{وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا – الإسراء 58 }
DW :
أحيا البوسنيون الذكرى الخامسة والعشرين لمذبحة سريبرينتشا التي راح ضحيتها أكثر من 8000 رجل وصبي مسلم، والتي صدمت العالم باعتبارها جريمة الإبادة الجماعية الوحيدة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
أحيا مسلمو البوسنة، السبت (11 يوليو/تموز 2020)، ذكرى الإبادة التي شهدتها مدينة سريبرينيتسا قبل 25 عاما، وكانت أسوأ مجزرة تقع على أرض أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية. وبسبب إجراءات الحد من انتشار الوباء، انتظر المنظمون حضورا أقل مما يجري عادة في هذه المناسبة التي يشارك فيها كل سنة عشرات الآلاف من الأشخاص.
ووقفت العائلات المكلومة أمام نعوش ملفوفة باللون الأخضر لتسع ضحايا تم التعرف على رفاتهم حديثا وسيتم دفنها في مقبرة بالقرب من البلدة، حيث تشير شواهد القبور البيضاء الطويلة إلى مقابر 6643 ضحية أخرى. ولا يزال نحو 1000 من ضحايا المذبحة في عداد المفقودين بهذه البلدة التي شهدت واحدة من أفظع أحداث حرب البوسنة التي دارت رحاها بين عامي 1992 و1995.
وقالت سهاد حسانوفيتش (27 عاما) التي لم تمنعها إجراءات الحجر من القدوم إلى المركز برفقة نحو ثلاثة آلاف آخرين من أقارب الضحايا، باكية: ”لدي ابنة في السنة الثانية من العمر، وهو سني عندما وقعت المجزرة. إنه أمر صعب أن تسمع شخصا ينادي والده وأنت ليس لديك أب”. وأوضحت أن والدها سيمسو ”ذهب إلى الغابة ولم يعد. لم يعثر سوى على بضع عظام له”. ومثل شقيقه شفيق ووالده سيفكو، قُتل سيمسو عندما دخلت قوات صرب البوسنة بقيادة راتكو ملاديتش إلى جيب سريبرينيتسا وقتلت فيه الرجال والفتية.
أما إيفيتا حسانوفيتش (48 عاما) فقالت ”أزواج أخواتي الأربع قتلوا. شقيقي قتل وابنه أيضا. حماتي فقدت ابنا آخر وكذلك زوجها”. ودفن زوجها مع ثمانية آخرين تم التعرف على رفاتهم منذ تموز/يوليو 2019 في مقبرة مركز نصب الإبادة في قرية بوتوتشاري القريبة من سريبرينيتسا وكانت تضم خلال الحرب في البوسنة (1992-1995) قاعدة قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة.
وكانت قوات صرب البوسنة سيطرت على سريبرينيتسا التي أعلنتها الأمم المتحدة ”منطقة آمنة” في 11 تموز/يوليو 1995 قبل خمسة أشهر من انتهاء الحرب، وقامت خلال أيام بقتل أكثر من ثمانية آلاف رجل وفتى من مسلمي البوسنة.
وحكم القضاء الدولي على القائدين السياسي والعسكري لصرب البوسنة حينذاك، رادوفان كراجيتش وراتكو ملاديتش، بالسجن مدى الحياة، خصوصا لمجزرة سريبرينيتسا وحصار ساراييفو.
وحتى اليوم عثر على رفات نحو 6900 من ضحايا المجزرة في أكثر من ثمانين مقبرة جماعية وتم التعرف على هوياتهم. ويرقد معظمهم في مركز النصب.
واقع سياسي يصعب التعامل مع الماضي
ومجزرة سريبرينيتسا هي الفصل الوحيد في النزاع البوسني الذي اعتبره القضاء الدولي إبادة. لكن القادة السياسيين لصرب البوسنة يقللون من خطورته. ويرفض العضو الصربي في الرئاسة الجماعية للبوسنة ميلوراد دوديك صفة ”الإبادة” ويتحدث عن ”أسطورة”.
وقال العضو البوسني المسلم في الرئاسة البوسنية، شفيق جعفروفيتش: “نصرّ بلا تهاون على الحقيقة، على العدالة وعلى ضرورة محاكمة كل الذين ارتكبوا هذه الجريمة”. وأضاف جعفروفيتش خلال حضوره صلاة جماعية في مركز النصب التذكاري: ”سنكافح كل الذين ينكرون الإبادة ويمجدون مرتكبيها”.
من جهته، قال بكر عزت بيغوفيتش، رئيس حزب العمل الديموقراطي ونجل الزعيم البوسني إبان النزاع علي عزت بيغوفيتش، إن ”الأسرة الدولية لم تدافع عن سريبرينيتسا قبل 25 عاما، لكن يمكنها الدفاع عن الحقيقة التي تتعرض للتشكيك”.
وقال المفتي العام في البوسنة حسين كافازوفيتش إنه ”رغم كل ما جرى، عادت الحياة إلى سريبرينيتسا (…) الماضي الذي كان صعبا يمكن أن يكون فرصة للتعارف بشكل أفضل وبناء مستقبل أحسن إن قبلنا أن تكون الحقيقة المبدأ الموجِّه لنا”. أما رئيس بلدية سريبرينيتسا الصربي ملادن غريسيتش فقال ”هناك كل يوم أدلة جديدة تنفي العرض الحالي لما حدث” في المدينة.
ونظرا لصعوبة استقبال حشود كبيرة في النصب في يوم واحد، دعا المنظمون الناس إلى زيارة المركز طوال تموز/يوليو. وتنظم أيضا معارض عدة وخصوصا واحدا لأعمال الرسام البوسني، سافيت زيك، التي كرسها للمجزرة. وهناك معرض آخر عنوانه ”لماذا لست هنا؟” للفنانة الأميركية البوسنية الأصل عايدة سيهوفيتس ويضم ثمانية آلاف فنجان قهوة وهو عدد ضحايا المجزرة، وُضعت على المرج الأخضر أمام المركز. وقالت الفنانة لوكالة فرانس برس ”حتى الآن لم نجب على السؤال: لماذا ليسوا هنا؟”. وأضافت ”كيف حدث ذلك في قلب أوروبا، في منطقة تحميها الأمم المتحدة، أن يقتل ناس بهذه الطريقة الرهيبة؟ هذا إذا لم نتحدث عن الإبادة التي ما زال يتم إنكارها”.
ف.ي/ع.ش (رويترز، ا.ف.ب)