعدما توفي شقيقه ترك له 3 أطفال في المرحلة الابتدائية، تكفل بهم “طبيب الإنسانية” جميعًا حتى تخرجوا في جامعاتهم.

رهن الدكتور محمد عبدالغفار مشالي نفسه لخدمة الفقراء، فلم يكتف بمقابل زهيد وصل في أعلى مراحل الغلاء إلى 10 جنيهات فقط، بينما يتقاضى من هم أقل منه علما وشأنا ألف جنيه في بعض الأحيان مقابل الكشف الواحد.
تحول طبيب الغلابة إلى أيقونة للفقراء والإنسانية والضمير الحي، الأمر الذي دعا البعض إلى الاستفسار عن الدوافع التي تقف وراء هذه الشخصية الأسطورية.
شخصيات رهنت مصير “مشالي” بـ”الغلابة”
الدكتور محمد مشالي كشف بنفسه عن سر ارتباطه بالفقراء، وحدد 3 شخصيات قال إنها رهنت مصيره بـ”الغلابة”.
كان والده هو الشخص الأول، حيث أوصاه وهو على فراش الموت بألا يتخلى عن الفقراء، وألا يرفع قيمة ما يتقاضاه عن إجراء الكشف الطبي عليه، وهو ما نفذه طبيب الغلابة، حتى أنه كان يجري الكشف مجانا، ويتكفل بقيمة التحاليل والأشعة الطبية والدواء أيضا لمن يعجز عن تدبير المال اللازم لذلك.

أما الشخص الثاني فكان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، الذي قال “طبيب الغلابة” إن والده زرع بنفسه حب هذا الأديب الذي كان فاقدا للبصر، فكان عاشقا لكل كتاباته.
ويشير الدكتور محمد مشالي إلى أنه تأثر كثيرا بكل ما كتبه طه حسين، حتى باعت يعتبره أباه الروحي، خاصة ما كتبه في روايته “المعذبون في الأرض”: “أوصيكم خيرا بالفقراء، خاصة المرضى الفقراء”، فاعتبرها مشالي وصية نافذة.
أما الشخص الثالث فكان طفلا مصريا في قرية تابعة لمحافظة بورسعيد المطلة على قناة السويس.
وروى الدكتور مشالي “طبيب الغلابة” هذه القصة فقال إن طفلا صغير السن كان مريضا بالسكر، وطلب من والدته أن تشتري له حقنة الأنسولين لأنه يشعر بالإعياء الشديد، لكن والدته الفقيرة قالت له في تأثر: “لو اشتريت لك الحقنة سوف يموت أشقاؤك جوعا”. وبعد لحظات صعد الطفل إلى سطح منزله وأشعل النار في نفسه.
ويقول طبيب الغلابة إنه كان حينها يخدم بوحدة صحية هناك، وسارع إلى الطفل محاولا إنقاذه، وأدركه قبل الوفاة فعلا وهو محاط ببطانية لإطفاء النيران بجسد، ففوجئ بالطفل يقول وهو يحتضر: “لقد مت يا أمي كي يعيش إخوتي”. ثم لفظ أنفاسه الأخيرة.
وكانت لهذه القصة وقع مزلزل بنفس الدكتور محمد مشالي، ومنذ ذلك الحين واصل خدمته للفقراء على هذا النحو طوال 50 عاما، حتى استحق عن جدارة لقب “طبيب الغلابة”.
العين الإخبارية