الخليج الجديد :
آثار المماليك في مصر تحت رحمة البلدوزر
بات من المعتاد في مصر مشاهدة لودرات عملاقة لإزالة التعديات ومخالفات البناء، لكن الأمر طال مناطق أثرية، ومواقع تاريخية، بدعوى التطوير.
وتعد منطقة “جبانة المماليك” في العاصمة المصرية القاهرة، المعروفة بمقابر المماليك أو القرافة، أحدث ضحايا عمليات التطوير التي تجريها الحكومة المصرية، لإنشاء “محور الفردوس”.
وتحتل مقابر المماليك، موقعا متميزا وسط العاصمة، وكانت تسمى قديما بـ”صحراء العباسية”، إذ وقع اختيار المماليك عليها لتكون مضمارا لسباقات الخيل.
وفي النصف الأول من القرن الثامن الهجري بدأ ملوك مصر وأمراؤها بإنشاء المساجد والخوانق بهذه المنطقة وألحقوا بها مدافن لهم.
وتضم المنطقة، مقابر تاريخية وآثار إسلامية تعود لنحو 5 قرون، فضلا عن كونها ضمن حدود القاهرة التاريخية والتي سجلت بـ”اليونسكو” العام 1997.
نفي رسمي
وإزاء الجدل الصاخب بشأن تواصل عمليات الهدم، نفى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر (حكومي) “مصطفى وزيري”، هدم أي مقابر أثرية تخص جبانة المماليك.
وقال “وزيري” في تصريحات متلفزة، إن عملية الإزالة الجارية الآن ليست من ضمنها مبان أثرية ولا يستطيع أحد هدمها.
لكن أحد الناشطين، رد عليه عبر “تويتر” مرفقا عدة صور لعملية الهدم، قائلا بشكل ساخر: “كل ده مش تراث؟ احتمال البيروقراطية أساسا مش شايفة شغلها بشكل مهني إن كل ده راح عليها؟ ده مش تاريخ؟ دي مش عهدة؟ ده مش وطن؟ دول مش مصريين؟”.
كل ده مش تراث؟ احتمال البيروقراطية اساسا مش شايفة شغلها بشكل مهني ان كل ده راح عليها؟ ده مش تاريخ؟ دي مش عهدة؟ ده مش وطن؟ دول مش مصريين؟
Apparently in Egypt, because it is 7000 years old, this is not heritage. It is not even protected private property. photos by Youssof Osama pic.twitter.com/E62hPRVzJr
— Cairobserver (@Cairobserver) July 20, 2020
وتواصل النفي المصري على لسان رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، الدكتور “أسامة طلعت”، زاعما أن الأحواش التي تتم إزالتها الآن ليست مسجلة في عداد الآثار الإسلامية والقبطية، وهي ملكية خاصة لأصحابها.
وردت مغردة مصرية تدعى “رحاب” عبر “تويتر”، قائلة: “كل ما حد يتكلم معايا في اللي بيحصل في صحراء المماليك (مقابر الغفير) بفضل ساكتة ومش برد… مابقاش عندي حتى الطاقة اني ابدي اعتراضي أو امتعاضي أو تأففي أو غضبي.. طاقتي كافية يا دوب للحزن والحسرة المتمثلة فإني أطلع صوري في المنطقة الساحرة دي على مدار السنين.. وأبكي في صمت!”.
كل ما حد يتكلم معايا في اللي بيحصل في صحراء المماليك (مقابر الغفير) بفضل ساكتة ومش برد… مابقاش عندي حتى الطاقة اني ابدي اعتراضي أو امتعاضي أو تأففي أو غضبي.. طاقتي كافية يا دوب للحزن والدينايل والحسرة المتمثلة فإني أطلع صوري في المنطقة الساحرة دي على مدار السنين.. وأبكي في صمت!
— Rehab Ragaee (Rou) (@rehabragaee) July 20, 2020
مخاوف وتساؤلات
ويخشى علماء الآثار أن تطاول عمليات الهدم “قبة قنصوه” التي يعود تاريخها إلى أكثر من 900 عام، بالتزامن مع هدم حوالي 100 مدفن، بينها مدافن تعود لشخصيات معروفة في التاريخ المصري.
ولذلك تساءل “هاني راجي”، قائلا: ”هل يمكن أن يخرج علينا مسؤولو الآثار ومحافظة القاهرة بتفسير للصور والأخبار المتداولة عن تحطيم قبور ومبانٍ أثرية نواحي الفسطاط لإنشاء طريق أو كوبري؟ ما التصريح الرسمي؟ لنفهم؟”.
هل يمكن ان يخرج علينا مسؤولي الاثار ومحافظة القاهرة بتفسير للصور والاخبار المتداولة عن تحطيم قبور ومباني اثرية نواحي الفسطاط لانشاء طريق او كوبري؟ ما التصريح الرسمي ؟ لنفهم؟
— Hany Ragy (@Hragy) July 20, 2020
وتعد منطقة المقابر تراثا عالميا طبقا لمنظمة اليونسكو، ومسجلة منطقة حماية طبقا للقانون رقم 119 لسنة 2008، إضافة إلى العديد من المقابر والأحواش خاصة المرتبطة بشخصيات تاريخية.
وتقول رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث في الجهاز القومي للتنسيق الحضاري “سهير زكي حواس”، إن “القاهرة التاريخية المسجلة ذات قيمة تراثية عالمية في عام 1979 من قبل منظمة اليونسكو، ومسجلة منطقة ذات قيمة تاريخية طبقا للقانون المصري 119 لسنة 2008، ومعتمدة من المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية في يوليو/تموز 2009”.
اقرأ أيضاًهدم مقابر المماليك في مصر يثير انتقادات
الألف مئذنة
وتجمع القاهرة التاريخية العديد من الأمثلة المعمارية الفريدة من عصور الأمويين والطولونيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، ولذلك تعرف باسم “مدينة الألف مئذنة”.
لكن الجديد وفق الكاتب الصحفي “يحيى وجدي”، أننا “أمام سلطة ترى القاهرة على اتساعها محفظة أراضٍ، من مناطق الأحياء (ماسبيرو ومجرى العيون) حتى مدينة الموتى التاريخية، فلا شيء بإمكانه الوقوف أمام البلدوزر، مهما كانت قيمته”.
وتضم القاهرة التاريخية عدة مواقع فريدة، أهمها الفسطاط، مصر العتيقة، والمنطقة الوسطى التي تشمل القطائع، والمدينة الملكية الطولونية، ومنطقة القلعة، والدرب الأحمر، والنواة الفاطمية، وميناء بولاق، وجامع الجيوشي.
ويلفت الناشط “عمرو أبو طويلة” الانتباه إلى أنه “في يوم من الأيام، لو اتكتب لنا عمر، هيكون في نقاش حول هدم محور الفردوس ولا الحفاظ عليه، وهدافع ساعتها عن الحفاظ عليه زي ما الألمان حافظوا على المحارق، وهقترح تحويله لحديقة معلقة للمشاة نقدر نشرح من عليها تاريخ المنطقة، وإنه كان فيه نظام جاهل قرر يبنى كوبرى عربيات مكان التاريخ ده كله!”.
فيوم م الأيام، لو اتكتبلنا عمر، هيكون في نقاش حولين هد محور الفردوس ولا الحفاظ عليه،، وهدافع ساعتها عن الحافظ عليه زي ما الألمان حافظوا على المحارق،، وهقطرح تحويله لحديقة معلقة للمشاه نقدر نشرح من عليها تاريخ المنطقة وإن كان في نظام جاهل قرر يبنى كوبرى عربيات مكان التاريخ ده كله!
— Amr Abotawila (@amr_abotawila) July 20, 2020
وتحت ضغط الانتقادات الواسعة على مواقع التواصل في مصر، أعلنت السلطات تشكيل لجنة علمية فنية لمعاينة الشواهد والأحجار التي تشتمل على نقوش زخرفية أو كتابية ليتم دراستها وبحث إمكانية عرض جزء منها في بعض المتاحف كجزء من تراث مصر المتميز.
ويتراوح عمر المنطقة بين 600 – 700 عام، وهى منطقة نادرة من حيث احتواءها على هذا الكم الهائل من الآثار الإسلامية، وتحتضن مجموعة من المساجد الأثرية النادرة أشهرها “قايتباى، برسباي، المسجد الكبير، مسجد قرقماس، مسجد ابن برقوق، مسجد وقبة الإمام الشافعي”.
وتأتي عمليات الهدم المستمرة، بعد قيام الدولة بترميم المعابد اليهودية في مصر، بالإضافة إلى إعطاء تراخيص بناء كنائس جديدة، بينما يتم هدم آثار إسلامية لا تقدر قيمتها بثمن، بدعوى بناء كوبري أو شق طريق جديد، دون رحمة من “البلدوزر”.