عربي بوست :
يعود الفضل في اختراع الأرقام إلى شعوب منطقة بلاد الرافدين الذين وضعوا قواعدها الأولى قبل الميلاد بنحو 3400 عام، إلا أن الفراعنة جاؤوا بعدهم بنحو 300 عام، ليطوروا طريقة العد إلى شيء شبيه بما نستخدمه اليوم.
ومنذ ذلك الحين، أضاف علماء الحساب كثيراً من القواعد الرياضية التي طورت علم الأرقام بما يتناسب مع حاجة الإنسان.
لا بد أنك سمعت يوماً أننا كعرب نستخدم الأرقام الهندية، وأن أرقامنا العربية الحقيقية هي تلك التي يستخدمها الآخرون في الغرب.
فكيف حدث ذلك؟ لماذا تخلينا عن أرقامنا واستبدلناها بأرقامٍ هندية؟ وكيف ذهبت أرقامنا إلى الغير؟
البداية: العرب بلا أرقام!
كان العرب في قديم الزمان يستخدمون الحروف للدلالة على الأرقام كتابةً، أي إنهم كانوا يكتبون الأرقام بالأحرف دون وجود أعدادٍ تعبر عنها.
استمر الوضع على ما هو عليه إلى أن جاء عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور، وتم فيه استخدام الأرقام الهندية عوضاً عن الاكتفاء بكتابة الأرقام بالأحرف، ولم يكن الصفر قد اختُرِع في ذلك الوقت بعد.
في عام 771، وفد إلى بلاط الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور فلكي هندي، ومعه كتاب مشهور في الفلك والرياضيات هو “سدهانتا” لمؤلفه براهما جوبتا، الذي وضعه سنة 628 واستخدم فيه الأرقام التسعة: ١ ٢ ٣ ٤ ٥ ٦ ٧ ٨ ٩ قبل أن يضيف العرب بعد ذلك الصفر.
أعجب المنصور بطريقة الهنود في التعبير عن الأرقام، وأمر بترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، وبأن يؤلف كتاب على نهجه يشرح للعرب سير الكواكب، وعهد بهذا العمل إلى الفلكي محمد بن إبراهيم الفزاري، الذي ألَّف على نهجه كتاباً سماه “السند هند الكبير” ولفظة “سند هند” تعني باللغة الهندية (السنسكريتية) “الخلود”.
وقد أخذ العرب بهذا الكتاب حتى عصر الخليفة المأمون. وفي عام 813 استخدم الخوارزمي الأرقام الهندية في الأزياج (كتب الفلك)، ثم نشر في عام 825 رسالة تُعرف في اللاتينية باسم Algoritmi de numero Indorum، أي “الخوارزمي عن الأرقام الهندية”.
وما لبث لفظ “ألغوذثم” أن أصبح معناه بأوروبا في العصور الوسطى الطريقة الحسابية التي تقوم على النظام العشري. ومن هذا الكتاب عرف المسلمون حساب الهنود، فأخذوا عنه نظام الترقيم.
وكانت لدى الهنود أشكال متعددة للأرقام، اختار العرب مجموعة منها وهذبوها وكوَّنوا منها مجموعةً من الأرقام نسميها اليوم باسم الأرقام الهندية، واستعملها العرب بالمشرق العربي، خاصة في العاصمة بغداد.
تطورت أرقام الخوارزمي قليلاً، وما لبثت أن انتشرت في مختلف المناطق العباسية كالشام ومصر والجزيرة العربية.
الخوارزمي يضع “الأرقام الغبارية”
وقام الخوارزمي باختراع مجموعة أخرى من الأرقام تُعرف اليوم باسم “الأرقام العربية”، لكنها لم تحظَ بانتشار واسع في المشرق العربي، لكنها لاقت استحسان العرب في الأندلس والمغرب العربي، ومن هناك انتشرت إلى أوروبا، ثم انتشرت في أنحاء العالم كله على الشكل التالي: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9.
وتعرف “الأرقام العربية” كذلك بـ”الأرقام الغُبَارِيَة”. وسميت هذه الأرقام الغبارية، لأنها كانت تُكتب في بادئ الأمر بالإصبع أو بقلم من البوص على لوحٍ أو منضدةٍ مغطاة بطبقة رقيقة من التراب. وقد قام الخوارزمي بتصميم تلك الأرقام على أساس عدد الزوايا (الحادة أو القائمة) التي يضمها كل رقم. فالرقم واحد يتضمن زاوية واحدة، ورقم اثنين يتضمن زاويتين، والرقم ثلاثة يتضمن ثلاث زوايا، إلخ.
وقد ذكر الخوارزمي في مقدمة كتابه “الجبر والمقابلة”، أنه قصد من تأليف الأرقام العربية تقديم أشكال ورموز معينة لاستخدامها بين الناس بدل استخدام الحروف في مسائل الميراث والوصايا والتجارة وغيرها.
من أوجد الصفر؟
أضاف العلماء المسلمون الرقم صفر الذي كان شكله دائرة ليست فيها أي زاوية (عدد الزوايا صفر). ويُعتقد أن الخوارزمي هو من ابتكر الصفر وجعل منه قيمة عددية رياضية.
ومن الجدير بالذكر أن الصفر كان موجوداً في الأرقام الهندية إلا أنه لم يكن يعني شيئاً، إلى أن قام الخوارزمي بإعطائه قيمة، حيث جعله عدداً مضاعفاً للعشرة، فحقق بذلك منازل العشرات والمئات والألوف.. إلخ، وسهّل بذلك عملية الضرب والجمع والقسمة.
والصفر في العربية عند الخوارزمي رقم يوضع على يمين العدد فقط ولا قيمة له على يساره.
كما يُعتبر الخوارزمي أول من أسس الجبر الذي يقوم على المعادلات الرياضية التي تُساوى بالصفر، وأطلق الخوارزمي اسم الصفر عليه، كما تمت كتابته على شكل بيضاوي، واعتباره أصغر الأرقام الموجودة حينها، وبعد الفتح الإسلامي للأندلس وصل الصفر إلى أوروبا؛ وهو الأمر الذي أدى إلى انتشار مؤلفات الخوارزمي المترجمة في إنجلترا.
كيف انتقلت الأرقام العربية إلى أوروبا؟
درس البابا سلفستر الثاني بجامعة القرويين في مدينة فاس بالمغرب، وهو البابا الوحيد الذي تعلم العربية وأتقن العلوم عند العرب. وقد زار واطلع على معارف عديد من المناطق بدول العالم العربي والإسلامي القديم في جامعة القرويين بمدينة فاس المغربية، وإليه يرجع الفضل في إدخال المعارف العربية مثل الحساب، الرياضيات، والفلك إلى أوروبا.
وقد تعرف البابا من خلال دراسته على الرقم العربي، ومن ثم أدخل الأرقام العربية إلى أوروبا، فمن أجل ذلك يطلق عليه أحياناً بابا الأرقام، وكانت أوروبا حينها تستعمل الأرقام الرومانية/اللاتينية التي لا تساعد على إنجاز أبسط العمليات الحسابية. فكانت الأرقام العربية بديلاً مناسباً وسهلاً. كما كان سبب انتشار الأرقام العربية في أوروبا هو جمال وبساطة شكل الرموز العربية ووضوح واجهتها.
وقد وجد سلفستر الثاني صعوبة في إدخال الأرقام العربية إلى أوروبا، اعتقاداً منهم بتفوق الثقافة الرومانية واليونانية على كل الثقافات، لم يكونوا مستعدين لتقبُّل أهمية الصفر ولا الأرقام العربية؛ فقد كانوا يعتبرون كل الحضارات الأخرى متخلفة، لذلك قام سلفستر الثاني باختراع لوح أباكوس جديد واستخدم فيه الأرقام العربية.
كما تعرف الرياضياتي الإيطالي ليوناردو فيبوناتشي على الأرقام في مدينة بجاية بتونس، و قد كان لأعماله أثر كبير في نقل الأرقام إلى أوروبا، ومنها انتشرت إلى بقية العالم عبر التجارة والكتب والاستعمار الأوروبي.
بعض الدول العربية تبنَّت الأرقام وأخرى تخلت عنها
مما سبق نستطيع القول إن الأرقام المستخدمة في معظم أنحاء العالم اليوم هي “الأرقام العربية”.
تعد “الأرقام الغبارية” جزءاً لا يتجزأ من تاريخ اللغة العربية، وهي موجودة وبوضوح في الوثائق والمخطوطات الإسلامية العائدة إلى العصور الإسلامية القديمة. وتلك نقطة تم إثباتها منذ سنوات طويلة مضت، من قِبل الفرع الإقليمي العربي للوثائق (عرابيكا). وخرجت توصيات إلى كافة الدول العربية بضرورة العودة مجدداً إلى استخدام أرقامنا العربية.
المغرب العربي كانت له المبادرة في استخدام الأرقام العربية الأصلية، وهي حاضرةٌ الآن في كل مؤسساتهم وصحفهم. الأردن أيضاً يدرس قراراً بتبني الأرقام العربية.
أما الكويت فيبقى قرارها متذبذباً بعض الشيء، فقد قامت بعض مؤسسات الدولة بتبني الأرقام العربية، إلا أن العديد غيرها لا يزال يستخدم الأرقام الهندية.