RT :
ومنذ أن بدأت تركيا بخفض كميات المياه القادمة إلى سوريا منذ نحو شهرين، بدأت تنطلق تحذيرات من أزمة في توافر مياه الشرب، ومن التأثير على الطاقة الكهربائية، وعلى القطاع الزراعي، والتسبب بالجفاف، إلا أن تلك التحذيرات بقيت ضمن نطاق محدود.
ومؤخرا، قامت تركيا “بإغلاق بوابات عبور مياه الفرات إلى سوريا، ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه إلى حد كبير، الأمر الذي سينعكس سلبا على توليد الكهرباء من سد الفرات وتضرر القطاع الزراعي”، كما ذكرت وزارة الإعلام السورية منذ أيام.
قبل ذلك، كانت تحذيرات من “كارثة بيئية” أطلقتها إدارة سد تشرين (ثاني أكبر السدود على نهر الفرات في سوريا)، التي قالت، في بيان، إن الجانب التركي خفض الوارد المائي إلى “أقل من ربع الكمية المتفق عليها” وذلك تزامنا مع وصول استهلاك الري إلى الذروة، وأضافت أن ذلك سيترك آثارا سلبية كبيرة على البيئة إذ “سينعكس مباشرة على الثروة البيئية والمنتجات الزراعية وبالتالي سيؤثر بشكل مباشر على اقتصاد المجتمع والأمن الغذائي العام للمواطن”.
وأضافت إدارة السد (التي تتبع للإدارة الذاتية في الشمال السوري) أن مناسيب بحيرات السدود تراجعت بنسب كبيرة (بلغ منسوب بحيرة تشرين 322.42 متر مطلق عن سطح البحر، بتاريخ 23/6/2020، وبلغ منسوب بحيرة الفرات 301.29 متر في نفس التاريخ)، وهو منسوب منخفض جدا في مثل هذه الفترة من العام).
وكانت أولى نتائج ذلك كما أعلنت الإدارة “تقليص ساعات توليد الطاقة الكهربائية من محطتي الفرات وتشرين بنسبة 33% بدء من بداية الأسبوع الماضي، لتولد السدود الطاقة الكهربائية 12 ساعة فقط، بعدما كانت 18 ساعة يومياً توزع على مناطق شمال وشرق سوريا”.
وحسب التقديرات الرسمية في المناطق التي تسيطر عليها “الإدارة الذاتية” فإن نسبة المياه المتدفقة لا تتجاوز 200 متر مكعب في الثانية، “خلافا للاتفاقية السورية التركية للعام 1987، التي تنص على أن تضخ تركيا المياه بمعدل 500 متر مكعب في الثانية، ويحصل العراق على 60% منها”.
حال النهر بعد خفض مياهه من تركيا، التي ينبع من أراضيها، جعل البعض يصفون ما آل إليه بأنه تحول من “نهر عظيم إلى مستنقعات”، بعدما كان يعد شريانا رئيسيا للحياة في سوريا، وخاصة في إقليم الفرات، إضافة إلى الرقة ودير الزور، كما يؤمن مياه الشرب لعاصمة سوريا الاقتصادية حلب.
ووجدت مدينة الحسكة نفسها أمام مخاطر العطش، حين خرجت محطة علوك مجددا من الخدمة، وذلك بعدما أقدمت تركيا على إيقاف ضخ المياه من المحطة (في ريف مدينة رأس العين) وهو ما يعني تهديد نحو مليون شخص بالعطش.
درار: النفط مقابل الماء
يقول الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، رياض درار لـ RT إن “تركيا اليوم في أفضل حالاتها من حيث التحكم في الإقليم والمنطقة، خاصة في سوريا والعراق بسبب الضعف في هاتين الدولتين”.
ويضيف أن لتركيا “مشكلة مع الأكراد في المنطقة وبالتالي فهي تحاول أن تحاصر كل النجاحات التي تتم في شمال وشرق سوريا على الأقل، حيث يوجد مشروع يمكن أن يتطور ليصبح قاعدة لبناء سوريا الجديدة”.
ويرى درار أن تركيا “تتحكم بجزء كبير من الأرض السورية، ترفع عليها أعلامها وتدرس لغتها وأيضا يتم التداول بنقودها، وإن هذا الأمر الجديد، أي أمر المياه هو جزء من محاولة الضغط على المنطقة للمزيد من المكاسب”.
وحول الأضرار التي يسببها استخدام تركيا للمياه كسلاح، يقول درار إنها “كبيرة، سواء في الجفاف الذي يمكن أن يحصل في المنطقة، أو في التهجير الذي يمكن أن يتم بسبب عدم إمكانية العيش بسبب نقص المياه”، ويضيف أن “هناك محاولة لمقايضة النفط بالماء ويمكن لتركيا أن تفعل ذلك وهي تطلبه علانية”.
ويشير درار إلى أن “تركيا الآن تستغل التنافس الروسي الأمريكي وكلاهما يقدم لتركيا أماكن ومناطق نفوذ ومساعدات من أجل كسب تركيا لصالح أحدهما وبالتالي فهي تشعر بالنشوة من حيث إمكانية التحكم في المنطقة فهي تتحكم حاليا بالبشر والشجر وبالمياه، وكثير من السوريين أصبحوا يتبعون لها ويأتمرون بقراراتها”.
ويضيف الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية أنه لا توجد قدرة لدى دمشق – وهو حال بغداد أيضا – على مواجهة تركيا، كما كان يحصل في فترات القوة لهذين البلدين، وضعف كل من دمشق وبغداد “يجعلهما ينتظران مصيرهما كما تقرره الدول الكبرى ودول الإقليم المتحكمة: إيران وتركيا”.
مرعي: سياسة التتريك تطال دجلة والفرات
يقول المحاضر في القانون الدولي بجامعة دمشق، أحمد مرعي، لـ RT إن “الجانب التركي يستخدم عبارة “المياه العابرة للحدود”، بدلا من الأنهر الدولية”، ويضيف أن تركيا “لا تعترف بالفرات ودجلة على أنهما نهرين دوليين أصلا، وإنما تعتبرهما نهرين عابرين للحدود”، وذلك كي يخضعا للسيادة المطلقة للدولة التي ينبع منها، وعليه تفترض أن “من حقها أن تتصرف في كمية المياه التي تمنحها للدولة الحوضية الأخرى، بينما تستخدم هي ما تشاء لسد حاجتها من مياه النهرين حاضرا ومستقبلا” وهو ما يعني “تتريك النهرين”.
ويضيف مرعي، وهو عضو في مجلس الشعب السوري، أن السياسة المائية التركية “تقوم على حق السيادة المطلقة لتركيا على مواردها المائية في “حوض” دجلة والفرات داخل أراضيها، ولذلك تصرفت بشكل مطلق بمياه النهرين، ومن خلال تشييد السدود والمشاريع الإروائية والزراعية، ولا تزال مستمرة بنهج مقارب، من دون “مراعاة” حقوق الدول المتشاطئة معها”.
ويشير مرعي إلى أن ما سبق أن استغلته تركيا من الحرب بين العراق وإيران والأجواء المشحونة بين سوريا والعراق، “تستغله اليوم حيث تخوض سوريا حروبا متعددة وتمر بوضع يجعلها تتفرغ لهذه المعارك”
في مقابل الموقف التركي من المجاري المائية، فإن الموقف السوري يؤكد على أن دجلة والفرات “مجار مائية دولية، وبالتالي تنطبق عليهما مبادئ القانون الدولي من حيث تقاسم المياه”، كما يقول مرعي، ويضيف أن “مبدأ تقسيم مياه دجلة والفرات، هو حق من الحقوق، ويجب أن يتم ذلك من خلال اتفاقيات ثنائية أو ثلاثية” فما يصل حدودها أو حدود العراق من مياه دجلة والفرات “ليس منّة من أحد، بل حق شرعي وفق الأعراف الدولية، ووفق بروتوكول عام 1987 الموقع بين تركيا وسوريا”. ويشير مرعي إلى أن سوريا “مستمرة بحقها في تقاسم المياه وفقا للقانون الدولي، وليس وفقا للنظرة التركية وتعريفها للأنهار”.
حرب المياه
وقد تزايدت الاتهامات مؤخرا لتركيا باستخدام السدود والمياه سلاحا في مشاركتها في الحروب التي تشهدها المنطقة، كما في سوريا والعراق، إضافة إلى ليبيا، وهي تضخ كميات المياه التي تنبع من أراضيها، عبر التحكم بها من خلال عدد من السدود أكبرها في تركيا هو سد أتاتورك على الفرات الذي يعد ثاني أكبر سد في الشرق الأوسط، وأحدثها هو سد إليسو الذي تم افتتاحه في العام 2018، على نهر دجلة وذكرت تقارير إعلامية أن بناء السد أدى إلى انخفاض حصة العراق من مياه النهر بنسبة 60%.
بينما تكفل سد أتاتورك بتراجع حصة السوريين من مياه الفرات إلى مستويات غير مسبوقة وتنذر بالأسوأ إذ تراجعت إلى أقل من ربع الكمية المتفق عليها دوليا.
أسامة يونس