موقع السلطنة سبب تعرضها للأعاصير
أمطار غزيرة تتسبب بسيول جارفة تقطع الطرق وتهدد حياة الناس، مسببة حالة إنذار قصوى للجهات الأمنية والصحية والدفاع المدني؛ هو مشهد يتكرر في سلطنة عُمان، يُجبر السكان على اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتفادي الضرر.
وفي الموسم المحدد الذي تنتظره كل عام، تعيش السلطنة حالياً حالة مدارية تركزت في محافظة ظفار (جنوب)، منذ الجمعة (29 مايو)، وعلى الرغم من الدراية الكبيرة التي امتلكها العُمانيون في التعامل مع هذا النوع من الطقس، وقعت حالات وفاة وإصابة.
مركز التنبؤات ونظام الإنذار المبكر في الهيئة العامة للطيران المدني العُماني، وصف الحالة المدارية بأنها تتسبب بهطول أمطار بكميات من 100 إلى 200 مليمتر، مصحوبة برياح نشطة إلى شديدة السرعة.
وأضاف أن مياه السيول تستمر في الجريان بالأودية ويصل ارتفاع الموج من 4 إلى 5 أمتار.
الحالة المدارية تسببت بوفاة 3 أشخاص، اثنان منهم جرفتهما السيول، وواحد توفي من جراء انهيار مبنى سكني، فضلاً عن عدة مصابين.
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي عدداً كبيراً من الصور ومقاطع الفيديو التي توثق جريان السيول بسرعة كبيرة، تسببت بقطع طرق.
القطاعات الخدمية استنفرت كوادرها لمواجهة التأثيرات السلبية للأمطار والسيول؛ وهو يتوضح من خلال أعمال بلدية ظفار في فتح الطرق، وحماية السكان، في حين تتوضح الجهود الكبيرة التي تبذلها فرق الدفاع المدني من خلال ما نشر إعلامها على موقعها الرسمي.
ما السبب؟
تفيد مواقع الأرصاد والتنبؤات الجوية بأن موقع سلطنة عُمان الجغرافي والفلكي هو السبب وراء تعرضها لحالات مناخية مختلفة.
وفي كل سنة، خاصة في شهري مايو ويونيو، تتغير الأجواء في بحر العرب استعداداً لوصول الرياح الرطبة، وبداية تأثير “المونسون” على شبه القارة الهندية.
و”مونسون” هو في الأصل أخذ من الكلمة العربية “موسم”، وسمي باللاتينية “مونسون”، واستخدمت كلمة “موسم” لأول مرة لوصف الرياح التي تهب على بحر العرب.
وفي بعض السنوات تتكون منخفضات استوائية في بحر العرب، تؤثر أحياناً على سلطنة عُمان أو اليمن أو باكستان، لكن لا تتكرر تلك الأحداث بشكل سنوي بالرغم من تأثيراتها القوية على الدول المتأثرة.
بداية الموسم الرطب على شبه القارة الهندية تهب رياح جنوبية غربية نشطة على بحر العرب، تتحرك من شرق الصومال إلى جنوب غرب الهند.
هذه الرياح تكون محملة برطوبة هائلة وتصطدم بسواحل القارة الهندية وأراضيها، الذي يؤدي إلى تباطؤ في سرعة الرياح ومن ثم ارتفاعها الرأسي وتكونها إلى أمطار وسحب رعدية.
منخفض استوائي
وفق ما يشير موقع “طقس العرب” فمن الممكن أن يتكون منخفض استوائي (دافئ المركز) على وسط وغرب بحر العرب، قبل اقتراب الرياح الجنوبية الغربية من السواحل الهندية.
وبسبب تلاقي الرياح في الطبقات المنخفضة تتشكل منطقة ضغط جوي منخفض، تتطور تدريجياً إلى عاصفة استوائية.
ويبقى بحر العرب أقل نشاطاً مقارنة بالمحيطات الأخرى؛ لصغر مساحته وعدم وجود عوامل مساعدة إلا في فترات معينة من السنة، وتبقى سلطنة عمان واليمن من الدول المعرضة سنوياً لخطر العواصف الاستوائية حتى لو لم تتأثر بشكل سنوي.
سيول مدمرة
وعلى مدى تاريخها تعرضت السلطنة للعديد من الأنواء المناخية المختلفة من حيث مدى قوتها وتأثيرها، وتحفظ الوثائق العُمانية العديد من المعلومات التي تتعلق بحالات مدارية بعضها تسبب بأضرار جسيمة.
وفي تاريخ السلطنة هناك عدد كبير من الأعاصير المدمرة التي عرفها السكان منذ مئات السنين، وتناقلتها الروايات.
ومما توثقه الصحف المحلية حادثة وادي “كلبوه” في زمن الإمام الوارث بن كعب سنة 795 م، التي غرق فيها الإمام بعد محاولته إنقاذ بعض المساجين من أن يجرفهم الوادي الشهير بنزوى، الذي كان قد امتلأ بفعل الأمطار الغزيرة التي هطلت في تلك السنة.
وفي 17 أكتوبر 1119م، هطلت أمطار غزيرة وفيضانات في عُمان، وخصوصاً في سمائل والمناطق المجاورة لها، ودمرت عدداً كبيراً من المناطق وأغرقت الأموال والمنازل.
أما في 11 أبريل سنة 1492م، بحسب ما ذكر الشيخ مداد بن عبد الله بن مداد الناعبي، فهطلت أمطار غزيرة بنزوى دمرت كثيراً من حوائرها ومساجدها وحصونها ومزارعها وغيرها من البنى الأساسية.
وسجل شهر مايو من سنة 1683م هبوب رياح عاتية على بعض مناطق عُمان، مصحوبة بأمطار شديدة؛ مما أدى إلى حدوث خسائر جسيمة في المزروعات واقتلاع أشجار النخيل.
وذكر ابن رزيق في “الفتح المبين” أنه في سنة 1798م نزلت أمطار غزيرة على أغلب مناطق عُمان استمرت ما يقارب من ستين يوماً.
أبرز الأعاصير
اجتاح السلطنة في نهاية الأسبوع الثاني من شهر يونيو 1977 إعصار شديد بلغت سرعته 120 عقدة، وداهم عدداً من ولايات السلطنة.
تسبب الإعصار في أضرار مؤسفة في الأرواح والممتلكات، ففي جزيرة مصيرة تضرر ما يربو على 1400 منزل مبني بالمواد الثابتة، وفقدان أكثر من 3000 شخص للمأوى، وأعلنت حالة الطوارئ في الجزيرة.
أما بالنسبة لولايتي جعلان بني بو علي وبني بو حسن، فأدى الإعصار إلى حدوث سقوط جماعي في النخيل، تسبب في إتلاف عدد من المنازل، والحال نفسه في عدد من المناطق، فضلاً عن إتلاف أعمدة الكهرباء والهاتف.
وجرى بناء 600 مسكن شعبي للمواطنين الذين تضررت منازلهم من جرّاء الإعصار في جزيرة مصيرة، وتعويض المتضررين بمبالغ مالية بلغت مليوناً وربع مليون ريال، وذلك بأمر الراحل السلطان قابوس.
وكان آخر إعصارين ضربا السلطنة هما إعصار “هيكا” أواخر العام الماضي، وإعصار مكونو عام 2018، وقد تسببا بتعطيل العمل وإجلاء آلاف السكان من مناطق عمانية.